ملخص
على رغم أهمية ودور مجلس التعاون في حماية الأمن وترسيخ الاستقرار وتحقيق التنمية المستدامة لشعوب المنطقة، فإن ثمة تحديات تلوح في الأفق وسط متغيرات عالمية تحت وقع الحربين الجاريتين في غزة وأوكرانيا وتداعياتهما العالمية.
يعد مجلس التعاون لدول الخليج العربية أيقونة للقيم والروابط المشتركة الدينية والتاريخية والاجتماعية والثقافية التي يعززها الامتداد الجغرافي لدول المجلس، كما تجسد مسيرته التي تعود لعشرات السنين سجلاً حافلاً من العمل المشترك للتكامل الإقليمي والدولي.
وأول من أمس الأحد احتفل مجلس التعاون بذكرى التأسيس الـ43 في مقره الرئيس بالعاصمة السعودية الرياض بحضور الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز، وعدد من الوزراء والسفراء وممثلي السلك الدبلوماسي، وعدد من المسؤولين.
وعلى رغم أهمية ودور مجلس التعاون في حماية الأمن وترسيخ الاستقرار وتحقيق التنمية المستدامة لشعوب المنطقة، فإن ثمة تحديات تلوح في الأفق وسط متغيرات عالمية تحت وقع الحربين الجاريتين في غزة وأوكرانيا وتداعياتهما العالمية، بما مهد لعدد من المراقبين طرح عدد من التساؤلات عن تأثير دور دول المجلس وسط تطورات دولية متجددة على الدوام؟ وإذا ما كانت التداعيات الأخيرة بالمنطقة العربية فرضت لدى صناع القرار استراتيجيات جديدة تجاهها؟ وماذا عن الواقع والمأمول في آفاق المرحلة السياسية الراهنة؟
تحديات المجلس بعد عقود
وفقاً لنتائج دراسة صادرة عن جامعة لوند السويدية فإن ثمة تحديات كبيرة أمام مجلس التعاون الخليجي خصوصاً في مجال الأمن العسكري التي تحتاج إلى تكاتف ودعم المجتمع الدولي، بينها على سبيل المثال تهديدات الحوثي بالبحر الأحمر التي قدر المجلس خطورتها في وقت مبكر قبل أن تقع إثر حرب غزة بين "حماس" وإسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول).
وأوضحت الدراسة أن من بين التحديات أيضاً توسيع العلاقات المتبادلة والتعاون الدفاعي بين دول المجلس، وأشارت إلى ضرورة تطوير قدرات الدفاع المشترك بما في ذلك إنشاء قوة مشتركة تصل إلى 100 ألف جندي، وفقاً للاقتراح العماني الذي قدم في عام 1996.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل يقول الباحث العماني في الشؤون السياسية محمد العريمي إن قادة دول مجلس التعاون الخليجي يرون في التعاون والتنسيق بينها خياراً حيوياً لتعزيز قدراتها الاقتصادية وتعزيز مستوى حمايتها من أي تهديدات تشكلها بعض دول الجوار، وأشار إلى أن هذا التعاون يأتي في ظل تفاوت الإمكانات الاقتصادية بين الدول الأعضاء في المجلس خلال السنوات الأولى من تأسيسه.
وأشار الباحث إلى أنه قبل تأسيس المجلس كانت هناك مبادرات سابقة للتعاون بين الدول الأعضاء مثل طيران الخليج وجامعة الخليج العربي وكأس الخليج التي تعثرت، وأرجع السبب وراء ذلك إلى ما وصفه بـ"سياسة السرعتين" وتأثيرها في استقرار الاقتصادات الوطنية التي تهدف إلى تحقيق توازن متدرج يأخذ في الاعتبار قدرات الدول الأعضاء وظروفها التنموية المتفاوتة.
وبالعودة لدراسة جامعة لوند السويدية، إذ أكدت أهمية تواصل دول مجلس التعاون الخليجي على رغم أن الأنشطة التي تقوم بها الدول الأعضاء على نحو فردي تعتبر المتنفس الحيوي والتطور الفعال من خلال تفاعل الدول الأعضاء.
تحولات جيوسياسية متسارعة
في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط، ركزت دراسة أعدها مجموعة باحثين عام 2012 تدور في فلك دور الاتحاد الخليجي في بناء محور إقليمي قوي جاءت تحت عنوان "سياسة المحاور الجيوبولتيكية والاتحاد الخليجي في القرن الـ21"، وخلصت إلى أن الاتحاد الخليجي هو اللبنة الأساسية لبناء محور جيوبولتيكي قوي.
وأشارت الدراسة إلى أن فكرة الاتحاد الخليجي تمثل أعلى مستويات التعاون بين دول المنطقة، إذ ستؤدي إلى توحيد جهود الأعضاء وتحويلها إلى قوة اقتصادية واجتماعية وسياسية وعسكرية متضامنة ومتعاونة.
تكامل إقليمي
وعن آفاق مبادرات مجلس التعاون الخليجي لتحقيق مزيد من التكامل الإقليمي أو الاستثمار في المبادرات السابقة مثل مجالات الإنسان والبيئة والتعاون الأمني والثقافي والإعلامي، يرى المتخصص في الشؤون السياسية عزام الشدادي أن المجلس هو تكتل إقليمي يعتمد على قرارات الدول الأعضاء وتوافقها، لذا فاستثمار المبادرات السابقة يتوقف على رغبة هذه الدول وقدرتها على تحقيق التوافق.
وأشار الشدادي أن المجلس نجح في تنفيذ عدد من المبادرات المهمة، مثل تطوير البنية التحتية وتعزيز التعاون الأمني وتحريك عملية التكامل الاقتصادي، ولكن هناك تحديات سياسية واقتصادية تعوق الاستفادة الكاملة من هذه المبادرات.
وأوضح أن هذه التحديات طبيعية وموجودة في تكتلات أخرى مثل الاتحاد الأوروبي، وأشاد بخطوات المجلس الأخيرة نحو تعزيز الأمن الإقليمي، معتبراً ذلك مؤشراً على تطوره واستعداده لمواجهة التحديات المتغيرة دولياً.
مسار الوحدة الخليجية إلى أين؟
دراسة أخرى سلطت الضوء على أبرز العقبات التي تواجه مسعى دول مجلس التعاون الخليجي إلى تحقيق بعد أعمق من الوحدة في ما بينها، وركزت على أن مسألة السيادة الوطنية للدول الخليجية تشكل أحد أبرز التحديات الرئيسة في هذا الصدد، ففي ضوء تجارب التعاون السابقة تبين أن هذه الدول تبدي حساسية بالغة تجاه أية محاولات للمساس أو الاقتراب من سيادتها الوطنية، مما قد يؤدي إلى بطء أي جهود تكاملية في ما بينها.
وأشار الشدادي إلى أن "مجلس التعاون الخليجي يختلف كلياً عن تجربة مجلس الاستقلال العربي، فبينما كان هدف الأخير التحرر من الاستعمار، يهدف الأول إلى تحقيق التنمية والازدهار لشعوب دول الخليج وحماية مصالحها وبخلاف مجلس الاستقلال العربي يتمتع مجلس التعاون الخليجي بإرادة مستقلة وديناميكية دولية من خلال علاقاته الواسعة مع التكتلات العالمية"، وتابع "أن قوة اقتصاديات دول الخليج مكنت المجلس من الاستقلالية التامة في اتخاذ القرارات".
وأردف الباحث في الشؤون السياسية أن "مجلس التعاون الخليجي يملك القدرة على التأثير لتحقيق أهدافه بفضل السلطة والموارد التي يتمتع بها، فهو يضم قوات عسكرية مدربة وينفذ مناورات عسكرية مع القوى العالمية الكبرى، وهو ما لم يكن متاحاً لمجلس الاستقلال العربي".
التكامل الخليجي
ينشد التكامل الخليجي تفعيل الاتحاد الجمركي وتوحيد العملة الخليجية وإنشاء قوات عسكرية مشتركة لمواجهة التهديدات الخارجية، وفق ما ذكر المحلل السياسي الكويتي عايد المناع الذي يؤكد أهمية تعزيز الترابط البري والبحري بين دول المجلس، بما يدعم التكامل والتفاعل الاقتصادي والاجتماعي، وأشار إلى ضرورة تعزيز المصالح الاقتصادية المشتركة بين جميع دول المجلس، بما يدفع باتجاه تحقيق التكامل الاقتصادي الشامل.
التحولات الجيوسياسية والاقتصادية السريعة في العالم ومن بينه منطقة الخليج العربي تفرض توسعة التعاون بين دول الخليج العربي، وهو ما يدركه قادة دول المنطقة ويسعون بجهد حثيث إلى تطويره في ما بينهم عبر تزايد اتفاقات التعاون والدفاع المشترك، فيما لا يزال المراقبون يأملون في خطوات واسعة تتواكب مع المتغيرات الدولية المتسارعة.