Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مازن معروف يروي المأساة في لعبة الفانتازيا الخارقة

بحثا عن فن النوفيلا ومعاييره في الأدب العالمي والعربي

لوحة للرسام حمودة شنتوت (صفحة الرسام  - فيسبوك)

ملخص

أجمع النقاد أن نوع النوفيلا فن سردي يتميز بأنه أقصر من الرواية وأطول من القصة القصيرة، أي إنه رواية قصيرة أو قصة طويلة. ويبدو أن كلمة نوفيلا المتعارف عليها بالإنجليزية والفرنسية والعربية معاً إنما هي مأخوذة عن الإيطالية، مهد هذا الفن ومنبثقه الأول. وكلمة نوفيلا بالإيطالية تعني القصة القصيرة الجديدة الحقيقية أو المرتبطة بالواقع، لكن هذا التفسير الاصطلاحي لا يعني بتاتاً أن أحداث النوفيلا هي واقعية حقيقية حصراً، فقد طالما أدخل كتاب النوفيلا عنصر الخيال في سردهم ومنهم من أدخل الفانتازيا حتى أو الواقعية السحرية.

النوفيلا هي نص سردي نشأ أولاً في إيطاليا زمن النهضة الإيطالية (Renaissance)، أي في القرن الـ14 مع جيوفاني بوكاتشو (1313-1375) الذي كان شاعراً وكاتباً مؤثراً في النهضة، ثم انتقلت النوفيلا إلى فرنسا مع مارغريت دو نافار (1492-1549) شقيقة ملك فرنسا فرنسوا الأول وزوجة الملك هنري الثاني ملك نافار، والتي تعد كاتبة معاصرة ومجددة في زمنها وجدة ملوك آل بوربون عبر حفيدها هنري الرابع أول ملوك فرنسا من آل بوربون.

أدباء عالميون كثر تأثروا بفن النوفيلا ووضعوا فيه نصوصاً، مثل شكسبير والإسباني ثيربانتس، ولاحقاً في القرن الـ19 هنري جيمس. وظهرت النوفيلا مع مؤلفين عالميين من مختلف الجنسيات ذاعت نصوصهم وانتشرت وتمت ترجمتها إلى العربية، نذكر من هذه الروايات القصيرة: نوفيلا فولتير بعنوان "كانديد" (1759)، ونوفيلا شارلز ديكنز "ترنيمة عيد الميلاد" (1843)، ونوفيلا فرانز كافكا "التحول" (1915)، ونوفيلا جون ستاينبرغ "فئران ورجال" (1937)، ونوفيلا ستيفان زفايغ "لاعب الشطرنج" (1941)، ونوفيلا ألبير كامو "الغريب" (1942)، ونوفيلا جورج أورويل "مزرعة الحيوان" (1945)، ونوفيلا إرنست همينغواي "الشيخ والبحر" (1952)، ونوفيلا مارغريت دوراس "العاشق" (1984)... وهي روايات قصيرة درج تصنيفها ضمن فئة الرواية عموماً.

ويبدو أن النزاع لا يزال قائماً حول تحديد خصائص النوفيلا على رغم ذيوعها بين الكتاب، فمنهم من يقول إنها يجب أن تقرأ كما القصة القصيرة بجلسة واحدة، ومنهم من يجد أنها أطول من القصة القصيرة، بالتالي لا تقرأ بنفس واحد وجلسة واحدة. أما من حيث حجمها فالخلاف لا يزال قائماً لتحديد عدد كلماتها، فمنهم من يقول إن النوفيلا تقع بين 17,500 كلمة و40,000 كلمة ومنهم من يجعلها أقل من ذلك، إنما بحبكة سردية أكثر تعقيداً من حبكة القصة القصيرة. إنما المتوافق عليه والأكيد هو أن نشر أي نوفيلا مثير للجدل ومحط تردد بالنسبة للكاتب والناشر على حد سواء، فلا هي قصة قصيرة لتظهر في مجلة أدبية ولا هي رواية لتدخل الجوائز والمسابقات وتحتل الرفوف الأولى. النوفيلا رواية قصيرة نادراً ما يلمع بريقها في عالم معاصر تجتاحه الرواية من حيث النشر والترجمة والجوائز والمهرجانات الثقافية.

النوفيلا في الأدب العربي

من الجدير ذكره أن النوفيلا الغربية وصلت إلى القارئ العربي مع مرور الأعوام عبر الأعمال المترجمة، مع العلم أن الكتاب العرب لم يميلوا بصورة واضحة إلى الكتابة في هذا الفن. فبعد الشعر، وضع الكتاب العرب القصة القصيرة والرواية ولم تستملهم الرواية القصيرة أو النوفيلا بخصائصها وحجمها ووقوعها الوسطي بين القصة القصيرة والرواية.

إنما يبدو أن فن النوفيلا استرعى أخيراً اهتمام دار نوفل/ هاشيت أنطوان اللبنانية التي أصدرت دفعة من الروايات القصيرة ضمن سلسلة "نوفيلا، رواية قصيرة" ضمت أربعة أعمال لكتاب شباب، وهذه الروايات القصيرة هي: "ذئب العائلة" للبناني المقيم في باريس صهيب أيوب ، "لا شيء أسود بالكامل" للبنانية المقيمة في كندا عزة طويل ، "كهف الألواح" للمغربي محمد سعيد أحجيوج، "لعنة صبي كرات الطين" للفلسطيني المقيم في أيسلندا مازن معروف.

وتقول المديرة التحريرية لدى الدار، الكاتبة رنا حايك عن فكرة خلق هذه السلسلة المخصصة للروايات القصيرة والأسباب خلفها: "ارتأينا أن نخلق هذه السلسلة لأسباب عدة. أولاً، لا شك أننا اليوم نعيش في زمن السرعة، وقد مل القارئ من الروايات الطويلة والضخمة الحجم. في الوقت نفسه، تساءلنا عن سبب غياب هذا الفن الأدبي القصير والجميل والخفيف والسريع عن المشهد الأدبي العربي فهو فن مظلوم لم ينل اهتماماً من الكاتب ولا الناشر ولا القارئ في العالم العربي. أردنا أن نخلق سلسلة مخصصة لنوع النوفيلا لنسلط الضوء على فن كتابة الرواية القصيرة، فتقنياً قد يكون هذا النوع الأدبي أصغر بالحجم إنما ليس بالقيمة ولا بالأهمية. ارتأينا أن تكون لهذا الفن سلسلته الخاصة وشكله الطباعي والإخراجي الخاص لنميزه عن الرواية المعروفة والطويلة. النوفيلا هي دلوعة الرواية وها نحن ندلعها، ولم لا. يوجد ميل في العالم العربي إلى الاعتقاد أن حجم العمل يحدد قيمته، فأردنا أن نكسر هذا الهاجس وأن نتخطى الأحكام المسبقة حول عدد صفحات النص وقررنا تقديم روايات قصيرة ومميزة. كلاسيكيات الأدب العالمي تحوي قائمة واسعة من الروايات القصيرة فلم لا نسلط الضوء عليها في دارنا وفي أدبنا العربي، مع العلم أن نوفيلات كثيرة سبق أن نشرت في دور أخرى إنما من دون أن تكون مقدمة ضمن سلسلة واضحة ومخصصة لها".

كاتب الفانتازيا

اخترنا أن نتوقف في ما يأتي عند نوفيلا الكاتب الفلسطيني مازن معروف "لعنة صبي كرات الطين" لما فيها من تميز وفانتازيا وخيال. ويبدو أن مازن معروف في روايته القصيرة هذه ظل وفياً لأسلوبه السردي وفضاءاته الخيالية الفانتازية الموجودة في قصصه القصيرة ورواياته السابقة. فيقع القارئ على قصة آخر فلسطيني بقي على قيد الحياة بعد اندثار فلسطين والفلسطينيين، في لفتة أدبية ذكية ورمزية للقضية الفلسطينية والمعاناة التي يمر بها الفلسطينيون منذ سنة النكبة، 1948.

تدور أحداث هذه الرواية القصيرة حول عالم صبي أراد أن يكون بطلاً منذ صغره لينقذ أخته من الموت وينقذ عائلته، فالجملة الأولى من النص هي: "كثيراً ما أردت أن أكون بطلاً خارقاً"، لكن المأساة تقع عندما يسلب الإسرائيليون أطفال الفلسطينيين مخيلتهم ليزرعوها في رؤوس الأطفال الإسرائيليين المحرومين من المخيلة، فيختفي الفلسطينيون جميعهم، ليقول الراوي الصغير: "لكن أختي ماتت. وأنا لم أصبح بطلاً خارقاً، بل انتهى الأمر بي في صندوق زجاجي. ستي أيضاً لم تعد موجودة. ولا اللحام وخروفه ولا مختار أو حتى العجوز الذي هو في الحقيقة جدي [...] ولا أحد. أنا آخر الفلسطينيين" (ص: 10).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يخسر آخر الفلسطينيين معركته في أن يصير بطلاً، وأن ينقذ أخته، يخسر معارك رمزية كثيرة أخرى، تماماً كما خسر جده قبله ثوره على يد قناص، وخسرت جدته شجرة الجوافة التي بنى الإسرائيليون جداراً ليمنعوها عنها بما للشجرة من رمزية ومعان. يخسر الراوي الصغير كل شيء وكل شخص ليتحول إلى فرجة، إلى شيء يتم عرضه ليتفرج عليه الإسرائيليون والعالم من خلف الزجاج الذي سجنوه فيه، فيكتب: "كل أسبوع نذهب إلى ابتدائية في كيبوتز لم يسبق أن زرناه من قبل. يعرضني زئيف أمام التلاميذ في الملعب لنصف ساعة. أحد منهم لم ير فلسطينياً من قبل. يتفرجون عليَّ فيما يدورون حول الصندوق ويلمسونه. بعض التلاميذ يسأل "ما اسمك؟"، وبعضهم يقول "هل صحيح أنك آخر فلسطيني؟" (ص: 13).

يعتمد مازن معروف الفانتازيا والمتخيل الرمزي في نصه الذي يناهز الـ74 صفحة، أي إن الفانتازيا التي يكتبها موجهة لتجسيد مرسلة وهدف وفكرة أعمق من الظاهر السردي. فالفضاء السردي حافل بالجمل البسيطة والقصيرة والسهلة إنما التي تصبح مع التقدم في القراءة مرآة واقع حزين ومأسوي ومفجع. فالواقع هو أن الصبي عجز عن إنقاذ أخته، ومخيلة أطفال فلسطين، وشجرة جدته. كلها أمور بسيطة وسخيفة، لكنها أمور شديدة الإيلام.

وأوج السخرية يكمن في أن الإسرائيليين الذين حولوا اسم الفلسطينيين إلى فلاسطة للإمعان في تغييبهم، يتحولون هم أنفسهم إلى التعارك والتحارب في ما بينهم، وكأن غياب الفلسطينيين حول الحرب والنزاع إلى الداخل الإسرائيلي، فيكتب معروف: "لم يكن خافياً على أحد أن الكيبوتزات بدأت بالتمدد منذ الأسبوع الأول لفناء الفلاسطة. بدأ الأمر بخلافات بسيطة على الأرض والحدود، ثم انتقل إلى مياه الأنهار والفاكهة والمواد الأولية الأخرى. والأمر لم يعد من السهل السيطرة عليه [...] يبدو أن الفلسطينيين كانوا بمثابة قوة حفظ سلام بين الإسرائيليين!" (ص 54).

"لعنة صبي كرات الطين" رواية قصيرة ذكية مبدعة غنية بأسلوبها ولغتها وأفكارها ورمزيتها وخير بداية لسلسلة نوفيلا التي أطلقتها دار نوفل، والتي ستتوسع بعد لا محالة.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة