Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سرقة الكابلات الكهربائية تؤرق الأمن والاقتصاد السوري

لصوص يستولون على 100 طن من النحاس ومراقبون: تحمل الدولة أعباءً إضافية وتؤثر في انقطاع الكهرباء عن المواطنين

ينفذ سرقة الأسلاك النحاسية لصوص محترفون لخطورة التعرض للموت صعقاً   (التواصل الاجتماعي)

ملخص

أدت سرقة النحاس من الكابلات الكهربائية إلى أضرار مهولة بالشبكة الكهربائية والبنية التحتية المتردية أساساً وفاقم واقع انقطاع التيار

قبل نحو شهرين من الآن، تحديداً أواخر مارس (آذار) الماضي، أقدم تشكيل عصابي مكون من 37 لصاً في سوريا على سرقة 36 كيلومتراً من الكابلات الكهربائية بوزن إجمالي يعادل نحو 100 طن وبكلفة تقديرية تقارب من 4 مليارات ليرة (نحو 300 ألف دولار أميركي) قرب محطة دير علي الحرارية في ريف دمشق.

في غضون 10 أيام اعتقلوا، وفي بيان مقتضب لوزارة الداخلية السورية مرفق بفيديو يظهر حجم المصادرات جاء فيه، أن "فرع الأمن الجنائي بريف دمشق اعتقل عصابة سرقة مؤلفة من 37 شخصاً أقدموا على سرقة الأمراس (الكابلات) الكهربائية (التوتر العالي) الواصلة بين محطة دير علي ومحطة عدرا على امتداد 36 كم، كما استرد أكثر من 30 طناً من الكابلات المسروقة، وجرى التحرز على 45 طناً من مادة الأعلاف ضمن إحدى المركبات التي استخدمت خلال السرقة".

البيان المقتضب حمل جملة من الاستفسارات المشروعة التي ما زالت تشغل الشارع السوري، أولها عن استرداد 30 طناً فحسب من الكابلات، فيما تبقى 70 طناً مصيرها مجهول، وكذلك حول التحرز على 45 طناً من الأعلاف كانت ضمن الشاحنات المستخدمة في عملية السرقة، فما الذي جاء بالأعلاف للشاحنات؟

يضاف إلى تلك الأسئلة تساؤلات أكثر استغراباً، ليس حول البيان المنقوص فقط، بل في شأن المعلومات التي تحدثت عن نقل الكابلات المسروقة وتوزيعها بين حلب والسويداء بتلك السرعة، والمحافظتان تبعدان عن بعضهما أكثر من 500 كيلومتر، وعن عدد الشاحنات المستخدمة في النقل، وقصر المدة الزمنية لإنجاز الجريمة عينها.

إضافة إلى تمرس منفذيها في التعامل مع أخطر أنواع الكابلات الكهربائية التي يكفي لمسها لتودي بالحياة في غياب عنصر الخبرة، وعلاوة على ذلك، السرقة التي تمت جهاراً نهاراً في موقع يعتبر حيوياً واستراتيجياً قرب العاصمة، وعلى امتداد 36 كيلومتراً، وهي مسافة كبيرة كثيراً لعملية سرقة واحدة نفذت في مرة واحدة.

 

تضرر شبكة الكهرباء 

سرقة الكابلات النحاسية واستخدامها مصدر دخل لدى فئة من السوريين بدأت منذ الحرب وعرفت حينها بـ"التعفيش" وهو توصيف يتضمن كل ما يمكن سرقته وضمناً النحاس، ولكن مع اندحار الحرب وانخفاض سبل تأمين النحاس عبر سحبه من خطوط كهرباء المنازل الواقعة في مناطق المعارك، صار الطريق للحصول عليه أكثر صعوبة، وباتت كابلات الكهرباء الحكومية هي الطريقة الأنجح والأسرع والأكثر ربحاً وخطورةً في آن واحد.

انتشار الفوضى والسرقة، بات ينحصر على الكابلات النحاسية في ما سمي محلياً بـ"التنحيس"، ويعني سرقتها بعد سحبها من الكابلات الكهربائية التي تباع بأرقام مرتفعة وبالكيلو، إذ يذوب النحاس ويباع.

هذا النوع من السرقة أدى إلى أضرار مهولة في الشبكة الكهربائية والبنية التحتية المتردية أساساً وفاقم واقع غياب الكهرباء، وبخاصة إذا علمنا أن كل سرقة تخلف وراءها كارثة على مستوى حي أو قرية أو مدينة، ويتطلب علاج الأمر وقتاً يعادل أضعاف وأضعاف الوقت الذي استغرقته السرقة كما يشكل استنزافاً للخزانة العامة وموارد الدولة ويحمل وزارة الكهرباء أعباء إضافية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

استنفار أمني

يقول مصدر في الأمن الجنائي لـ"اندبندنت عربية"، إن سرقة النحاس قضية شائكة ومنتشرة ومؤرقة، وتقع على مستوى الأحياء والمدن عموماً، ووزارة الداخلية توليها عناية خاصة ومتابعة لحظية وفورية، وهي تحتاج إلى جهود جميع المواطنين لردع تلك الظاهرة والإبلاغ عنها ومواجهة المعتدين إن لزم الأمر ريثما تصل التعزيزات اللازمة على ألا يشكل ذلك خطراً على حياتهم.

مضيفاً، حين إلقاء القبض على الشخص أو العصابة يتركز اهتمامنا حول معرفة المكان الذي نقلوا إليه النحاس وكيف سيصهرونه ومتى، خشية أن يعاد بيعه عبر وسيط لوزارة الكهرباء على أنه نحاس جديد، وهذه فرضية ممكنة الحصول، على اعتبار أن النحاس يجري تدويره في الداخل السوري، عدا عن استخدامات عدة له، وجميعها لا تبشر بخير.

في المقابل يذكر جمال، اسم مستعار لحرفي فضل عدم الكشف عن اسمه، وقد نزح خلال الحرب ونقل ورشته إلى منطقة آمنة في ريف حمص الغربي، ولكن تلك المنطقة كانت تتعرض بصورة دورية لسرقة الكابلات الكهربائية، فطلب مع حرفيين آخرين لقاء المسؤولين الذين أخبروهم بأن يتسلحوا ويحموا أنفسهم وخدماتهم، ومنذ ذلك الوقت باتت حلول حماية الشبكة فردية.

 

مصادر أخرى للنحاس

ثمة مصادر أخرى للحصول على النحاس، منها سرقة خطوط الاتصالات الأرضية، وفق ما أورده المدير العام للشركة السورية للاتصالات سيف الدين الحسن فقد بلغت سرقات خطوط الاتصالات منذ بداية العام الحالي 23996 متراً بكلفة تقريبية 6.9 مليار ليرة سورية، وبالنسبة إلى الكابلات المعلقة فقد بلغت الأطوال 50253 متراً بتكلفة تقريبية 3.2 مليار ليرة سورية.

ويتابع، "العام الماضي شهد سرقة 57079 متراً من الكابلات النحاسية بكلفة تقديرية بلغت نحو 13.7 مليار ليرة سورية، أما بالنسبة إلى الكابلات المعلقة فقد بلغت أطوالها 209922 متراً بكلفة تقديرية نحو 10.5 مليار ليرة سورية".

من جانبه، أوضح وزير العدل السوري أحمد السيد في وقت سابق أنه، تمت مناقشة مشروع القانون الخاص بسرقة كابلات شبكات الكهرباء والهاتف، وأشار إلى الضرر الذي تتسبب فيه السرقات على اقتصاد البلاد ومصالح المواطنين.

في السياق نفسه، يوضح المحامي قيس عمران أن مجلس الشعب الآن بصدد مناقشة صك تشريعي يعنى بتشديد العقوبات بصورة فعلية وقطعي تجاه الظاهرة لما تلحقه من أضرار جسيمة وهائلة على القطاعات الحيوية والإنتاجية والاقتصادية وما تشكله من استنزاف للموارد العامة في الدولة، لتكون العقوبة متناسبة مع حجم الجرم.

المحامي استشهد بكلام آخر لوزير العدل جاء فيه أن رفع العقوبات ضروري لتحقيق الردع العام والخاص، فيما يعتقد من وجهة نظره أن المشروع سيصدر وفق مرسوم رئاسي في وقت قريب متوقعاً ألا تقل مدة السجن فيه عن 10 أعوام وغرامة تعادل أضعاف قيمة المسروقات مع تشكيل هيئات جديدة تعنى بمتابعة الملف وحسن سير المرسوم وتنفيذه وضمان حماية الشبكة من التعدي.

 

طرق التصريف

يشار إلى أن كيلو النحاس يباع بنحو 70 ألف ليرة سورية (4.5 دولار أميركي)، ويتم تدويره وتصريفه في أكثر من اتجاه، إما نحو وزارة الكهرباء بطريقة احتيالية، أو إلى المتخصصين بالخردوات، وهؤلاء يجدون له طرقاً مختلفة للتصرف به، أما الغالب الأعم فيتجه نحو لبنان تهريباً، هناك يكون سعره أعلى واستخدامه أوسع، كهربائياً أو عسكرياً بما يتعلق بالذخائر أو بالأمور التصنيعية والإنتاجية والاستخدامات المدنية وغيرها على اعتبار أن النحاس يدخل في كل الصناعات.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير