Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إليكم العلامات التحذيرية للاضطراب ثنائي القطب

بعدما كشف الشيف البريطاني الشهير هيستون بلومنثال عن إصابته، يشرح أحد الاختصاصيين ماهية هذه الحالة النفسية العقلية ويعرض سبل علاجها

سبق أن شخصت الفحوص الطبية معاناة الشيف بلومنثال من "اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط" (غيتي)

ملخص

"ليس الاضطراب ثنائي القطب حالة صحية سهلة، ولكن في المستطاع أن تتحسن حياة المصابين به، وبمقدورهم السيطرة عليه. ومن بين الخطوات الشديدة الفاعلية وذات التأثير القوي التعرف إلى أشخاص آخرين مروا بهذه الرحلة، ودعم بعضهم بعضاً خلالها"

قبل أيام، كشف الشيف البريطاني الشهير هيستون بلومنثال النقاب عن تشخيص إصابته بما يسمى "الاضطراب ثنائي القطب" bipolar.

وسبق أن شخصت الفحوص الطبية معاناة الشيف، الذي يملك ويدير مجموعة من المطاعم، "اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط" (المعروف اختصاراً بـ"أي دي أتش دي" ADHD) في عام 2017، وهو يقول إن "الاختلاف العصبي" neurodivergence  [ مصطلح ظهر في تسعينيات القرن الـ20 ويراد به التنبيه إلى وجود أشخاص يفكرون ويتفاعلون مع العالم من حولهم على نحو مختلف عن المعايير المجتمعية السائدة] الموجود لديه يتمثل في "قوته الخارقة".

"أهم أعمالي [أطباقي] الفنية والإبداعية والمثيرة للاهتمام التي ابتكرتها تعزى إلى أني "مختلف عصبياً"، ويحلو لي أن أصف اختلافي هذا بقوتي الخارقة"، قال الشيف البالغ من العمر 57 سنة، الذي يملك مطعم "فات داك" Fat Duck (البط السمين) المرموق الواقع في بيركشاير غرب لندن، ومطاعم أخرى.

وفي حديثه عن ضرورة تغيير النظرة تجاه "الاختلاف العصبي" في أماكن العمل، أضاف الشيف: "على العالم أن يتحرر من التفسيرات الخاطئة والبالية لهذا الاختلاف، وأن يحتضن الفرص التي يوفرها التنوع العصبي".

إذاً ما المقصود بالاضطراب ثنائي القطب وكيف يؤثر في المصابين به؟

أولاً الاضطراب ثنائي القطب حالة صحية نفسية وعقلية شائعة على نحو مفاجئ. وفق تقديرات الجمعية الخيرية "باي بولار يو كي" Bipolar UK (الاضطراب ثنائي القطب في المملكة المتحدة)، فإن أكثر من مليون بالغ في المملكة المتحدة مصابون بهذا الاضطراب، أي نحو 30 في المئة أكثر من عدد مرضى الخرف. ومع ذلك، تشير التقديرات أيضاً إلى أن ما لا يقل عن نصف مليون شخص مصابون بالاضطراب ثنائي القطب في المملكة المتحدة إنما لا يعرفون في شأن حالتهم لأنها ما زالت من دون تشخيص.

يقول الرئيس التنفيذي لدى "باي بولار يو كي" سايمون كيتشن إنه من المهم فعلاً أن "يتحدث الأشخاص مثل هيستون عن حالتهم ويتوخون الصراحة في شأنها".

يعتقد أن هذه الحالة تعزى إلى أسباب وراثية، إذ تشير الأدلة إلى أن الأشخاص الذين يعاني أحد والديهم من الاضطراب ثنائي القطب، من المحتمل بنسبة 10 في المئة تقريباً أن يكابدوا الحالة عينها، أما من يعاني والداهما هذا الاضطراب فيرتفع احتمال إصابتهم به حتى 70 في المئة.

تغيرات مزاجية

اضطراب ثنائي القطب حالة صحية نفسية وعقلية خطرة، وتسبب تقلبات مزاجية كبيرة، صعوداً [سعادة وطاقة وانفعالات عاطفية شديدة] (الدخول في ما يسمى طبياً "الهوس المفرط" hypermania  أو "الهوس" mania وهي حال من الانفعال أو ارتفاع المزاج بشكل غير طبيعي) وهبوطاً [حزن وإحباطات] (الاكتئاب)، إضافة إلى مزيج من الحالين، إذ تتبدى أعراض الاكتئاب والهوس في الوقت عينه بين فترات من الاستقرار المزاجي.

ويقول كيتشن "إن الاضطراب ثنائي القطب يتسم بارتفاع وانخفاض شديدين في العاطفة والطاقة أيضاً. وفي حالة "الهوس المفرط" ينتقل المصابون إلى مستوى عال من الطاقة، فتجدهم منتجين جداً وفي غاية الجاذبية، ويمكن تالياً أن يكون كثير من المصابين بالاضطراب ثنائي القطب من ذوي الإنجازات العالية نتيجة هذه السمات".

"المشكلة الكامنة في الاضطراب ثنائي القطب أنه في حال عدم ضبطه، فإنه يتحول إلى نوبات متقدمة من الهوس، كأننا إزاء قطار يشق طريقه نزولاً إلى أسفل الجبل، ويتعذر عليه إيقاف نفسه"، يضيف كيتشن.

هكذا، يؤدي الاضطراب ثنائي القطب إلى مشكلات في النوم وسلوك غير سوي. ويوضح كيتشن: "ربما يرسل المصاب رسائل بريد إلكتروني إلى زميل في الساعة الثانية صباحاً، وربما ينغمس في سلوك جنسي مفرط، أو يضع نفسه في مواقف تعرضه لخطر شديد. كذلك ينفق أموالاً كثيرة في فترة زمنية قصيرة، ويثقل نفسه بالديون".

والحال أن "كل ارتفاع في الحالة المزاجية، يقابله انخفاض بها، وتكون حالات الحزن بالنسبة إلى مرضى الاضطراب ثنائي القطب منهكة جداً. بعض الناس لا يغادرون السرير لأسابيع أو حتى أشهر، ويتخبطون أيضاً بأفكار انتحارية فعلاً"، يتابع كيتشن.

ويقول إن ما يصل إلى واحد من كل خمسة مصابين بالاضطراب ثنائي القطب يقدمون على الانتحار، وأن هذا الخطر يكون أعلى كثيراً إذا لم يحصل المريض على الدعم المناسب للسيطرة على حالته.

ضرورة التشخيص

يتوفر علاج فاعل للاضطراب ثنائي القطب، ولكن بحسب كيتشن فإن 60 في المئة من المصابين بهذه الحالة لا يتلقون العلاج أو الدعم اللازمين، وتمر تسع سنوات ونصف سنة في المتوسط قبل الوصول إلى تشخيص دقيق. بناء عليه، نجد أن المصابين بهذا الاضطراب ممن لم يحصلوا على التشخيص يرزحون تحت ثقل مشاعر العار في شأن سلوكهم، كما يوضح كيتشن، وفي النتيجة تتضرر علاقاتهم بشدة.

يرى كيتشن أن "الاضطراب ثنائي القطب يدمر العلاقات الأسرية فعلاً. صحيح أن معرفة معاناتك من حال صحية نفسية وإدراكك أنها السبب وراء سلوكك لا يخففان وقع التأثير السلبي بالضرورة، بيد أنهما يقلصان الشعور بالخجل والعار والإحراج الذي يتحمله المصاب. وتشكل هذه الخطوة جزءاً من الحالة التي يمكن السيطرة عليها".

كيف تعالج الاضطراب ثنائي القطب؟

يمكن لمرضى الاضطراب ثنائي القطب استخدام الأدوية التي تعمل على استقرار الحالة المزاجية، وغالباً ما يتزامن ذلك مع تناول أدوية مضادة للذهان بغية التصدي لنوبات الهوس، أو مضاد للاكتئاب "بغية تحسين المزاج قليلاً"، كما يوضح كيتشن. يبقى "الليثيوم" lithium الدواء الأكثر شيوعاً في ما يتصل باستقرار الحالة المزاجية، على رغم أن كيتشن يشير إلى أن بعض الأشخاص يستجيبون بشكل أفضل لأدوية مختلفة. كذلك يستفيد المرضى من الاستعانة بالعلاجات النفسية، من بينها "العلاج السلوكي المعرفي" (اختصاراً CBT)، كما أن المشورة الطبية مقيدة للغاية.

إضافة إلى ذلك، تكتسي التغييرات الإيجابية في أسلوب العيش أهمية كبيرة، بما فيها الحرص على النوم سبع إلى ثماني ساعات في الليلة، كذلك من المفيد للمصابين باضطراب ثنائي القطب التخطيط لحياتهم وتنظيمها بتأن وعناية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في هذا السياق، يوضح كيتشن: "إذا حصلت على وظيفة جديدة، وإذا كنت متحمساً حقاً لنشاط أو خطوة ما، من شأن تلك المشاعر لدى الأشخاص ثنائيي القطب أن تؤدي إلى نوبة من هذا الاضطراب. لذا تجدنا دائماً نشجع المرضى من هذا النوع على التخطيط لحياتهم على نحو لا يجمع بين أمور ونشاطات كثيرة في الوقت نفسه، سواء أكانت جيدة أم سيئة".

"لذا، لا تبدأ وظيفة جديدة، وتتزوج، وتذهب في إجازة استجمام في الوقت عينه، بل باعد في ما بينها كي تتوزع على أوقات مختلفة"، ينصح كيتشن.

على رغم عدم توفر علاج للاضطراب ثنائي القطب، يقول كيتشن إنه "باستخدام الدواء المناسب وتلقي الدعم المطلوب، يسعك أن تعيش حياة جيدة فعلاً. لا تخلو الحال من صعوبة في بعض الأحيان، ولكن ليس مستبعداً أن تمر سنوات عدة من دون مواجهة نوبات حادة".

كذلك يعود الدعم من المصابين الآخرين بفائدة كبيرة على مرضى الاضطراب ثنائي القطب (تدير "باي بولار يو كي" مجموعات دعم في مختلف أنحاء المملكة المتحدة).

التعايش الحسن معه

"معظم الناس، عندما يكتشفون للمرة الأولى تشخيصهم بهذه الحالة، يكون لسان حالهم "إنها نهاية حياتي، أنا أكابد حالة صحية نفسية وعقلية حادة حقاً، وأعجز عن التعامل معها بشكل جيد"، يقول كيتشن، مضيفاً: "إنها لحظة يأس حقيقية بالنسبة إليهم لأنهم يعتقدون أن أي أمل معدوم، في حين أن التشخيص يمثل في الواقع البداية نحو تغيير حياتهم إلى الأفضل".

ويتابع كيتشن: "ليس الاضطراب ثنائي القطب حالة صحية سهلة، ولكن في المستطاع أن تتحسن حياة المصابين به، وبمقدورهم السيطرة عليه. ومن بين الخطوات الشديدة الفاعلية وذات التأثير القوي التعرف إلى أشخاص آخرين مروا بهذه الرحلة، ودعم بعضهم بعضاً خلالها".

"الحديث عن الصحة النفسية والعقلية، لا سيما الاضطراب ثنائي القطب، لا ينبغي أن يكون من المحرمات، وهذه نقطة بالغة الأهمية حقاً. كلما ازداد عدد الأشخاص المنفتحين في شأنه الذين يتحدثون صراحة عن إصابتهم به، أصبح من الأسهل ضبطه والتعامل معه بشكل إيجابي"، يختم كيتشن كلامه.

© The Independent

المزيد من صحة