Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فقدت أعز صديقاتي بعدما وقعت في براثن اضطراب ثنائي القطب

بسبب الأزمة النفسية التي عانتها صديقتها، اضطرت كايت نغ وزملاؤها في السكن إلى أن يتصلوا بالمستشفى في وقت متأخر من الليل. بعد مرور سنوات على الحادثة، ما زالت غير متأكدة إن أحسنت التصرف أم لا

ثمة ضرورة لأن يحدد الأصدقاء - بغض النظر عن عقليتهم - حدودهم تجاه بعضهم بعضاً (رويترز)

لا يخبركم أحد بأن الصداقات قد تنتهي فجأة، على حين غرة. ولا سيما تلك التي اعتقدتم أنها سوف تستمر مدى العمر. بالنسبة إلي أنا وشيريل*، وقع ذلك قبل أن نبلغ نقطة مهمة في علاقتنا. كنا نعرف بعضنا منذ 10 سنوات تقريباً، وانتقلنا سوية من مرحلة طالبات الجامعة في ريعان شبابهن إلى أصدقاء ثم لاحقاً زملاء في السكن. لم أتوقع أبداً أن العلاقة سوف تتحطم وتنفجر [ينفرط عقدها] بالشكل الذي حصل.

أصبح اضطراب ثنائي القطب الذي تعانيه شيريل أكبر من سنوات صداقتنا. وبلغ مرحلة لم أعد فيها لا أنا ولا أصدقاؤنا المشتركون، قادرين على حمايتها من نفسها. لقد تأرجحت بين الهوس المجنون والاكتئاب الشديد. ولطالما استطعنا أن نقنعها بالابتعاد عن الهاوية، لكنها مرت في إحدى المرات بنوبة اكتئاب حاد لم تستطع التخلص منها. في أحد الأيام، استيقظت ولم أجدها. انطلقنا نبحث عنها، وأصبنا بالقلق البالغ طوال ساعات. عندما عثرنا عليها في نهاية المطاف، أدركنا بأننا ما عدنا قادرين على الاعتناء بها. وقمنا بالتصرف الوحيد الذي خطر على بالنا: اتصلنا بالمستشفى وحاولنا إدخالها إليها.

كان ذلك الاتصال الهاتفي بالمستشفى بمثابة حكم الإعدام على صداقتنا. عادت شيريل إلى منزلها وكنت أنا من أعد لها أشياءها. وكنت مكسورة الخاطر لأنني علمت بأنني لن أتحدث معها مجدداً على الأرجح. فقد جرحت كثيراً بسبب ما فعلناه - برأيها، حاولنا أن ندخلها المصحة. لم نتعامل مع القرار باستخفاف لكن "غوغل" لا يعطيك الإجابة عن سؤال "ماذا تفعل عندما تواظب صديقتك على محاولة الانتحار؟". لقد دفعنا اليأس الصرف إلى التصرف. لدي تضارب في المشاعر تجاه الاتصال، وهو ما شعر به الآخرون ضمن مجموعة أصدقائنا كذلك، لأننا علمنا بأن رد فعلها على الموضوع لن يكون جيداً. وفي نهاية المطاف، طلبنا من معالج محترف أن يقرر بالنيابة عنا. هل كان التصرف صائباً؟ أعتقد ذلك. لكن حتى الآن، لا أزال حائرة. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قد يستنفد المرض النفسي قوى الإنسان كلياً. وقد يصبح الشخص الذي يعانيه عاجزاً عن التعامل مع الحياة اليومية. لكن قد يكون من الصعب التحدث عن الأثر الذي يخلفه على المحيطين به. فجزء كبير من الحديث الذي دار خلال السنوات السابقة حول الصحة النفسية ركز على دعم الذين يعانون لكي يكونوا بصحة نفسية جيدة وهو ما يجب أن يحدث طبعاً. من المهم للغاية أن يجري الحديث عن الصحة النفسية وفهم هذا الموضوع ودعمه اجتماعياً ومالياً.

لكن هذا يصعب كذلك الاعتراف بأن مصادقة أشخاص يعانون مشكلة نفسية جدية، قد يكون أمراً شاقاً للغاية أحياناً. ليالي الأرق التي يشغلها التفكير في سلامتهم هي جزء من العلاقة. تتورط في مشكلاتهم إلى درجة أنها تصبح مشكلاتك أنت أيضاً، بشكل أو بآخر. كنت واثقة بأن نوع العلاقة التي تربطني بشيريل سوف تصمد أمام تحديات الزمن. عندما أستحضرها الآن، أتذكر كم كنا نضحك بعضنا بعضاً بقوة، وكم جعلت قلبي يشعر بالامتلاء. تكلمنا عن شيخوختنا سوية وتخيلنا مستقبلنا عندما سنصبح عجوزتين ثريتين. لكن صداقتنا عجزت عن الاستمرار بسبب مرضها الذي قطعها من جذورها.     

أشعر بذنب كبير إزاء الاعتراف بأنني لم أستطع أن أساند صديقة في وقت مرضها بالطريقة التي احتاجتها. وأحد الأشخاص الذين يفهمون هذا الشعور هي تارا كوين سيريلو، الطبيبة النفسية والزميلة المشاركة في الجمعية البريطانية للطب النفسي.  وتقول لي "نهاية الصداقة صعبة. قد تكون مؤلمة وحزينة وتغمرك بكثير من المشاعر… مسألة المبادئ قد تكون قاسية. ولهذا السبب من المهم توجيه الأصدقاء نحو خدمات محترفة وأجهزة دعم أخرى. قد تجد بأن دورك كصديق بات مبهم المعالم وعليك مراقبتهم أو حتى الحفاظ على سلامتهم". 

ليست علاقات الصداقة الصعبة أمراً مفاجئاً بالنسبة إلى عديدين يعانون مشكلات نفسية، فكثيرون من بينهم يعون جيداً أن صداقاتهم قد تتحمل وزر اضطرابهم. شخصت صوفي روز من لندن، منذ وقت قصير بالإصابة باضطراب ثنائي القطب بعد سنوات من التعامل مع تقلبات مزاج حادة. وتقول إن تلقي التشخيص جعلها تفهم بشكل أفضل سبب انتهاء عديد من الصداقات التي كونتها خلال أيام الدراسة الجامعية - في ذروة معاناتها من الاضطراب.

وتقول "كنت أمر بنوبات من الهوس أقضي فيها الوقت في الخارج وألتقي كثيراً من الناس وأتصرف بحماس ونشاط كبيرين لعدة أسابيع. لكن بعدها أصاب باكتئاب وأختفي طوال أسابيع متواصلة. لم أشعر بالأمان سوى مع نفسي. لم أخبر أياً من أصدقائي ما يجري معي وهذا صعب علي تكوين صداقات جديدة لأنني شعرت بأنني مضطرة للتظاهر".

"لم يرحني الوضع الذي كنت أمر به، ولم أرد أن أعترف بأنني أعاني. أسهل طريقة للتعامل مع الموضوع كانت أن أنغلق على نفسي. اعتقدت بأنني أساعد الناس بعدم إزعاجهم بفترات يأسي… لكن الطرف الثاني كان منزعجاً من اختفائي ببساطة. كنت أشعر بالذنب لأنني ألغيت الموعد لدرجة شعوري بعدها بأنني لا أستحق أية صداقات".

قد يكون أفضل مثال على اضطراب ثنائي القطب في الثقافة الشعبية هو ذلك الذي يعرضه مسلسل الدراما مودرن لوف (Modern Love) المتوفر عبر خدمة أمازون برايم فيديو. تلعب آن هاثاواي دور ليكسي، السيدة المصابة باضطراب ثنائي القطب التي تحاول إخفاء مرضها عن أصدقائها وزملائها فيما تعتاد على الحياة في مدينة نيويورك. قالت تيري تشيني، التي ألهمت مقالتها الصادرة في صحيفة "نيويورك تايمز" في عام 2008 قصة ليكسي، للصحيفة بعد بث الحلقة بقليل، إنها  كانت "ترتعب" من فكرة إعلان حالتها. وعادت بالذاكرة إلى ذلك الوقت فقالت "كنت أختفي ببساطة من العالم كي لا يرى أحد حالتي. في العمل، كنت منتجة وأدائي متفوقاً. وتمكنت من إنهاء كل الأعمال التي تراكمت علي. وهذا ما كان يحصل في المدرسة كذلك. لكنني شعرت دائماً بالرعب من أن يكتشف أحدهم وضعي، فأطرد من عملي أو لا يحبني أحد بعد ذلك".

كل هذا الكلام مألوف للغاية بالنسبة إلي. عندما كانت شيريل تمر بنوبة الهوس والنشاطة، كانت كالنجمة المشعة في كل الحفلات، وطالما شعرت بالذهول أمامها. بدا بأن طموحها غير متناه ولا قاع له، وأنها قادرة على فعل أي شيء. لكن ثم تحل مرحلة الكآبة، وأراقبها بلا حول ولا قوة وهي تنسحب من العالم وتقضي أياماً طويلة في غرفتها. يمكنك أن تطمئن أحداً يمر بأزمة وتقول له بأنك موجود لمساندته المرة تلو الأخرى لكن عندما تتراكم هذه المرات، سوف تبدأ بالشعور بأنه لا فائدة منك. عندما تعلم بأنك لن تتمكن من سحبهم من الظلام. خلال هذه الفترات مع شيريل، كنت أنتظر وأقلق، وأتوق إلى وصول اللحظة التي تنقشع فيها الغيوم في فكرها من جديد.

تقول روز "أدركت بأنك لو لم تتواصل مع أصدقائك بشأن صحتك النفسية، يصبح من الأصعب بالنسبة إليهم أن يدعموك بالطريقة التي تحتاجها. صعبت على الآخرين مهمة مساندتي. يجب أن يتحلى الشخص بكثير من الصبر لكي يستمر بإمساك يدك عندما تمر بأسوأ أوقاتك".

تعيد كوين - سيريلو التأكيد على ضرورة أن يحدد الأصدقاء - بغض النظر عن عقليتهم - حدودهم تجاه بعضهم بعضاً. وتقول "إن تخصيص الوقت للتفكير في هذا الجانب سيساعدكم في الحفاظ على صداقة سليمة كما سيساعدكم في التعامل مع الأوضاع في حال مرور الصداقة بأية محنة. إن جزءاً من الصداقة هو القدرة على احترام حاجات الآخر والتحاور بشأن هذه الحاجات. قد تشمل الحدود كيف ومتى تتشاركون المعلومات، وتيرة اتصالكم ببعض، أو إقراض المال، أو قد تكون حتى حدوداً تتعلق باحترام الآراء والأفكار والحالات العاطفية والمساحة الشخصية - مثلاً، إلى أية درجة ترغبون بأن يلمسكم أحد".

منذ تلقيها التشخيص وبداية تناولها العقاقير لجعل مزاجها يستقر، تقول روز إنها أفضل حالاً بكثير. كما تضيف بأن مصارحتها أصدقاءها بشأن حالتها واكتشافها ما تريده حين تصبح الأوقات عصيبة قد ساعدها بشكل هائل. لكن رحلتها لم تكن سهلة، ولم تصل روز إلى نقطة التحول في حياتها سوى عندما أصبحت لديها نزعة انتحارية.  

وهي تنصح أي شخص يعاني من أجل الحفاظ على الصداقات في الوقت الذي يصارع فيه مرضاً نفسياً، أن يتحلى بالصدق الشديد. وتشرح بأنه "قد يكون صعباً أحياناً وعليكم أن تعطوا أنفسكم الأولوية. مما يعني بأنكم ستخسرون أصدقاء على الطريق".

لكن الأمل موجود كذلك. وتضيف "كثير من أصدقائكم سيختارون البقاء بجانبكم. بعض الأشخاص سيرغبون بأن يساندوكم على الدوام وهؤلاء رائعون وعليكم أن تحبوهم بشدة. ربما تخسرون صداقة شخص اعتقدتم بأنه سيظل أفضل صديق لكم حتى نهاية العمر، وهذا ليس خطأ أي أحد. لكن عليكم الاستمرار بفتح قنوات التواصل وإعلامهم بما يحدث معكم وستكتشفون من هم أصدقاؤكم الحقيقيون وتتلقون أفضل دعم ممكن". 

آخر مرة تحدثت فيها مع شيريل كانت قبل أن أنتقل إلى الخارج. ودعتها وتمنيت لها التوفيق. بادلتني التمنيات بمثلها، بلطف، وصرامة. بكيت بسبب الهوة العاطفية بيننا، وشعوري بأنها أوسع من كل الأميال الحقيقية التي قطعتها في سفري. أشتاق إليها. لكن عندما يصلني خبر من الآخرين بأنها في أفضل حالاتها، أشعر بسعادة عارمة. في النهاية، أعلم بأن ما حدث بيننا هو الأمر الصحي [المناسب] والمسؤول الذي كان يجب القيام به من أجل كل المعنيين بالموضوع. حتى لو كان من أصعب الأمور التي مررت بها. 

*غُيرت الأسماء

© The Independent

المزيد من صحة