Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

راعي البقر الهوليوودي جون واين يخوض حرب فيتنام على طريقته

هواة السينما الأميركية في بيروت يجابهونه بالبيض والطماطم والشتائم دون ندم

جون واين (1907 – 1979): سقطة أخيرة في تاريخ راعي بقر مبجل (الموسوعة البريطانية)

ملخص

سار فيلم "القبعات الخضر"عكس التيار إذ حقق ليمجد الوجود الأميركي العسكري في فيتنام وليصور المناضلين الفيتناميين كمجرمين مخربين وليسوا أكثر من عملاء للقوى الشيوعية الكبرى.

كان المشهد غريباً بعض الشيء في ذلك الحين: مجموعات من الشباب والطلاب اللبنانيين يسيرون هاتفين في شوارع بيروت، متظاهرين ضد فيلم سينمائي. كانت التظاهرات حاضرة بكثرة يومها في بيروت وغيرها من مدن العالم، والشباب والطلاب كانوا دائماً وقود التظاهرات وخزانها، لكن الغريب أن فيلماً سينمائياً هو ما حرك أولئك الغاضبين. هذه المرة. والأهم من هذا أن الفيلم كان أميركياً من النوع التجاري الخالص. فما الحكاية؟

الحكاية أن الفيلم عرض عام 1969، في عز حرب فيتنام التي كانت تشنها الجيوش الأميركية ضد ثوار هذا البلد الذي كان أسطوري الحكاية والنضال في ذلك الحين. في تلك الأعوام"الذهبية" كان العالم العادل كله يقف إلى جانب "نضال الشعب الفيتنامي" وضد "العدوانية الأميركية". وكانت الفنون والآداب تنحو المنحى نفسه.

أما الفيلم الذي نحن بصدده فكان يسير عكس التيار: حقق ليمجد الوجود الأميركي العسكري في فيتنام وليصور المناضلين الفيتناميين كمجرمين مخربين ليسوا أكثر من عملاء للقوى الشيوعية الكبرى. الفيلم اسمه "القبعات الخضر" وكان من "بطولة" وإخراج جون واين أحد أكثر الممثلين الأميركيين شعبية ويمينية في ذلك الحين.

لا عزاء للموقف الرسمي

قبل "القبعات الخضر" وبعده، كانت هناك شرائط أميركية كثيرة تدافع عن "العدوانية الأميركية"، لكنها كانت مجرد شرائط دعائية لا تقنع أحداً. وهي في أحسن أحوالها كانت شرائط دفاعية تبريرية ساذجة وخطيّة، لا تحمل أية أبعاد فنية ولا تضم في عداد صانعيها أي اسم مهم قد يجتذب جمهوراً من غير المؤمنين بـ "صواب الموقف الرسمي الأميركي".

والحقيقة أن الحرب في فيتنام لم تكن شعبية أبداً حتى داخل أميركا نفسها، وكان عشرات ملايين الأميركيين يعارضونها، ذلك أن الالتباس الذي قد يوجد من حول حروب اليوم لم يكن وارداً. هناك كانت الأمور واضحة: الحليف هو الحكم الديكتاتوري الفاسد، أما الخصم فهو شعب مكافح يسعى إلى حريته ولم يسبق له أن آذى أي شعوب أخرى.

ثم إنه كان شعباً ذا أيديولوجية تقدمية، تلتقي مع أفكار قطاعات واسعة من الأجيال الصاعدة في العالم كله. إذاً، انطلاقاً من هذا الواقع كانت الفنون والآداب جميعاً تناصر كفاح الشعب الفيتنامي ضد عدوانية جيش اجتاز عشرات ألوف الكيلومترات ليقاتل ويقمع ذلك الشعب. كل هذا كان، إذاً، واضحاً. ومع ذلك تجرأ جون واين ذات يوم وحقق "القبعات الخضر". والحقيقة أن واين لم يخرج في ذلك الموقف عن سلوكه المعتاد، فقد كان دائماً يمينياً متطرفاً يؤمن بالعنف والقوة وبـ"تمدين الشعوب من طريق السلاح" كما يؤمن بأن لبلده رسالة كونية لا يجب على أحد معارضتها.

من هنا، حين أبدت أوساط المجمع العسكري - الصناعي الأميركي، بالواسطة ومن طريق البنتاغون أنه قد حان للفن السابع أن يدخل طرفاً في المعركة، سارع إلى التقاط الفرصة.

 

كانت البداية عام 1967. في ذلك العام، إذاً ولد المشروع من رحم فصلين من فصول رواية للكاتب روبين مور تتحدث بلؤم عن "أهداف" الصراع الفيتنامي و"أساليبه" من وجهة نظر قوات أميركية خاصة تعرف باسم "ذوي القبعات الخضر".

نقول "بلؤم" لأن صيغة الكتاب كانت في الأصل تدين الأميركيين مؤكدة أنهم يقاتلون هناك من أجل مصالحهم، وليس من أجل مصالح الشعب الفيتنامي على عكس ما تقول الدعاية الأميركية. كما أن الكتاب كان يصف أفعال حكام سايغون "العملاء للأميركيين" وأفكار هؤلاء الأخيرين بدقة وصراحة تكشفان أساليب التعذيب والخداع وشراء الضمائر وما إلى ذلك.

كان من الطبيعي للبنتاغون، أن ينظر بغضب إلى الكتاب، لا سيما حين اشترى منتج حقوقه ليحوله فيلماً. وهكذا اتصل جماعة وزارة الدفاع بجون واين وابنه ليشركاهما في المشروع. وحين قرأ الاثنان الكتاب قالا: بسيطة! نقتطف منه ما نشاء ونرمي ما نشاء". والغاية؟ تحقيق فيلم يزعم أنه سياسي غير مسيس، يكتفي بعرض مآثر القوات الخاصة وجهودها لإنقاذ فيتنام من عنف الثوار وسطوتهم.

"كلب" فيتنامي على الخط

هكذا، أبدل قائد القوات الذي كان في الكتاب نازياً سابقاً بقائد جديد، وصارت الحرب التي يخوضها الجنود حرباً "مقدسة" عادلة، بل إن بعض هؤلاء الجنود راح يتآخى مع الفيتناميين، بينهم فتى يرافقه كلبه (وهذا أمر شديد الحساسية بالنسبة إلى الأميركيين، كما نعرف). أما جند سايغون فشجعان أبطال.

ولم تعد فتيات سايغون مومسات في خدمة الجنود الأميركيين صرنا هنا في أحسن العوالم الممكنة: عالم من الصفاء والانسجام، لا يفسده إلا حضور مجرمين شماليين وشيوعيين يأتون لزرع الرعب والقتل بين الحين والآخر. أما حين يتعذر عليهم الوصول إلى المدينة، فإنهم يتسلطون هناك على المزارعين ينهبون محصولهم ويقتلونهم من دون رحمة أو شفقة.

كان هذا بكل بساطة، ما قاله ذلك الفيلم من خلال حكاية مفبركة كانت من السذاجة بحيث إن دافيد جنسن، الممثل الأميركي الذي لعب دور صحافي كان معارضاً للحرب، أول الفيلم ثم انضم إلى الصقور لاحقاً بالتدريج، حين قرأ السيناريو احتج بشدة على مجمل حواراته الساذجة الغبية قائلاً إن ما من إنسان قرأ سطرين في حياته يمكنه أن يتفوه بمثل هذه العبارات ويقلب موقفه بمثل هذه السرعة، فكان له ما أراد: أبدلت بعض جمله الحوارية لتصبح أقل سذاجة وغباء بعض الشيء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

معسكرا الشر والخير

أما جوهر الفيلم فلم يطرأ عليه أي تبديل "ظل مماثلاً". وكما قال مايك واين، ابن جون واين الذي تولى إدارة الإنتاج بنفسه، لحكايات رعاة البقر والهنود الحمر، حيث الخير كل الخير في مكان، والشر كل الشر في المكان الآخر".

يمكننا طبعاً أن نخمن أن الخير والأميركيين وديكتاتوريي سايغون كانوا في خندق، والشر والفيتناميين الشماليين والفيتكونغ في الخندق الآخر. بمعنى أن الفيلم تمخض في نهاية الأمر عن عمل يتجابه فيه الخير والشر في معركة "عادلة" تنتهي بانتصار الخير طبعاً على الطريقة التي كانت معهودة في أفلام جون واين، هذا الممثل الذي كان ذا شعبية هائلة في العالم كله.

 من هنا كانت ضرورة استخدامه بالنسبة إلى العسكريين الأميركيين الذين كانوا يتطلعون إلى انجاز فيلم شعبي يبرر ما يقترفونه في ذلك البلد البعيد. بيد أن هذه الحكاية كلها لم تنطل على أحد، حتى ولا على القطاعات اليمينية من الشعب الأميركي، خصوصاً أن عرض الفيلم الذي أنفق عليه البنتاغون ملايين الدولارات جوبه دائماً بتظاهرات اعتراض في كل أنحاء العالم.

كانت النتيجة أن رمي "القبعات الخضر" في مزبلة التاريخ، بل إن جون واين نفسه سقط بفعله سقوطاً شنيعاً، ونسيت بعض أدواره التي كانت تعتبر دائماً جيدة وأحيانا رائعة، لا سيما في تلك التي حققها جون فورد.

أما حرب فيتنام، الجانب العادل منها بالطبع، فقد راحت تحظى منذ ذلك الحين بفنانين كبار يحققون عنها أفلاماً أقل غباء واستفزازاً، حتى حين تكون ملتبسة. وكان من بين هؤلاء الفنانين الكبار فرنسيس فورد كوبولا ومنايكل تشيمينو وستانلي كوبريك وبيتر واتكنز، بحيث إن لدينا الآن في تاريخ السينما فئة متكاملة تضم أفلام الحرب الفيتنامية.

النجم والسرطان والنهاية

ونعرف طبعا أن جون واين (1907 - 1979) الذي كان واحداً من أشهر نجوم السينما الأميركية، ولعب غالباً دور راعي البقر بتفوق أخرج هذا الفيلم بنفسه لأنه عجز عن العثور على مخرج يحترم نفسه يغامر بتحقيق هكذا فيلم.

وهو كذلك أنتجه بنفسه بتمويل من وزارة الدفاع الأميركية مشركاً ابنه في الإنتاج، ما حقق لهما ربحاً صافياً قدر يومها بملايين الدولارات، غير أن الثمن الذي دفعه جون واين في مقابل تلك "السقطة التاريخية" في مسيرته كان فادحاً. بل سجل نهايته هو الذي كان قد بدأ مساره السينمائي مجسداً دور الأميركي "الغربي" القوي والمحترم، ولقب دائماً بـ "الدوق"، ولعب البطولة المطلقة في نحو 140 فيلماً (بين 1928 و1976) حققت لمنتجيها أرباحاً طائلة.

لقد لعب واين عام 1976 في فيلم "مطلق النار" من إخراج دون سيغل، دور مقاتل يموت بسرطان، وهو ما كانت عليه حاله بالفعل في تلك السنوات التي كانت كئيبة في حياته على غير صعيد، خصوصاً بعد حال الغضب الشامل التي أثارها ضده إخراجه وتمثيله في "القبعات الخضر".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة