Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أفلام السيرة الذاتية... عبقرية الفرار من الأيقونة

تمنح السينما أفقاً مغايراً لحياة الفنانين وتجعلها تخترق تاريخاً وحدوداً وسياجات محددة سلفاً لتضفي عليها نوعاً من الواقعية الساحرة

هذه الأفلام وإن لعبت دوراً طليعياً في التجربة الغربية، فإنها عربياً لم تحظ بأية قيمة فنية حقيقية (مواقع التواصل)

ملخص

إن السؤال الذي يطرحه الناقد أولاً: ما الذي يجعل من سيرة نجمة ما على رغم شهرتها قابلة لتخييل سينمائي؟

ثمة أفلام كثيرة لعبت دوراً أساسياً في رصد سير بعض الفنانين والقبض عليها داخل عمل سينمائي. لكن الغريب أن هذه الأفلام أصبحت مرجعاً قوياً بالنسبة إلى الناس وهي تتحدث عن بعض الرسامين والممثلين والكتاب. إذ على رغم وجود عشرات المراجع المكتوبة التي أرخت لهذه التجارب الإبداعية، فإن الفيلم يبقى المرجع البصري القوي بالنسبة إليهم.

وتحضر هذه الأفلام بقوة داخل الفيلموغرافيا الغربية التي تظل المختبر البصري الذي فيه تتنفس وتعيش. إن التربة العربية غير صالحة لزراعة مثل هذه الأفلام التي ترصد حياة الفنانين وتصورها بطريقة يمتزج فيها الواقع بالخيال. فهذه الأفلام وإن لعبت دوراً طليعياً في التجربة الغربية، فإنها عربياً لم تحظ بأية قيمة على رغم وجود أفلام ومسلسلات وثّقت بعض تجارب الفنانين في الغناء.

 

 

من الجميل أن يصبح الفيلم السينمائي مدخلاً بصرياً حقيقياً لقراءة تجربة فنية وتلمّس معالمها الفنية. فهذا الأمر يضمر بطريقة خفية أن الفيلم ينطوي على معرفة سينمائية تتيح للمشاهد معرفة تجارب ومفاهيم وأحوال وبيئات. فالسينما ليست فناً ترفيهياً كما تروّج لذلك هوليوود، وإنما عبارة عن وسيط بصري يبدع المفاهيم وينتج عبرها فكراً خلاقاً. وعلى رغم إيمان المؤسسات الإنتاجية بعمق الفن السابع، فإنها تعمل إلى جانب المهرجانات العالمية على أن تجعل منها بذخاً جمالياً وسط المجتمع. فأغلب الأفلام المنتجة داخل هوليوود وبوليوود يطغى عليها البعد الاستهلاكي الذي أحال السينما إلى وسيلة ترفيهية.

مأساة السينما العربية

إن السينما على رغم كونها فناً واقعياً، فإنها حين تريد القبض عن سيرة ذاتية لفنان ما فإنها عادة ما تصطدم بمفهوم الذاكرة الذي يفرض عليها بشكل تلقائي نمطاً معيناً من التخييل البصري. فهي تشتبك منذ الوهلة الأولى مع عنصر الذاكرة وتحوله إلى مادة بصرية قابلة للتخييل. وعربياً نعثر على أفلام ومسلسلات مصرية عملت على تشريح بعض سير الفنانين، لكنها أعمال تفتقر إلى الخيال. كونها تطغى عليها الكتابة السيناريستيكية التي تعطل أحياناً دور المخرج وقيمته الجمالية من ناحية الصورة والتخييل. إنها أفلام تصلح أن تكون روايات أدبية لكنها ليست أفلاماً أو حتى مسلسلات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فالمشكل لا يرتبط بسيرة أم كلثوم أو عبد الحليم حافظ وغيرهما، بل بعدم قدرة المخرج على بلورة أفق بصري تصبح فيه سيرة الفنان مختبراً لقول ما لا يقال. إن سيرة الفنانين عبارة عن عملية تركيبية يمتزج فيها الحسي بالمهني والعقلي بالفانتاستيكي، وهذا الأمر يجعل عملية نقلها إلى فيلم وثائقي أو روائي صعبة لغزارة الأحداث وضرورة التقاط الأهم والمؤثر في التجربة.

في العالم العربي يتعامل المخرج بطريقة كرونولوجية تصبح معها الصورة عبارة عن أداة تأريخية لا أكثر. وفي هذا الأمر ما يطرح سؤالاً جوهرياً حول علاقة المؤرخ بالمخرج. فالأول غرضه معرفي محض، أما الثاني فهو يلجأ إلى السيرة لا لإظهار أبعاد معرفية وإنما لوضعها في قالب فني تخييلي. وإذا لم يستوعب المخرج السينمائي ماهية مفهوم السيرة فإنه يحول عمله السينمائي إلى مادة أرشيفية غير مؤثرة. فلماذا سيتشغل أصلاً على إخراج فيلم لا يأتي بجديد بصري في سيرة الفنان؟ هناك وعي دقيق عند المخرج الغربي بأهمية أفلام سيرة الفنانين، إذ يعمل على تنويعها ومقاربتها وفق نمط معين من السيرة. فإذا كانت السيرة تتناول تجربة نجوم كبار مثل جينيفر لوبيز أو تايلور سويفت أو براد بيت أو ليوناردو دي كابريو فإن الفيلم في الغالب يكون وثائقياً يستفيد من صاحب العمل لإظهار النجم في بعض الصور من أجل لفت الانتباه.

صور مختلفة

ثمة نمطان في السينما الغربية بالنسبة إلى الأفلام التي تناولت سيرة الفنانين: الأول عبارة عن أفلام حول النجوم المؤثرين اليوم في عالم السينما والغناء والموسيقى. ويغلب على هذه الأفلام النمط الوثائقي القائم على الحوار والأرشيف. وهي أعمال تحظى بنصيب كبير من المشاهدات، لكنها لا تحصل على جوائز. فقد عملت "نتفليكس" في الآونة الأخيرة على عرض عديد من هذه الأفلام المخصصة للنجوم. وهي في غالبها معطوبة وتفتقر إلى الخيال، فالفيلم الوثائقي على رغم نمطه التوثيقي المبني على الأرشيف والشهادات الواقعية الحية فإنه يضمر بعضاً من الخيال. بيد أن أفلاماً كهذه لا تسترعي النقاد ولا تجذبهم إلى الكتابة وعياً منهم بعدم قيمتها من الناحية الجمالية.

 

 

إن السؤال الذي يطرحه الناقد أولاً: ما الذي يجعل من سيرة نجمة ما على رغم شهرتها قابلة لتخييل سينمائي؟ إن العامل الخفي في السيرة يكون قوياً وضرورياً لكتابة فيلم عنها ومحاولة ترميم قصتها وحياكة خيوطها السردية حتى تنتظم داخل عمل سينمائي. مما يعني أن كثافة السيرة تبقى عنصراً أساسيا في عملية الكتابة. ذلك أن أفلام النجوم لا تعمل سوى على مرافقتهم في منازلهم الفخمة، وإظهار نمط عيشهم ومحاولة تبيان الطريقة التي بها يشتغلون في حياتهم اليومية. لهذا يعتقد عديد من النقاد أن هذه الأفلام لا تنتج أي خطاب بصري قوي بصوره وأنساقه البصرية، حيث إن الصور المنتجة يغلب عليها التنميط البصري الذي يُحول النجم/ النجمة إلى أيقونة فنية.

أما النمط الثاني فيتركز على سير فنانين كبار مؤثرين في العالم. وأشير على سبيل المثال لا الحصر إلى سيرة الفنان التشكيلي الإيطالي أميديو مودلياني (1884 - 1920)، والنحات السويسري ألبرتو جياكوميتي (1901 - 1966). فقد نُقلت هذه السير إلى عالم السينما، وفتحت هذه التجارب الفنية أفقاً بصرياً كبيراً، إذ على رغم ما كتب من مؤلفات عن الفنانين، فإن الأفلام الروائية التي أنجزت عنهما كان لها أثر بالغ في قلوب الناس. وهي تستعرض البعد التراجيدي في حياتهما وتحوّل مأساتهما إلى مختبر بصري لتكثيف القول وطرح أسئلة حقيقية حول الفن والتاريخ والصداقة والحب والألم والمأساة.

أفق بصري جديد

إنها أفلام ثرية تضمر اشتغالات مكثفة، سواء عن طريق السيناريو أو حتى من جانب الصورة السينمائية. وحظيت هذه الأفلام بإشادة كبيرة من لدن النقاد والمشاهدين على حد سواء. وإلى حد الساعة لا تزال أفلام "اللوحة الأخيرة" (2017) للمخرج ستانلي توتشي، وفيلم "موديلياني" (2004) من تأليف وإخراج ميك ديفيس، بمثابة مراجع بصرية مذهلة للتعرف إلى هذه السير المؤثرة في الفن الحديث. إننا أمام نوع آخر من أفلام سينمائية لا تتعامل مع الشخصيات وفق منزع أيقوني بقدر ما تتعامل معها على أساس أنها شخصيات قابلة لأن تغدو مادة سينمائية.

 

 

بين الوثائقي والروائي تمنح السينما أفقاً مغايراً لسير الفنانين وتجعلها تخترق تاريخاً وحدوداً وسياجات، وترسم لها سيرة أخرى في وجدان المشاهد. إن المخرج حين يتعامل مع سيرهم إنما يضعها داخل مختبر فكري لكن له صلة بالتخييل. ففي "اللوحة الأخيرة" يحضر ألبيرتو جياكوميتي بوصفه شخصاً عادياً، قلقاً، مريضاً، مجنوناً، مزاجياً، وحالماً. فقد تعمد المخرج التعامل معه كإنسان عادي يمارس الفن في محترفه، محاولاً القبض عن ملامج بورتريه أخير. ويرتكز الفيلم على قلق الفنان، ويحاول أن يبني عبره صورة عن فنان حقيقي يتأثر بجراح الإنسان في زمنه. في حين يصور مخرج فيلم "موديلياني" الفنان بطريقة شاعرية تظهر مأساة الرجل والطريقة التي بها رُفض فنه، وثورته على الفنانين، ونزوعه الدائم إلى عيش حياة بوهيمية تتماشى مع شخصياته التي يرسمها ويضفي عليها نوعاً من الواقعية الساحرة.

اقرأ المزيد

المزيد من سينما