Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"دوبامين" من نوع آخر يقوده إدمان تلقي الإعجابات

دوامة نشر يرافقها هاجس المتابعة تنشط الخلايا العصبية مما يفعل نظام المكافأة في الدماغ

عالم مصمم بدقة على أساس توليد الاحتياج المتزايد للإعجابات (أن سبلاش)

ملخص

كيف يؤثر عدد الإعجابات التي نتلقاها في صورتنا الذاتية؟ وكيف تحول نشاطنا على مواقع التواصل الاجتماعية إلى فعل إدماني؟ وكيف يمكن كسر حلقة الإدمان هذه؟

بعد أن أصبحت منصات التواصل الاجتماعي ضرورة أساسية في الحياة اليومية للبشر، استطاعت أن تغير بكل جدارة، خلال بضع سنوات، طريقة تواصلهم وتفاعلهم واكتسابهم المعلومة، وحتى طريقة كسب لقمة عيشهم، فتقدمت كل منصة من المنصات الأساس، "فيسبوك" و"إنستغرام" و"إكس" (تويتر سابقاً)، لتضع أطراً وتقدم حلولاً جديدة وخيارات لكيفية إرسال الدعوات الرسمية، كالزفاف والوفاة والتأبين ومقابلة العمل والبيانات الرسمية، أو كيفية التدوين وكتابة المذكرات أو طريقة أرشفة الصور العائلية وحفظ المناسبات الخاصة، إضافة لاستخدم "يوتيوب" كأداة لتحقيق الذات وإطلاق المشاريع وزيادة الدخل.

فصارت هذه المنصات مرآة لعكس وإبراز الشخصية وأداة تجميل تحول الواقع وتشذبه رقمياً، لكن الحقيقة أننا نستهين، بحكم الاعتياد وغياب الانتباه، بمدى تأثير تطبيقات التواصل الاجتماعي ومنصاته علينا، ونسهو عن طبيعة هذا العالم الذي وضع قوانين ومفاهيم وحسابات خاصة به، ننجر وراء تحقيقها من دون وعي منا.

 

الإعجابات والصورة الذاتية

وفي غمرة سعادتنا بتحقيق نسبة وصول كبير لمنشورتنا وتزيينها بعدد الإعجابات والتعليقات الإيجابية الداعمة، ننسى أننا نستند كل مرة على دليل واهٍ ومتغير لإثبات مدى قبولنا اجتماعياً ودرجة نجاحنا عملياً، إضافة إلى الميل نحو المقارنة بصورة دائمة، فالحقيقة أن هذا العالم، بحسب ما قاله الخارجون من قاعاته السرية، مصمم بدقة على أساس توليد الاحتياج المتزايد للإعجابات، لتنشر أكثر وتزيد صداقاتك الافتراضية أكثر، إذ لا يخفى على أحد أن حجر أساس نموذج العمل لهذه الشركات هو إبقاء المستخدمين داخل تطبيقاتها أكبر وقت ممكن، وجذب أكبر قدر ممكن من الاهتمام.

لذا من الواضح أن الإعجابات أصبحت العملة التي يقاس بها الرصيد الاجتماعي ووحدة القياس التي يحسب على أساسها مدى قوة التأثير وجذب الاهتمام والتفاعل، إلا أن سؤالاً يلح هنا: هل ما نحظى به من أعداد متابعين ومعجبين دقيق حقاً؟

ويخبرنا الخبراء أنه بإمكاننا بملاحظة سريعة لعدد المتابعين وكم الإعجابات على أي صفحة، التأكد من دقة هذه الأرقام إضافة إلى سرعة انتقال المنشور من أعداد قليلة إلى ارتفاع مفاجئ وغير منطقي بالعدد، ليعطي دليلاً أولياً بأن هذه العملية مبرمجة من قبل شركات خاصة وأشخاص يعملون اليوم في مجال الترويج وزيادة عدد الإعجابات، وسواء كان الأشخاص المشاركون حقيقيين أم مزيفين، نحن في الحالتين أمام تزييف للحقائق على المستوى العام، ومحاولة لتحقيق شعور موقت من الرضا الوهمي بابتلاع جرعة دوبامين موقتة من النوع الرديء.

 

دوبامين من نوع آخر

وفي حين أن البشر بطبيعتهم يحبون التعبير عن أنفسهم وتلقي ردود فعل إيجابية، إلا أن المثير للاهتمام أن الناس يميلون اليوم إلى ربطها بشعورهم بقيمتهم الذاتية، إذ يربطون بصورة تلقائية بين عدد الإعجابات التي يتلقونها ومدى جودة محتواهم أو جمال صورهم، وهذا بحد ذاته وهم أنتجته وسائل التواصل الاجتماعي، بل عملت عليه بدقة لامتناهية، ليصبح مع الوقت مقياساً لتقدير المرء لذاته ومدى قبول الآخرين له، ومعياراً لقوة شعبيته وتأثيره، إذ تتيح هذه المنصات مشاركة التجارب والآراء حول أي شيء، وتطلب منك صراحة أن تخبرنا ماذا يجول في رأسك في كل وقت، لتوصلها في الوقت الفعلي إلى أصدقائك ومتابعيك وأصدقاء أصدقائك وأشخاص لا تعرفهم حتى، وتسمح لك في الوقت ذاته بتلقي ردود الفعل والملاحظات، سواء برمز تعبيري صغير أو بملاحظة فورية، وهنا غالباً ما يقع معظم مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي في دوامة نشر يرافقها هاجس المتابعة، إذ يصعب على مدمن هذا العالم تجاهل متابعة الإشعارات والالتفات ثانية إلى عمله، بعد تركه منشوراً ما على صفحته، وغالباً ما يرافقه شعور بالإحباط تارة عند توقف عدد الإعجابات لدقائق، والسعادة حيناً عند زيادتها بصورة مفاجئة، وعلمياً ينشط هذا الشعور المفاجئ السريع الخلايا العصبية أو العصبونات الدوبامينية، وهي المصدر الرئيس للدوبامين في الجهاز العصبي ما يفعل نظام المكافأة في الدماغ.

والدوبامين نوع من الناقلات العصبية. يصنعه الجسم، ويستخدمه الجهاز العصبي لنقل الرسائل بين الخلايا العصبية. ويلعب دوراً في الشعور بالمتعة، وفي القدرة على التفكير والتخطيط، فهو يساعد على التركيز والعثور على الأشياء المثيرة للاهتمام.

وتلعب هذه الخلايا دوراً مهماً في التحكم بوظائف المخ المتعددة بما في ذلك مجموعة واسعة من العمليات السلوكية مثل المزاج والمكافأة والإدمان والتوتر، ويؤكد العلماء أنه في العالم الحديث، أصبح كسب الإعجابات نوعاً خفياً من المخدرات، إذ يملك التأثير نفسه، وينشط مراكز المكافأة نفسها في الدماغ، وقد وثقت قدرة الإعجابات على تنشيط إفراز الدوبامين (هرمون المكافآت)، تأثيراً يمكن أن نحصل عليه أيضاً من تناول الشوكولاتة والوجبات السريعة، فمجرد كونك مشهوراً على الإنترنت يخلق دائرة من المكافآت تجعلك تتوق إلى المزيد دوماً، فعدد معجبين أكبر يعني إفراز دوبامين أكثر، بالتالي سعادة أكبر.

هل كل إعجاب... إعجاب؟

والأكيد أن النسبة الكبرى من المنشورات، بخاصة الطويلة منها، لا تقرأ، فالوقت قليل، والأصدقاء كثر، ناهيك بعادة التصفح اللاواعي، فنسبة غير قليلة من مدمني منصات التواصل الاجتماعي، يضغطون على أيقونة التطبيق من دون وعي تحكمهم العادة، لتبدأ رحلة التصفح الحر بلا وجهة واضحة، والتي غالباً ما ترافقها إعجابات غير واعية وغير واضحة الأسباب أيضاً.

والحقيقة أن كثراً يتركون إعجابهم أو يقومون بمشاركة منشورات لم يقرأوها، ربما من باب الإعجاب والثقة بالشخص، أو من باب الضرورة، فلكي تحصل على إعجاب ودعم لا بد أن تبادر أنت به أولاً، والبعض يضع إعجاباً وكأنه يترك توقيعه الخاص موافقاً على ما ورد في المنشور، ولكن هنا وهناك غالباً ما تحظى الصور الشخصية بأعلى نسبة إعجاب وتعليقات فهي، على عكس الآراء الشخصية، لا تتطلب سوى مجاملة والقليل من اللطف، لتترأس قائمة المنشورات الأعلى وصولاً على الإطلاق.

وفي نهاية المطاف، لا بد أن نعترف أن نسبة غير قليلة من الإعجابات لا علاقة لها بالإعجاب حقيقة، بل هي مجرد ضغطة زر صممت خصيصاً لتناسب نمط حياتنا العصري، في حين يرجى منها تعزيز الترابط افتراضياً، بغض النظر عن قوة العلاقة أو حتى نوعها على أرض الواقع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إخفاء الإعجابات والصحة النفسية

ويمكن أن يبرز مدى التأثير النفسي للإعجابات في إقبال الناس على شرائها لدعم صورتهم الذاتية، حتى أضحت خدمة مطلوبة لا يستهان بمدى رواجها اليوم، إذ تستهدف واحدة من أهم الحاجات الإنسانية، الحاجة للاهتمام والتعاطف، وفي بعض الأحيان تصل حالة التماهي في أن يتناسى الشخص نفسه حتى ينسى تدريجاً أنه هو من قام بزيادة "رقم" المتابعين، أي إنه رقم في نهاية الأمر، لن يغير شيئاً في حجم التفاعل، في الأقل المستقبلي منه، ولن يضيف الاعتماد على الأرقام شيئاً لصورته، فالمحتوى سيد القرار.

والأكيد أن لهذا الربط بين القيمة ومدى تفاعل الآخرين أثراً سلبياً، إذ من الطبيعي ألا تحظى بعض منشوراتنا بالقدر نفسه من الاهتمام والتقدير، والسبب ليس وجود الرأي الآخر فحسب، بل الخوارزمية بحد ذاتها والبرمجة التي تستند عليها هذه المنصات، كما من الطبيعي والمؤكد أن يكون دائماً لدى أحد آخر عدد أكبر من الأصدقاء أو المتابعين، ومن باب الصحة النفسية والحفاظ على القيم الاجتماعية، ألا تكون وسائل التواصل الاجتماعي عبارة عن منافسة، على رغم أنها في الحقيقة غالباً ما تكون كذلك.

وفي هذا السياق، روجت "ميتا" في السنوات الماضية إلى ميزة اختيارية تسمح لمستخدمي "فيسبوك" و"إنستغرام" ميزة إخفاء عدد التفاعلات مع المنشورات الشخصية، في خطوة أعلنت فيها حرصها تخفيف الضغط على المستخدمين وتقليل الإحراج والقلق، بخاصة عند المراهقين الذين من الممكن أن يكون لرأي الآخرين بهم أهمية مضاعفة، وبعد أن لاحظت أن المستخدمين يقومون بحذف المنشورات التي لا تحظى بعدد إعجابات مقبولة بالنسبة لهم، فكانت هذه محاولة منها لكسب تفاعل أكبر وإتاحة المجال للمستخدمين للنشر المكثف بحرية بغض النظر عن عدد التفاعلات، لكن الحقيقة أن هذا التغيير جاء أيضاً وسط القلق المستمر في شأن الآثار الضارة المحتملة على الصحة العقلية لدى مدمني وسائل التواصل الاجتماعي.

والحقيقة أن الهوس بالإعجابات أصبح اضطراباً شائعاً، اليوم، يحتاج إلى الوقوف عنده في عالم ينصب تركيزه الأول على منصات التواصل الاجتماعي، وهنا ينصح الخبراء بضرورة كسر حلقة الإدمان هذه، بالتعرف إلى الإدمان أولاً والاعتراف بوجوده، والانتباه إلى عدم الانجراف وراء تحقيق إنجازات افتراضية على مستوى تقدير الذات، والسعي وراء تغذية الاحترام الذاتي من خلال الحصول على مزيد من الإعجابات، ثم إعادة النظر في صورة حياتنا لتحقيق توازن بين الحياتين الحقيقية والافتراضية، بصورة لا يجعلنا مجرد كائنات ناشطة افتراضياً وخاملة على أرض الواقع.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات