Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يصبح تقرير المصير واقعا لتقسيم السودان؟

يتخوف كثر من أن تؤدي الحرب بين الجيش و"الدعم السريع" إلى تفتيت البلاد

إلى أي مدى ساهمت حرب الخرطوم في تغذية نعرة الانفصال عبر حق تقرير المصير؟ (أ ف ب)

ملخص

إلى أي مدى أسهمت حرب الخرطوم في تغذية نعرة الانفصال عبر حق تقرير المصير؟ وهل بالإمكان تفادي هذه الأخطار وعودة السودان وطناً يتسع للجميع؟

يتخوف كثر من السودانيين من أن يؤدي اتساع رقعة الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، وما صاحبها من استقطابات وانقسامات جهوية وإثنية وتفشي خطاب الكراهية بين مختلف مكوناتها الاجتماعية والسياسية إلى تفتيت البلاد وتفكيكها، مما يجعل تقرير المصير أمراً وقعاً لتقسيم السودان إلى دويلات صغيرة، بخاصة أن هذا المطلب ظلت تنادي به أقاليم وكيانات عدة، فضلاً عن تضمنيه في عديد من المواثيق الموقعة بين الكيانات السودانية المختلفة، والتي كان آخرها إعلان نيروبي الذي وقع بين رئيس الوزراء السوداني السابق عبدالله حمدوك ورئيس حركة تحرير السودان عبدالواحد محمد نور، ورئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال عبدالعزيز الحلو، ودعا إلى وقف الحرب وتأسيس الدولة المدنية ومنح حق تقرير المصير لشعوب السودان في حال عدم تضمين مبادئ الاتفاق في الدستور الدائم في البلاد.

فإلى أي مدى أسهمت حرب الخرطوم في تغذية نعرة الانفصال عبر حق تقرير المصير؟ وهل بالإمكان تفادي هذه الأخطار وعودة السودان وطناً يتسع للجميع؟

 

تقرير المصير

وقال المتخصص في الاقتصاد السياسي حسن بشير محمد نور "من المفترض أن يتم تقرير المصير في ظل وجود إجراءات قانونية وجوانب إجرائية محددة مثل الاستفتاء، وهذا عادة يجب أن يتم في ظروف مستقرة وطبيعة للتأكد من صحته ونزاهته وضمان المشاركة الضرورية من أصحاب المصلحة، وكل هذا غير متاح الآن، ولن يكون ممكناً بصورة مباشرة بعد توقف الحرب، كما لن يتم هذا الإجراء في حال توقفت الحرب إلا بعد القيام بالترتيبات التي تحقق الشروط المتبعة في هذا الخصوص". وأضاف محمد نور "بالتالي، فإن تقرير المصير بالمعنى الصحيح والحقيقي لأي جزء من مناطق البلاد غير ممكن الآن، وأي خطوة في هذا الاتجاه تكون قد تمت على أسس عرقية جهوية، وربما ذات بعد قبلي وستتم بصورة غير منظمة، فضلاً عن أنها قائمة على أسس غير قانونية، وإنما واحدة من تداعيات الحرب وتحالفاتها واصطفافاتها، وستكون مشابهة لما تم في سوريا وليبيا علي سبيل المثال".

وتابع المتخصص في الاقتصاد السياسي "الحرب أذكت نار الاصطفافات القبلية والجهوية، كما أضعفت المؤسسات الهشة بطبيعتها، إضافة إلى أن هذه الحرب أصابت النظام السوداني في المركز ذي الطبيعة الهشة، وربما أسست لانهيار الدولة السودانية، إلا في حال تم تدارك الوضع بتدخل دولي وإقليمي واسع النطاق لمساعدة السودانيين لمعالجة جذور المشكلة، ولا أرى أفقاً لحل هذا النزاع من خلال حوار سوداني - سوداني فقط نسبة لتداخل المصالح وعمق التدخلات الخارجية، مما يستدعي أن يكون الخارج معنياً بوحدة السودان وتماسكه ليس لمصلحة البلاد فحسب وإنما لعوامل الاستقرار الإقليمي والدولي".

تناقض مواقف

وفي السياق أيضاً، قال عضو قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي في السودان وجدي صالح "بالطبع أحدث تطاول أمد هذه الحرب اللعينة على بلادنا وتمددها في ولايات البلاد انقسامات نوعية شتى داخل المجتمع السوداني، مما ألقى بظلاله وآثاره على مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بسبب انتشار خطابات الكراهية وحالات الاستقطاب التي يروج لها أطراف الحرب ودعاتها ومؤججو نيرانها". وأشار إلى أنه "من المفيد ابتدار حوار حول قضايا التطور الوطني بخاصة مع الفصائل التي عبرت عن قضاياها بالسلاح، من أجل ترغيبها باتباع الحلول السياسية السلمية المدنية بدلاً من حمل السلاح". وتابع صالح "في تقديري أن عدداً من النخب السودانية، وكما حدث أخيراً في إعلان نيروبي، تتناقض مواقفها وأطروحاتها مع أهم الثوابت الوطنية وكأنها شعار أو قضية سياسية يمكن إخضاعها للتكتيكات في ظل الحرب الدائرة الآن في البلاد، بإعادة الحديث عن الوحدة الطوعية الجاذبة وحق تقرير المصير، من دون التعلم من تجربة فصل الجنوب عن الشمال"، وبين أن "أي دعوة لتقرير المصير تعد بمثابة حل زائف ومفتعل لقضية حقيقية، فضلاً عن أنه اتجاه لوضع الأساس المادي للانفصال"، لافتاً إلى أن "قضايا ما بعد وقف الحرب لا يمكن إنضاجها وضمان تحقيقها والالتزام بها إلا عبر توافق وطني واسع يتم من خلال مؤتمر جامع ومؤتمرات تخصصية، لكن هذا لا ينتقص من الحوارات الثنائية التي تعبر عن إرادة الشعب وتقاليده النضالية وتطلعاته المستقبلية".

وواصل صالح "الحرب لم تكن رغبة وطنية ولا تعبيراً عن تطلعات شعبية حتى توظف نتائجها، فهي نتيجة تراكمات تتعلق بالعجز عن تحقيق مهام ما بعد الاستقلال، ومن تلك الأسباب التطور غير المتوازن والخلل في توزيع الخدمات والتنمية والثروات، بالتالي لا يمكن عزل استمرار الحرب لعوامل داخلية وخارجية عن مخطط تفتيت وتقسيم السودان".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ونوه عضو قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي في السودان إلى أن "بعض النخب والزعامات التقليدية تغلب مصالحها وطموحاتها الخاصة برفع شعارات براقة، بيد أن الوحدة والتنمية المتوازنة هو عنوان النهوض والتقدم والتعايش والتآخي، لكن نستغرب أحياناً ممن يرفعون قضايا الهامش والدعوة للعدالة والمساوة وفي الوقت نفسه يطالبون بتقرير المصير". وزاد أن "المطالبة بتقرير المصير في هذه الأجواء لا تخدم المطالب الشعبية والوطنية التي في سلم أولوياتها وقف الحرب، فضلاً عن أنه ينسجم مع مخطط التفتيت المعلن الذي لا يخدم التقدم واستدامة الديمقراطية". وختم صالح "بالطبع ليست الحرب وحدها التي أسهمت في حالة التشظي التي ضربت بلادنا، فالطريق واحد لتفادي هذه الأخطار وبناء وطن يتسع للجميع من خلال تأسيس دولة المواطنة".

تعقيدات تاريخية

من جانبه، قال الأمين العام للحزب الوطني الاتحادي الموحد محمد الهادي محمود "إن استمرار هذه الحرب أيقظ مشكلات البلاد بكل تعقيداتها التاريخية والتي لم تجد الحل عبر مشروع وطني شامل، إذ نجدها تثير مشكلة تقرير المصير التي تحققت لجنوب السودان قبل 13 عاماً، بالتالي أصبحت هذه الحرب مهدداً حقيقياً لوحدة البلاد، ويمكن أن تتحول إلى حرب أهلية شاملة، لذلك ليس بغريب أن تثار عملية تقرير المصير لكثير من الأقاليم السودانية جراء الفوضى وفشل الدولة في تحقيق الأمن والسلام والاستقرار، بخاصة الأقاليم التي يهدد بعض أبنائها برفع هذا الشعار من وقت لآخر بسبب التهميش وانعدام التنمية والفقر". وأضاف محمود "هناك محاولات عديدة من قبل الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو لاستخدام ورقة تقرير المصير في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وكذلك الحال بالنسبة لقائد حركة تحرير السودان عبدالواحد محمد نور الذي لم يستجب من قبل لأي مبادرة سلام، لكنه وقع على إعلان نيروبي الذي يتضمن حق تقرير المصير، وبعد سيطرة (الدعم السريع) على معظم إقليم دارفور، طالب عدد من منسوبي شمال ووسط البلاد المحسوبين على الحركة الإسلامية بتقرير مصير دارفور، بل انفصاله بالسيناريو نفسه لانفصال جنوب السودان".

وتابع محمود "من المؤكد أن تقرير المصير من الحقوق الأصيلة للشعوب حتى تعيش الدولة ومواطنوها في أمن وسلام واستقرار، وبالنسبة للدولة السودانية فقد تقرر مصيرها كدولة موحدة منذ عام 1956، وسبق ذلك التاريخ كثير من الحلول لمشكلة جنوب السودان، ولجأت القوى السياسية لحل هذه المشكلة بإقامة مؤتمر جوبا 1947 الذي أوصى بتمثيل الجنوب في المجلس التشريعي تمهيداً لوحدة السودان في ما بعد، ثم انعقد مؤتمر المائدة المستديرة في جوبا عام 1965 وتنازع موقف الجنوبيين خلال جلساته بين الانفصال والاتحاد". وقال الأمين العام للحزب الوطني الاتحادي الموحد أيضاً "لكن تفاقمت المشكلة بعد استيلاء الإسلاميين على السلطة بانقلاب يونيو (حزيران) 1989، مما عقد الأمر حتى وصوله إلى محطة تقرير المصير الذي أدى إلى انفصال الجنوب باستفتاء شعبي، وهذا كان بمثابة المسمار في نعش الوطن، ونخشى أن يكون مهدداً لوحدة البلاد".

المزيد من تقارير