Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصين تلجأ إلى الخيار الأصعب لانتشال اقتصادها من مركب العقارات الغارق

طالبت الحكومات المحلية بشراء المنازل غير المباعة لتحويلها إلى مساكن اجتماعية

 الحكومة الصينية تسعى إلى توفير 41.5 مليار دولار من النقد الرخيص للبنك المركزي (أ ف ب)

ملخص

القيمة الإجمالية للمنازل غير المباعة والمشاريع غير المكتملة والأراضي غير المستخدمة في الصين تبلغ نحو 30 تريليون يوان (4.1 تريليون دولار)

على رغم الإجراءات الواسعة التي نفذتها الحكومة الصينية لإنقاذ قطاع العقارات إلا أن الأزمة لا تزال قائمة، وأطلقت بكين خطتها الأكثر طموحاً حتى الآن لإنقاذ سوق العقارات، وهي الخطة التي انتظرها المستثمرون بفارغ الصبر منذ أشهر عدة، لكنه ليس من المؤكد أن هذه الإجراءات ستنجح في انتشال القطاع الأكبر في الصين من عثرته.

والخطة الصينية تدور حول تبني الدولة سياسة اُختبرت فعلياً في مدينة كبرى، إذ طالبت الدولة الحكومات المحلية بشراء المنازل غير المباعة من المطورين وتحويلها إلى مساكن اجتماعية ميسورة الكلفة، تتميز بخفض أسعار الفائدة على الرهن العقاري وتوفر 300 مليار يوان (41.5 مليار دولار) من النقد الرخيص للبنك المركزي لتمويل مشتريات الدولة من العقارات غير المباعة.

وجاء هذا الإعلان الأسبوع الماضي بعد اجتماع الشهر الماضي للمكتب السياسي، أعلى هيئة حاكمة في الصين، مما أشار إلى أن استقرار قطاع العقارات أصبح أولوية قصوى بالنسبة إلى بكين في الوقت الذي تحاول فيه إحياء النمو في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

أزمات تمويل قد تعرقل خطط الإنقاذ

في غضون ذلك قال كبير الخبراء الإستراتيجيين في الصين في مؤسسة "إي إن زد" تشاوبنغ شينغ عبر مذكرة بحثية حديثة، إن "صناع السياسات يدركون الحاجة الملحة إلى منع حدوث أزمة عقارية صريحة"، مضيفاً "تظهر خطة الإنقاذ الجديدة تصميم صناع السياسات على تغيير الأمور".

وفي حين أن هذه الضرورة الملحة موضع ترحيب يقول المتخصصون إن الحزمة الحالية قد تكون أصغر من أن تكون ذات فعالية، وقد تعاني مشكلات في التمويل.

ووفقاً لبنك "غولدمان ساكس" فإن القيمة الإجمالية للمنازل غير المباعة والمشاريع غير المكتملة والأراضي غير المستخدمة في الصين تبلغ نحو 30 تريليون يوان (4.1 تريليون دولار).

وكتب محللو "غولدمان ساكس" في مذكرة بحثية حديثة أن خفض المعروض من المساكن إلى المستويات التي شوهدت آخر مرة عام 2018، وهو عام ذروة الطفرة العقارية في البلاد، قد يتطلب أكثر من 7 تريليونات يوان (967 مليار دولار) لجميع المدن، وهذا أكثر من 20 ضعف مبلغ التمويل الذي أعلنه بنك الشعب الصيني (المركزي الصيني).

وفي وقت توسع الاقتصاد الصيني بسرعة أكبر من المتوقع في بداية هذا العام إلا أن النمو يتأثر بقطاع العقارات البالغ الأهمية، إذ يمثل نحو 30 في المئة من النشاط الاقتصادي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى رغم موجة الإعلانات خلال الأسبوع الماضي إلا أنه لا يزال من غير الواضح بالضبط كيف ستنفذ المشتريات الحكومية، وما هو المبلغ المطلوب لتمويل الشراء، والأهم من ذلك هو عدم الوضوح في شأن المكان الذي يمكن من خلاله للحكومات المحلية التي تعاني ضائقة مالية الحصول على الأموال اللازمة لدفع ثمنها.

وفي تصريحات حديثة قال نائب محافظ "بنك الشعب" تاو لينغ إن برنامج إعادة الإقراض قد يدعم في النهاية قروضاً بنكية بقيمة 500 مليار يوان (69 مليار دولار) كدعم للشراء، ولكن حتى هذا الرقم أقل بكثير مما قد يكون مطلوباً، إذ يقدر بعض المحللين أن مئات المليارات من الدولارات قد تكون ضرورية لإنهاء ملايين المنازل الفارغة أو غير المكتملة في جميع أنحاء البلاد.

من جانبه قال كبير الاقتصاديين الصينيين في بنك "نومورا" تينغ لو الذي وصف مشكلة الإسكان في البلاد بأنها ملحمة، إنه "بمجرد الانتهاء من بناء المنازل المباعة مسبقاً سيتطلب ما لا يقل عن 3.2 تريليون يوان (442 مليار دولار)"، وقدر أن هناك حالياً 20 مليون منزل مباع مسبقاً لا تزال غير مبنية.

أما كبيرة الاقتصاديين لمنطقة الصين الكبرى في "بنك أوف أميركا" هيلين تشياو فقالت إن "حجم التمويل بحد أقصى 500 مليار يوان (69.07 ملياردولار)، واصفة هذا التمويل بأنه "مخيب للآمال إلى حد ما".

 وأوضحت أنه من دون مزيد من التوسع فمن غير المرجح أن تحدث الخطة "فرقاً ملحوظاً" في مخزون المنازل الفارغة أو غير المكتملة.

من أين تحصل الحكومات المحلية على التمويل؟

ولم يتضح أيضاً من أين يمكن للحكومات المحلية المثقلة بالديون الحصول على التمويل، بما يتجاوز المبالغ الصغيرة نسبياً التي يقوم بنك الشعب الصيني بتوجيهها عبر بنوك الدولة.

وفي بيان حديث قالت وزارة الإسكان في الصين إن "الحكومات المحلية يمكنها إصدار تعليمات للشركات المحلية المملوكة للدولة للمساعدة في شراء بعض المنازل غير المباعة من المطورين"، لكن أدوات التمويل الحكومية المحلية التي تحمل بالفعل كمية هائلة من الديون المخفية لا يسمح لها بإجراء عمليات الشراء، وفقاً لما ذكره تاو من بنك الشعب الصيني، مشيراً إلى أن هذا يترك خيارات أقل للسلطات المحلية للعثور على الأموال.

إلى ذلك تراكمت على المدن الصينية بالفعل ديون بنحو 15 تريليون دولار معظمها خفي، بعد أن اقترضت بكثافة خلال الأعوام الأخيرة لتغطية كلفة الإنفاق المرتبطة بالوباء ومشاريع البنية التحتية.

وأدى تراجع سوق الإسكان إلى تفاقم مشكلاته المالية، إذ تمثل مبيعات الأراضي عادة أكثر من 40 في المئة من إيرادات الحكومة المحلية.

وأجبرت أزمة الديون عدداً من المدن الصينية على خفض الإنفاق، بما في ذلك تعليق الخدمات الأساس مثل تدفئة منازل الناس في الشتاء.

وعن ذلك قال الاقتصاديان الصينيان في بنك "إتش أس بي سي"، شينغ ليو وتايلور وانغ، عبر مذكرة بحثية حديثة إنه "إذا ما كان من الجيد وضع مزيد من الديون على الحكومات المحلية ذات الاستدانة العالية بالفعل، فهذا أمر مثير للنقاش".

ومنذ عام 2019 بدأت صناعة العقارات داخل الصين في التباطؤ، وانخفضت إلى أدنى مستوياتها منذ نحو ثلاثة أعوام بعد حملة قادتها الحكومة على اقتراض المطورين.

وفي وقت باكر من عام 2022 بدأت جهود الإنقاذ عندما أثار الركود أزمات لدى بعض المطورين وأثار احتجاجات من قبل عشرات آلاف مشتري المنازل رداً على المشاريع المتأخرة أو المتوقفة، لكن التدابير كانت غير فعالة إلى حد كبير مما أدى إلى تدهور التدفق النقدي بين المطورين.

وقال شينغ إن أحدث قصة في شركة "فانك"، وهي شركة عقارية كبرى، تشير إلى أن كل مطور معرض للخطر.

مجرد بداية للقضاء على أزمة الإسكان

في تلك الأثناء يقول المحللون إن "معالجة الفائض في المعروض من المنازل غير المباعة ليست سوى الخطوة الأولى، إذ تحتاج الحكومة إلى معالجة ثلاث مشكلات".

ويقول محللو بنك "غولدمان ساكس" إن الخطوة الأولى تتضمن إنقاذ المطورين ومساعدتهم في استكمال المنازل المباعة مسبقاً ولكن غير المكتملة، وهو ما تهدف الإجراءات الجديدة إلى معالجته، مضيفين أن "هذا مهم للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي الشامل ووقف مزيد من الانخفاضات في مبيعات المنازل الجديدة"، لكنهم استدركوا قائلين إن "الخطوتين الثانية والثالثة تتضمن تعزيز الطلب على الإسكان وتخفيف الانكماش في بناء العقارات، ويتطلب هذا اتخاذ تدابير أكثر تفصيلاً لإنعاش ثقة المستهلك وتعزيز أسعار المساكن، وما يزيد الطين بلة أن البيئة الخارجية أصبحت صعبة على نحو متزايد".

وأعلنت الحكومة الأميركية الأسبوع الماضي فرض تعريفات جديدة على الصين قد يتبعها إجراء مماثل من قبل الاتحاد الأوروبي، فيما هدد الرئيس السابق دونالد ترمب بالذهاب إلى أبعد من ذلك من خلال فرض رسوم جمركية بـ 60 في المئة على الواردات من الصين إذا أعيد انتخابه.

وقدر شينغ أن التعريفات الجمركية التي اقترحها ترمب يمكن أن تخفض معدل النمو في الصين بما يصل إلى 0.9 في المئة، فيما يرى الاقتصاديان الصينيان في "سوسيتيه جنرال" ميشيل لام ووي ياو أن "عملية الإنقاذ لن تغير قواعد اللعبة بالنسبة إلى الإسكان في المدن ذات المستوى المنخفض، والتي من المرجح أن تظل مكتئبة".

ويعتقد المحللون أيضاً أن خطة الإنقاذ في حاجة إلى توسيع مع الإعلان عن سياسات أكثر تفصيلاً، لكن الأمر الأكثر أهمية هو أن بكين اتخذت المبادرة الجريئة التي من شأنها أن تساعد في استقرار التوقعات. وقالوا إنه من منظور طويل الأجل يمكن للخطة أن تقلل خطر انزلاق الصين إلى "دوامة انكماشية" كما فعلت اليابان، إذ إن الدرس الرئيس المستفاد من ذلك هو أن صناع السياسات يجب أن يتجنبوا فعل القليل جداً بعد فوات الأوان، مضيفين أن "هذا قد يكون بداية النهاية لأزمة الإسكان في الصين".