Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سرت "المكلومة" تعود بواجهة تجارية ضخمة على البحر

مشروع لإنشاء أكبر ميناء ومنطقة حرة كبوابة للتبادل السلعي بين أوروبا وأفريقيا بعد سنوات من جحيم الإرهاب

عملية تطوير الميناء وإنشاء المنطقة الحرة تشرف عليها حكومة الشرق الليبي التي تسيطر على سرت منذ أعوام (مواقع التواصل)

ملخص

بعد كل هذه المعاناة بدأت سرت اليوم تعيش مرحلة جديدة يمكن أن تنسي سكانها الحكايات المؤلمة التي عاشوها وعايشوها منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، بانطلاق مشروع إعمار وتنمية ضخم

لم تعان مدينة ليبية بسبب الفوضى الأمنية والانقسام السياسي في الأعوام الـ13 الأخيرة مثلما عانت مدينة سرت لأسباب جغرافية واجتماعية وسياسية، فهي حلقة الوصل ونقطة التقاء الجزء الشرقي من البلاد بالشق الغربي منها، مما جعلها منطقة التماس في نزاعاتهما العسكرية المتعددة إضافة إلى كونها مسقط رأس القذافي ومكان ولادته ومقتله ومعقله الأخير الذي احتمى فيه بعد أن ضاق عليه الخناق وضاقت به السبل.

دفعت سرت ثمناً باهظاً لانتماء القذافي إليها من خصومه الذين أطاحوا به وانتقموا منها بعد ذلك لسنوات، وتفاقمت معاناتها عندما اتخذها تنظيم "داعش" معقلاً رئيساً له خلال فترة تمدده في ليبيا بين عامي 2012 و2017، لتشهد حرباً ثانية للقضاء عليه أسهمت فيها قوات محلية بمساندة غطاء جوي من طائرات تابعة لقوات "الأفريكوم" الأميركية وخلفت دماراً كبيراً وندوباً كثيرة في قلوب سكانها ومكوناتها الاجتماعية.

بعد كل هذه المعاناة بدأت سرت اليوم تعيش مرحلة جديدة يمكن أن تنسي سكانها الحكايات المؤلمة التي عاشوها وعايشوها منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، بانطلاق مشروع إعمار وتنمية ضخم محوره الاستراتيجي ميناء جديد ومنطقة تجارة حرة ستجعلها مستقبلاً بوابة للتبادل التجاري بين الجنوب الأفريقي والشمال الأوروبي خلال سنوات قليلة.

مشروع استراتيجي

هذا المشروع الخاص بإنشاء ميناء تجاري جديد ومنطقة حرة في مدينة سرت يعد الأهم بين حزمة مشاريع تنموية أخرى انطلقت في المدينة، لأنه سيحولها إلى وجهة تنموية وحضرية بعد أن كانت قبل ستة أعوام فقط وجهة للمتطرفين من كل أنحاء الدنيا.

 

 

عملية تطوير الميناء وإنشاء المنطقة الحرة تشرف عليها حكومة الشرق الليبي التي تسيطر على سرت منذ أعوام، وقال "الجهاز الوطني للتنمية" إن "مشروع إنشاء المنطقة الحرة المدرج تحت مسمى (المنطقة الحرة لميناء سرت التجاري) سلم لتحالف من الشركات الأجنبية الاختصاصية التي تعد من الشركات العملاقة دولياً وذات الخبرة الكبيرة في هذا الشأن".

وأضاف أن "هذه المنطقة الحرة ستهدف في مضامين برامجها إلى تشجيع التبادل التجاري والخدمي، وسيتم من خلالها نقل وتوطين التقنية والمعرفة بما يدعم الاستقرار والاقتصاد الوطني، كما سيسهم مشروع الميناء في احتواء عدد كبير من الطاقات الشبابية بالمدينة التي تتطلبها سوق العمل، ضمن الأهداف الاستراتيجية لدعم الشباب ومحاربة معدلات البطالة في بلادنا".

نقلة كبيرة

وقال مدير المكتب الإعلامي للجهاز رجب بليبلو لـ"اندبندنت عربية"، عن الأهمية الاستراتيجية لمشروع الميناء والمنطقة الحرة للمدينة واقتصاد البلاد، إنه "سيصبح البوابة التي ستمر منها عمليات التبادل التجاري بين أوروبا وأفريقيا لقربه من سواحل القارة العجوز وميزاته الطبيعية، إذ يطل على أضخم خليج في البحر الأبيض المتوسط، كما تعد سرت أقرب نقطة بحرية ليبية إلى دول أفريقية مثل تشاد والنيجر والسودان ومالي".

وأضاف "ما يعزز القيمة الاقتصادية لميناء سرت البدء في تنفيذ مشروع منطقة تجارة حرة قربه وكل ذلك سيجعل سرت الخيار الأبرز للدول الأفريقية الحبيسة التي لا تملك شواطئ بحرية لجلب حاجاتها من السلع المختلفة وتصدير ما يمكنها تصديره".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبين أن "القيمة الاستراتيجية لهذا المشروع الضخم ستكون متنوعة، بدءاً من توفير مصادر جديدة للدخل القومي بعيداً من النفط والغاز كما سيحرك عجلة التنمية التي انطلقت في سرت بعد توقف تام دام أعواماً، وتشجيع الشركات الأجنبية على المشاركة في هذه المشروعات التنموية وأبرزها حالياً مشروع الشاطئ السياحي الكبير الذي سيكون قبلة سياحية مغرية، وملعب جديد وكبير ومتطور لكرة القدم وغيرها".

أما عن القيمة التقديرية للمشروع فأشار إلى أنها "كبيرة ومغرية للاستثمار نظراً إلى حجم المشروع، لكن لا يمكن تحديدها بدقة الآن، لأن العقد الموقع ليس مع شركة واحدة أو دولة واحدة بل مجموعة شركات ودول كلها تم الاتفاق معها على إحياء ميناء سرت وإنشاء المنطقة الحرة، من بينها مثلاً مصر وتركيا ودول أوروبية عدة". وأوضح أن "عمق المياه عند أرصفة الميناء يصل إلى 28 متراً غاطساً حقيقياً مما يجعله أكبر عمق في حوض البحر المتوسط لوقوعه على خليج سرت العميق".

مشاريع أخرى

من بين أبرز المشاريع المهمة الأخرى التي أعلن عن تنفيذها داخل مدينة سرت تحت إشراف "صندوق التنمية والإعمار" و"الجهاز الوطني للتنمية" التابعين لحكومة أسامة حماد المكلف من البرلمان الليبي، تطوير مطار المدينة وتوسيع الطريق الدولي ورصفه وصيانة المقار الحكومية والمستشفيات والمدارس وتطويرها وإنشاء شبكات إنارة عمومية وتأهيل شبكات المياه والصرف الصحي. وتصل قيمة هذه الاستثمارات خلال عام 2024 إلى 600 مليون دولار، وفق الجهاز الوطني للتنمية.

وشهدت مدينة سرت دماراً واسعاً في الأعوام الماضية التي عانت فيها حربين ضروسين، الأولى عام 2011 بين الثوار والكتائب النظامية التابعة للرئيس الراحل معمر القذافي الذي كان محتمياً فيها، مما تسبب في دمار كبير في بنيتها التحتية، قبل أن تشهد حرباً أكثر شراسة وتدميراً عام 2016 بين كتائب من الغرب الليبي وتنظيم "داعش" قضت على ما تبقى من بنيتها التحتية ومؤسساتها ومبانيها.

 

 

وتتضح أهمية مشروع المنطقة الحرة في سرت، بالنظر إلى موقعها الذي يعطيها ميزات استراتيجية كبيرة إذ تتوسط ساحل ليبيا، فالطريق الساحلي الدولي يربطها بمدينة بنغازي (شرق ليبيا) بمسافة نحو 550 كيلومتراً، وبالعاصمة طرابلس (غرب ليبيا) بمسافة نحو 400 كيلومتر فيما تبعد من مدينة سبها في الجنوب الليبي نحو 500 كيلومتر، وتمتاز بأهمية اقتصادية كبيرة أيضاً، إذ تحيط بها الآبار النفطية وتشتهر بصيد الأسماك، خصوصاً سمك التونة.

 وتحوي أرض سرت في باطنها المخزون الأضخم من الاكتشافات الحديثة لحقول النفط والغاز، وآخرها إعلان شركة "سرت" لإنتاج النفط والغاز قبل أشهر اكتشافاً جديداً وصفته بـ"المهم" في مجالي الغاز والمكثفات عقب عملية حفر بئر استكشافية جنوب شرقي حقل "اللهيب"، وأظهرت نتائج اختبار الإنتاجية قدرة البئر على إنتاج 16.8 مليون قدم مكعبة من الغاز و626 برميلاً من النفط يومياً. 

مكاسب سياسية وأمنية

وتتوقع سلطات الشرق الليبي جني منافع أخرى غير المكاسب الاقتصادية من المشاريع التي أطلقتها في سرت وعلى رأسها مشروع المنطقة الحرة، في مقدمتها كسب ولاء الشارع وإعادة دمجه في المجتمع الذي عاش رافضاً التغيرات التي تلت سقوط نظام ابن المدينة معمر القذافي، ومرفوضاً من الذين أطاحوا به لأنهم أبوا تغيير موقفهم من الثورة وولائهم للنظام السابق، وهو ما ظهر في الصدامات التي وقعت بين سكان المدينة وكل الذين توالوا على حكمها بعد 2011، سواء من غرب ليبيا أو شرقها.

 

 

أهمية كسب ولاء سكان سرت تكمن في تشكيل خط دفاعي أمامي ضد أي خطر آت من الغرب، كما يمكن أن يضمن مشروع تنموي كبير مثل هذا في المدينة تثبيت السلام والهدنة العسكرية التي حددت سرت خطاً أحمر يمنع تجاوزه من أي طرف عسكري.

كما سيسهم تحول المدينة إلى قبلة استثمارية وتنموية في تحسين صورتها دولياً، بعد أن تلطخت قبل سنوات عقب سيطرة تنظيمات متطرفة عليها وعلى رأسها تنظيم "داعش"، الذي نفذ فيها واحدة من أبشع جرائمه حين قطع رؤوس 13 مسيحياً مصرياً عام 2014 ونشر الجريمة صوتاً وصورة على منصاته في مواقع التواصل، وهي حادثة أسهمت بقوة في تشكيل موقف مصر من الأزمة الليبية لسنوات تالية، وتحالفها مع معسكر الشرق في بنغازي ودعمه عسكرياً وسياسياً، وتعاونها معه لمحاربة التنظيمات الإرهابية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير