Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جميلة نابولي تثير جمهور "كان" بسحرها الغامض

الخطيبة تطارد عريسها الهارب إلى آسيا زمن الاستعمار في الفيلم البرتغالي "جولة كبرى"

الفيلم الإيطالي تجري أحداثه في قلب مدينة نابولي (ملف الفيلم)

ملخص

فيلمان آخران يتنافسان على "السعفة الذهبية" في مهرجان "كان"، الأول إيطالي للمخرج باولو سورنتينو عنوانه "بارتينوبيه"، والثاني برتغالي للمخرج ميغيل غوميز هو "جولة كبرى". في الفيلمين قصص حب ومطاردات غرامية.

في كل مرة يعرض المخرج الإيطالي باولو سورنتينو فيلماً في مهرجان "كان"، تعقد دورته الحالية من 14 إلى 25 مايو (أيار)، يحدث شرخاً عميقاً في الآراء بين النقاد، فمنهم من يضعه في مصاف العبقري ومنهم من يرى فيه "نصاباً" (التعبير لناقد في مجلة "ليه أنروكوبتيبل" الفرنسية)، انتهازياً محتالاً، بلا ذوق أو فضيلة. أقلام غاضبة عدة، سواء في فرنسا أو إيطاليا، هاجمت السينمائي الخمسيني المتأثر بفيلليني عبر تاريخه، في حين تعاملت بقية العالم معه برحمة. صحيح أن كثيراً من الأفلام قسمت النقاد في هذه الدورة، في مقدمها "ميغالوبوليس" لكوبولا، ولكن في حال سورنتينو فإن المسألة مختلفة، إذ إن هذا الشرخ مستمر منذ سنوات وطال تقريباً كل أفلامه. وعلى رغم هذا كله، فإن المهرجان متمسك به وهذه المرة السابعة يضمه إلى المسابقة.

جديده "بارتينوبيه" الذي يتسابق على "السعفة الذهبية"، فيلم يحملنا مجدداً إلى عالم سورنتينو حيث للجمال مكانه الخاص الذي لا ينافسه عليه أحد. من خلال حركات كاميرا تجري مسحاً شاملاً لنابولي (مسقط المخرج)، يتعقب الفيلم شابة جميلة وغامضة (تشيليسته داللا بورتا)، طالبة أنثروبولوجيا، تحمل شيئاً من الميثولوجيا في داخلها. وتمتد السيرة المتخيلة منذ ولادتها في الخمسينيات في ميناء نابولي حتى اللحظة الراهنة. كل شيء محوط بالجمال، هذا الجمال الذي يتأتى من الناس والأماكن المسكونة بأرواح من مروا بها، بقدر ما هي مسكونة برغبة مخرجه في الاحتفاء بهذه القصة التي تدور فصولها في مسقطه نابولي. الفيلم إيطالي في أدق تفاصيله، يعكس هوية صاحبه ومصادر اعتزازه، وتعلقه بهذه البقعة الجغرافية التي صور فيها عمله السابق. الفتاة التي يضعها أمام كاميراه تصبح الشغل الشاغل للناس، تتسكع في أروقة القصر لتلتقي بهذا وذاك، تجذب كل الاهتمام… لكن من هي هذه الأنثى المترفعة عن كل شيء، التي تشق طريقها نحو المجد بخطى ثابتة؟

هكذا يعرف عنها سورنتينو في إحدى مقابلاته: "إنها فتاة تطمح إلى أن تكون حرة وتتقبل العواقب المتعلقة بذلك، من دون أن تخشاها، خصوصاً العزلة. إنها شخصية معقدة ومتناقضة، مما يجعلها غامضة. في البداية، تكتشف كل ملذات الشباب والهم والرغبة والإغواء، وشيئاً فشيئاً تقودها هذه المشاعر إلى الألم والحزن، خصوصاً بعد موت شقيقها. ونتيجة لذلك، تنضج وتصبح امرأة".

بعد "الجمال العظيم" الذي أعطى الممثل توني سرفيلليو أحد أهم أدواره من خلال شخصية جب غامبرديللا، يمدنا سورنتينو بإحساس انه أراد ان ينجز المقابل النسائي لفيلمه الشهير، ليقول هذه المرة حبه اللامحدود لنابولي بدلاً من روما. كثر وجدوا أن الفتاة التي يصورها ليست سوى مدينته نابولي. أياً يكن، ففيلمه هذا تحديث لتيار "الباروك" الذي كثيراً ما ارتبط باسمه، وهو مشبع بلحظات شعر ولقطات ذات سطوة جمالية كبيرة، تمزج بين الألم والبهجة، بين الانشراح والانغلاق، فنرى الحياة من خلال وجهة نظر طائفة من الأثرياء وشؤونهم التي تدور على نقاط محددة تطبع معها كاميرا سورنتينو. الإطلالة على هذا العالم فيها شيء ساحر، ويعرف سورنتينو كيف يلتقط نبضه. يبقى أن الفيلم يعتمد على الكلام الكثير، بقدر ما يتشكل من مشاهد وصور ولقطات، وإذا كانت العين تهضم الصورة بسهولة، فلا ينسحب ذلك على الكلام الذي يدخلنا في دهاليز لا مخرج منها. تنويه خاص بالممثلة تشيليسته داللا بورتا، ابنة الـ27 سنة، التي تتولى هنا بطولة فيلم لأول مرة، وقد كتب أحدهم يقول إن مشاهدتها توازي رؤية صوفيا لورين لأول مرة. أياً يكن، فلا يمكن تخيل الفيلم من دونها، فهي حاضرة في كل مكان بعدما استطاع الفيلم جعلها فكرة.

"جولة كبرى" والعودة إلى الاستعمار

"هذا الفيلم بدأ يتبلور في داخلي عشية زفافي. كنت أقرأ كتاباً عن السفر بعنوان "الرجل المحترم في الردهة" من تأليف سومرست موم. في صفحتين من هذا الكتاب يصف موم لقاءً مع رجل إنجليزي مقيم في ميانمار (ميانمار الحالية). كان هذا الرجل قد هرب من خطيبته إلى جهات بعيدة من آسيا قبل أن تقبض عليه ثم يشرع في زواج سعيد. هذه القصة كانت في الأساس تلعب على الصور النمطية، إذ ينتصر عناد النساء على جبن الرجال".

هذه كلمات المخرج البرتغالي ميغيل غوميز في معرض تعريفه عن الفكرة التي انطلق منها فيلمه الأحدث "جولة كبرى"، المنافس على "السعفة الذهبية". عمل آخر يحتاج إلى جهد ومثابرة من المشاهد ليبلغ خاتمته البديعة، ولكن هناك في الأقل ساعة من الزمن، نتوه خلالها داخل الأحداث، التي رغم بساطتها، تصبح شديدة التعقيد أمام كاميرا المخرج الذي أعطانا سابقاً "تابو" و"ألف ليلة وليلة". في الأصل، إنها حكاية موظف بريطاني (غونتشالو وادينغتون) يقرر الهرب من خطيبته (كريستا ألفايته) بعدما قرر عدم الزواج بها، لكن الأخيرة مصرة وتطارده من مكان إلى آخر.

تبدأ الأحداث في ميانمار التابعة آنذاك إلى إمبراطورية بريطانيا الاستعمارية، وسرعان ما تنتقل بنا إلى اليابان والصين، لتتحول من حكاية بين شخصين، إلى حوار بين بلدان وناس وأماكن، فتمتزج الثقافات وتتجاور. من خلال هذا، يعود المخرج إلى تناول موضوع الاستعمار، والعلاقة بين المستعمر والمستعمر. إنها، باختصار، الجولة الكبرى من الهند إلى الصين، التي قام بها عديد من الرحالة الأوروبيين وبعضهم وضع مؤلفات عن تجربتهم هذه. لكن، هنا، لا شيء تقليدياً، لا الشخصيات كذلك ولا نمط السرد الذي يأخذ من التعليق الصوتي مدخلاً إلى عالم مجهول إكزوتيكي مملوء بالأسرار. من الأفلام الكوميدية الأميركية في السنوات الـ30 والـ40، استعار غوميز فكرة "المرأة الصيادة والرجل الفريسة". يقول معلقاً: "لكن هاتين الشخصيتين منفصلتان في مكان الفيلم وزمانه. التبديل بين وجهتي نظر الرجل والمرأة هو ما يحول الكوميديا إلى ميلودراما".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بحسب غوميز، تغطي الشخصيتان الرئيسان هذه المساحة الشاسعة لأسباب متداخلة. "إدوارد يهرب من خطيبته مولي، في حين هي تلاحقه. يريد هو تجنب الزواج، أو في الأقل تأجيله، بينما هي مصممة على الزواج منه. المغامرات العديدة التي يخوضها إدوارد ومولي على طول الطريق هي في جوهرها الفيلم. نرى من خلالهما التفاعل الظاهري بين الشخصيتين، وسيمفونية عدم التطابق التي يسببها الآخرون على طول الطريق، في عالم تفشت فيه الفوضى".

الجديد والمختلف في الفيلم أن غوميز قرر ألا يبدأ في كتابة السيناريو إلا بعدما قام برحلة العريس الهارب ومشى على خطاه، فعاد بأرشيف من المواد البصرية والصوتية. لم يبدأ في كتابة السيناريو إلا بعد مشاهدة هذه اللقطات الأرشيفية. وخلافاً لما يحدث عادة في صناعة الأفلام التي تستعين بالأرشيف، فإن الصور التي استخدمها الفيلم مصدرها الحاضر لا الماضي. أما ما تبقى، أي آسيا المتخيلة، فصوره في الاستوديو، ليعدينا إلى عام 1918، زمن الاستعمار الذي يتناوله الفيلم على طريقته الخاصة. 

اقرأ المزيد

المزيد من سينما