Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ديمي مور ترعب جمهور "كان" بتحولها مسخا سينمائيا

المخرجة الفرنسية كورالي فارجا تنتقم من التمييز بين الأعمار في فيلم "المادة"

مشهد من فيلم الرعب "المادة" في المهرجان (ملف الفيلم)

ملخص

فيلم رعب عنوانه "المادة" للمخرجة الفرنسية كورالي فارجا يحدث ضجة في مهرجان "كان"، بسبب ما يحويه من مشاهد قاسية ومقززة مستوحاة من تحول امرأة إلى مسخ.

أحدث فيلم الرعب "المادة" للمخرجة الفرنسية كورالي فارجا، الذي ينافس على "السعفة الذهبية"، ذعراً عند عرضه في مهرجان "كان" السينمائي (الـ14 – الـ25 من مايو / أيار). وكشف المهرجان إلى الآن عن معظم أفلام المسابقة، ويبقى بعض منها الذي سنعاينه في اليومين المقبلين. كثر قارنوا هذا الفيلم مع فيلمي "خطير" و"تيتان" للفرنسية الأخرى جوليا دوكورنو، وحذروا المشاهدين ذوي القلوب الضعيفة من مشاهدته، لكثرة ما يتضمن من مشاهد مقززة تتجاوز القدرة على التحمل. ولكن في هذه المقارنة بعض المبالغة، فالرعب هنا لا يلغي الدعابة والسخرية المبطنة، مما يصنع مسافة مع الفيلمين المذكورين.

هناك من تعامل مع الفيلم بإيجابية معتبراً أنه أحدث خضة في المسابقة التي تعاني بعض البلادة، وقد يكون محقاً في ذلك. ولكن كأي فيلم يعرض في "كان" لم يقنع الجميع ولم يصنع إجماعاً، إذ رأى بعضهم الآخر أنه لا يرتقي إلى المسابقة، وهذا هو المصير الذي تلقاه الأفلام التي تنتمي إلى النوع السينمائي، فهناك من يرفضها تلقائياً ولا يراها جديرة بضمها إلى تظاهرة سينمائية عريقة، وعليها بالتالي الانشغال بـ"سينما المؤلف". 

خلال العرض الجماهيري الذي أعقب العرض الرسمي، كانت ردود الناس تتراوح بين القهقهات والشعور بالقرف. بعضهم حجب عينيه بيده، كي لا يرى ما يدور على الشاشة من مشاهد لتدفق الدماء والسوائل اللزجة التي يفرزها جسد البطلة وهي تتحول مسخاً. الفيلم لا يبخل علينا بأي من اللقطات التي تثير التقيؤ، بل يمعن في التفاصيل بشراهة سينمائية.

إليكم حبكة الفيلم: نجمة تلفزيونية تدعى إليزابيث سباركل (ديمي مور) بنت شهرتها الواسعة على برنامج صباحي لممارسة الرياضة، تصرف من عملها عند بلوغها الـ50. مدير المحطة يريد التجديد وإعطاء الفرصة لشابة أخرى، فإليزابيث خدمت عسكريتها على ما يبدو. وغني عن القول إن هذا القرار سيدخلها في كآبة، لدرجة أنها ستتعرض لحادثة سير، وهي تراقب بحسرة إزالة يافطة كبيرة تحمل صورتها، لكنها تخرج منه ببعض الرضوض.

بيد أن مختبراً غامضاً يعرض عليها استعادة شبابها والتحول إلى "نسخة أفضل من نفسها"، ويكفي لذلك أن تتجرع مادة غريبة. لكن هذا التجديد يفترض الالتزام ببعض الشروط بحذافيرها، وسيؤدي عدم احترامها إلى نتائج كارثية. عند تجرعها المشروب السحري، تخرج من جسد إليزابيث نسختها الشابة وتنشق عنها، لا بل تحصل على الوظيفة التي صرفت منها، مستخدمة ما هي عليه من سحر وإثارة وإغراء. بيد أن الشابة سو (هذا اسمها وتلعب دورها مارغريث كوالي)، تخلف الشرط الذي يطالبها بالعودة لجسدها القديم مرة كل أسبوع، مما يحول إليزابيث تدريجاً إلى مسخ. وعلى رغم أن المختبر يوضح مراراً بأن إليزابيث وسو عبارة عن شخص واحد وليس الثانية إلا نسخة من الأولى، فثمة صراع ينشأ بينهما لا يخلو من الغيرة والمنافسة. 

مبدئياً نحن أمام "فيلم انتقام"، وهو نوع رائج داخل السينما التجارية، وحمله بعض السينمائيين مثل الكوري الجنوبي بارك تشان ووك والأميركي كوانتن تارانتينو إلى مستويات مختلفة عبر اللعب بمفرداته. ذكر اسم تارانتينو في هذا السياق ليس اعتباطياً، إذ إن كورالي فارجا أقدمت على ما قام به سابقاً زميلها الأميركي: الاستلاف من تاريخ السينما. فهناك في "المادة" عديد من الغمزات لكوبريك وكروننبرغ وهيتشكوك، وخصوصاً لبراين دبالما. فارجا التي سبق أن أنجزت فيلماً دموياً في عنوان "انتقام"، لا تخفي افتتانها بأفلام رعب من مثل "الذبابة" أو "الشيء" أو "شاينينغ"، وفيلم "شايننغ" وجهت له تحية خاصة من خلال مشهد الرواق الشهير. ولا يمكن أن نتذكر براين دبالما أمام أنماط التصوير المعتمدة، خصوصاً مشهد الحفلة الدموية التي تختم الفيلم، والمستوحاة من "كاري". أي شخص يشاهد الفيلمين لا بد أن يشعر بصدمة من التشابه بين المشهدين الختاميين، هذا إضافة إلى عديد من الصدمات التي يتلقاها خلال المشاهدة.

خلف هذا كله هناك موضوع مثير، وهو العمر الذي أصبح الحديث عنه بأي شكل من الأشكال، خصوصاً إذا تعلق الأمر بعمر المرأة، شأناً غير مستحب في زمن يسعى إلى إعطاء فرص متساوية للجميع، بصرف النظر عن عمرهم ودينهم ولون بشرتهم وجنسهم. هناك حتى مصطلح أطلقه روبرت باتلر (Ageism) لوصف التمييز الذي يتعرض له الأشخاص بناء على سنهم. الفيلم ينطلق من هذه الفكرة البسيطة، من دون أي اعتبار إلى أن سوق العمل تخضع لاعتبارات أخرى أهمها العرض والطلب ونسبة المشاهدة، كما يعرف في لغة أصحاب التلفزيونات. لكن المخرجة وجدت في "قضية" لا أحد يستطيع مخالفتها فيها (هناك مواضيع باتت تحظى بامتيازات وأصبحت تشكل خطاً أحمر)، مادة لفيلمها بالمعنيين الحرفي والمجازي. في المؤتمر الصحافي، لم تخف فارجا الدافع خلف خوضها في المشروع، فقالت: "أعتقدت أنه في عمر الـ48، ما عاد لي مكان في المجتمع".  

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ديمي مور، التي لم تطل في أفلام مهمة خلال السنوات الماضية، تسجل عودة للشاشة مع عمل يضعها في المقدمة و"ينفض عنها الغبار"، إذا صح التعبير. وعلى رغم أنها في الـ61، فهي تضطلع بدور سيدة في الـ50. أن يسند إليها دور سيدة أصغر من عمرها، ينسجم مع ما يود الفيلم قوله، فما بالك إذا عبث بصورة الرمز الجنسي التي طالما ارتبطت بها. في "كان" قالت مور إن كان عليها الخروج من منطقة الراحة التي وجدت نفسها فيها، لتعرض نفسها لامتحان نفسي وجسدي، وهي تؤدي هذه الشخصية، معترفة أنها أصبحت تتقبل ذاتها أكثر بعد خوضها هذه التجربة. وإذا كان الفيلم عن العمر، فهو أيضاً عن ضرورة تقبله، وقد يرى فيه بعضنا نقداً لاذعاً للجراحات التي تشوه الإنسان في محاولته للحفاظ على شبابه. 

ما يثير الإعجاب في "المادة"، هو معالجة موضوع جدي بسخرية ودعابة وهستيرية تمنحنا الشعور بأن الأشياء تخرج عن السيطرة وتفلت من الأيادي. لا يبقى الثأر وتصحيح الظلم في إطارهما التقليدي، بل يستعينان بالسخرية من أجل مزيد من الحض على التفكير، على رغم المعالجة السينمائية المتقنة التي تستخدم جماليات منقحة من وحي عالم الإعلانات والفيديو كليب. كان في ودي أن أتكبر على الفيلم، مشيراً بالأصبع إلى المبالغات الكثيرة والفظاظة ولحظات الافتعال التي ينطوي عليها، وذلك كي أبدو مثقفاً ينبذ السينما ذات الوجه التجاري، لكن التفاعل مع ما يحدث على الشاشة أقوى، وهو يعيد صياغة فكرة ماهية التلقي في السينما.   

اقرأ المزيد

المزيد من سينما