Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الآثار... الإرث المبدد

صروح أنشأتها البشرية عبر العصور وتعرضت لأخطار سببها الإنسان نفسه وعوامل الطبيعة القاسية وظروف غامضة

تضرر خلال الأعوام الماضية كثير من المعالم الأثرية والممتلكات الثقافية في دول ومناطق عدة حول العالم (أ ف ب)  

ملخص

تضرر خلال الأعوام الماضية كثير من المعالم الأثرية والممتلكات الثقافية في دول ومناطق عدة حول العالم، بسبب عوامل مختلفة بعضها ليس للإنسان يد فيه، إذ كان لغضب الطبيعة دور كبير في الضرر، إضافة إلى ظروف أخرى وُصفت أحياناً بالغامضة، فما هي أبرز المعالم التي تضررت أخيراً؟ وما السبب؟

في شهر أيار (مايو) عام 1954، اعتمدت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو) "اتفاق لاهاي" لحماية الممتلكات الثقافية في حال النزاع المسلح.

وفيما تحتفي المنظمة بالذكرى السنوية الـ 70 هذا العام للاتفاق باعتباره "أول إطار مكرس بالكامل لحماية التراث المنقول وغير المنقول"، تتعرض أماكن تاريخية خلفتها البشرية عبر عصور مختلفة لخطر التدمير والزوال بفعل الصراعات والحروب.

كذلك تضرر خلال الأعوام الماضية كثير من المعالم الأثرية والممتلكات الثقافية في دول ومناطق عدة حول العالم، بسبب عوامل مختلفة بعضها ليس للإنسان يد فيه، إذ كان لغضب الطبيعة دور كبير في الضرر، إضافة إلى ظروف أخرى وُصفت أحياناً بالغامضة، فما هي أبرز المعالم التي تضررت أخيراً؟ وما السبب؟

كاتدرائية نوتردام - باريس

في تمام الساعة السابعة مساء من يوم الـ 15 من أبريل (نيسان) 2019، اندلع حريق في علية الكاتدرائية الباريسية القوطية أدى إلى تدمير هيكلها وسقفها وبرجها أمام ذهول المتفرجين الذين نقلوا بكاميراتهم الحدث إلى كل العالم، وفتح مكتب المدعي العام في باريس تحقيقاً أولياً لتحديد أصل كارثة بالكاتدرائية التي استلزم بناؤها كثيراً من المراحل بدءاً من عام 1163 وحتى منتصف القرن الـ 14، وأسندت لاحقاً المهمة إلى ثلاثة قضاة تحقيق يتمتعون بصلاحيات واسعة.

ومنذ بدء التحقيق أخذ المتخصصون عينات عدة من مئات الأمتار المكعبة من الركام في ظروف صعبة أحياناً، نظراً إلى هشاشة المبنى، وعلى رغم أن التحقيقات لم تفض بعد إلى ما يدعم المسار الإجرامي في افتعال الحريق، إلا أنها لم تتوصل أيضاً إلى نتيجة نهائية تحدد السبب الذي تم افتراض أنه كان عرضياً.

من جهة أخرى اكتشفت خلال التحقيقات كثير من الأعطال في مبنى الكاتدرائية لم تتسبب بالحريق، إلا أنها تسببت بتأخير استدعاء رجال الإطفاء وسمحت بانتشار النيران في جميع أنحاء المبنى، ومن هذه الأعطال خلل في نظام الإنذار وفي النظام الكهربائي الخاص بأحد المصاعد الداخلية.

وبعد خمسة أعوام من عمليات الإصلاح والترميم التي أشرف عليها نحو  250 شركة ومئات المهندسين والمعماريين والمتخصصين، ومن المفترض أن يعاد افتتاح "نوتردام دو باريس" من جديد في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وستستعيد بذلك دورها الرئيس كمركز ديني مسيحي ومعلم ثقافي وسياحي كان ولا يزال أحد أبرز رموز عاصمة الأنوار.

 

 

معبد "بعل شمين" ومعبد "بل" تدمر – سوريا

وإلى جانب كثير من جرائم الحرب التي انتهكت الإنسانية في سوريا خلال الأعوام الماضية وأسفرت عن مقتل آلاف وتهجير ملايين، نُفذت في أغسطس (آب) من عام 2015 جريمة بحق التاريخ والحضارة، راح ضحيتها معبد بعل شمين الذي يعود تاريخه لـ 2000 عام، في مدينة تدمر الأثرية الواقعة وسط البلاد والمدرجة على لائحة التراث العالمي لـ "يونيسكو".

وأشارت منظمة الأمم المتحدة وقتها إلى أنه ووفقا ل لتقارير عدة فقد نسف مسلحو "داعش" المعبد حيث تعرضت المنطقة الداخلية فيه لأضرار بالغة، كما انهارت الأعمدة المحيطة به.

وفي الـ 30 من أغسطس 2015 كرر تنظيم "داعش" جريمته مرة أخرى في تدمر مدمراً معبد "بل"، فيما اعتبرت وقتها المديرة العام لـ "يونيسكو، إيرينا بوكوفا أن تدمير المعبد "خسارة هائلة للشعب السوري والإنسانية"، باعتباره "أحد أشهر المعالم الدينية الأكثر أهمية في الشرق الأوسط، فضلاً عن تصميمه الفريد".

ووفقا لتقارير شهود عيان أكدتها صور الأقمار الاصطناعية فقد استخدم عناصر "داعش" المتفجرات لتدميرالمعبد الذي يمثّل مزيجاً رائعاً من الطرز المعمارية في الشرق الأدنى القديم والتقليد اليوناني الروماني.

 

كاتدرائية التجلي - أوكرانيا

تعد من أكبر كاتدرائيات الإمبراطورية الروسية وأول كاتدرائية أرثوذوكسية أقيمت في مدينة أوديسا الأوكرانية المطلة على البحر الأسود، وقد أسست على نسق الطراز القوطي الروسي البيزنطي في نهاية القرن الـ 18 على يد مهندس إيطالي، وكانت مصدر إلهام لبناء كثير من المباني الدينية في أوروبا الشرقية.

وهذه الأهمية التاريخية والمعمارية لم تشفع للكاتدرائية ولم تحمها من شظايا الحرب التي اندلعت بين روسيا وأوكرانيا في فبراير (شباط) عام 2022، إذ أعلنت الإدارة العسكرية في أوديسا في يوليو (تموز) 2023 أن الكاتدرائية التابعة للكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية المرتبطة بموسكو قد تضررت بشدة جراء القصف العنيف للمدينة.

ونقلت وكالات الأنباء عن رئيس شمامسة الكاتدرائية أندريه بالتشوك قوله إن القصف أدى إلى تدمير نصف السقف وجميع النوافذ، إضافة إلى الركائز والأساسات، في وقت دانت الأمم المتحدة الهجوم الروسي الذي ألحق أضراراً بكاتدرائية التجلي المحمية من قبل "يونيسكو" وغيرها من المواقع التاريخية في وسط مدينة أوديسا القديمة.

ولم تكن هذه المرة الأولى التي دمرت فيها الكنيسة ففي عام 1939 تعرضت للتدمير من قبل الاتحاد السوفياتي، وأعيد بناؤها مجدداً في عام 2003.

 

أسوار مراكش التاريخية – المغرب

من تراث الدولة المرابطية في المغرب ومدرجة على قائمة التراث العالمي لمنظمة "يونيسكو"، شيدت في القرن الـ 12، وهي مجموعة من الأسوار الدفاعية التي تحيط بمناطق المدينة القديمة في مراكش، وصمدت في وجه الزمن أكثر من 1000 عام، لكنها تصدعت أمام الزلزال العنيف الذي ضرب بقوة سبع درجات على "مقياس ريختر" المنطقة السياحية في غرب البلاد في سبتمبر (أيلول) 2023، ولم تشهد المغرب مثله منذ حوالى قرن تقريباً.

وكان المغاربة قد نشروا على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو، أظهرت التصدع في أجزاء عدة من الأسوار التاريخية الحمراء إلى جانب كثير من المنازل المهدمة في المدينة العتيقة وأماكن تاريخية أخرى، حيث إن مراكش مليئة بالمواقع المدرجة على قائمة التراث العالمي منذ عام 1985.

وأبرز هذه المواقع جامع الكتبية الذي بني في عهد الدولة الموحدية في القرن الـ 12 غير أنه خضع لأشهر من أعمال الترميم، سمحت له أخيراً في مارس الماضي في أن يفتح أبوابه مجدداً أمام جموع المصلين.

قلعة غازي عنتاب - تركيا

وفي السادس من فبراير من عام 2023، ضرب زلزال بقوة 7.8 درجات على "مقياس ريختر" جنوب تركيا وشمال سوريا، معرضاً معالم تاريخية عدة شهيرة إلى أضرار جمة، أبرزها القلعة الأثرية في مدينة غازي عنتاب التركية.

ويعود تاريخ تشييد القلعة لعام 2200 عام وتقع على تل ارتفاع ما يقارب 25 متراً، تعاقبت عليها إمبراطوريات عدة بما فيها الفارسية والبيزنطية والعثمانية، وهي واحدة من أهم القلاع الباقية في تاريخ البلاد.

ووفقاً لوكالات الأنباء الرسمية في تركيا فقد انهارت بفعل الزلزال الأجزاء الشرقية والجنوبية للقلعة إضافة إلى الدرابزين الحديدي على الأرصفة المحيطة وأجزاء من الجدران الحجرية.

قلعة حلب - سوريا

الزالزال نفسه الذي أتى على قلعة غازي عنتاب أصاب القلعة العريقة الواقعة في وسط مدينة حلب السورية، فأغلق أبوابها بعد أن تسبب بأضرار في مدخلها الرئيس والقبوة أمام البرج المتقدم ودرجها الأمامي.

تعكس القلعة المدرجة على لائحة التراث الإنساني لـ "يونيسكو" منذ عام 1986 أهمية تاريخية وعسكرية إلى جانب أهميتها كصرح هندسي معماري، وقد أثبتت الأبحاث والحفريات وجود آثار فيها تعود للألفية الثالثة قبل الميلاد.

وبعد الزلزال الأخير خضعت قلعة حلب لأعمال ترميم استمرت 120 يوماً، فيما أعلنت وزارة الثقافة في مارس (آذار) من العام الجاري بأن القلعة ستتمكن مجدداً من استقبال الزوار.

ولم يكن الزلزال وحده هو ما أتى على القلعة التي ترتفع قرابة 50 متراً عن مستوى حلب، فخلال أعوام الحرب في سوريا أقفل هذا الصرح التاريخي أبوابه أكثر من مرة إلى أن أعيد فتحها عام 2017.

 

مدينة درنة - ليبيا

تشتهر مدينة درنة الليبية المطلة على البحر الأبيض المتوسط بالمواقع والمعالم التاريخية التي يعود معظمها لعصور قديمة، والتي ظلت صامدة قروناً إلى أن جاء الإعصار "دانيال" في الـ 10 من سبتمبر 2023 وتسبب بانهيار سدين وحدوث فيضان بحجم تسونامي دمّر وجرف البشر والحجر في طريقه، وهو حدث يحصل مرة كل 300 إلى 600 عام، بحسب خبراء من مجموعة الإسناد الجوي العالمي (World Weather Attribution) البحثية.

وأحد أبرز المعالم المتضررة  في درنة هو موقع مدينة قورينا الأثرية الإغريقية المدرجة على قائمة التراث العالمي المعرّض للخطر منذ عام 2016، أسسها الإغريق في القرن السادس قبل الميلاد، وتعتبر واحدة من خمسة مواقع في ليبيا أدرجتها منظمة "يونيسكو" ضمن قائمة التراث العالمي قبل عقود.

وأرجع الخبراء جزءاً كبيراً من سبب انهيار السدين الكبيرين اللذين يحجزان مياه الأمطار في وادي درنة بعد نصف قرن على إنشائهما إلى انعدام الصيانة في السدين منذ أكثر من 10 أعوام، وتجاهل التحذيرات المتواترة عن سوء حالتيهما، على رغم صرف موازنات كبيرة لهذا الغرض ذهبت سدى.

المزيد من منوعات