الشيخ أمين الجميّل، هو كبير آل الجميّل، إحدى العائلات السياسية الأساسية في تاريخ لبنان الحديث، والرئيس السابق لحزب الكتائب اللبنانية الذي أسسه والده بيار الجميّل، وهو تاسع رئيس للجمهورية اللبنانية منذ الاستقلال. وصل حينها إلى سدة الرئاسة بعد اغتيال شقيقه الرئيس المنتخب بشير الجميّل، فخاض تجربة أقل ما يُقال فيها إنها من الأصعب بتطوراتها السياسية والعسكرية، التي أرخت نتائجها بظلها الثقيل على حاضر لبنان ومستقبله. لدى تواصلنا معه لإجراء المقابلة، شدّد على أن يكون الموعد قبل الظهر، ولدى وصولنا، كان منكبّاً على إنجاز أعماله اليومية وإجراء اتصالاته والاطّلاع على بريده اليومي. ولوهلة، تنسى أنك أمام رئيس سابق للجمهورية ولحزب الكتائب. يجلس على مكتبه الخاص حيث يشغله كتابه الذي يستعد لتوقيعه قريباً ويتضمن مذكرات وكواليس عهده في الرئاسة، ومنها تلك الليلة الشهيرة في آخر يوم من عهده، عندما أصدر مرسوم تكليف العماد ميشال عون برئاسة حكومة انتقالية، والخيارات التي دفعته حينها إلى نقل مقاليد السلطة اللبنانية إلى حكومة عسكرية.
الخلاف بين الكتائب والقوات اللبنانية
في واقع الحاضر اللبناني، يرى الرئيس الجميل أن "سيادة الدولة في العهد الحالي غائبة، وقد استسلمت كلياً لحزب الله. مستلزمات السيادة تقتضي على الأقل الاستحواذ على قرار الحرب والسلم والتفاوض. فعلى الصعيد السيادي، يفعل حزب الله ما يشاء ويتخذ القرارات التي تناسب "محور الممانعة" من دون مشورة أحد وبمباركة رئيس الجمهورية، وسكوت تام من جانب الحكومة اللبنانية".
ويلفت إلى أن الواقع الحالي "امتداد لمرحلة الوصاية السورية التي انطلقت في سبعينيات القرن الماضي، إذ بدأت بقضم السيادة عبر إدخال جيشها الى الأراضي اللبنانية، وحينها أيضاً كان قرار الحرب والسلم بيد النظام السوري، وليس اللبنانيين، ولكن ليس بالشكل المفضوح كاليوم"، مضيفاً "بعد خروج الجيش السوري من لبنان، سلّم المهمة لحزب الله الذي هو امتداد لمصالح النظام السوري ونفوذه على الساحة اللبنانية، ونحن نعاني اليوم من هذا الأمر".
الرئيس أمين الجميل الذي كان أيضاً رئيساً لحزب الكتائب قبل أن تؤول الأمور إلى نجله سامي، يتأسف على المرحلة الذهبية لحركة "14 آذار"، قائلاً إن تفكّكها "كسر التوازن الاستراتيجي الذي كان قائماً على الساحة الوطنية لصالح التمدد الإيراني السوري. عند نشوء "14 آذار" كحركة سيادية استقلالية وانخراط الحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل الى جانب حزبَي الكتائب والقوات اللبنانية، استطاعت هذه القوى فرض معادلة قوية في لبنان، وقد تفكّكت بسبب خروج بعض أركانها، ما رجّح كفة فريق سوريا وإيران، وما أدى إلى اختزال الساحة السياسية من قبل فريق ضد سيادة لبنان واستقلاله".
آخر الرؤساء اللبنانيين قبل "دستور (مدينة) الطائف الذي توافق عليه اللبنانيون برعاية عربية ودولية، لعبت السعودية فيه دوراً محورياً، يعتبر أن "التسوية الرئاسية التي تحكم لبنان حالياً، والتي أوصلت ميشال عون إلى الرئاسة، أعطت الغطاء لتحالف العماد عون وحزب الله، من دون أي ضمانات"، مشيراً إلى أنّ هذا الأمر جوهر الخلاف بين حزبَي الكتائب والقوات اللبنانية التي "استسلمت لهذا التيار". الجميل يضيف "لو كانت القوات اللبنانية تستطيع أن تحافظ على التوازن في الحكم، لَكُنّا ساندناها من موقعنا المعارض، لكن الحكومة اليوم تسير في خط واحد يُسمّى خط "المقاومة" و"الممانعة".
ويشرح الجميل أسباب الخلاف مع حزب القوات اللبنانية "خلافنا مع القوات يكمن في أنّها فرَّطت بقرار "قوى 14 آذار"، ودخلت في تسوية نعتبرها خطيرة على مستقبل لبنان كونها غير متوازنة، وانعكست سلباً على لبنان بإعطاء قوة إضافية لتحالف عون مع حزب الله على حساب التيار السيادي. وسقطت الحكومة كاملة بيد حزب الله ومحور إيران". وبرأيه، تغطّي مشاركة القوات اللبنانية في الحكومة، بشكل أو بآخر القرارات التي تتخذها الحكومة لصالح حزب الله، وأنّ الصوت الخجول المعترض للقوات غير مسموع، مضيفاً "لو بقينا متكاتفين في المعارضة، لما تجرّأت الحكومة على الذهاب بعيداً بهذا الشكل الفاضح طعناً بالمفاهيم السيادية والوطنية". ويأسف لما وصلت إليه الأمور، بخاصة أن "قوى "14 آذار" استطاعت من خلال تماسكها بعد عام 2005، إخراج الاحتلال السوري من لبنان وإنتاج المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وفرض تشكيل حكومة متوازنة وإدارة منطقية نسبياً للدولة، فكانت المعادلة قبل "التسوية الرئاسية" تقدم الحد الأدنى من التوازن، إلاّ أنّ هذه التسوية سلّمت البلد كلياً لمحور "المقاومة" التابع لإيران"، مضيفاً "التسوية كانت غير متوازنة وضد صالح البلد وأعطت الغطاء المطلق لمحور إيران".
لبنان دولة محتَلّة
ووجّه الجميل انتقادات لاذعة لسياسة الحكومة اللبنانية، موضحاً أنّ هناك طرفاً مهيمناً في الحكومة، فيما يغيب فريق قوي متضامن في وجهه، معتبراً أنّ ذلك يعود "إلى انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، ما فرض معادلة جديدة أسقطت التوازن الذي كان قائماً لصالح الاستراتيجية الإيرانية والسورية. الحكومة الحالية تغطي كل أفعال حزب الله، والقرارات السيادية بيد حزب الله الذي يورِّط لبنان بإعلانه بوضوح ولاءه لإيران ومرجعتيه للولي الفقيه على الصعيدين السياسي والاستراتيجي العسكري".
وفي معرض وصفه للوضع اللبناني، قال "نحن دولة محتلة. دولة فاقدة لمقدرات السلطة الوطنية كافة، وهذا واقع"، مشيراً إلى أن عمليّة قضم سيادة الدولة اللبنانية بدأت مع دخول منظمة التحرير الفلسطينية إلى لبنان". ورفض تسمية الحرب التي نشبت في لبنان 1975 بالحرب الأهلية، مشدّداً على أنها "انطلقت بين الجيش اللبناني ومنظمة التحرير وليس بين الأهالي والفلسطينيين. ومنذ ذلك الوقت، بدأت عملية تفكيك الدولة اللبنانية، وعندما انتهت مرحلة ياسر عرفات، دخل حافظ الأسد إلى لبنان وعندما خرج نظام الأسد، سلّم البلد للإيرانيين، ولبنان يواجه هذه القوى التي تفوق قدراته الذاتية وجعلت منه دولة مكسر عصا".
وانتهت النتيجة برأيه إلى تعطيل المؤسسات الرسمية ومصادرة قرار الدولة. بات لبنان يشبه "الدولة المارقة"، مؤكداً "استمرار النضال لاستعادة الثقة بالدولة. حاربنا منظمة التحرير الفلسطينية، وحاربنا النظام السوري وما زلنا في معركة استعادة الاستقلال والسيادة. وعلى الرغم من أن الوضع في لبنان ليس سليماً، لكننا لن نستسلم وهناك مقاومة لبنانية سيادية مستمرة".
إيران تسعى إلى قضم المنطقة
وفي ما يتعلّق بالتمدد الإيراني في الشرق الأوسط، يعتبر الجميل أن إيران تسعى إلى القضم التدريجي في الشرق الأوسط، مستفيدةً من عامل الوقت للتقدم استراتيجياً ببطء"، مشيراً إلى التمدد الإيراني إلى لبنان من خلال إنشاء حزب الله في بدايات الثمانينيات ومن ثم التوسع باتجاه سوريا والعراق من خلال الحشد الشعبي ودعم الحوثيين وتطوير قدراتهم للسيطرة على اليمن، وصولاً إلى الاعتداءات التي "نشهدها في الخليج، وآخرها الاعتداء على المنشآت النفطية شرق السعودية"، واضعاً ما حصل "ضمن حلقة المشروع الإيراني التوسعي".
ورأى أنّ "الحلم الفارسي التوسعي لن يستمر. التاريخ علّمنا أنه لا بد من أن تقوم الديكتاتوريات بدعسة ناقصة تُسقطها، وأنا على يقين أنّ العالم لن يتأقلم مع السلوك الإيراني الذي يُعرّض أمن الدول في العالم لمخاطر. فكل الحروب الكبرى في العالم، نشبت نتيجة أزمات على صلة بممرات مائية أو أنابيب بترول، وقد وصلنا إلى مرحلة لا يمكن التهاون فيها مع الممارسات الإيرانية وآن الأوان لوضع حد للانفلات الإيراني".
واستشهد بالحرب العالمية الأولى والثانية، إذ ظهرت ديكتاتوريات عدة، وسقطت بعدما أنجزت تقدماً كبيراً". ويعتبر الرئيس الجميل "أنّ القدرة الدولية لردع المشروع الإيراني موجودة ولكن لم تُستعمل بعد"، مؤكداً أن إيران لن تُترك لتهديد الأمن والسلم الدوليين وأن المشروع الإيراني سيفشل في نهاية الأمر، كما أنّ تمدّد إيران بهذا الشكل خطير، ليس فقط على استقرار دول المنطقة، إنما على الاقتصاد الدولي والمس بالبترول في السعودية مرتبط بالاقتصاد العالمي، كذلك محاولات السيطرة على الممرات الاستراتيجية في الخليج العربي. وقال أعتقد اننا "وصلنا إلى نهاية المطاف".