Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مصرع "دغمان" يحرك ملف الإخفاء القسري في لييبا

حقوقيون يرجعون الظاهرة إلى تغول الميليشيات على سلطات النيابة وضعف الدولة وعدم وجود إرادة دولية لحل الأزمة

يرى مراقبون أن الحكومات المتعاقبة كانت ولا تزال رهينة للميليشيات في شرق البلاد وغربها (أ ف ب)

ملخص

خلفت حادثة مقتل دغمان استياء دولياً، إذ دعا سفير هولندا لدى ليبيا جوست كلارينبيك إلى "إجراء تحقيق شفاف ومستقل في ظروف وفاة الناشط السياسي سراج دغمان خلال احتجازه".

حركت حادثة وفاة الناشط السياسي سراج دغمان خلال الأيام القليلة الماضية داخل أسوار جهاز الأمن الداخلي في بنغازي بشرق ليبيا ظاهرة الإخفاء القسري والقتل تحت التعذيب، على إثر تأكيد بيان متلفز  للأمن الداخلي شرق البلد وفاة دغمان بعد محاولته الهرب من السجن.

وأرجع البيان سبب احتجاز دغمان إلى مشاركته في اجتماعات تدعو إلى إسقاط الأجسام السياسية والعسكرية شرق البلد (البرلمان وقائد قوات الشرق الليبي خليفة حفتر).

البيان وصفه حقوقيون بالـ"كاذب"، إذ أكدت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا أن دغمان توفي نتيجة التعذيب الجسدي داخل أروقة الأمن الداخلي في بنغازي، ولم تخف المنظمة الحقوقية تخوفها على مصير رفاق دغمان الذين أخفوا قسرياً منذ أكتوبر (تشرين الأول)، وهم سفير ليبيا السابق لدى كندا فتحي البعجة، والنشطاء طارق البشاري وناصر الدعيسي وسالم العريبي، بتهمة المشاركة في ندوات تطرقت للاختراقات التي ترتكبها أجنحة حفتر الأمنية.

تنديدات دولية

وخلفت حادثة مقتل دغمان استياء دولياً، إذ دعا سفير هولندا لدى ليبيا جوست كلارينبيك إلى "إجراء تحقيق شفاف ومستقل في ظروف وفاة الناشط السياسي سراج دغمان خلال احتجازه".

وشارك كلارينبيك عبر حسابه على منصة "إكس" بيان بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، الذي أعربت فيه عن "حزنها العميق لوفاة دغمان خلال احتجازه بمعسكر الرجمة العسكري"، مطالبة بتحقيق شفاف في الواقعة".

ودعا السفير الهولندي في ليبيا إلى احترام الإجراءات القانونية الواجبة، مطالباً بوقف عمليات الاختطاف والاختفاء القسري والاعتقال التعسفي.

ظاهرة قديمة 

وفتح تغييب أصحاب الرأي باب التساؤل عن أسباب تنامي ظاهرة الإخفاء القسري والقتل خارج القانون في الفترة الأخيرة بليبيا، وفي الإطار أكد وزير العدل السابق صلاح المرغني أن هذه الظاهرة ليست وليدة اللحظة، بل تعود جذورها لعهد الرئيس الأسبق معمر القذافي، وهي من تسببت في سقوط نظامه.

 

 

وتابع المرغني لـ"اندبندنت عربية" أن رحم ثورة الـ17 من فبراير (شباط) لم توفق في ولادة دولة قانون ومؤسسات تحترم حقوق الإنسان، لكنها بالمقابل نجحت في زرع الميليشيات والمجموعات الإرهابية في جميع أنحاء البلد، وجميعها عوامل بددت الأمل في قيام دولة القانون.

وأوضح وزير العدل السابق، أن قوائم المختفين قسرياً طويلة، وهي لا تزال مركونة والدولة عاجزة عن التعامل معها أمام ضعف قوة القانون الذي تقابله قوة السلاح والمال وبيئة الصراع القائم والمدعوم خارجياً وداخلياً.

قوة قانونية 

وأبرز أن "ليبيا نظرياً لا ينقصها التشريعات والقوانين التي تجرم وتردع جرائم الإخفاء القسري، ولكنها بحاجة إلى قوة قانونية مسيطرة فعلياً، لا أن تكون هي بحد ذاتها في دائرة الاتهام كما الحال الآن"، مضيفاً أنه لا فرق بين الميليشيات والأجهزة الأمنية التي تقوم هي الأخرى بالأفعال ذاتها من خطف وإخفاء، بدلاً من بسط الأمن وحماية الحريات الدستورية.

وختم الوزير السابق قائلاً إنه "لا يوجد حل أفضل من تجريد الميليشيات سلمياً من السلاح، وسيطرة الجهات النظامية والعدلية على الأمن في البلاد، حتى يتسنى محاسبة المجرمين ووقف الإفلات من العقاب". 

قواعد العدالة 

وأيد الحقوقي إحميد الزيداني ما ذهب إليه وزير العدل السابق من أن القوانين والتشريعات الليبية، وبخاصة التشريعات الجنائية لا تتوفر فيها قواعد العدالة بما يتماشى والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، مشيراً إلى أنه على سبيل المثال فإن الحبس الاحتياطي من المفترض أن يكون إجراء موقتاً الغاية منه التحفظ على المتهم فقط، ثم إحالته للمحكمة في حال ثبتت عليه التهمة، أو إخلاء سبيله في حال عدم تورطه، بينما في ليبيا قد تصل مدة الحبس إلى سنوات، بل لا يوجد سقف أعلى  لمدة الحبس على رغم أن المشرع الليبي حدد المدة بـ90 يوماً فقط. وفي المادة 177 من قانون الإجراءات الجنائية أعطى الحق للنيابة العامة في أن تطلب من المحكمة الابتدائية زيادة مدة الحبس الاحتياطي عن 90 يوماً، وجميعها قوانين ضربت بها الميليشيات عرض الحائط.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال الزيداني، "في ليبيا من الممكن أن يغيب ويسجن إنسان على ذمة الحبس الاحتياطي لسنوات ولا يصدر في حقه حكم على خلفية هذه القوانين التي تحتاج إلى تعديل، لأنها هي من تسببت في انتهاك ضمانات المحاكمة العدالة، فهناك إشكالات تشريعية تمهد لما يعرف بالانتهاكات ضد الأشخاص".

 ضعف النيابة 

وأشار الحقوقي إلى ارتفاع معدلات حالات الإخفاء القسري التي شملت مختلف شرائح المجتمع الليبي من شباب وشيوخ ونساء خلال الأشهر الستة الماضية، في مقابل رفض من السلطات الكشف عن مصيرهم بسبب قوة الميليشيات التي أصبحت تتحكم في مفاصل النيابة العامة التي عجزت بدورها عن تطبيق القانون في أكثر من مناسبة، وهو ما سيسهم في تغول الميليشيات أكثر، إذ ترى أن هذه الأفعال تعيد لها هيبتها وتسهم في استقرار الأمن، وهو أمر مخالف تماماً للتشريعات الوطنية وفقاً للقانون رقم 10 لعام 2013 في شأن التعذيب والإخفاء القسري.

وأوضح أن ما يحدث في ليبيا هو أن بعض الميليشيات المتغولة وبخاصة منها المرتبطة بالدولة تفوق قوتها قوة النيابة العامة التي لديها صلاحيات القبض والسجن وفق المشرع الليبي، وربط ارتفاع ظاهرة الإخفاء القسري بقفز الميليشيات على مهمات المؤسسات القانونية، إذ أصبحت تختص بأفعال الضبط والإحضار خارج نطاق المنظومة القانونية، وهو ما عمق ظاهرة الإخفاء القسري. 

 

 

وتابع أن ما قام به مكتب الأمن الداخلي في شرق ليبيا يعتبر وفقا للمادة 1 من قانون رقم 10 لعام 2013، فعلاً من أفعال الإخفاء القسري، لأن المادة نصت على أن يعاقب بالسجن كل من خطف إنساناً أو حبسه أو حرمه من حريته بالقوة والتهديد، وتكون المدة ست سنوات سجناً إذا ارتكب الفعل موظف عمومي متعدياً في ذلك حدود سلطات وظيفته.

وشدد على أن جل الميليشيات تمارس الإخفاء القسري باعتبار أنها تقوم بأفعال بعيدة من النيابة العامة ولا تلتزم بمدة الحبس الاحتياطي التي لا تتجاوز 48 ساعة في الجرائم المدنية والجنائية بعد العرض على النيابة، في حين تصل المدة في قضايا الأمن العام والمخدرات إلى سبعة أيام.

وحذر من خطورة تواصل تقصير النيابة العامة في متابعة بعض السجون التي تسيطر عليها الميليشيات، لأنها فعلياً خارج سلطة الدولة الليبية، والنياية العامة عاجزة لظروف استثنائية تمر بها البلاد عن القيام بمهماتها نظراً إلى انتشار السلاح وهشاشة الوضع الأمني. 

الصراع المسلح

وأرجع رئيس منظمة "ضحايا" لحقوق الإنسان ناصر الهواري، السبب الرئيس في عمليات الإخفاء القسري إلى الصراع المسلح الذي بدأ مع انبلاج الثورة عام 2011، والمتهم الرئيس هو الميليشيات والمجموعات المسلحة.

بحسب الهواري، فإنه على رغم مرور 13 عاماً على ثورة فبراير لا يزال مصير عدد من المغيبين قسراً مجهولاً، ومن بينهم الناشط عبدالمعز بانون وعضو مجلس النواب سهام سرقيوة ومريم منصور الورفلي وآخرين، فالإخفاء القسري لم ينج منه لا نشطاء المجتمع المدني ولا المدافعون عن حقوق الإنسان أو الضباط وأعضاء مجلس النواب، بالتالي يمكن القول إنه تحول من جريمة إلى ظاهرة ثم سلوك ممنهج يستوجب أن تتضافر جميع الجهود لإيقافه.

وأرجع رئيس منظمة "ضحايا" فشل المؤسسات الحكومية والمنظمات الدولية في التصدي لتمدد ظاهرة الإخفاء القسري إلى سببين، يتعلق الأول بعدم وجود إرادة دولية لحل الأزمة الليبية، "فكل دولة من الدول الكبرى تدعم طرفاً من أطراف النزاع، وهو ما غذى استمرار الميليشيات المدعومة مالياً محلياً ودولياً مما انعكس على سلوكها العنيف واتخاذها من الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري وسيلة لقمع معارضيها، وهو ما ولد حالاً من الخوف والذعر لدى المواطنيين".

بينما يعود السبب الثاني، وفق الهواري، إلى ضعف الدولة الليبية، فالحكومات المتعاقبة كانت ولا تزال رهينة للميليشيات والمجموعات المسلحة في شرق البلاد وغربها، إذ أصبحت هي من يوجه صانع القرار ويتحكم به.

المزيد من تقارير