ملخص
قضية علي رضا عسكري بالنسبة إلى الغرب كانت استثناء، فلم يكن عالماً ولا شخصية رئيسة في برنامج إيران العسكري أو النووي عندما لجأ إلى الغرب، ولكن كما قال مسؤول عسكري إسرائيلي "إنه مصدر ذهبي للأجهزة الاستخباراتية الغربية".
يبدو أن قصة القيادي السابق في الحرس الثوري الإيراني علي رضا عسكري لم تضع المشهد الأخير من فصولها، فلا تزال التساؤلات والتكهنات حول مصيره تهمين على الأوساط الأمنية في طهران والمهتمين بملفات المنطقة السياسية والعسكرية، وفي ما بين إيران وسوريا وتايلاند ولبنان وتركيا وألمانيا والولايات المتحدة يحدق المحللون في خطط تنقله منها إلى أميركا.
ويبدو أن الجميع باتوا يدركون أن عسكري يواصل العمل مع الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) منذ الاختفاء عام 2006، ولكنهم اختلفوا حول طريقة وصوله إلى هذا التعاون ما بين الخطف أو التجنيد او حتى الهرب، ولا تزال تدور حوله روايات متضاربة.
قناة "إيران إنترناشيونال" نشرت تقريراً سلط الضوء على قصة هرب الفريق المتقاعد والقيادي السابق في الحرس الثوري الإيراني علي رضا عسكري إلى أحضان أجهزة الاستخبارات العالمية وعلى رأسها "سي آي إيه".
وشغل علي رضا عسكري منصب القائد السابق لـ "فيلق لبنان" التابع للحرس الثوري والقائد العام لعمليات الحرس الثوري، ومساعد قسم الرقابة في وزارة الدفاع الإيرانية في عهد الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، ثم غاب عن الأنظار فجأة في التاسع من ديسمبر (كانون الأول) 2006 بعد رحلة قام بها إلى تركيا، ومنذ أكثر من 17 عاماً نشرت حول قصته أخبار متضاربة في وسائل الإعلام الإيرانية والدولية.
وصرح أفراد من عائلته لوسائل إعلام بأنه ذهب إلى تركيا وسوريا للتجارة في مجال الزيتون، فيما قال أصدقاء له إنه ذهب إلى هناك في مهمة عمل، بينما وسائل إعلام دولية صرحت منذ بداية اختفائه نقلاً عن مصادر استخباراتية غربية أن عسكري كان على تواصل مع جهاز الاستخبارات المركزية الأميركية، وأنه ذهب إلى الولايات المتحدة الأميركية بملء إرادته، أما المسؤولون في إيران فيدعون أن الـ "موساد" أو "سي آي إيه" اختطفا عسكري منذ ذلك الحين.
وقالت القناة إنها في سياق تحرياتها حول هذا الملف تواصلت مع عدد من المصادر شملت كلا من أقارب زوجة علي رضا عسكري وثلاثة من معارفه وزملائه السابقين وقائد سابق في الحرس الثوري، وكذلك مصدر دبلوماسي أوروبي وثلاثة مصادر استخباراتية أميركية، وطلب هؤلاء الأفراد والمصادر عدم الكشف عن أسمائهم كشرط لتقديم المعلومات وإجراء المقابلات حول قضية عسكري وملفه.
بداية القصة
بداية قصته تبدأ عندما توجه في ديسمبر عام 2006 إلى دمشق وبعدها بأيام وتحديداً في السابع من ديسمبر وصل إلى إسطنبول، واستقر هناك في فندق "جيران" ليغلق بعد يومين جواله المحمول ويختفي رسمياً منذ ذلك الحين، وتنقطع أخباره لتبدأ مرحلة الروايات والأخبار المتضاربة.
معظم المصادر الغربية تذكر زمن اختفاء عسكري خطأً في السابع من فبراير (شباط) 2007، وهذا هو تاريخ قريب من الوقت الذي أبلغت فيه إيران السلطات التركية باختفاء عسكري رسمياً، ويقول مصدر غربي للقناة إن " المسؤولين الإيرانيين أبلغوا في الـ 26 من ديسمبر 2006 شرطة الإنتربول باختفاء هذا المسؤول العسكري، لكن نحن اطلعنا على القضية في الرابع من فبراير عام 2007".
وفي الـ 28 من فبراير، أي بعد 80 يوماً من اختفاء عسكري، نشرت صحيفة "الوطن" السعودية للمرة الأولى خبر اختفاء هذا المسؤول العسكري الإيراني في تركيا، وبعد خمسة أيام من ذلك أيد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية خبر اختفاء علي رضا عسكري في مؤتمر صحافي عقده في العاصمة الإيرانية طهران.
وفي السادس من مارس (آذار) 2007 قالت صحيفة "الشرق الأوسط" إن عسكري ذهب إلى الولايات المتحدة بمحض إرادته، وبعد يومين نقلت "واشنطن بوست" عن مسؤول أميركي رفيع قوله إن عسكري يقوم بالتعاون حالياً مع الأجهزة الاستخباراتية الأميركية بشكل طوعي وبكامل رغبته.
وفي الـ11 مارس عام 2007 نشرت صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية تقريراً حول عسكري قالت فيه إن القيادي الإيراني أصبح جاسوساً لدى الأجهزة الاستخباراتية الأجنبية عام 2003، وبعد أسبوع من ذلك قالت الصحيفة نفسها نقلاً عن مسؤول أميركي إن عسكري تعرض لاستجواب في أوروبا.
في الوقت نفسه نُشرت أخبار تشير إلى نقل عسكري إلى إحدى ثكنات الـ "ناتو" في فرانكفورت، وفي الـ 14 من مارس 2007 قال وزير الدفاع الألماني آنذاك فرانز جوزيف يونغ رداً على سؤال حول وجود علي رضا عسكري في ألمانيا، "لا استطيع الإدلاء بتصريحات حول هذا الموضوع".
وفي الـ 25 من أبريل (نيسان) 2007 أيد عدد من أصدقاء علي رضا عسكري ومن المسؤولين السابقين في إيران قضية لجوئه خلال مقابلات مع صحيفة "فايننشال تايمز"، ورد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية آنذاك شون ماكورماك على ما إذا كان ينفي وجود علي رضا عسكري في الولايات المتحدة بالقول "لا أستطيع أن أصرح حول هذا الملف".
وفي التاسع من ديسمبر عام 2007 ذكرت صحيفة "التايمز" البريطانية في تقرير لها أن المعلومات التي تم الحصول عليها من علي رضا عسكري كانت "سرية للغاية"، لدرجة أنها أرسلت مباشرة إلى رئيس جهاز الاستخبارات المركزية الأميركية.
وفي كتاب "الجاسوس النبيل: حياة روبرت أيمز وموته" والذي نشر عام 2014، يذكر نقلاً عن 40 مصدراً أن عسكري حصل على اللجوء في الولايات المتحدة في مقابل تقديمه معلومات حول برنامج إيران النووي.
ويقول مؤلف الكتاب كاي بيرد إن أحد مسؤولي إدارة بوش قال عن قرار الإدارة الأميركية آنذاك في منح اللجوء لعلي رضا عسكري عام 2007 "على مستوى المعلومات غير السرية لا أستطيع إعطاء مزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع".
والآن وبعد 17 عاماً على حد تعبير صحيفة "واشنطن بوست"، فقد كان ذلك انقلاباً كبيراً لجهاز الاستخبارات الأميركية، وقد أكد مصدر دبلوماسي أوروبي وثلاثة مصادر استخباراتية أميركية في مقابلة مع "إيران إنترناشيونال" أن "علي رضا عسكري نقل في فترة الاختفاء من قبل الأميركيين وبإرادته من تركيا إلى إحدى القواعد الأميركية في ألمانيا، وبعد فترة قصيرة نقل إلى الولايات المتحدة، وفي إطار برنامج حماية الشهود يعيش في ذلك البلد بهوية جديدة".
وقال مصدر مطلع لقناة "إيران إنترناشيونال" إن "انتقال عسكري إلى الولايات المتحدة ظل سرياً للغاية حتى إصدار تقييم الاستخبارات الوطنية في ديسمبر عام 2007، ولم يكن أحد يعرف عن هذا الإنجاز الاستخباراتي الكبير، باستثناء الشخصيات المحدودة لكبار المسؤولين في وكالة الاستخبارات المركزية والبيت الأبيض والـ ’بنتاغون‘ وعدد قليل من وكالات الاستخبارات الأميركية المعنية في القضية".
مصدر من ذهب
وكتبت "صنداي تلغراف" في الـ 12 ديسمبر عام 2009 أن علي رضا عسكري شجع العلماء والمسؤولين الرئيسين المشاركين في البرنامج النووي على مغادرة إيران والعيش في الولايات المتحدة، وذلك في إطار برنامج وكالة الاستخبارات المركزية الذي يهدف إلى إضعاف البرنامج النووي الإيراني.
وأكدت مصادر القناة في الولايات المتحدة أنه في إطار هذا البرنامج فرّ عدد من العلماء البارزين في البرنامج النووي الإيراني من البلاد وجاءوا إلى الولايات المتحدة، حيث "يتم تشجيع هؤلاء الأشخاص دائماً على التعاون الاستخباراتي، لكن كثيراً منهم لا يتعاونون، ومع ذلك فإن مجرد قطع تعاونهم مع إيران يعد انتصاراً لأجهزة الاستخبارات الغربية".
لكن قضية علي رضا عسكري بالنسبة إلى الغرب كانت استثناء، فلم يكن عالماً ولا شخصية رئيسة في برنامج إيران العسكري أو النووي عندما لجأ إلى الغرب، ولكن كما قال مسؤول عسكري إسرائيلي لصحيفة "التايمز" البريطانية "إنه مصدر ذهبي للأجهزة الاستخباراتية الغربية".
والمصدر الذهبي أدت معلوماته في أربع حالات إلى إجراءات فورية مع نتائج طويلة الأمد، وهي المفاعل النووي السوري وعماد مغنية ومحسن فخري زاده وبرنامج إيران النووي.
مفاعل سوريا النووي
في منتصف ليل السادس من سبتمبر (أيلول) عام 2007 قام السرب 69 التابع للقوات الجوية الإسرائيلية بقصف وتدمير مجمع عسكري في دير الزور شرق سوريا، وبعد سبعة أشهر أعلنت الولايات المتحدة أن المجمع الذي قصف كان موقعاً نووياً ذا أهداف عسكرية، وبعد أربع أعوام أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن ما دمرته إسرائيل عام 2007 هو مفاعل نووي.
وفي الـ 22 من مارس عام 2009 أكد رئيس هيئة التخطيط السابق في وزارة الدفاع الألمانية والقائد السابق لمقر حلف شمال الأطلسي (ناتو) في ألمانيا هانز رويل أن المعلومات التي قدمها علي رضا عسكري حول المشروع النووي السوري في دير الزور أدت إلى الكشف عن هذا الموقع وتدميره من قبل إسرائيل في سبتمبر عام 2007.
ووفقاً للتقرير فلم يكن أحد في مجتمع الاستخبارات الأميركي والإسرائيلي قد سمع عن الموقع النووي حتى ذلك الحين، "وكانت الحال الأخيرة أكثر إحراجاً للحكومة الإسرائيلية لأنها زعمت دائماً أنه لا يوجد شيء في سوريا لا يعرفونه".
استهداف رجل الظل في دمشق
عماد مغنية، المعروف باسم الحاج رضوان، كان القائد العسكري الأعلى رتبة لـ "حزب الله" في لبنان، وقد قتل في الـ 12 من فبراير عام 2008 في انفجار سيارة مفخخة في دمشق، واُتهم بالتورط في كثير من التفجيرات والقتل والاختطاف والاستيلاء على الطائرات بين عامي 1983 و1994، وعاش حياة سرية لأعوام عدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي مقابلة عام 2014 مع صحيفة "نيويورك تايمز" قال كاي بيرد إنه يعتقد أن علي رضا عسكري أعطى الأميركيين معلومات عن المقر السري لعماد مغنية، وفي تقرير لها أشارت الإذاعة الوطنية الأميركية NPR إلى احتمال تورط عسكري في اغتيال مغنية.
وفي التحقيق الذي أجرته صحيفة "واشنطن بوست" حول هذا الاغتيال، أشارت إلى تعاون وكالة المخابرات المركزية والـ "موساد" في قتله، مؤكدة أن مكان اختبائه في دمشق كان معروفاً لدى "السي آي إيه" قبل عام من مقتله.
وأكد روبرت باور، وهو أحد الضباط المسؤولين عن وكالة المخابرات المركزية في ذلك الوقت في بيروت، أن عسكري كان جهة الاتصال الإيرانية الرئيسة بعماد مغنية.
ويعتقد أحد مصادر المعلومات الذي تحدث إلى قناة "إيران إنترناشيونال" أن بعض الأدلة تشير إلى أن عسكري تعاون في الكشف عن مكان وجود مغنية، وفقاً لتقرير صحيفة واشنطن بوست، وأن وكالة المخابرات المركزية والـ "موساد" وجدوا مخبأه قبل عام من مقتله، أي في يناير (كانون الثاني) عام 2007، وهذا هو بالضبط الوقت الذي كان عسكري يتعاون فيه معهم استخباراتياً بعد فترة وجيزة من لجوئه إلى الولايات المتحدة.
وأكد أحد زملائه السابقين الذي تحدث إلى القناة أن عسكري كانت لديه علاقة وثيقة للغاية مع مغنية، "وهو من بين أولئك الذين لديهم سجل في قيادة الحرس الثوري في لبنان، وكان لعسكري الصداقة الأقرب والأكثر حميمية مع مغنية بسبب الوقت الطويل الذي أمضياه هناك، والدور الذي لعبه في تنظيم ’حزب الله‘ وتوطيد مكانة مغنية فيه".
ويرى مصدر معلوماتي آخر أنه "من حيث المبدأ لا يتم الكشف عن هوية المصادر في الاجتماعات الاستخباراتية، ويعطي تقرير ’واشنطن بوست‘ صورة كاملة عن عملية اغتيال مغنية، وبالتالي أعتقد أن تسريب هذه المعلومات كان متعمداً، لكن من الطبيعي أن مصادر ذلك التقرير لن يعرضوا للخطر أمن شخص يعتبره بعض المحللين الأمنيين أعلى رأس مال استخباراتي في عصره من خلال الإشارة إليه ."
مصدر المعلومات حول البرنامج النووي الإيراني
كتبت صحيفة "غارديان" بعد أيام قليلة من نشر تقييم عام 2007 أن مصادر دبلوماسية وأمنية في واشنطن قالت إن هذا التقييم الجديد كان نتيجة معلومات ربما تم الحصول عليها من الهارب الإيراني علي رضا عسكري، وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير لها أن المعلومات الجديدة حول البرنامج النووي جاءت من خلال الاستماع إلى محادثات اثنين من المسؤولين الإيرانيين.
وبحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" فإن أحد هذين المسؤولين هو محسن فخري زاده الذي تحدث في محادثة أجريت عام 2006 بشكل انتقادي عن خفض البرنامج النووي العسكري منذ عام 2003 وإغلاق مشروع معين.
وأفادت صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير آخر أن علي رضا عسكري أكد صحة هذه المحادثات في تقاريره المقدمة إلى وكالة المخابرات المركزية، كما أكدت مصادر إسرائيلية في حديث مع صحيفة "تايمز" اللندنية أن عسكري قدم معلومات حول البرنامج النووي الإيراني لوكالة المخابرات الأميركية.
ويشير التقرير التحليلي الذي نشره "معهد الحد من الأسلحة" عام 2010 إلى أن المعلومات المادية التي قدمها عسكري حول البرنامج النووي كانت تأكيداً لطبيعته المدنية.
وتعتقد المصادر الاستخباراتية التي تحدثت مع "إيران إنترناشيونال" أيضاً أن أهم المعلومات التي قدمها علي رضا عسكري كانت تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني.
ويقول أحد هذه المصادر الاستخباراتية إن هذا التغير بنسبة 180 درجة في الرأي حول طبيعة البرنامج النووي الإيراني، مع الأخذ في الاعتبار الإشارة إلى الأدلة المادية عليه، ربما كان بسبب الأشرطة والوثائق والمعلومات الحصرية عن البرنامج النووي الإيراني التي قدمها علي رضا عسكري إلى وكالة المخابرات المركزية.
وتابع، "الصوت المسجل لفخري زاده يعود لعام 2006 بعد ظهور اسمه في وثائق الكمبيوتر المحمول، وكان فخري زاده تحت الحماية الكاملة، وبالطبع كانت مكالماته واتصالاته تحدث على مستوى عال من الأمان، وفي هذا الوضع أعتقد أن علي رضا عسكري بسبب صداقته وإمكان الوصول إليه يستطيع التحدث إلى فخري زاده عبر الهاتف أو شخصياً، وكانت هذه المكالمات تسجل".
وقد ظهر اسم محسن فخري زاده للمرة الأولى في وثائق تعرف باسم وثائق الكمبيوتر المحمول والتي قيل إنها وصلت إلى أيدي وكالات الاستخبارات الغربية منتصف عام 2004، وكانت هناك شكوك جدية حول صحة تلك الوثائق، ووصفها بعض الخبراء الإسرائيليين والأميركيين بأنها مزيفة.
وفي وقت لاحق أكد خبراء الوكالة النووية أن بعض صورها مزيفة، وبالنظر إلى هذه الشكوك فإن هذه الوثائق لم تؤد إلى أي إجراء محدد، أقله في حال فخري زاده.
لكن بعد أقل من ثلاثة أعوام، كما قالت مصادر استخباراتية للقناة، أكد علي رضا عسكري هوية فخري زاده للأميركيين، "وأعطى عسكري اسمه ومعلوماته للأميركيين باعتباره المدير والعقل المدبر للبرنامج النووي الإيراني"، وهي قضية كانت نتيجتها المباشرة إدراج اسم فخري في عقوبات الأمم المتحدة بموجب قرار مجلس الأمن رقم (1747) في الـ 24 من مارس عام 2007.
أين علي رضا عسكري؟
وبغض النظر عن الدعاية الرسمية فقد أصبحت إيران تعتقد أن علي رضا عسكري أصبح لاجئاً وحاولت العثور عليه، وبعد شهر من اختفائه في تركيا اختفى العميل السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي والمتعاقد مع وكالة المخابرات المركزية روبرت ليفينسون في جزيرة كيش، وأثار هذا الفاصل الزمني التكهنات بأن السلطات الإيرانية اعتقلت ليفينسون انتقاماً لاختفاء عسكري.
وبحسب "رويترز" ففي عام 2015 وأثناء المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة لتبادل السجناء، وبعد أن طلبت الولايات المتحدة معلومات عن حال ليفينسون، أخبرهم الفريق الإيراني أنه مستعد لتزويدهم بمعلومات عنه إذا أخبروهم بمكان وجود علي رضا عسكري، وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أيضاً أنه خلال مفاوضات عام 2016 مع الولايات المتحدة قالت إيران إنها مستعدة لتقديم معلومات من ليفينسون إلى الجانب الأميركي إذا أعطوا طهران معلومات حول مكان وجود علي رضا عسكري.
لكن السلطات الأمنية والعسكرية تواصل خط الإنكار نفسه للشعب الإيراني، وعلى سبيل المثال، في تعليقه الأخير حول عسكري أشار نائب منسق الحرس الثوري الإيراني العميد علي فضلي في الـ 29 من سبتمبر عام 2023 عبر خطاب ألقاه لمناسبة ذكرى بدء الحرب العراقية - الإيرانية إلى علي رضا عسكري مرتين، فمرة أطلق عليه لقب "المرحوم عسكري"، ومرة أخرى أشار إليه وقال "الحاج رضا عسكري حي ويرجع لحضن الإسلام".
عسكري لا يزال على قيد الحياة
وأكدت ثلاثة مصادر استخباراتية في أميركا ومصدر دبلوماسي في أوروبا في حديث مع "إيران إنترناشيونال" أن علي رضا عسكري موجود الآن في أميركا، ويعيش في إحدى ولايات هذا البلد الشاسع بهوية جديدة، وأكدت هذه المصادر أيضاً أنه قام بتغيير الولاية التي يقيم فيها مرات عدة خلال الأعوام الـ17.
زيبا أحمدي، وهي الزوجة الأولى لعلي رضا عسكري، قالت إنه في عام 2004 وبعد خروجه من السجن تقاعد قبل الأوان برتبة لواء، وبعد التقاعد دخل في تجارة الزيتون.
تجنيد جاسوس
وبحسب رواية رضا كلبور، وهو أحد أصدقائه، فإنه في أواخر نوفمبر عام 2006، أي قبل أقل من عام على اختفاء علي رضا عسكري، قال إنه لديه خطة للسفر ولا يمكنه لقاء رئيس السلطة القضائية في ذلك الوقت، والذي كان من المفترض أن يقابله بأمر من خامنئي.
ورداً على مخاوف كلبور في شأن السفر ووجود قضية مفتوحة، قال عسكري إن هذه ليست رحلته الخارجية الأولى بعد إطلاقه، وقالت زيبا أحمدي أيضاً إن زوجها قام برحلات أخرى إلى تايلاند ولبنان وسوريا قبل سفره الأخير إلى سوريا وتركيا.
وقال أحد مصادر الاستخبارات الأميركية لـ "إيران إنترناشيونال" إن علي رضا عسكري ربما التقى عملاء وكالة المخابرات المركزية خلال سفره إلى تايلاند، "حيث كانت تايلاند إحدى الدول المفضلة لأجهزة المخابرات الغربية لجذب جواسيس من إيران ودول الشرق الأوسط الأخرى لأعوام عدة، ولقد قيل إن وكالة المخابرات المركزية ربما قامت بتجنيد عسكري خلال سفرة أثناء فترة عمله كمساعد في وزارة الدفاع، ولكن بالنظر إلى أنه أدار ظهره للنظام الإيراني بعد استجوابه بوحشية أثناء اعتقاله، فقد يكون عسكري اتصل بوكالة المخابرات المركزية في الرحلة نفسها إلى تايلاند".
وبحسب قول زيبا أحمدي، فقد ذهب زوجها إلى سوريا وتركيا في رحلته الأخيرة لتجارة الزيتون، لكن رضا كلبور يدعي أن قائد الحرس الثوري الإيراني أخبره أنه إضافة إلى تجارة الزيتون "سيسافر إلى سوريا وتركيا لشراء أشياء لوزارة الدفاع"، كما قال قاسم سلطان أبادي، وهو أحد أصدقاء عسكري، إنه سافر إلى سوريا وتركيا في مهمة.
وقال إسماعيل أحمدي مقدم، خلال الذكرى السادسة لاختفاء عسكري، في الـ 15 من ديسمبر عام 2012، إن هذا القائد في الحرس جاء إلى مكتبه قبل يوم واحد من سفره إلى سوريا وبعد ذلك اختفى، "قال إننا قد لا نرى بعضنا بعضاً مرة أخرى، ولقد جئت إلى هنا لأخبرك بشيء يمكنك متابعته لاحقاً".
وكان علي رضا عسكري يعرف أنه لن يرى صديقه القديم مرة أخرى، ويبدو أن إسماعيل أحمدي مقدم أدرك بعد 17 عاماً أن عسكري ذهب إليه ليودعه الوداع الأخير.