Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الماء: هذا ما يريده الناخبون عشية الانتخابات في وادي السيليكون الهندي

مع استشراء أزمة المياه في مدينة بنغالورو، لم تعد تكفي للاستحمام أو لاستخدام المرحاض، وجل ما يريده جميع السكان من الحكومة الجديدة هو حل للأزمة

يستعمل راماسوامي وزوجته وجيرانه برميلاً بلاستيكياً لجمع المياه (ستوتي ميشرا/اندبندنت)

ملخص

تعاني مدينة بنغالورو الهندية من أزمة مياه حادة وعشية الانتخابات العامة يجري تسييس الأزمة بشكل متزايد بدلاً من إيجاد حلول

مع اقتراب موعد التصويت في الانتخابات الوطنية في الهند وسط موجة من الحر الشديد، ينصب اهتمام سكان مدينة بنغالورو الجنوبية على مشكلة واحدة ووحيدة، هي شح المياه.

فهذه المدينة، التي تسمى بوادي السيليكون الهندي بسبب ازدهار قطاع تكنولوجيا المعلومات فيها، تعاني من أزمة مياه حادة، حتى أن المياه، في بعض الأيام، لا تكفي للاستحمام أو حتى لتنظيف المرحاض.

بيد أن الأزمة المذكورة لم تحظ إلا بقدر محدود من الاهتمام خلال الحملات الانتخابية المتواصلة حالياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فحكومة ولاية كارناتكا، التي يحكمها حزب "المؤتمر الوطني الهندي" المعارض، قللت من حجم المشكلة، واتهمت خصمها، حزب "بهاراتيا جاناتا" BJP الذي يتزعمه رئيس مجلس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، بتضخيم الأزمة لإثارة الاضطرابات قبل الانتخابات.

وستبدأ الانتخابات المذكورة في 19 أبريل (نيسان) وتنتهي في 4 يونيو (حزيران) المقبل، على أن يقترع الناخبون في بنغالورو يوم 26 أبريل المقبل، خلال المرحلة الثانية من المراحل السبع المقررة [لعملية الاقتراع].

وصحيح أن السياسيين عمدوا، طوال سنوات، إلى إطلاق وعود بحل مشكلات إمدادات المياه في بنغالورو، وتحدثوا عن توسيع شبكة الأنابيب التابعة للبلدية، إلا أن السكان يشكون قائلين من إنهم لم يلقوا سوى اللامبالاة.

وقد ذكروا أنه في أولى أيام الأزمة الراهنة، قام عدد من النواب المحليين بإرسال صهاريج مياه [إلى المنطقة]، لكن فقط بعد أن زينوها بصورهم [الانتخابية].

واليوم، تشكل صهاريج المياه عصب حياة المدينة، فلا ينفك السكان، من رجال ونساء وحتى أطفال، يقفون في صفوف الانتظار لملء الدلاء والأوعية من مياه الصهاريج، في ما بات مشهداً مألوفاً في بنغالورو.

ومع ذلك، تبقى الصهاريج، حتى هي، من الكماليات بنظر عدد كبير من السكان.

وفي حديث مع "اندبندنت"، أفادت ناراناما البالغ عمرها 65 سنة، وهي تدير متجراً صغيراً على مسافة قريبة من بيتها في تقسيم أمبدكار ناغار الإداري في ضواحي المدينة: "لقد صرفت نصف ما جنيته هذا الأسبوع [لشراء] المياه".

ومن ثم، أمام منزلها قطعة أرض جرداء محفورة، تقررت إقامة بئر عليها لاستخراج المياه من الآبار الجوفية. بيد أن الماء يكاد يكون معدوماً في باطن الأرض، مما يجعل ضخه [واستخراجه] مستحيلاً.

ويبلغ عدد سكان بنغالورو 15 مليون نسمة، يستخدمون نحو ملياري ليتر من المياه يوماً، علماً بأن القسم الأكبر [من هذه المياه] يُنقل بالأنابيب من نهر كوفري القريب، ويأتي قسم آخر منها من الآبار.

عدا عن ذلك، فإن حجم الأمطار هذه السنة، الذي كان ما دون المعدلات [الموسمية المعهودة]، قد تسبب بخفض إمدادات [المياه من] النهر، وترك الآبار الجوفية جافة في أرجاء المدينة.

وفي هذا الصدد، يقول سكان المدينة القدامى إنه على رغم أن شح المياه ليس بالأمر النادر في بنغالورو، إلا أنه لم يسبق أن شهدوا يوماً أزمة [مياه] مستشرية إلى هذا الحد.

ووفق ما يفيده السكان، فإن خط الأنابيب التابع للبلدية في أمبدكار ناغار، الذي يوصل المياه من [نهر] كوفري، لم يوفر ولا حتى نقطة ماء واحدة منذ ما يناهز الأسبوعين. وأضافوا أنهم مرغمون اليوم على إنفاق مبالغ طائلة مقابل مياه الصهاريج، هذا في حال كانوا قادرين أصلاً على دفع ثمنها.

وفي هذا السياق، يقول راماسواني البالغ عمره 63 سنة، ويعمل في معمل مثلجات قريب: "نضطر إلى استخدام أي مياه نحصل عليها، أو نشتريها من الصهاريج".

وقد أكد، هو وزوجته، وكلاهما في العقد السادس من العمر، على أن ملء الدلاء والعودة بها [إلى البيت] هو مهمة صعبة، لكنهما لا يملكان أي خيار آخر.

أما مامتا البالغ عمرها 58 سنة، وهي من سكان المدينة القدامى، ولم تذكر إلا اسمها الأول، فأفادت بالقول: "يأتينا السياسيون ويطلقون وعوداً بأن إمدادات المياه ستعود إلى سابق حالها. لكنهم يتوارون جميعاً عن الأنظار ما إن تنتهي الانتخابات".

ومنذ بعض الوقت، قام عاملون في البلدية بوضع خزان أبيض وسط أحد خطوط المياه في أمبدكار ناغار، وكان الهدف من ذلك جمع مياه الأنابيب متى جرى تشغيلها، مرة أو مرتين في الأسبوع. ومع أن الخزان المذكور ليس قادراً على تخزين أكثر من بضعة دلاء من الماء، إلا أن 20 إلى 30 عائلة مجبرة على الاعتماد عليه.

أما غوري، التي ترى نفسها مرغمة على شراء الماء من الصهاريج، مع أن منزلها مزود بخط مياه مقنن تابع للبلدية، فطرحت السؤال التالي: "أحياناً، يطلقون إمدادات المياه عند الساعة الثانية فجراً. ومن ثم، من سيملأ الدلاء في هذا الوقت [المتأخر من الليل]؟".

وصحيح أن الحكومة اتخذت مبادرة للحد من التلاعب بالأسعار، فأعلنت عن توليها مسؤولية جميع الصهاريج. بيد أن السكان اشتكوا من أن صهاريج القطاع الخاص لا تزال تعمل وترفض تزويدهم بالمياه ما لم يدفعوا أسعاراً أعلى.

لكن حتى بالنسبة إلى الصهاريج المذكورة، شكل استخراج المياه تحدياً في الأسابيع القليلة الماضية، حيث وجدت نفسها مرغمة على قصد مواقع أبعد من المدينة، علها تعثر على مكامن مياه.

وفي تقسيم وايتفيلد الإداري في بنغالورو، يزعم السكان المقيمون في الأبنية العالية أنهم دفعوا ثمناً [غالياً] بعد أن رفعوا أصواتهم وجعلوها مسموعة.

وفي هذا الصدد، كشف أحد السكان المقيمين، وقد رفض الإفصاح عن اسمه: "بعد أن رفعت شكوى بسبب عدم انتظام الإمدادات، بقي المجتمع [الذي أقيم فيه] محروماً من المياه لأيام عدة".

ومن جهته، قال نائب حاكم ولاية كارناتكا، وعاصمتها بنغالورو، إن الولاية لم تشهد جفافاً من هذا القبيل منذ ثلاثة أو أربعة عقود.

وفي هذا الإطار، صرح د. ك. شيفاكومار قائلاً: "مع أننا شهدنا جفافاً في ما مضى، لم يسبق أن أعلنا يوماً عن تضرر هذا العدد الكبير من المقاطعات الفرعية [وتعرف باسم "تالوك"] بسبب الشح والجفاف".

ومع أن الأزمة الراهنة طاولت الجميع تقريباً في المدينة، إلا أنها تسببت أيضاً بانقسامات بين سكان بنغالورو. فمن جهة، تضم [المدينة] سكاناً في المناطق شبه المتمدنة والأحياء الفقيرة، يرون أنفسهم مرغمين على دفع أثمان باهظة لملء دلائهم من الصهاريج. ومن جهة أخرى، ترى مناطق راقية، يطور فيها زعماء المجتمع علاقات مع سائقي الصهاريج، ويطلبون من السكان تقنين استخدامهم للمياه.

بيد أن جميع السكان يقولون إن طريقة استهلاكهم للمياه تغيرت إلى الأبد. ففي معظم المجتمعات، يعاقَب السكان بسبب فائض استهلاكهم للمياه، أو جراء إقدامهم على غسل سياراتهم لأكثر من مرة في الأسبوع.

وهنا، شرح بيوش شارما، وهو مهندس مقيم في تقسيم "ايتي" الإداري قائلاً: "نخضع لبروتوكول صارم، فلا يحق لأي كان هدر المياه، ومن ثم، لا وجود للمياه أصلاً كي نهدرها".

وأضاف شارما، البالغ من العمر 44 سنة، وقد انتقل للعيش في بنغالورو قبل 20 عاماً لتحقيق حلمه بأن يصبح مهندساً: "نملأ الدلاء ونستعملها للاستحمام، وعلينا أن نملأ الخزانات لتنظيف المرحاض".

بيد أن شارما أكد أن عائلته تدرس إمكانية الانتقال للعيش في مكان آخر.

وقال هذا الأخير، وهو أب لولدين: "على الأرجح، سنرحل أقله لبضعة أسابيع حتى تنتهي الأزمة، لأنه يستحيل علينا تربية أطفال صغار في ظروف كهذه".

واستطراداً، شهدت بنغالورو تمدداً سريعاً في العقود القليلة الماضية، فظهرت مقاطعات إدارية جديدة حتى قبل أن تبدأ البلدية بمد خطوط أنابيب مياه وأنظمة صرف صحي.

ويعني ذلك أنه على رغم استنفاد المياه الجوفية وتراجع مستوياتها، لا يزال حفر الآبار متواصلاً في مناطق عدة، حتى في ظل الحظر الحكومي. ومن ثم، فإن شركات تطوير العقارات تعمد إلى حفر أحد المواقع، وتستهلك المياه التي تنجح في الحصول عليها، قبل أن تنتقل إلى موقع آخر غيره.

في سياق مواز، يرى سانديب أنيرودها، وهو ناشط ومؤسس لمنظمة "المواطن مهم" Citizen Matters، التي تعمل على رفع مستوى الوعي في قضايا البيئة والإيكولوجيا، أن أساس أزمة المياه يكمن هنا تحديداً.

وقد صرح أنيرودها قائلاً: "إن الفساد مستشرٍ، شأنه شأن سوء الإدارة، وقد أوصلا المدينة إلى حالة الفوضى الراهنة".

وفي فترة سابقة، كانت للمدينة 2000 بحيرة شكلت مصدراً طبيعياً لتغذية المياه الجوفية. بيد أن معظم البحيرات اختفت عن الوجود بسبب أعمال البناء العشوائية، علماً بأن [البحيرات] التي بقيت قائمة باتت في وضع يرثى له.

ويقول الخبراء إن ذلك كله لم يحصل بين ليلة وضحاها. فالواقع أن أجزاء كبيرة من النظام البيئي في المدينة خضعت لتغييرات عدة، على خلفية مد الطرقات وتنفيذ المشاريع الحكومية الضرورية لتلبية متطلبات عدد السكان المتنامي.

وبنظر ساشانك بالور، كبير خبراء علم المياه (الهيدرولوجيا) في مختبرات "ويل" WELL، الذي يعمل على تقييم مستويات المياه الجوفية في المدينة، فإن هيئة تطوير بنغالورو وحدها تعدت على معظم البحيرات".

وقال بالور إن البحيرات والآبار كانت تشكل مصدراً لتغذية مكامن المياه في المدينة، بيد أن استشراء البناء والباطون تسبب باستنفاد المياه الجوفية.

أما أنيرودها، فقال "إن الحكومة تصر على أن إيصال المياه من [نهر] كوفري إلى عدد أكبر من المناطق سيحل المشكلة. لكن هذا ليس حلاً. ومن ثم، فإن المدينة بحاجة إلى مصادر مياه خاصة بها. وبالتالي، لا بد من استعادة مياهها الجوفية وبحيراتها، بدلاً من استقدام المياه من نهر قريب بكلف أعلى".

وأضاف أن بنغالورو تواجه أزمة بيئية وليس أزمة هندسية.

أما السكان، فيحاولون في تلك الأثناء إيجاد حلولهم الخاصة. حتى أن بعضهم استحدثوا طرقاً لجمع مياه الأمطار في منازلهم، بينما يأمل آخرون في تغير الأمور بعد الانتخابات.

ومن جهتها، قالت ناراما: "لقد بنيت هذا المنزل في ثمانينيات القرن العشرين. ومع أن المياه لم تصلنا يوماً بشكل منتظم، إلا أننا بقينا صامدين بطريقة أو بأخرى". وختمت بالقول: "كل ما أطلبه من الحكومة الجديدة هو المياه ومستشفى، وسندبر أحوالنا في كل ما تبقى".

© The Independent

المزيد من تقارير