Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مواجهة الأزمة الإنسانية في غزة تتطلب دورا للسلطة الفلسطينية

على إسرائيل ألا تتخوف من منح دور لخصمها من أجل رفع معاناة القطاع

توزيع المساعدات في دير البلح بغزة، أبريل 2024 (رمضان عابد / رويترز)

ملخص

الأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة تحتاج إلى حلول سريعة من قبل تل أبيب، ومنها إشراك السلطة الفلسطينية وشركاء إقليميين في إيصال وتوزيع المساعدات

حين أطلقت إيران طائرات مسيّرة وصواريخ على إسرائيل في 13 أبريل (نيسان)، بدا أن الاهتمام بالأزمة الإنسانية في غزة قد تضاءل. ولكن حتى لو توسعت الحرب بين إسرائيل و"حماس" فمن الضروري أن يظل كل من المجتمع الدولي وإسرائيل ملتزمين بمساعدة سكان غزة في الحصول على الرعاية الصحية والمأوى والغذاء والماء. فأي جهد إسرائيلي مبذول لدرء التهديد الإيراني وهزيمة "حماس" بشكل نهائي لن يحقق نجاحاً من دون التركيز على المساعدات الإنسانية. وإذا اتسع نطاق الصراع ستحتاج إسرائيل إلى حلفاء، في وقت يستمر تدهور سمعتها في الشرق الأوسط وفي جميع أنحاء العالم بسبب الوضع الحالي في غزة، حيث وصل عدد النازحين إلى نحو 1.7 مليون وأصبح عدد كبير من السكان يواجهون خطر المجاعة. وإضافة إلى ذلك فإن التنسيق غير الكافي في عمليات تسليم المساعدات، الذي برز بوضوح بعد مأساة مقتل سبعة من موظفي قافلة مساعدات "المطبخ المركزي العالمي" في الأول من أبريل، يزيد من تقويض الجهود العسكرية الإسرائيلية.

وفي الأيام التي أعقبت هذا الحدث، تعهد القادة الإسرائيليون بتعديل نهج المساعدات الذي يعتمدونه، وأعلنوا أنهم سيعيدون فتح أنبوب مياه ثالث إلى شمال غزة، وسيسمحون بدخول الواردات عبر أشدود، وسيسلمون كمية كبيرة من المساعدات إلى شمال غزة مباشرةً عبر معبر جديد. ولم تُنفذ هذه التدابير بشكل كامل بعد، لكن إسرائيل استجابت للضغوط الدولية، وسمحت بالفعل بوصول عدد أكبر بكثير من شاحنات المساعدات. ومع ذلك، فإن هذه الخطوات لا تشكل استراتيجية متماسكة بشكل كاف. فالنهج الذي اتبعته إسرائيل في تأمين المساعدات الإنسانية للمدنيين في غزة كان قائماً في الغالب على رد الفعل. وبشكل عام، لم ترفع إسرائيل حجم المساعدات المسموح بدخولها إلا تحت ضغط خارجي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعوضاً عن اتخاذ مثل هذه التدابير الظرفية والموقتة، يجب على القيادة الإسرائيلية أن تدرك تماماً أن تقديم المساعدات إلى غزة ليس واجباً أخلاقياً فحسب، بل هو أيضاً ضرورة استراتيجية تخدم جهودها الحربية، إذ إن تفاقم الأزمة الإنسانية يقوض بشكل خطير أي فرصة قد تمتلكها إسرائيل للقضاء على "حماس" بفعالية. وبدلاً من الاكتفاء بزيادة عدد شاحنات المساعدات، يتعين على المجتمع الدولي وإسرائيل أن يعملا معاً من أجل تطوير استراتيجية أكثر وضوحاً وشمولاً وتركيزاً على النتائج. ويجب أن تعطي هذه الاستراتيجية الأولوية للمساعدات وتخلق بيئة أكثر أماناً داخل غزة لتسهيل وصول تلك المساعدات.

على وجه الخصوص، يتعين على الجهات الدولية الفاعلة الضغط من أجل إعطاء السلطة الفلسطينية دوراً رئيساً في الجهود المبذولة لتوفير المساعدة، وحث إسرائيل على السماح بمشاركة مجدية للسلطة الفلسطينية. هناك أفكار كثيرة تقترح دمج السلطة الفلسطينية بشكل أوسع في عمليات الإغاثة في غزة، بما في ذلك إنشاء مرافق للمساعدات الفلسطينية في الضفة الغربية، والاستعانة بقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية في تسيير عملية توفير المساعدات وإزالة الأنقاض، وإنشاء طريق مباشر لإيصال المساعدات من الضفة الغربية إلى غزة. في الواقع، إن منح السلطة الفلسطينية دوراً قيادياً في عمليات الإغاثة من شأنه أن يساعد في تحقيق أهداف متعددة في وقت واحد، فهو قد يؤدي إلى زيادة الكفاءة في توزيع المساعدات من خلال الاستفادة من وجود السلطة الفلسطينية الحالي في غزة، ويقوي شوكة الحكومة الجديدة التابعة للسلطة الفلسطينية ويدعم اقتصاد الضفة الغربية، ويسد الفجوة بين الأزمة الخطيرة والمباشرة في غزة والرؤية النهائية لحل الدولتين من خلال إعادة ربط غزة بالضفة الغربية بطرق ملموسة.

وفي أعقاب الهجوم الوحشي الذي شنته "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، يرى الإسرائيليون المصابون بصدمة نفسية أن التفكير في حل الدولتين غير ملائم. لكن الاستجابة الإنسانية الأوسع نطاقاً والأكثر استراتيجية هي وحدها القادرة على تمهيد الطريق لترتيب مستدام لمرحلة "ما بعد الصراع" ["اليوم التالي"] في غزة. في الحقيقة، إذا لعبت السلطة الفلسطينية دوراً بناءً في غزة، فمن المحتمل أن تؤثر في الرأي العام الإسرائيلي بشكل إيجابي وتمنح الفلسطينيين مزيداً من الاستقلالية، وهو ما يمثل خطوات مهمة وكبيرة على الطريق الطويل نحو تحقيق السلام الدائم.

تكرار ممل

على رغم أن الوضع تغير منذ السابع من أكتوبر، إلا أن بعض العقبات التي تعترض إيصال المساعدات إلى غزة ينبع من مشكلات قديمة العهد. في المقام الأول، منذ أن سيطرت "حماس" على القطاع عام 2007، اعتمدت إسرائيل سياسة متناقضة تجاه المدنيين في غزة. فإسرائيل ترغب في فك الارتباط مع غزة، لكن قادتها يريدون في الوقت نفسه السيطرة على أمن القطاع، وهو مشروع يستلزم عمليات تفتيش صارمة للسلع، وتدقيقاً في قائمة العاملين في مجال الإغاثة، مما يعرقل قدرة وصول الجهات الفاعلة الخارجية إلى القطاع وتقديم المساعدة للسكان.

علاوة على ذلك، تتولى الأمم المتحدة الإشراف على معظم المساعدات المقدمة لغزة، علماً أن وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) على وجه التحديد تدير عدداً كبيراً من الخدمات اللوجستية. لكن الاستخبارات الإسرائيلية التي كشفت عن مشاركة العشرات من موظفي الأونروا في هجوم السابع من أكتوبر، أدت إلى تدهور العلاقات بين إسرائيل والأمم المتحدة، على رغم أن العلاقة بين الطرفين عانت من انعدام الثقة منذ فترة طويلة. وفي الوقت نفسه، احتفظت السلطة الفلسطينية بوجود رسمي في غزة بعد عام 2007، إلا أن مشاركتها في توصيل المساعدات على أرض الواقع كانت محدودة. ومما يزيد الوضع تعقيداً هو الخيار السياسي الإسرائيلي المتمثل في منح معاملة تفضيلية لبعض الشركاء، وبخاصة الدول العربية المهمة، والسماح لهم بإرسال اللوازم إلى غزة بأقل قدر من العقبات البيروقراطية.

بعد يومين من أحداث السابع من أكتوبر، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أنه ينوي فرض "حصار تام على قطاع غزة. لا كهرباء ولا طعام ولا وقود". ولكن بعد أسبوعين، سمحت إسرائيل لشاحنات تحمل الأغذية والأدوية بالعبور من مصر. وفي منتصف نوفمبر (تشرين الثاني)، وبضغط من الولايات المتحدة، أذنت إسرائيل بإدخال الوقود للمستشفيات ومحطات تحلية المياه ومضخات المياه ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي والمخابز وخدمات الاتصالات. وكجزء من سياسة فك الارتباط المعلنة، لم تسمح إسرائيل في البداية بدخول المساعدات عبر معبر كرم أبو سالم (كيرم شالوم)، البوابة الرئيسة لغزة. ولكن في ديسمبر (كانون الأول)، ونتيجةً للضغوط الأميركية مرة أخرى، أعادت إسرائيل فتح هذا المعبر، وفي يناير (كانون الثاني)، سمحت بدخول بعض الواردات عبر ميناء المياه العميقة في أشدود.

وبعد الحادث المريع الذي واجهته قافلة المساعدات الإنسانية في مدينة غزة يوم 29 فبراير (شباط)، وأسفر عن مقتل أكثر من 100 فلسطيني، اتخذ القادة الإسرائيليون خطوات للتعاون مع المنظمات الدولية ومقاولين من القطاع الخاص من أجل زيادة قوافل المساعدات الإنسانية، بما في ذلك إنشاء معبر موقت جديد جنوب ناحال عوز. إضافة إلى ذلك، سمحت بمزيد من عمليات الإنزال الجوي وضاعفت عدد شاحنات المساعدات المسموح لها بالمرور من الأردن عبر معبر كرم أبو سالم إلى ثلاثة أضعاف. ونتيجةً لهذه الإجراءات زاد عدد شاحنات المساعدات الخاضعة للتفتيش اليومي التي دخلت غزة خلال مارس (آذار) إلى ما يتراوح بين 200 و250 شاحنة يومياً، باستثناء أيام السبت والأعياد اليهودية. واستطراداً، أدت مأساة قافلة "المطبخ المركزي العالمي" وما أعقبها من استنكار دولي إلى التزامات إسرائيلية جديدة مهمة لضمان دخول المساعدات إلى غزة، بما في ذلك تمديد ساعات العمل في المعابر الحالية وإنشاء مركز قيادة مشترك بين القيادة الجنوبية لجيش الدفاع الإسرائيلي ووحدة تنسيق الأنشطة الحكومية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، وهي الوحدة الحكومية التي تنفذ السياسة الإسرائيلية المدنية في غزة والضفة الغربية.

اللاوعي الجماعي

هذا التخفيف التدريجي للقيود لم يحظ بشعبية لدى الجمهور الإسرائيلي، نظراً لأن أكثر من 130 إسرائيلياً ما زالوا رهائن في غزة. وأفادت مصادر إسرائيلية أنه في الفترة ما بين 24 يناير و12 أبريل، أُغلق معبر كرم أبو سالم ونقطة التفتيش في نيتسانا جزئياً أو كلياً لأكثر من ثلث الوقت بسبب الاحتجاجات. كذلك، يشعر الإسرائيليون بالإحباط لأن المراقبين الخارجيين لم يعترفوا بالجهود التي تبذلها إسرائيل لمعالجة الأزمة الإنسانية في غزة. في الواقع، يرى كثيرون في الخارج أن إسرائيل هي المسؤولة الوحيدة عن رعاية غزة. في 11 أبريل قال ديفيد ساترفيلد، المبعوث الأميركي الخاص للقضايا الإنسانية في الشرق الأوسط: "تتحمل إسرائيل مسؤولية مطلقة وواضحة المعالم، تتمثل في المساهمة بكل السبل الممكنة في تسهيل مبادرات المجتمع الإنساني الدولي لتوزيع المساعدات".

لكن توصيل المساعدات إلى غزة بشكل آمن وفعال وتوزيعها بعد وصولها هي مهمة معقدة للغاية تعتمد على التنسيق السلس بين إسرائيل ومجموعة واسعة من الجهات الفاعلة الأخرى، بما في ذلك مصر والأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى ومجتمع الجهات المانحة والمنسقين داخل غزة نفسها. ومن دون إنكار مسؤولية إسرائيل، فإن الكابوس الإنساني الذي تعيشه غزة يمثل فشلاً جماعياً.

وفي داخل غزة، فإن التأثير التخريبي المستمر لـ"حماس" التي يسرق قادتها المساعدات، يعيق إلى حد كبير أي جهد إنساني ناجح، ويتفاقم ذلك بسبب النقص في الشاحنات ومرافق التخزين، وبطء عمليات التحقق من السائقين، والركام، والطرق المحطمة. وخارج حدود غزة، توترت العلاقات بين مصر وإسرائيل إذ تصر تل أبيب على تفتيش جميع القوافل الآتية من مصر. في المقابل، تؤكد مصر بإصرار أنها لا تنوي أن تكون مقاولاً فرعياً ينفذ توجيهات إسرائيل في ما يتعلق بتوصيل المساعدات.

الكابوس الإنساني الذي تعيشه غزة يمثل فشلاً جماعياً

وإلى أن يستأنف ميناء أشدود عملياته على نطاق واسع، فإن معظم المساعدات المتجهة إلى غزة تصل عبر بور سعيد في مصر ومطار العريش، وهي مدينة مصرية صغيرة تبعد 25 ميلاً (40 كلم) عن رفح. لكن هناك عوائق تستمر في عرقلة توصيل المساعدات على رغم التحسينات في أماكن أخرى في سلسلة التوريد. علاوة على ذلك، تتمتع العريش نفسها بقدرات محدودة للغاية في مجال معالجة المساعدات وتخزينها.

ويواجه تنسيق تسليم المساعدات مزيداً من العقبات بسبب الصراعات الداخلية في الأمم المتحدة والتوترات بين هذه الأخيرة وإسرائيل. لقد كلفت الأمم المتحدة عدداً من كبار المسؤولين من مختلف الوكالات بمسؤوليات وأدوار متشابهة، مما أدى إلى الارتباك والمنافسة الداخلية. وقد تصاعد الصراع بين إسرائيل والأمم المتحدة، إذ إن الطرفين تورطا في لعبة الاتهامات المتبادلة وهما يختلفان بشكل أساسي حول طبيعة المشكلة.

على سبيل المثال، تشكك إسرائيل في تحذير الأمم المتحدة بأن المجاعة وشيكة في غزة، وتتهمها بالفشل في منع سرقة إمدادات المساعدات، وتلقي باللوم على المنظمة لافتقارها إلى القدرة على توزيع محتويات مئات الشاحنات الموجودة الآن داخل غزة. من جانبها، تلوم الأمم المتحدة إسرائيل لعدم فتح مزيد من المعابر الحدودية، وبطء عمليات التفتيش والموافقة، والسماح بإيصال المساعدات من خلال أطراف غير تابعة للأمم المتحدة (بما في ذلك العشائر المسلحة المرتبطة بزعيم فتح المنفي محمد دحلان)، والفشل في إنشاء بيئة تشغيلية صالحة لتوزيع المساعدات. ويمتد هذا الاقتتال الداخلي إلى أعلى مستويات القيادة داخل كل من إسرائيل والأمم المتحدة.

حلول سطحية

إن التغييرات الجارية بالفعل بعد مأساة "المطبخ المركزي العالمي" يمكن أن تزيل بعض العقبات التي تواجه غزة. ومن الممكن أن يعمل مركز القيادة المشتركة الجديد على تحسين تنسيق العمليات. ومن المتوقع أن يكون وصول الواردات عبر أشدود أكثر فعالية من وصولها عبر العريش، وقد يسهم تسليم المساعدات مباشرةً إلى شمال غزة في تجنب صعوبات نقل البضائع إلى هناك من الجنوب.

ومن الضروري إجراء تغييرات فردية إضافية لضمان تسليم المساعدات بسهولة: إذ يتعين على الأمم المتحدة ومجتمع المانحين الشروع في إصلاح جدي للأونروا، وعلى الولايات المتحدة أن تحث مصر على تحسين طريق إيصال المساعدات بين العريش ورفح. بطريقة موازية، فإن مجتمع المانحين، بما في ذلك الولايات المتحدة والدول الأوروبية التي تسهم في مساعدات غزة من خلال الأمم المتحدة، وكذلك الدول العربية التي تميل إلى التبرع بشكل مباشرةً من دون المرور عبر قنوات وجهات معينة مثل الأمم المتحدة، يجب أن ينتقل من التبرعات العينية إلى ما يعادلها من تحويلات نقدية وذلك لتحفيز القطاع الخاص والتقليل من الأخطار المرتبطة بإمدادات المساعدة والموظفين. يجب على الأمم المتحدة أن تعمل على تحسين التنسيق داخلياً ومع إسرائيل، على سبيل المثال، من خلال تعيين أحد موظفيها الناطقين باللغة العبرية ضمن قوات الدفاع الإسرائيلية: خلال حرب إسرائيل مع لبنان عام 2006، أدمجت إسرائيل أحد موظفي الأمم المتحدة في القيادة الشمالية لجيش الدفاع الإسرائيلي لتسهيل عمليات الإغاثة الإنسانية والعمليات العسكرية.

لا تُظهر منظمات الإغاثة الدولية رغبة كبيرة في تعديل نهجها المبدئي، وفي المقابل تتجنب إسرائيل تحمل أي أخطار. ولكن يتعين على الجانبين أن يُظهرا مزيداً من المرونة. على سبيل المثال، يتعين على وكالات الأمم المتحدة الموافقة على توزيع الإمدادات الحيوية عبر الممر البحري الجديد الذي خططت له الولايات المتحدة، حتى لو كانت قلقة من أن مشاركة الجيش الإسرائيلي في تفريغ المساعدات سيجعلها تبدو متواطئة مع الحملة العسكرية الإسرائيلية. وفي الوقت نفسه، يتعين على جيش الدفاع الإسرائيلي أن ينسق عملياته المدنية والعسكرية في غزة بشكل أفضل وأن يتبنى آلية أكثر فعالية لتنسيق الأنشطة، ويجب على القادة الإسرائيليين أن يتحدثوا علناً عن الجهود التي يبذلها جيش الدفاع الإسرائيلي من أجل حماية المدنيين.

لكن رفض القيادة الإسرائيلية الأساسي للموافقة رسمياً على خطة متماسكة ومفصلة وواقعية لمرحلة ما بعد الصراع في غزة من شأنه أن يؤدي إلى تعقيدات في عملية تنفيذ أي من هذه التغييرات الملحة. وفي حين أن الحلول الموقتة لتوزيع المساعدات قد تكون مفيدة على المدى القصير، إلا أنها قد تؤدي بسهولة إلى الفوضى على أرض الواقع إذا لم تكن مرتبطة باستراتيجية واضحة طويلة الأمد حول طريقة معالجة القضايا الإنسانية بعد توقف القتال. علاوة على ذلك، فإن النهج التفاعلي الذي تبنته القيادة الإسرائيلية حتى الآن من الممكن أن يعيق الانتقال الضروري من الإغاثة الفورية إلى التعافي وإعادة الإعمار على المدى المتوسط والطويل.

نصب أعينكم

نظراً لأن عدداً كبيراً من العيوب في النهج الإسرائيلي بعد السابع من أكتوبر ينبع من سياسة فاشلة منذ فترة طويلة، فهناك حاجة ملحة إلى إجراء تغيير جوهري في استراتيجية البلاد. إن التركيز بشكل أكبر على المبادرات الإنسانية يمكن أن يسهم في تقليل المشاعر المعادية لإسرائيل بين المدنيين في غزة ويدعم مساعي إسرائيل الرامية إلى مكافحة التطرف. في مارس (آذار)، أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أنه سيعين مسؤولاً بارزاً كمنسق للمساعدات الإنسانية.

لكنه لم ينفذ هذا الالتزام. وفي الواقع، من الضروري جداً أن تدرك إسرائيل أهمية البعد الإنساني في الحرب. وحتى بعيداً من العواقب الأخلاقية المترتبة، فالأزمة الإنسانية في غزة تصرف انتباه المخططين العسكريين الإسرائيليين عن جهودهم الرامية إلى إدارة الحرب بنجاح، وبخاصة مع استمرار سيطرة "حماس" على رفح وإعادة تجميع صفوفها في أماكن أخرى. وهي تؤدي أيضاً إلى زيادة سريعة في التوترات التخريبية بين إسرائيل والشركاء الرئيسين: فاعتباراً من منتصف أبريل، أوقفت بلجيكا وكندا وإيطاليا وهولندا وإسبانيا مبيعاتها من الأسلحة إلى إسرائيل، وتتعرض دول أخرى لضغوط لكي تحذو حذوها.

والأهم من ذلك هو أنه يتعين على إسرائيل أن تتقبل فكرة أن تشجيع السلطة الفلسطينية على تولي دور أكثر رسمية في غزة يمثل أفضل خيار ممكن في المستقبل. فالسلطة الفلسطينية تظل الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني دولياً، وهي ثاني أكبر جهة توظيف في غزة بعد "حماس". فهي مندمجة في الوزارات المحلية التي تُعتبر حيوية للوظائف المدنية، وتضم الحكومة الفلسطينية الجديدة ستة وزراء من غزة.

عدد كبير من العيوب في النهج الإسرائيلي بعد السابع من أكتوبر ينبع من سياسة فاشلة منذ فترة طويلة

إن مساعدة السلطة الفلسطينية في الاضطلاع بدور أكبر في تقديم المساعدات الإنسانية والإشراف عليها يمكن أن تجعل جهود الإغاثة أكثر استدامة ومتانةً وتعزز الروابط بين غزة والضفة الغربية، وهو أمر ضروري لإنشاء دولة فلسطينية فاعلة في المستقبل. وبوسع الفرق الطبية الموجودة في الضفة الغربية أن تساعد المستشفيات الميدانية الدولية في غزة، في حين يمكن للسلطة الفلسطينية أن تشارك بشكل أفضل في حملات فحص المياه، وجهود التطعيم، وحملات التبرع بالدم. ويمكن أن تشمل البرامج التجريبية شرطة الحدود والجمارك التابعة للسلطة الفلسطينية في إدارة المعابر البحرية والبرية، ويمكن أن ينضم الدفاع المدني التابع للسلطة الفلسطينية، وهو قوة قوامها نحو 1500 فرد تعمل بشكل وثيق مع إسرائيل، إلى الحملة الرامية إلى إزالة الأنقاض والذخائر غير المنفجرة تحت إشراف حلف شمال الأطلسي. واستكمالاً، فإن إنشاء مرافق المساعدات في الضفة الغربية وبناء طريق مباشر لإيصال المساعدات من هناك، مع إجراء عمليات التفتيش الإسرائيلية في تلك المنطقة، من الممكن أن يعزز الكفاءة، ويدعم الاقتصاد المحلي، ويحسن مصداقية السلطة الفلسطينية أمام الشعب الفلسطيني. علاوة على ذلك، لدى رئيس وزراء السلطة الفلسطينية الجديد في الضفة الغربية، محمد مصطفى، خطته الطموحة الخاصة لغزة وهي تتضمن إنشاء هيئة إعادة إعمار شبه مستقلة تخضع بشكل منتظم لمراجعة هيئات دولية محترمة.

لن يكون من السهل إشراك السلطة الفلسطينية رسمياً في جهود المساعدات في غزة. وسوف تعارض "حماس" محاولات تهميشها، ولا بد من مقاومة هذه المعارضة من جانب الزعماء الآخرين في غزة والرعاة الإقليميين، وبخاصة مصر وقطر. ويجب على السلطة الفلسطينية أيضاً أن تثبت للشعب الفلسطيني والشركاء الدوليين وإسرائيل نواياها السلمية وأن تنتقل إلى اعتماد أسلوب استباقي غير معتاد. ولكن يتعين عليها في الوقت نفسه أن تجعل جهودها مستساغة سياسياً بالنسبة إلى الفلسطينيين من خلال تسليط الضوء على مساهمتها أيضاً في تعزيز المشروع السياسي الوطني الفلسطيني. وقد تنظر الحكومة الإسرائيلية الحالية بشكل سلبي إلى تمكين السلطة الفلسطينية، لأنها تعارض اضطلاعها بدور رسمي في غزة أو الدفع باتجاه حل الدولتين، بيد أن هذا سيشكل خطأ يفتقر إلى بعد النظر. فمن دون مشاركة رسمية للسلطة الفلسطينية في غزة، من المستبعد أن توافق أي جهة فاعلة إقليمية أو دولية على تحمل أي التزام جدي طويل الأمد لتحقيق الاستقرار في غزة.

لذا، يجب على الولايات المتحدة وأوروبا، جنباً إلى جنب مع الجهات الفاعلة الإقليمية، في المقام الأول مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة والسعودية، أن تساعد السلطة الفلسطينية على ترسيخ شرعيتها من خلال إظهار التزام واضح بتعزيز حل الدولتين. ومن جهتهم، يحتاج القادة الإسرائيليون إلى تطمينات تؤكد على أنه لن تحدث أي كارثة إذا سمحوا للسلطة الفلسطينية بالعمل في غزة. إن اتخاذ خطوات متواضعة في البداية ونقل بعض المسؤوليات إلى السلطة الفلسطينية يمكن أن يقلل تدريجاً من المعارضة الإسرائيلية. ولكن تجدر الإشارة إلى أن البدء على نطاق صغير لا يعني التفكير بشكل محدود وضيق. وبعيداً من التركيز مباشرة على مسألة تحسين المساعدات الإنسانية، فإن العمل على تمكين السلطة الفلسطينية، وفي الوقت المناسب، دفع عملية سلام حقيقية إلى الأمام، قد يمنع غزة من أن تشكل تهديداً بالنسبة إلى إسرائيل مرة أخرى مثلما فعلت في عهد "حماس".

*شيرا عفرون هي مديرة تنفيذية لبحوث السياسات في مؤسسة "ديان وغيلفورد غليزر" في "منتدى سياسة إسرائيل". عملت من عام 2020 إلى عام 2021 كمستشارة مع فريق الأمم المتحدة في القدس المعني بمسائل غزة، ومن عام 2011 إلى عام 2022، شغلت منصب باحثة في مؤسسة "راند" حيث قادت بحثاً حول التحديات الإنسانية في غزة.

مترجم عن "فورين أفيرز"، 15 أبريل، 2024

المزيد من آراء