Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعد اشتعال النفط... هل ترفع تونس الدعم عن المحروقات؟

توقعات بارتفاع الأسعار إلى 120 دولاراً للبرميل تخالف فرضية برميل الـ81 دولاراً في موازنة 2024

كل دولار زيادة في سعر البرميل يؤدي إلى ارتفاع نفقات الدعم بقيمة 46.4 مليون دولار (أ ف ب)

ملخص

يستبعد المحللون لجوء الحكومة التونسية إلى رفع الدعم عن المحروقات في الوقت الحالي

تضاعفت المخاوف من اتساع رقعة الحرب في الشرق الأوسط وانعكاساتها على أسعار الطاقة، وخصوصاً النفط، وبات الحديث عن إمكانية صعود سعر خام "برنت" القياسي إلى حدود 100 دولار كابوساً لدى البلدان المستوردة للنفط، وإن استقر سعر البرميل عند 90.2 دولار للبرميل في الـ15 من أبريل (نيسان) 2024، تبقى التوقعات تشير إلى أن أسعار النفط قد ترتفع إلى 100 دولار للبرميل أو أكثر، وأن أي خلل في إيفاء إيران بالتزاماتها في السوق قد يؤثر في الإمدادات ويدفع الأسعار للاشتعال.​

من بين البلدان المتوجسة من تصاعد الأسعار تونس التي وضعت موازنتها لسنة 2024 على أساس فرضية متوسط سعر النفط 81 دولاراً للبرميل من خام "برنت"، بعد أن قدرت الحكومة حاجات التمويل الضرورية لتوازن منظومة المحروقات والكهرباء والغاز في 2024 بنحو 8.03 مليار دينار (2.6 مليار دولار) ضبطت على أساس ألا يزيد حجم استهلاك المنتجات النفطية الجاهزة على 4.299 مليون طن مقابل 4.036 مليون طن في 2023، أي بزيادة بنحو 6.5 في المئة، وألا يزيد حجم استهلاك الغاز الطبيعي عن 5.618 مليون طن مكافئ نفط بزيادة اثنين في المئة، بالمقارنة مع تقديرات 2023 وهي 5.522 مليون طن.

وضعت التقديرات على أساس زيادة في الكميات الموردة من الغاز الطبـــيعي الجزائري بـ6.4 في المئة لتبلغ 3.038 مليون طن مكافئ نفط مقابل 2.856 مليون طن مكافئ نفط في تقديرات 2023، مع تسديد قسط بقيمة 120 مليون دينار (38.7 مليون دولار) من قرض الصندوق السعودي للتنمية لتمويل شراء مواد نفطية من شركة "أرامكو" للإيفاء بجزء من متبقيات منحة الدعم التكميلية عام 2019، وإدراج 100 مليون دينار (32.2 مليون دولار) لسداد جزء من متبقيات منحة الدعم التكميلية عام 2018.

مترتبات الزيادة وتعمق العجز

كانت الحكومة التونسية نبهت إلى المترتبات المحتملة عن الزيادة في أسعار النفط، وأشارت إلى أن كل دولار زيادة في سعر البرميل يؤدي إلى زيادة في نفقات الدعم بـ144 مليون دينار (46.4 مليون دولار)، والزيادة بـ10 مليمات في سعر صرف الدولار تؤدي إلى زيادة بـ57 مليون دينار (18.3 مليون دولار) في النفقات المذكورة، بينما يستقر سعر البرميل اليوم عند 90 دولاراً، وسط توقعات لمحللين بصعوده إلى 100 أو 120 دولاراً في حال غلق مضيق هرمز، ما يؤدي إلى التأثير المباشر على الموازنة بزيادة فاتورة توريد النفط بالأسعار الحالية مما سيعمق من وطأة العجز التجاري.

سجلت تونس تقلصاً في العجز التجاري خلال الربع الأول من عام 2024، ليصبح في حدود 30.5 مليار دينار (9.83 مليار دولار) مقابل 38.4 مليار دينار (12.3 مليار دولار)، في الربع المناظر من 2023، وفق المعهد الوطني للإحصاء.

وسجل عجز الميزان التجاري الطاقي ارتفاعاً بنسبة خمسة في المئة حتى نهاية فبراير (شباط) الماضي مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، إذ بلغ 1.87 مليار دينار (603 ملايين دولار) مقابل 1.7 مليار دينار (548 مليون دولار).

ولم تتجاوز نسبة تغطية الواردات للصادرات 22 في المئة بعد أن عرفت الموارد من الطاقة الأولية (الإنتاج والإتاوة من الغاز الجزائري) انخفاضاً بنسبة 12 في المئة حتى فبراير الماضي مقارنة بالفترة نفسها من 2023، إذ بلغت 0.6 مليون طن مكافئ نفط وفق المرصد الوطني للطاقة والمناجم، ويعود ذلك بالأساس إلى انخفاض الإنتاج من الغاز الطبيعي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبلغ الطلب الإجمالي على الطاقة الأولية 1.4 مليون طن مكافئ نفط في فبراير 2024، مسجلاً انخفاضاً نسبته ستة في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وإن عرف الطلب على المواد البترولية ارتفاعاً بنسبة اثنين في المئة، فقد قابله انخفاض في الطلب على الغاز الطبيعي في 2024 بنسبة 13 في المئة، مقارنة بمستوى العام الماضي، ولا يفسر ذلك بتراجع في الطلب، بل محدودية توفر الكميات اللازمة لإنتاج الكهرباء، بالتالي اللجوء إلى توريد الكهرباء مباشرة.

بناء على ذلك سجلت نسبة الاستقلالية الطاقية (تغطية الموارد المتاحة للطلب الإجمالي) انخفاضاً لتستقر في حدود 42 في المئة حتى نهاية فبراير الماضي مقابل 45 في المئة خلال الفترة نفسها من عام 2023، وتبعاً لكل ذلك عرف ميزان الطاقة عجزاً بـ0.83 مليون طن مكافئ نفط في هذه الفترة، مسجلاً استقراراً مقارنة بمستواه في فبراير 2023.

وارتفعت الصادرات من حيث القيمة حتى فبراير الماضي بنسبة 19 في المئة، مقابل ارتفاع الواردات بنسبة ثمانية في المئة، بخاصة على مستوى واردات النفط الخام.

هل تتخلى الحكومة عن الدعم؟

في رده على سؤال "اندبندنت عربية" حول إمكانية اتجاه الحكومة التونسية إلى الترفيع في أسعار المحروقات للضغط على كلفة واردات النفط وعجز الميزان التجاري الطاقي، قال محلل شؤون الطاقة لدى البنك الدولي، عز الدين خلف الله، إن أولوية الدولة التونسية في الوقت الراهن الحفاظ على نسق الإمدادات واستقرار المخزون، وهو رهان في حد ذاته مع الأسعار الحالية التي تجاوزت تقديرات الموازنة، إذ ستضطر الحكومة إلى التدخل لتغطية كلفة ارتفاع أسعار النفط وكلفة الدعم المرجحة للارتفاع مع الفاتورة الجديدة.

واستبعد خلف الله تخلي الحكومة عن دعم المحروقات، لكنه يرى أن العودة إلى التعديل الشهري لأسعار المحروقات الآلية المناسبة للتطورات الأخيرة في سوق النفط.

وتخلت تونس منذ أبريل 2022 عن آلية التعديل الأوتوماتيكي لأسعار المحروقات بحسب أسعار النفط في السوق العالمية باعتماد نسبة معينة من الزيادة أو التخفيض، وسيراً إلى الأسعار الحقيقية نحو رفع الدعم بصفة تدريجية.

وأضاف خلف الله أن عدم الاتجاه إلى زيادة الأسعار يؤدي إلى رفع مخصصات دعم المحروقات عند وضع الموازنة التكميلية، مشيراً إلى أن المعضلة الحقيقية في تونس تتمثل في ارتفاع استهلاك الطاقة مقابل تراجع الإنتاج، في حين يشكو القطاع من نقص في عقود الاستكشاف المصدر الوحيد لتحسن المخزون من النفط بعد تراجع إنتاج الحقول الكبرى، بخاصة حقلي عشتار وسيدي الكيلاني.

ويضيف محلل شؤون الطاقة التونسي، "تفتقر البلاد إلى اكتشافات نفطية جديدة، إذ لا تزيد رخص البحث والاستكشاف في عام 2023 عن 16 رخصة مقابل 54 رخصة في عام 2010، وتراوح المعدل السنوي لحفر الآبار الاستكشافية في تلك الفترة ما بين 12 و18 بئراً، في حين انعدم الحفر تماماً العام الماضي، وحفرت بئر استكشافية وحيدة في 2024 وهي رخصة جناين الجنوبية، وجميعها عوامل مؤدية إلى صعوبات في تجديد المخزون، بالتالي خفض الإنتاج".

قوانين محبطة

من جانبه رأى وزير الطاقة والمناجم السابق خالد قدور أن التخلي عن الدعم والترفيع في الأسعار لن يوفر الحلول النهائية لمعضلة عجز ميزان الطاقة في تونس، بحكم أن الزيادة في الأسعار في السوق المحلية تحسب بالعملة المحلية، بينما يشترى النفط من الخارج بالعملات الأجنبية، ويعمق سعر صرف الدينار العجز ويصعب تغطيته برفع سعر ليتر البنزين أو الغازوال بالدينار المحلي.

ويشير المسؤول السابق إلى أن التعويل على تنمية الناتج الإجمالي للبلاد وخلق الثروة كفيل بتغطية جميع صور العجز، مستبعداً إمكانية العودة إلى التعديل الشهري للأسعار والتخلي تدريجاً عن الدعم، مرجحاً الاكتفاء بالترفيع في أسعار المحروقات على رغم آثارها المحدودة على عجز الموازنة.

وحمل قدور الفصل 13 من دستور 2014 مسؤولية انهيار الإنتاج بحكم ما ترتب عنه من بيروقراطية بخصوص الرخص، إذ نص على ضرورة عرض الرخص على البرلمان، الأمر الذي فاقم الإجراءات الإدارية وزاد من فترات الانتظار ودفع إلى هجرة شركات التنقيب ونتج منه تراجع عمليات الحفر والتنقيب من 15 إلى 20 عملية كمعدل سنوي إلى أربع عمليات حفر في العام، ثم انهيارها في 2023 إلى الصفر، وهي نتيجة حتمية للقوانين غير المحفزة على الاستثمار في البحث والاستغلال للمحروقات في تونس.

اقرأ المزيد