ملخص
بعد مرور عام على حرب السودان بات الجوع أحد مهددات البقاء للسكان الذين يعانون أيضاً مشكلات أخرى على صعيد الجانب الإنساني، تتمثل في الانتهاكات والتهديدات والابتزاز والاغتصاب وغيرها من أشكال العنف الذي يجعل حياة الناس صعبة للغاي
على رغم إكمال الحرب بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" عاماً كاملاً إلا أن الأوضاع في مناطق الصراع لا تزال غير مستقرة، إذ يستمر نزف الأرواح وعمليات النزوح والانتهاكات ونهب الممتلكات من دون أن يلوح بارق أمل في الأفق، على رغم الجهود المبذولة دولياً وإقليمياً ومحلياً لإطفاء نيران الحرب، مع اتجاه الأنظار نحو استئناف محادثات السلام بمنبر جدة في الـ 18 من أبريل (نيسان) الجاري.
وكان مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أشار في أحدث تقرير له إلى أن طرفي القتال إرتكبا إنتهاكات واسعة منذ إندلاع الحرب في السودان استهدفت المدنيين، كما لا يزالان يتماديان في شن الهجمات العشوائية على المناطق التي تكتظ بالسكان، بخاصة في الخرطوم وأم درمان ودارفور وكردفان والجزيرة، فضلاً عن استخدام أسلحة متفجرة وطائرات مقاتلة وقذائف مدفعية ذات تأثيرات واسعة النطاق، أسهمت إلى حد كبير في عمليات القتل وهدم المنازل.
أوضاع مزرية
وبحسب المتحدث باسم منسقية النازحين واللاجئين آدم رجال فإن "وضع المواطنين باقليم دارفور الذي تسيطر قوات الدعم السريع على أربع من ولاياته كارثي، إذ يعانون القتل والتشريد، كما أن أوضاعهم المعيشية باتت مزرية للغاية بسبب إنعدام الغذاء والدواء إلى جانب استمرار استهدافهم من قبل طرفي الصراع، بخاصة الدعم السريع".
وأضاف رجال أن "نقص الغذاء قاد المواطنين إلى تناول أطعمة الحيوانات، إلى جانب أكل الجراد الصحراوي لسد الجوع باعتباره من الوجبات المتعارف عليها في المجتمع الدارفوري، إضافة الى المعاناة الطاحنة في الحصول على المياه الصالحة للاستعمال الآدمي".
وأشار إلى أن "المجاعة بإقليم دارفور أصبحت واقعاً معاشاً، ولا سيما وأن الموت بسوء التغذية وفقر الدم والهزال الحاد يلاحق الشرائح كافة".
ولفت منسق النازحين واللاجئين إلى أن "تجويع المواطنين من طرفي النزاع يعد انتهاكاً لحقوق الإنسان، وعلى الدولة أن تلتف إلى أهالي دارفور الذين تفاقمت أوضاعهم بطول أمد الحرب".
وصمة عار
وعن الأوضاع في الخرطوم قالت الناشطة الحقوقية أميمة عبدالغفار إن "الحرب أدت إلى انتهاكات بالغة في حق سكان مدن العاصمة الثلاث، وتحديداً الفتيات والنساء اللاتي تعرضن إلى تعديات من عناصر الدعم السريع المتمثلة في العنف بأشكاله كافة".
وتابعت عبدالغفار، "هناك تقارير رسمية كشفت عن حالات اغتصاب لفتيات إلى جانب تعرضهن للتهديد والابتزاز الجنسي سواء في المنازل أو الشوارع العامة"، لافتة إلى "أن هناك حملات منظمة من مجموعات نسوية مهتمة بحقوق المرأة ظلت تدافع عنهن من أجل توفير الحماية لهن من العنف المتصل بالنزاع".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونوهت الناشطة في حقوق الإنسان إلى أن" الخطر لا يزال قائماً بطول أمد الحرب، فضلاً عن التستر عن ضحايا الاغتصاب بسبب النظرة المجتمعية ووصمة العار التي ستلاحقهن مدى الحياة، إضافة إلى عدم الثقة في الجهات العدلية في ظل انهيار الدولة ومؤسساتها، إذ إن من بين إجمال حالات الإغتصاب قامت أربع فتيات فقط بإبلاغ السلطات بما تعرضن له".
تهديد واعتقالات
وأفاد عضو غرفة طوارئ أم درمان أحمد عبدالرحمن أن "هناك استهدافاً وانتهاكاً ممنهجاً ضد العاملين في مجال المساعدات الإنسانية، والذين ظلوا يدعمون المدنيين منذ اندلاع الحرب، وبخاصة الشباب الناشطين في غرف الطوارئ التي تكونت بعد تأزم الأوضاع المعيشية للسكان الذين ما زالوا موجودين في الخرطوم، ولا سيما أن شهر مارس (آذار) الماضي شهد تعرض عدد من مشرفي الغرف للضرب والتهديد والاعتقال، إزاء إصرارهم على فتح الممرات التي تقودهم للأحياء المؤهلة بالسكان لتقديم المساعدات من غذاء ودواء وإجلاء المرضى الذين أصبحوا غير قادرين على تحمل المرض والجوع".
وأوضح عبدالرحمن أن "الاستهداف طاول المطابخ الجماعية التي تقدم الطعام المجاني عقب مباشرة عملها بعد عودة شبكة الاتصالات والإنترنت، والتي كانت تحظى بمشاركة واسعة من المانحين داخل وخارج السودان، وتسهم إلى حد كبير في تخفيف العبء على المواطنين الذين يحاصرهم الجوع المدقع في ظل إغلاق الأسواق وعدم توفر السلع الغذائية، فحتى من يملك المال لا يستطيع الحركة لشراء حاجاته الأساس".
ولفت إلى أنه من الضروري التوقف عن الأعمال العدائية التي أنهكت كاهل المواطن الذي وجد نفسه في مواجهة ظروف قاسية.
تقارير متضاربة
وحول الأخطار التي تهدد البلاد من مجاعة محتملة وغيرها من تحديات، أوضح المحلل الإقتصادي محمد الناير أن "الإنتاج الزراعي والحيواني والاقتصادي تأثر بشكل كبير من إندلاع الحرب، إلا أن التقارير الأممية لم تكن حقيقية أو محايدة في ما يتعلق بالغذاء، سواء الصادرة من برنامج الغذاء العالمي أو صندوق النقد الدولي، فضلاً عن أنها جاءت متضاربة، وكان يجب أن تستند إلى التقارير الرسمية لمؤسسات الدولة السودانية المعنية بالأمر".
وأضاف الناير، "في تقديري أن السودان لن يتعرض لمجاعة بالنظر إلى موارده الضخمة، ولا سيما أن الإنتاج الزراعي فقط في الولايات الآمنة يحقق إنتاجاً وافراً من المحاصيل، إلى جانب الموانئ البحرية التي تعمل في ظل الحرب من خلال تعامل حكومة الخرطوم تجارياً مع بعض الدول التي يصدر لها، إذ يمكن أن تستورد حاجاتها من السلع المطلوبة، إضافة إلى استغلال المنافذ البرية مع مصر لسد النقص في السلع الغذائية".
وأشار إلى أن"سياسات صندوق النقد الدولي برفع الدعم عن بعض السلع وتدهور العملة الوطنية وارتفاع معدل التضخم تعد من الأسباب التي شكلت عبئاً ثقيلاً على المواطنين الذين أصبح عدد كبير منهم غير قادر على شراء أساسات الحياة، مما فاقم أوضاعهم المعيشية".
ونوه المحلل الاقتصادي إلى أن "المشكلات المحيطة بالغذاء لدى الغالبية أيسر من وصف الدولة بالجوع أو على حافة المجاعة، إذ من واجب الدولة التدخل لإيجاد حلول ومعالجات لسد فجوة الغذاء الضاربة حتى تتمكن الشرائح الضعيفة من الحصول على السلع الغذائية الضرورية".
وكان برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة حذر في وقت سابق من أن استمرار الحرب سيدفع بالسودان إلى أكبر أزمة جوع في بلد وصف بأنه سلة غذاء العالم، فيما يعاني 25 مليون شخص من سكان البلاد البالغ تعدادهم 42 مليون نسمة من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وأن أكثر من خمسة في المئة منهم لا يستطيعون تأمين وجبة كاملة في اليوم، وأن نحو 5 ملايين منهم على شفا المجاعة، فيما يعاني 3.5 مليون طفل سوء التغذية، وهو ما يعد ثاني أسواء تصنيف يعتمده برنامج الغذاء العالمي لحالات الطوارئ بعد المجاعة، فضلاً عن توقف وعرقلة المساعدات الإنسانية ومنع انسيابها من طرفي الصراع إلى المناطق المستعرة بالمواجهات، إلى جانب النازحين لمعسكرات الإيواء بالولايات الآمنة، وهو ما يعد من الإنتهاكات التي ترتكبها القوتان المتحاربتان بتجويع المواطنين ومن ثم إدراج الغذاء ضمن أدوات الحرب.