Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

القلاع في العالم العربي... دليل الحضارات الحجري

اختلفت هندسة وحجماً وارتفاعاً ودوراً بحسب الحقبة التي بنيت فيها وجنسية مشيديها

قلعة بعلبك (مواقع التواصل)

ملخص

لا تتغير في القلعة إلا نوعية أماكن العبادة فيها، ونوع المراكز العسكرية بحسب تطور السلاح، وكذلك التوزيع الهندسي لعوالم الرجال ولعوالم النساء وللحكام وللعامة من الناس.

تضم الدول العربية الواقعة على حوض المتوسط في شمال أفريقيا وفي الجهة الآسيوية قلاعاً تعود إلى مختلف الحقبات الزمنية. وهذا ما ينطبق على مصر والسودان في حوض النيل. 

وهذه القلاع التي لم يتوقف بناؤها إلا بعد ظهور أنماط العمارة الجديدة في قرون قريبة خلت، كانت تؤدي أدواراً مختلفة بحسب موقعها، فهي في قلب المدينة تكون الحامية العسكرية، وقد تكون القلعة هي المدينة بأكملها ومسورة بسور مرتفع منعاً للغزاة وبخاصة إذا ما كانت تقع على طريق التجارة حيث تكثر عصابات قطاع الطرق أو الجيوش العابرة التي تبحث عن النقاط الاستراتيجية لتسيطر عليها.

وعلى رغم أن القلاع اختلفت هندسة وحجماً وارتفاعاً ودوراً بحسب الحقبة التي بنيت فيها وجنسية مشيديها، إلا أن غالبية القلاع تم تناقلها بين الحقبات وترميمها وتجديدها، فتجد في قلعة واحدة آثاراً لحضارات عدة.

فمثلاً في مصر، يمكن ملاحظة التراث المصري القديم ومن ثم الروماني والقبطي والإسلامي في معظم القلاع، عدا عن أنه في الحقبة الإسلامية مثلاً، يمكن أن تكون القلعة قد آوت جيوش المسلمين الأوائل أيام الفتح ومن ثم الأمويين والعباسيين والفاطميين والمماليك والصليبيين في مرحلة الحروب الصليبية، وهكذا دواليك.

 

 

ولا تتغير في القلعة إلا نوعية أماكن العبادة فيها، ونوع المراكز العسكرية بحسب تطور السلاح، وكذلك التوزيع الهندسي لعوالم الرجال ولعوالم النساء وللحكام وللعامة من الناس. 

ويظهر أن قلاع سورية ولبنان وفلسطين والعراق ومصر هي القلاع المركزية التي شهدت كل التغييرات التاريخية الممكنة بسبب كون هذه البلاد في طرق التجارة التاريخية وفي طرق المدّ الحربي والغزو العسكري للجيوش القادمة من أوروبا أو القادمة من بلاد فارس على مر القرون. 

أما القلاع في البلدان الطرفية كالمغرب والجزائر وتونس، فإنها تشبه تاريخ هذه الدول، فهي ما قبل إسلامية وإسلامية وإفرنجية، شبيهة بالمد والجزر العسكري والاستيطاني بين أوروبا وشمال أفريقيا وبين المشرق العربي ومغربه. 

ومن الواضح أن عدداً كبيراً من القلاع التاريخية في معظم الدول العربية إما اندثرت بسبب الظروف الطبيعية ومرور الزمن وعدم الاعتناء بها فبقي منها أثر بسيط يدل على وجودها السابق، إما دمرت خلال الغزوات، فانتشرت حجارتها على مساحة واسعة من مركزها، وإما رممت فبقيت شامخة لتوضع في لائحة التراث العالمي التابع لمنظمة اليونيسكو وتؤكد نوع الحضارات والشعوب التي مرت على هذه البلاد، أو الاحتفاظ بها لأنها تؤكد هوية وطنية معينة يريد النظام السياسي في هذا البلد التأكيد عليه. 

والقلاع التاريخية والأثرية ما زالت تجتذب علماء الآثار والباحثين وكذلك السياح من مختلف أنحاء العالم، فالقلاع مفتاح مهم للأرشفة والتأريخ ومصدر اقتصادي ومالي من عائدات السياحة.

من المغرب نحو المشرق

في الجزائر تقع مدينة تيبازا القديمة وفيها قلعتها على ضفاف البحر المتوسط. وكانت مركزاً تجارياً قرطاجياً قديماً، احتلّها الرومان وجعلوها قاعدة استراتيجية لفتح الممالك الموريتانية.  وتشمل تيبازا مجموعة فريدة من الآثار الفينيقية والرومانية والمسيحية القديمة والبيزنطية التي تتجاور مع النصب المحلية مثل قبر الرومية وهو الضريح الموريتاني الملكي الكبير.

 

 

وفي الجزائر أيضاً تمنحنا قلعة بني حمّاد صورة عن قلعة إسلامية محصّنةـ وهي تشير إلى بقايا عاصمة إمارة بني حمّاد الأولى التي بنيت في موقع جبلي رائع في عام 1007 وتفكّكت في عام 1152.

ينتشر في المغرب عدد كبير من القلاع، إلا أن أهمها ما يقع في مدينة مكناس التاريخيّة التي أسَّسها المرابطون في القرن الحادي عشر لتكون مقراً عسكرياً. لكنّها أصبحت العاصمة تحت حكم المولى إسماعيل (1672– 1727) وهو مؤسس الحكم العلوي. 

أنشأ منها مدينة مذهلة على الأسلوب الإسباني المغربي، فأحاطها بالأسوار العالية التي تخترقها بوابات أثريّة نعرف اليوم أنها مزيج متناسق مؤلّف من الأساليب الإسلامية والأوروبية في المغرب التي كانت سائدةً في القرن السابع عشر. 

 

 

وفي المغرب أيضاً بقيت مراكش لفترة طويلة المركز السياسي والاقتصادي والثقافي الأهم في بلدان الغرب الإسلاميّة المُسيْطرة على أفريقيا الشمالية والأندلس وتعود النصب العظيمة إلى تلك الحقبة: مسجد الكتُبية والقصبة والبوّابات الأثريّة والحدائق والمحاطة جميعها بالأسوار كما لو أنها قلعة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يشتهر في تونس موقع قرطاج الأثري الذي بني كحصن كبير مؤلف من عدة قلاع في البداية في القرن التاسع قبل الميلاد، ومن ثم تحول ابتداء من القرن السادس إلى إمبراطورية تجارية شغلت جزءاً كبيراً من منطقة البحر المتوسط وشكلت مركزاً تجارياً قبل أن تقضي روما عليها نهائياً عام 146 قبل الميلاد فقامت على أنقاضها قرطاج رومانية.

 

 

في ليبيا تشتهر مدينة سبراطة التي كانت مركزاً تجارياً فينيقياً لمرور منتجات أفريقيا الداخلية قبل أن تتحول إلى رومانية ويعاد بناؤها في القرنين الثاني والثالث.

أما في مصر فالحصون والقلاع تتنوع وتتعدد بتنوع الحضارات التي مرت على أرض الكنانة، وترتفع أعدادها بسبب المدة التاريخية الطويلة التي بنيت خلالها ونختار من بينها حصن بابليون في حي مصر القديمة في القاهرة. وكان الإمبراطور الروماني تراجان قد أمر ببنائه في القرن الثاني الميلادي. في عام 641 سقط الحصن في يد عمرو بن العاص بعد حصار دام نحو سبعة أشهر وكان سقوطه إيذاناً بدخول الإسلام في مصر.

وتعتبر قلعة قايتباي من القلاع التي لعبت دوراً مهماً في تاريخ مصر. وتقع في نهاية جزيرة فاروس بأقصى غرب الإسكندرية، وشيدت في مكان منارة الإسكندرية القديمة التي تهدمت إثر الزلزال المدمر الذي حدث في عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون، وقد بدأ السلطان الأشرف أبو النصر قايتباي بناء هذه القلعة.

تأخذ هذه القلعة شكل المربع يحيط به البحر من ثلاث جهات، وتحتوي هذه القلعة على الأسوار والبرج الرئيسي في الناحية الشمالية الغربية، وتنقسم الأسوار إلى سور داخلي وآخر خارجي. 

ويتخذ البرج الرئيسي في الفناء الداخلي شكل قلعة كبيرة مربعة من ثلاث طوابق، وتوجد في أركان البرج الأربعة أبراج نصف دائرية تنتهي من أعلى بشرفات بارزة، وهذه الأبراج أعلى من البرج الرئيسي تضم فتحات لرمي السهام على مستويين.

ويشغل الطابق الأول مسجد القلعة الذي يتكون من صحن وأربعة إيوانات وممرات دفاعية تسمح للجنود بالمرور بسهولة خلال عمليات الدفاع عن القلعة، وكان لهذا المسجد مئذنة ولكنها انهارت أخيراً.

 

 

أما الحصون التي تعود إلى الحقبة الفرعونية فإن أشهرها اليوم هي الحصون التي تقع على طريق حورس هو طريق بري ربط مصر بآسيا، يقودها من السويس إلى مدينة رفح المصرية. 

وكان محمياً بأحد عشر حصناً بنيت في حقبة الأسرتين الثامنة عشر والتاسعة عشر في عهد الإمبراطورية المصرية، التي خدمت في آن واحد للدفاع عنها وكمراكز حراسة على الحدود الشرقية للبلاد. 

كانت هذه الحصون مدعومة بنظام معقد من مخازن الحبوب والآبار، وكانت تقع على بعد مسافة يوم واحد من بعضها البعض، مما سمح للجيش والتجار بعبور شبه جزيرة سيناء بأمان. ويشكل نموذجاً للعمارة العسكرية والاستراتيجية العسكرية المصرية القديمة. 

ذكر المسار في نصوص عدة تشير إلى الحرب ضد الهكسوس والتي تظهر في لوحة لمعبد سيتي الأول بالكرنك، وهناك وصف لـ طريق حورس في نص مكتوب تحت حكم تحتمس الثالث وفي بردية عن حرب الملك أحمس الأول.

في السودان يشغل جبل البركل ومواقع المنطقة النوبية مساحة يفوق طولها 60 كيلومتراً في وادي النيل. وتحمل هذه المواقع كلها آثار الثقافة النوبية (900-270 قبل الميلاد) والمروية (270 قبل الميلاد– 350) ومنذ عصور ما قبل التاريخ ارتبط جبل البركل ارتباطاً وثيقاً بالتقاليد الدينية والفولكلور.

سورية ولبنان وفلسطين والأردن

تعتبر قلعة الفرسان وقلعة صلاح الدين في سورية تجسيداً للتأثير الثقافي المتبادل وتطور الهندسة العسكرية في الشرق الأوسط طوال مرحلة الحروب الصليبية من القرن الحادي عشر ولغاية القرن الثالث عشر. وبنيت القلعة على يد أخوية فرسان القديس يوحنا المعروفة بفرسان المشفى من عام 1142 إلى عام 1271، فيما أنجزت المرحلة الثانية من الأعمال على يد المماليك في نهاية القرن الثالث عشر. وتعدّ قلعة الفرسان من قصور الحروب الصليبية التي حظيت بأعلى درجة من الحماية. 

 

 

أما قلعة صلاح الدين، فتشكل على رغم الدمار الجزئي الذي حلّ بها مثالاً مهماً آخر لهذا النمط من القلاع، سواء على مستوى نوعية البناء أو على مستوى البصمات التاريخية المتتالية التي تحملها، وهي تتضمن عناصر من العصر البيزنطي من القرن العاشر وتغييرات أدخلها الإفرنج في نهاية القرن الثاني عشر وتحصينات أضافها الأيوبيون في نهاية القرنين الثاني والثالث عشر.

 

 

وتشير قلعة حلب إلى أنواع الجيوش التي مرت على هذه المدينة التاريخية التي تقع على مفترق الطرق التجارية والعسكرية القديمة، وقد خضعت حلب على التوالي لسيطرة الحثيين والآشوريين والعرب والمغول والمماليك والعثمانيين لوقوعها على مفترق طرق تجارية متعددة منذ الألفية الثانية قبل الميلاد. 

فقلعتها التي ترقى إلى القرن الثالث عشر ومسجدها الكبير الذي بني في القرن الثاني عشر ومدارسها وقصورها وخانات القوافل وحماماتها المبنية في القرن السابع عشر تضفي على نسيجها المدني طابعاً متناسقاً وفريداً يتهدده اليوم الاكتظاظ السكاني، الذي سبقته الحرب التي اندلعت منذ عام 2012 في التدمير. 

في فلسطين، تشتهر قلعة عكا التي حاولت جيوش عدة محاصرتها عبر التاريخ، وتوالت عليها حركات الاستيطان البشرية من دون توقف منذ الحقبة الفينيقية. أما مدينة عكّا الحالية فهي تميّز المدن المحصّنة العثمانية العائدة إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، بقلعتها. وتنتشر فيها القلاع وآثار المدينة الصليبية التي ترقى إلى الفترة بين عامي 1104 و1291 والتي ما زالت سليمة بالكامل تقريباً.

 

 

تشتهر في الأردن مدينة البتراء وهي عاصمة الأنباط التي تمرّ عليها القوافل والتي كانت مأهولةً منذ ما قبل التاريخ، بين البحر الأحمر والبحر الميّت. وهي كانت في العصور القديمة ملتقًى مهماً بين شبه الجزيرة العربيّة ومصر وسوريا الفينيقيّة. 

تعتبر البتراء، المُشيّد نصفها والمحفور نصفها الآخر في الصخر داخل مدرّج الجبال الذي تخترقه الممرّات والمَعابر، من أشهر المواقع التاريخيّة حيث تختلط تأثيراتُ التقاليد الشرقيّة القديمة مع الهندسة اليونانية القديمة.

 

 

في لبنان عدد كبير من القلاع الفينيقية والرومانية واليونانية والإسلامية والصليبية والعثمانية، إلا أن أشهرها وأكثرها اكتمالا وشهرة حتى اليوم هي قلعة بعلبك. 

وعُرفت هذه المدينة في الحقبة الفينيقيّة ثم في العصر الهيلنستي حيث كانت العبادة للثالوث الإلهي. وحافظت على دورها الديني في العصر الروماني حيث جذب معبد جوبيتر إله الشمس حشود الحجّاج. 

وتعتبر بمبانيها الضخمة من أهم آثار الهندسة الرومانيّة الإمبراطورية وهي في أوج ذروتها. وبالقرب منها تقع آثار مدينة عنجر العربية التي بناها الخليفة الأموي وليد الأول في أوائل القرن الثامن. 

وفي مدينة جبيل الساحلية تظهر آثار لإحدى أقدم المدن في لبنان التي سكنتها الشعوب منذ العصر النيوليتي والتي تُعتبر جزءاً لا يتجزّأ من أسطورة حوض البحر الأبيض المتوسّط. وما زالت قلعة جبيل واقفة عند المرفأ القديم في المدينة القديمة التي تجتذب أعداداً هائلة من السياح سنوياً. 

في العراق تعرف من بين القلاع قلعة أربيل فتقع فوق تل ومركز مدينة أربيل في كردستان العراق. أُدرجت القلعة على قائمة التراث العالمي منذ 21 يونيو (حزيران) 2014. 

ويعود تاريخ القلعة إلى وقت مبكر قد يعود إلى العصر الحجري الحديث حيث عُثرت على أجزاء من الفخار يرجع تاريخها إلى تلك الفترة على سفوح التل. أما قلعة كركوك فتقع في وسط مدينة كركوك في العراق، وتعتبر أقدم جزء من المدينة، وتقف القلعة على تل اصطناعي بارتفاع 130 قدماً.

شبه الجزيرة العربية والخليج

يمكن القول إن قلعة البحرين هي عبارة عن تلّ نموذجي مصنوع بفضل طبقات متتالية من البناء البشري. وتدلّ طبقات التلّ المتتالية من 300 متر حتى 600 متر على وجود بشري مستمر منذ نحو 2300 سنة قبل الميلاد حتى القرن السادس عشر. 

 

 

عرف نحو ربع الموقع عمليات تنقيب أظهرت بنى متنوّعة: سكنية وعامة وتجارية ودينية وعسكرية. والموقع هو عاصمة دلمون القديمة، وهي أحد أهمّ الحضارات القديمة في المنطقة. 

في المملكة العربية السعودية يقع حي الطريف في الدرعية في العاصمة الرياض وكان أول عاصمة لأسرة آل سعود. ويحمل حي الطُّريف الذي أُسس في القرن الخامس عشر آثار الأسلوب المعماري النجدي الذي يتفرد به وسط شبه الجزيرة العربية. 

 

 

وفي اليمن تعتبر حاضرة زبيد التاريخية موقعاً ذا أهمية أثرية وتاريخية استثنائية بفضل هندستها المحلية والعسكرية وتخطيطها المدني. وإضافة إلى أنها كانت عاصمة اليمن من القرن الثالث عشر إلى القرن الخامس عشر. أما مدينة شبام القديمة وسورها فترقى إلى القرن السادس عشر أحد أقدم النماذج وأفضلها للتنظيم المدني الدقيق المرتكز على مبدأ البناء المرتفع. وتعود تسميتها "بمانهاتن الصحراء" إلى مبانيها البرجية الشاهقة المنبثقة من الصخور.

في سلطنة عمان عرفت واحة بهلا الصحراوية بازدهارها وقد بناها بنو نبهان بين القرن الثاني عشر ونهاية القرن الخامس عشر. وتظهر قوّتهم من خلال أنقاض القلعة الكبيرة التي تتميز بجدران وأبراج من الآجر الخام ومن أسس حجرية. 

واشتهرت في سلطنة عُمان، مدينة قلهات التاريخية التي تحدّها أسوار داخلية وخارجية، إضافة إلى مناطق تحتوي على قبور ضخمة أثرية خارج هذه الأسوار. وكانت المدينة ميناءً مهماً على الساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية، إذ تطور بين القرنين الحادي عشر والخامس عشر الميلادي.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات