Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قانون "سانت ليغو" المعدل ملاذ الأحزاب التقليدية للفوز بالانتخابات العراقية

ترى قوى المعارضة أنه يكرس هيمنة القوى المسيطرة على السلطة ويستبعد أي إمكانية لوصول التيارات الناشئة إلى البرلمان

اعتماد القانون على الانتخاب المباشر أدى إلى تراجع حظوظ القوى التقليدية مقابل التيارات الناشئة، مما دفع القوى التقليدية للعودة إلى قانون "سانت ليغو" (رويترز)

ملخص

تصويت الأحزاب الكبيرة على اعتماد نظام "سانت ليغو" المعدل يؤكد رغبتها بالاستئثار بأكبر قدر من الفائدة على حساب القوى المستقلة

كثيراً ما اقترنت الانتخابات البرلمانية في العراق بقانون "سانت ليغو" المعدل، والذي تم العمل به منذ انتخابات عام 2013، قبل أن تطيحه المطالبات الشعبية خلال انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) 2019، وتستبدل به قانون الدوائر الصغيرة، إلا أن "سانت ليغو" سرعان ما عاد للواجهة مع وصول القوى الموالية لإيران إلى السلطة في أكتوبر 2022.

 

ودفعت خسارة قوى "الإطار التنسيقي للقوى الشيعية" الموالية لإيران، إلى العمل على تغيير قانون الانتخابات، وهو ما نجحت في إمراره في مارس (آذار) 2023، إذ صوت البرلمان العراقي على العودة لاعتماد صيغة "سانت ليغو" المعدل في الانتخابات المقبلة. واقترن قانون الانتخابات في العراق بكثير من الإشكالات، خصوصاً ما يتعلق بآلية احتساب الأصوات، الأمر الذي أدى في كثير من الأحيان إلى احتجاجات تطالب بتغيير القانون بطريقة تتيح للأحزاب المعارضة والناشئة المنافسة في الانتخابات البرلمانية.

الحاصل الانتخابي

واختارت الأحزاب العراقية قانون "سانت ليغو" المعدل، لسنوات طويلة، مع إجراء تعديلات عليه تصعب، بصورة أكبر، من احتمال حصول المستقلين على تمثيل برلماني، إذ لم تلتزم الأحزاب العراقية صيغة القانون الأصلية، وعملت بصورة متكررة على تغيير القاسم الانتخابي بما يخدم مساراتها الانتخابية، بحسب مراقبين.

وبعد إقصاء قانون "سانت ليغو" في انتخابات عام 2021 البرلمانية، واعتماد الدوائر المتعددة، أعاد البرلمان العراقي العمل به، مرة أخرى، في انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة، وتم اعتماد كل محافظة كدائرة انتخابية واحدة بعد أن قسم القانون السابق العراق إلى 83 دائرة انتخابية، فضلاً عن اعتماده آلية الانتخاب المباشر للمرشحين، في حين أن صيغة "سانت ليغو" تعتمد القوائم الانتخابية وتقسيم المقاعد وفق الأصوات التي حصلت عليها كل قائمة ضمن معادلة رياضية.

وأثارت العودة إلى قانون "سانت ليغو" لغطاً كبيراً في الأوساط المدنية، معتبرين أنه التفاف على أحد أبرز مطالب الاحتجاجات العراقية عام 2019.

تاريخ "سانت ليغو"

وتم ابتكار طريقة "سانت ليغو" عام 1912 من قبل عالم الرياضيات الفرنسي أندريه سانت ليغو، وتهدف إلى توزيع أصوات الناخبين على المقاعد في الدوائر المتعددة، وتقليل إمكانية الخطأ في احتساب المقاعد، من خلال اعتماد حاصل قسمة عدد الأصوات الكلية في كل قائمة على الأرقام الفردية بحسب عدد المقاعد المخصصة لكل دائرة، ومن ثم يتم اختيار الأرقام الأكبر الناتجة من حاصل القسمة هذا.

وفي حين تعتمد الطريقة الأصلية حاصل قسمة عدد الأصوات على الأرقام الفردية (1 - 3 - 5 - 7)، فقد تم تعديلها في العراق لتبدأ بـ"1.7"، الأمر الذي أثار عديداً من الإشكالات، خصوصاً أن عديداً من الخبراء يرون أنه يقلل حظوظ الأحزاب الناشئة من الوصول إلى البرلمان.

وبحسب القوى المعارضة، فإن "سانت ليغو" يكرس هيمنة القوى المسيطرة على السلطة في العراق، ويستبعد أي إمكانية لوصول القوى المعارضة أو التيارات الناشئة إلى البرلمان العراقي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويتعمد النظام الانتخابي هذا في عدد من دول العالم، وهي البوسنة والهرسك والإكوادور وكوسوفو ولاتفيا ونيوزيلندا والنرويج والنيبال والسويد، إلا أن صيغة المعادلة المعتمدة مختلفة بين بلد وآخر، إذ تعتمده غالبية الدول ضمن حاصل قسمة 1.4 وليس 1.7 كما يحصل في العراق، وهو ما يعده خبراء تغييراً يصب في صالح الأحزاب الكبيرة.

ويشير خبراء إلى أن المعادلة كان معمولاً بما يشبهها في أميركا أواسط القرن الـ19، وكان يطلق عليها معادلة "وبستر" نسبة إلى السيناتور الأميركي ووزير الخارجية دانيال وبستر الذي توفي عام 1850.

مخاوف من تكرار سيناريو انتخابات 2021

ورأى رئيس مركز "التفكير السياسي" إحسان الشمري أن قانون "سانت ليغو" المعدل "لم يعد قادراً على مواكبة الآليات الانتخابية الديمقراطية وتطور الوعي الانتخابي والديمقراطي"، الأمر الذي دفع الدول الراسخة في الديمقراطية إلى "الابتعاد عنه وتحديث قوانينها بطريقة يكون فيها المواطن هو من يحدد بصورة مباشرة من يمثله". وأضاف أن إجراءات قانون "سانت ليغو" المعدل "معقدة وغير دقيقة وتقوم بسرقة أصوات الناخبين لحساب التراتبية الحسابية في القانون"، مبيناً أن هذا القانون بالإمكان اعتماده في "الديمقراطيات الناشئة في البداية، لكن لا يمكن الاستمرار عليه في صياغة صورة ديمقراطية دائمة". وأشار إلى أن الضربة التي وجهت للقوى التقليدية في انتخابات عام 2021 هي التي دفعتها إلى العودة لهذا القانون، خصوصاً أنه يضمن "استمرار تحكم الزعامات التقليدية بأعضاء كتلهم". وتابع أن القانون يتيح لزعماء الكتل "إيصال من يريدونه إلى البرلمان من مرشحي كتلهم، ويكرس هيمنة الزعامات التقليدية على السلطة التشريعية".

في المقابل، رأى الباحث الأكاديمي حميد حبيب أن تصويت الأحزاب الكبيرة على اعتماد نظام "سانت ليغو" المعدل يؤكد رغبتها "بالاستئثار بأكبر قدر من الفائدة على حساب الآخرين"، مبيناً أن حصول المستقلين على عدد كبير من المقاعد البرلمانية في انتخابات 2021 "هو الذي دفع القوى التقليدية للعودة إلى النظام الانتخابي السابق".

ويبدو أن العودة إلى القانون القديم جاءت مدفوعة بمحاولات القوى التقليدية، وتحديداً "الإطار التنسيقي للقوى الشيعية"، لتجاوز "محنة انتخابات 2021 البرلمانية"، بحسب حبيب الذي يشير إلى أن تجربة الانتخابات السابقة التي "أطاحت حلفاء طهران هي التي حفزت تلك القوى على الإسراع في تعديل قانون الانتخابات". ويختم بأن اعتماد نظام "سانت ليغو" المعدل بصيغة 1.7 سيسهل على الأحزاب التقليدية عملية "إقصاء الأحزاب الناشئة والقوى التي لا تمتلك مالاً سياسياً أو نفوذاً على مؤسسات الدولة يمكنها من الحصول على مكاسب انتخابية".

تضييق الخناق على القوى المستقلة

ويرى متخصصون في القوانين الانتخابية أن قانون "سانت ليغو" المعدل الذي يعتمد القسمة على المتوالية العددية للأعداد الفردية، يراد منه تضييق الخناق على القوى المعارضة والناشئة، لأنه يضمن استحواذ القوائم الكبيرة بعدد الأصوات على أعلى نتائج القسمة.

ويشير المتخصص في مجال العلوم السياسية عصام الفيلي إلى أن الدول الديمقراطية التي تحاول خلق قوة تشريعية تراقب الأداء بصورة حقيقية، "لن تلجأ لقانون مثل سانت ليغو"، مبيناً أن هذا القانون ظهر قبل أكثر من 100 سنة في بعض الدول، لكنه "لم يعد يلائم الأجواء الديمقراطية الحديثة، لأنه يمنح القوى الكبيرة افتراس مقاعد القوى الصغيرة". ويضيف أن تغيير القانون في انتخابات عام 2021 البرلمانية "كان أقرب لتمثيل إرادة الناخب العراقي"، مبيناً أن "اعتماد القانون على الانتخاب المباشر أدى إلى تراجع حظوظ القوى التقليدية مقابل التيارات الناشئة، وهو ما دفع القوى التقليدية إلى العودة مرة أخرى إلى قانون سانت ليغو".

ولعل ما دفع القوى السياسية التقليدية في الساحة العراقية إلى التمسك بقانون "سانت ليغو" المعدل طوال السنوات الماضية "محاولتها القضاء على التمثيل الحقيقي في المجالس التشريعية وإنهاء أي منافسة من قبل القوى الصغيرة"، بحسب الفيلي الذي يلفت إلى أن تلك القوى "لا تود إعادة تجربة انتخابات عام 2021". ويختم الفيلي أن من يتمسك بهذا القانون المعدل في العراق هي فقط الأحزاب التقليدية داخل "الإطار التنسيقي للقوى الشيعية"، والتي خسرت كثيراً من مقاعدها خلال الانتخابات الماضية، مشيراً إلى أنه إضافة إلى التيار الصدري والقوى المدنية فإن القوى الكردية والسنية "تبدي مرونة عالية في التعاطي مع أي قانون انتخابي آخر".

المزيد من متابعات