ملخص
يتساءل المشاهد والنقاد عن أسباب عدم ظهور وجوه جديدة على الشاشات العربية
بدأ بعض الممثلين يفقدون القدرة على إقناع المشاهد على رغم موهبتهم اللامعة ونجوميتهم الكبيرة بسبب تقديمهم أدواراً لا تتناسب وأعمارهم، خصوصاً أدوار العشق والغرام أو تلك التي تتطلب تكويناً جسدياً معيناً وليونة ورشاقة في الحركة.
ولعل المشكلة الأهم التي تعانيها الدراما العربية هي تمسك صناعها بالتعامل مع الوجوه نفسها في أدوار البطولة لتقديم شخصيات لا تتناسب مع أعمارهم، خصوصاً أن معظمهم اقترب من سن الـ50 أو تجاوزه قليلاً، وكأن الدراما فقدت القدرة على إنجاب وجوه جديدة ولا يمكن أن تستمر من دون هؤلاء. وبتنا نشاهد على الشاشات ممثلات بعمر الخمسينيات يقدمن أدوار الراقصات وأخريات عاشقات مشاغبات تكتسح التجاعيد وجوههن لم تنجح عمليات التجميل وفلاتر الكاميرات في إخفائها، أو تلميذات مدرسة بضفائر تزينها شرائط ملونة، أو ممثلين تجاوزوا الـ40 بأدوار الملاكمين مع أن سن الاعتزال عند الملاكم معروف، وآخرين بأدوار الأبناء لأمهات يصغرنهم سناً أو بأدوار طلاب جامعيين يبحثون عن فتاة الأحلام. وكلها نماذج لأدوار يجسدها النجوم على الشاشة ويحاولون إقناع المشاهد بها وكأنهم نسوا أو تناسوا أن المشاهد يكبر معهم ويواكب أعمالهم منذ عشرات السنين.
ويتساءل المشاهد عن أسباب عدم ظهور وجوه جديدة، وهل أنها "عقدة النجومية والبطولة الأولى التي تسيطر على النجوم الذين أصبح همهم الظهور على الشاشة وعدم انحسار الأضواء عنهم والكسب المادي بعيداً مما يناسبهم أو لا يناسبهم من أدوار، أم هي خطأ المنتجين ومحطات التلفزيون الذين يتحكمون بالدراما في ظل استخفاف واضح لعقول المشاهدين؟".
فقدان المصداقية
كيف يتحدث النقاد وصناع الدراما عن مشكلة عدم تناسب أعمار الممثلين مع أدوارهم التي تنسحب على الدراما العربية بمختلف جنسياتها، وما هي انعكاساتها على الدراما وعلى الممثل؟
الناقد المصري طارق الشناوي يقول لـ "اندبندنت عربية" إن "هذه المشكلة تُفقد الدراما المصداقية ويقف وراءها الفريق الإنتاجي"، ويوضح أن "ما يحصل هو أن هذا الفريق يرتبط باسم النجم أو النجمة أولاً ومن ثم يتم البحث عن السيناريو أو المخرج لمصلحة البطل أو البطلة لأن المعادلة الإنتاجية تبدأ من عندهما وليس من النص أو المخرج، والناس يقبلون على هذه الأعمال، ولكنها لن تلبث أن تموت عندما تفقد المصداقية، والممثل عندما يقبل بدور ويكون على يقين أنه لا يشبهه في الملامح ولا يمثل عمره الحقيقي، لا يكون همه تقديم عمل فني بل يعتبره مكسباً مادياً".
وعلى رغم تقنيات التصوير ورواج عمليات التجميل بين الفنانين والفنانات، إلا أنها لم تنجح تماماً في إخفاء معالم التقدم في السن وغالباً ما يكونون عرضة للانتقادات عندما يطلون بأدوار غير مناسبة عمرياً. وبحسب رأي الشناوي "المسألة ليست مسألة ملامح فحسب، بل هي أيضاً مسألة وجدان لأن التجاعيد ليست هي المؤشر الوحيد للتقدم في السن، فالإنسان يكبر من الداخل أيضاً ووجدانه يكبر ويشيخ، ومهما لعب الماكياج والكاميرا في إخفاء التجاعيد ومهما حاولت الدراما منح الممثل ملامح أكثر شباباً لإقناع المشاهد بأنه في الـ30 مع أنه تجاوز الـ 60، فلن يصدقه الناس لأن هناك حائط سدّ يفصله عن الشاشة وهو عدم المصداقية. وحتى لو سرّحت ممثلة ثلاثينية شعرها على شكل ضفائر وارتدت مريول المدرسة فلن يصدقها المشاهد لأنها تحاكي من خلال الدور سن الـ 16 الذي تخطته بأعوام كثيرة، عدا عن أنه يوجد تاريخ مشترك بين المشاهد والممثل، فهو شاهد محمد هنيدي في 1998 من خلال فيلم ’صعيدي في الجامعة الأميركية‘ بدور شاب جامعي يرغب في الزواج من فتاة جميلة، وعندما عاد وقدم بعد ربع قرن دوراً مشابهاً لم يتقبله الجمهور، ومنطقياً هو لا يمكن أن يبحث بعد انقضاء كل هذه الأعوام عن فتاة بالمواصفات نفسها لكي يتزوجها".
ومع تقاطع المصالح بين المنتج والممثل يمكن أن تحضر كل المبررات حتى غير المنطقية في اللعبة الدرامية، فالممثل يهمه المال والجهات الإنتاجية يهمها اسمه، كما يقول الشناوي "هم يحاولون استثمار الممثل حتى النفس الأخير، وعندما يقدم شخصية بمرحلة عمرية بعيدة تماماً من عمره الحقيقي ويحقق العمل بعض الإيرادات فإنهما يتشجعان على تكرار التجربة، وهذا يعني أن هناك عائداً ربحياً للطرفين وإلا لكانا اكتفيا بتجربة واحدة، ومع أنهما يعرفان أن العائد ليس كبيراً جداً ولكنه موجود والمثل الشعبي المصري يقول ’اللي بتكسب بيه إلعب بيه‘.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويبدو أن بعض القواعد التي تتحكم باللعبة الدرامية لم تتغير مع الوقت، بل هي تفرض نفسها مع تعاقب الأجيال الفنية، إذ يرافق هاجس الشباب النجوم مثل ظلهم وبعضهم يفرض شروطه من تحت الطاولة. وحول هذه النقطة يقول الشناوي "معظم النجوم في السبعينيات كانوا يصرون عندما يتقدمون في السن على ارتداء قمصان ملونة لكي يبدوا أكثر شباباً، وكانوا يشترطون بصورة غير معلنة تقديم الأدوار التي تتضمن علاقة جنسية ناجحة ويرفضونها إذا كانت فاشلة لكي يوجهوا رسالة إلى المشاهد بأنهم قادرون، لأن الممثل يعتبر أن التمتع بقوة جسدية يدخل في نطاق قوته كنجم جماهيري للإيحاء للمشاهد بطريقة غير مباشرة بأنه لا يزال شاباً لأنه يعرف أن الشيخوخة تداهم جسد الشخص، مما يؤثر سلباً في المعجبات، وهذه الحال لا تزال مستمرة مع استمرار الدراما ويبقى الأمل في الجمهور لأن صناع الدراما لا يتوقفون عن المشاريع التي تحقق لهم الإيرادات، وعندما يرفض الجمهور هذا الزيف لن يتمكنوا من الاستمرار فيها".
وعلى خطى الجيل القديم يسير الجيل الحالي من الممثلين، فالكل يريد أن يظل شاباً ولكن على طريقته. ويوضح الشناوي أن "الجيل الحالي من الممثلين لهم طرقهم الخاصة في تحقيق هذا الهدف، فنلحظ فرقاً كبيراً في العمر بين الممثل والممثلات اللواتي يشاركنه في أعماله، أما الممثلات فلا يمكنهن الهروب من هذه المعضلة لأنهن يظهرن كبيرات في السن، وغالبيتهن يصرحن ممازحات بأنهن "دائماً صغيرات لا يكبرن وأنهن محبوبات الجماهير".
صناعة نجوم جدد
الوجوه تتكرر من عمل إلى آخر والأبطال هم أنفسهم منذ عشرات السنين ويمكن لممثلة في الـ50 أن تطل بدور شابة في العشرينيات أو الثلاثينيات.وفي هذا الشأن، يؤكد الكاتب طوني شمعون أن "صناع الدراما يختارون عادة نجوماً تكون أسماؤهم معروفة ومتداولة حتى للأدوار التي لا تناسبهم عمرياً ولا يعملون على صناعة نجوم جدد، مع أن هذا الأمر يهدد مستقبل الدراما ويوقعها في المجهول، وكل شيء مقبول عندهم، فهم كانوا ينتجون عملاً يقوم على قصة حب تجمع بين بطل وبطلة، فيشعر المشاهد بالانبهار لأنه شاهد أبطاله المفضلين"، ويتابع أن "الجيل الشاب يرفض هذه الأعمال وهي تتوجه إلى من يبحث عن التسلية بعد يوم عمل طويل. ومن يتحمل المسؤولية هم صناع الدراما أما الممثل فهو يقبل بها مع أنها لا تناسبه لأنه يهمه أن يعمل، والدليل أن كثيراً من الأعمال البسيطة قدمت في أجزاء عدة بينما يقبع الكتاب الجيدون في بيوتهم، ووصل الأمر إلى حد الاستعانة بنص كتبه شخص يقدم القهوة في أحد مواقع التصوير كان نقله عن عمل آخر كما يفعل الجميع".
ومع أن شمعون لا يعارض كل ما يمكن أن يحسن شكل الممثل ويجعله يبدو أكثر شباباً، لكنه يرفض مشاركته في أدوار لا تتناسب مع عمره، ويوضح أن "هذا الأمر بالنسبة لي لا يخدم الممثل بأي شكل من الأشكال. للأسف لا أحد يفكر بمستقبل الدراما ويرفض النجوم التقدم في السن ويصبحون مع الوقت ضحايا نجوميتهم".
"كاستينغ" مربك
ولاحقت الدراما السورية هذا العام انتقادات كثيرة بعضها طاول أعمار الممثلين وعدم انسجامها مع الشخصيات، إذ قام بعض الممثلين بأدوار آباء وأمهات لممثلين يكبرونهم سناً، وقدم آخرون أدوار الأخوة الأصغر سناً لممثلين يكبرونهم عمراً. ويرى الناقد السوري وسام كنعان أن "هناك تكراراً واضحاً لأسماء الممثلين، وهو يرتبط بسوق العرض والمحطات والطلب غالباً على أسماء معروفة قد لا ينسجم مع شرط العمر للشخصيات التي تقوم بها، وغالباً ما يكون الكاستينغ مربكاً ولا يعطي الأولوية للعمر. وحل مشكلة الأعمار بالمغامرة بوجوه جديدة أو ممثلين شباب أثبتوا جدارتهم، ثم تجاوز متطلبات السوق، وهذا الموضوع ليس سهلاً لأنه مرتبط بمجموعة عوامل أهمها تحرير سوق العرض والقنوات العارضة من أي شروط، بعيداً من فرض أسماء معينة مهما كان تاريخها كبيراً لكنها لا يمكن أن تأخذ فرصتها وفرص غيرها".
ويقول الناقد الصحافي محمد عيشاوي إن "هناك شخصيات كثيرة قدمت أدواراً بأعمار مختلفة وكلها لاقت قبولاً ونجاحاً عند المشاهد، مع أنه لم تكُن هناك فلاتر في الكاميرات، وبعضها أثبت قدرته على تقديم شخصيات تصغره سناً ولم تحصل مشكلة في تكرار الوجوه لأن هناك فرقاً بين الممثل والمؤدي، وهناك مسلسل أعيد التصوير فيه ثم توقف عشرات المرات لأن أعمار الممثلين لم تتوافق مع أعمار الشخصيات إلى أن رأى النور بالممثلين الذين ظهروا على الشاشة، والمشكلة لا تكمن في العمر بل في الممثل نفسه".
وهناك أكثر من سبب يقف وراء استعانة صناع الدراما بممثلين من أصحاب الأعمار المتوسطة لأدوار غير مناسبة كما يقول عيشاوي "في مقدمها وأهمها طغيان جماهيريتهم بصرف النظر عن الشخصية التي يقومون بها، والسبب الثاني لأن الممثل يكون منتج العمل، مما يعني أن العمر سلاح ذو حدين وقد ينجح عمل عادي جداً بسبب جماهيرية نجومه".