Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

طارق صالح... هل تحن صنعاء لعودة ابنها المشتاق؟

نجل شقيق الرئيس الراحل يعد بتحولات كبرى في مشهد الأحداث اليمنية وإزالة الميليشيات الحوثية

بعد أحداث 2011 وسيطرة الحوثيين على صنعاء تصدى طارق لمهمة جمع وتدريب القوات التي كانت تقع تحت يده (المقاومة الوطنية)

ملخص

يعد طارق من أسماء القيادات العسكرية التي لم تكن متداولة على ألسن الناس بشكل واسع في اليمن قبل أحداث عام 2011 التي أعادت الحديث عن أسرة صالح وتركيبة نظامه المثيرة للجدل ولكنه كان ضمن الاطار العائلي الذي قوبل بنقد جماهيري خلال فترة حكمهم.

حتى عام 2018 لم يكن طارق محمد عبدالله صالح سوى قائد لقوات الأمن الخاصة لحرس عمه الرئيس اليمني الراحل، علي عبدالله صالح، غير أن سنوات قليلة تحت نيران الحوثي قبل ذلك الحين، صنعت منه جنرالاً حاز مكانة هامة في "الصف الجمهوري" المناهض للمليشيا حتى بات، بحسب مراقبين، الرجل الأبرز الذي يشكل تهديداً مباشراً للمشروع المدعوم من إيران في اليمن.

يعد طارق من أسماء القيادات العسكرية التي لم تكن متداولة على ألسن الناس بشكل واسع في اليمن قبل أحداث عام 2011 التي أعادت الحديث عن أسرة صالح وتركيبة نظامه المثيرة للجدل ولكنه كان ضمن الاطار العائلي الذي قوبل بنقد جماهيري خلال فترة حكمهم.

وعقب توالي التفاعلات التي انتهت بمقتله وتوغل المشروع الحوثي في البلاد، توارت أسرة الرئيس الأطول حكماً في تاريخ البلاد عن الأنظار عدا طارق الذي بقي في جبهة المقاومة من على الأرض اليمنية، رغم جملة التحديات التي قد تدفع بشخص مثله للتفكير بطلب اللجوء والخلود للراحة، غير أن "أبوعفاش" آثر البقاء في المعترك رافضاً ترك سيف الحرب أو الانصراف كحال الكثيرين من أركان قوات العهد الذي كرس فيه الرئيس صالح نصيب وافر من ميزانية البلاد على حساب جوانب التنمية الأخرى لبناء قوات مسلحة تحميه قبل أن تتلاشى عنه في أشد اللحظات احتياجاً.

هل يختلف المسار؟

وفي هذا المعترك يشير شريط أحداث صعود الشاب الذي ولد في عام 1970 بصنعاء، إلى تأثره بنهج عمه ولكن تطورات الواقع دفعته عن قناعة أو وفقاً لمقتضيات الواقع إلى انتهاجه نمط علاقات يختلف إلى حد ما عن ذلك الذي عاشه بشكل مباشر تحت جناح صالح المعروف بميله الكبير لطريقة الحكم الملتصقة بمراكز القوى التقليدية عبر تحالف تكون بصورة كبيرة من العسكر وزعماء القبائل ورجال الدين والتجار والساسة النفعيين الذين سرعان ما تخلوا عن الرئيس الذي منحهم كل فرص البقاء والبروز في معركته التي خاضها بشكل شبه منفرد عدا ابن شقيقه وأنجاله وبعض من يصفهم أعضاء حزب المؤتمر بـ "المخلصين".

أوجد هذا العقد الذي برز وتوغل في مفاصل نظام الدولة، الذي لم يكن طارق بعيداً عنه، نوعاً من التحالف الذي يقوم على الحفاظ على مصالح بعضه المشتركة وهو ما أتاح لصالح 33 عاماً في حكم البلاد خلال فترات سياسية ملتهبة على العكس من أسلافه الذين لا يزيد عمر حكمهم على سنوات قليلة.

ربما أتاحت الأحداث التي واجهها الرئيس علي عبدالله صالح في أيامه الأخيرة وكان طارق شاهداً مباشراً عليها، مشهداً بانورامياً لكواليس المشهد وكيفية عقد العلاقات والتحالفات ووسائل الإدارة العسكرية أو حتى المدنية.

هنا تجدر الإشارة إلى الخذلان المرير الذي واجهه صالح وقائد حراسته من القوى التي التصقت به لعقود، كشفت أحداث ما بعد عام 2011 أنه التصاق المغنم، عندما تخلت عنه في اختبار المغرم بعد أن باعته في انتفاضته ضد ميليشيات الحوثي تاركة ابن شقيقه وعدداً محدوداً من الجنود يقاتلون ببسالة بسلاحهم الشخصي الخفيف منفردين في مربع صغير جوار قصر الثنية هو كل ما بقي لـ"باني نهضة اليمن".

دفعت هذه الاستخلاصات "العميد" للتركيز على أمور عدة من بينها إعادة التعريف بـ 33 عاماً من الحكم تحت إدارة أسرتهم وإجراء مراجعات عامة من المنطقي أن تمنحه قناعات جديدة حالت حياة السطوة المطلقة والاستقرار التي عاشها في الماضي من مشاهدتها أو سماعها بالإضافة إلى فهم وسائل بناء العلاقات بعيداً عن طابور أصحاب المصالح، ولهذا عمل على تدريب قواته بعيداً عن النوازع المناطقية التي ظلت سائدة، إذ تتشكل لديه قوة محترفة مكونة من ثلاثة إلى 10 آلاف فرد يتشكل غالبية قوامهم من ألوية الحرس الجمهوري الذي كان يقوده نجل الرئيس، أحمد علي عبدالله صالح، إضافة إلى من جاءوا من إرث القوات الخاصة التي يحظى بتأثيره عليهم، وجميعهم يتحينون الفرصة للعودة إلى قراهم المنكسرة في صنعاء وإب وخولان وصعدة وبني مطر وبلاد الروس والحيمتين والمحويت وصرواح ونهم وحجة وغيرها من المناطق التي غادروها مجبرين بعد الغزو الحوثي.

كما عمل من خلال علاقاته المحلية والدولية التي تنامت، أخيراً، على إحداث تنمية في عدة مناطق، ومنها منطقة المخا التي شهدت تطوراً ديموغرافياً.

عودة النفس وتحولات أخرى

وحتى وهو يخسر معركة الثاني من ديسمبر (كانون الأول) 2017 التي دارت رحاها في شوارع العاصمة صنعاء، تغلب العميد، كما يطلق عليه جنوده، على معارك أخرى لا تقل ضراوة وأسىً، بدءاً من جراحه برصاصات حوثية غائرة، ثم الهزيمة الميدانية والنفسية بعد أن توقعت القوى المتصدرة للمشهد السياسي بعد أحداث 2011 أنها كتبت نهايته، وأسر نجله وشقيقيه الذين أفرج عنهم قبل عام ضمن صفقة رعتها الأمم المتحدة وفقدانه كل مقومات وإمكانات إعادة النفس لمعارك أخرى.

كل هذه التحديات لم تمنعه من استعادة أنفاسه وسد ثغور النزف الدامي وجمع صفوفه مجدداً مؤكداً على هدف وحيد وهو "طريقنا نحو صنعاء".

عندما بدأ خلاف علي عبدالله صالح مع الحوثيين يظهر للعلن في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) 2017 قبيل مناسبة المولد النبوي التي أقامها الحوثيون في ميدان السبعين بصنعاء، وهو الميدان الذي اعتبره صالح مجاله التاريخي، كانت أنظار الرئيس الراحل تتجه ومعه المؤتمر، وكل القوى التي ضاقت ذرعاً بالسلوك الحوثي الإقصائي، نحو طارق كقائد عسكري للمكون الذي دخل في شراكة مع الحوثيين ضد حكومة الرئيس السابق عبدربه منصور هادي ثم انفض بعد انقضاء ما يمكن اعتباره "زواج المصلحة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إذ اقتحمت الميليشيات "جامع الصالح" الذي يقع في محيط منازل الرئيس وأنجاله وأبناء أخيه بمن فيهم العميد طارق، وقتلت واعتقلت حراسته وعدداً واسعاً من أنصاره ومؤيديه، وكل من تشك في ولائه.

كانت الميليشيات ماضية في اجتثاث حزب صالح "المؤتمر الشعبي العام" مستغلة ترسانة ضخمة من أسلحة الدولة التي سيطرت عليها يُتهم الرئيس الأسبق نفسه بتسليمها لهم، وتمددت الاشتباكات لتشمل أحياء جديدة في العاصمة، ولكن تفوق الحوثيين بالأسلحة والعتاد وخذلان شخصيات عسكرية واجتماعية لصالح، رجح كفة الميليشيات حتى مقتل الرئيس علي عبدالله في الرابع من ديسمبر (كانون الأول) 2017، وهو يقاتل ضدهم، وأعلن الحوثيون سيطرتهم على صنعاء.

استطاع طارق الخروج من صنعاء في السابع من ديسمبر، وكان أول ظهور علني له من محافظة شبوة في 12 يناير (كانون الثاني) 2018 خلال تشييع جنازة الأمين العام لحزب المؤتمر عارف الزوكا الذي قتل في أحداث ديسمبر إلى جوار صالح، وانتقل بعدها إلى عدن وبدأ بإنشاء قواته.

إعادة التكوين

بدأ بإعادة جمع شتات نسبة كبيرة من قوام أفراد وقيادات قوات الحرس الجمهوري والحرس الخاص التي كانت تتبعه واستطاع إنشاء قوات محترفة في منطقة بئر أحمد شرقي العاصمة الموقتة عدن (جنوب البلاد).

وفي 19 أبريل 2018 أطلقت قواته بمشاركة ألوية العمالقة والمقاومة التهامية عملية عسكرية بغطاء جوي لمقاتلات التحالف العربي لتحرير الساحل الغربي لليمن المطل على البحر الأحمر.

وبعد معارك ضارية تمكنت تلك القوات المشتركة من السيطرة على مناطق المخا التي أضحت منطقة وجوده ومنطلق عملياته، وكذلك باب المندب وذو باب وغيرها، إضافة لتحرير شريط ساحلي واسع.

استمر الزحف الحثيث شمالاً بمحاذاة الساحل وجزء منه توغل في المرتفعات والهضاب الجبلية الغربية الواقعة في نطاق محافظة تعز المحاذية، وكانت هذه القوات قريبة من السيطرة على ميناء ومدينة الحديدة التي تمثل شريان البقاء الأبرز للحوثيين، إلا أن ضغوطاً دولية مورست بحجة المخاوف الإنسانية دفع الحكومة الشرعية للتوقيع في 13 ديسمبر 2018 على اتفاق ستوكهولم الذي قضى بانسحاب مرحلي لقوات الجانبين من مدينة الحديدة ذات الثقل الاستراتيجي والاقتصادي البارز في معادلة الحرب اليمنية.

ترسانة بارزة

ورغم انسحابه المفاجئ ومعه القوات المشتركة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 من على تخوم مدينة الحديدة التزاماً ببنود اتفاق ستوكهولم الذي قال إنه "جاء كطوق نجاة للحوثيين وأنقذها من هزيمة محققة" وموجة النقد التي وجهت له إثره، إلا أن ما كان وما أصبح عليه يؤكد أن طارق صالح بات يمثل قوة بارزة تشكل تهديداً على المشروع الحوثي وفقاً لمراقبين تعززه عوامل عدة من أبرزها الخبرة التي اكتسبها وتفوق بها على أقرانه الضالعين في المعترك اليمني الجاري.

إضافة إلى دافع الانتقام لعمه والانتصار لمبدأ "استعادة الدولة والنظام الجمهوري" حد قوله، والثقة التي منحت له وتعين أثرها عضواً في مجلس القيادة الرئاسي وهي ثقة تستند إلى مكانة جماهيرية وتنظيمية كما ينظر إليه كشخصية توافقية خصوصاً ولديه سجل عسكري خال من الملاحظات المثيرة للجدل بدليل عدم إظهاره اعتراضاً معيناً من عملية تغييره في السادس من أبريل (نيسان) عام 2012 بمرسوم الرئيس السابق عبدربه منصور هادي الذي جاء في إطار مشروع قرار "هيكلة القوات المسلحة" المثير للجدل، وقضى بإبعاده من قيادة الحرس الخاص واللواء الثالث مدرع حرس جمهوري، إلى قائد للواء 37 مدرع ثم تعيينه في الثالث من مايو (أيار) 2012 ملحقاً عسكرياً في ألمانيا، رغم حنق عمه وقطاع من حزب المؤتمر الذي يبدو أن طارق كان متخففاً من أحمالهم الحزبية والأيديولوجية، قبل أن يعود عقب الانقلاب الحوثي في سبتمبر (أيلول) 2014، وهرب الرئيس هادي إلى عدن، إلى صف عمه وقيادة حراسته مجدداً، إضافة إلى إشرافه على تشكيلات عسكرية أخرى.

هذه العوامل أدركتها جماعة الحوثي مبكراً فحاولت بشتى الطرق الوصول إليه خلال أحداث ديسمبر التي يصفها بـ "اليوم الخالد من أيام اليمن الجمهوري" في ظل أنباء أنباء ترددت حينها عن معارضته لتحالف الرئيس صالح وحزبه "المؤتمر" مع الحوثيين الذي أنتج شراكة هشة كانت تميل بحسب قيادات مؤتمرية لصالح الجماعة المتشددة التي اتهمت بالاستئثار بكل مقدرات الدولة بالقوة.

كما وجهت له حملات نقد من جهات سياسية داخل الشرعية نفسها ربما تُقرأ في سياق مساعي الإزاحة وسباق الانفراد والاستئثار المحموم للسيطرة على قرار الحكومة رغم حديثه عن "عدو واحد وهو الحوثي فقط".

القوة أداة السياسة

وبما أن القوة هي وسيلة السياسة، رأى طارق ضرورة لاقتران الفعل العسكري بالعمل التنظيمي السياسي، كوسيلة لمشروعه الذي يحمله ومعه قواته. فأعلن في 25 مارس (آذار) 2021 عن إشهار "المكتب السياسي للمقاومة الوطنية" برئاسة طارق صالح، وجاء في حفل الإشهار أن هدف المكون الجديد جمع القوى الوطنية والتنسيق مع كل المكونات السياسية "خدمة معركة شعبنا المصيرية ضد ميليشيات الحوثي".

ووإلى جانب التجهيز القتالي الذي هدفه "استعادة صنعاء" كما يردد على أسماع رجاله في الجندية، ظهر في مجالات تتعلق بتنمية المخا تلك المنطقة التي حازت مكانة بارزة في تاريخ البلاد قديماً كميناء اقتصادي لتصدير المنتجات اليمنية ذائعة الجودة وعمل من خلال المكون الذي يقوده في إحداث مشاريع استراتيجية كالموانئ التجارية والإنزال السمكي ومطار حديث ومدن سكنية ومدارس وشبكة طرقات وغيرها.

هذه التحركات دفعت بنشوء حديث عن طموحات سياسية مستقبلية في المرحلة المقبلة، خصوصاً بعد اختياره في السابع من أبريل 2022 عضواً في مجلس القيادة الرئاسي الذي يقود الجبهة الوطنية ضد الحوثيين، وفتح أمامه نافذة أوسع للعمل السياسي المقترن بالتجهيز العسكري الذي يحسب له الحوثي حسابات كثيرة كرس الأخير لأجلها عديداً من الخلايا التجسسية التي يجري الكشف عنها بين حين وآخر بحسب إعلام تلك القوات في المخا بالإضافة إلى إعلان عدد من الجنود التابعين له بين حين وآخر انضمامهم لمليشيا الحوثي، وهي اختراقات يستدل بها منتقدوه باعتبارها فجوة لفشل عسكري معين في وسط قواته.

واليوم، يقف طارق على السواحل والمضائق، يتأمل الطريق الطويل المؤدي إلى الحديدة ويشيح بنظراته الحادة نحو الهضاب الوعرة شمالاً، وكلها طرق تاريخية توصل إلى صنعاء العاصمة التي سكنها اليمنيون وسكنت فيهم. يتحرق شوقاً للعودة إلى مسقط الرأس وأحلام الصبا حيث المعالم التي تركها تبدو كسيرة مدمرة بعد أن عبرت فوقها عربات "فرق الموت الحيدرية"، يتحسس "الطير الجمهوري" المنقوش على كتفه كرمزية للدولة اليمنية العادلة التي اجترح اليمنيون نضالات عسيرة للوصول إليها منذ ستينيات القرن الماضي، ينظر إلى أكوام العراقيل الطبيعية أو تلك التي صنعتها الجماعة الحوثية بعناية لتحول دون زحفه مجدداً، ولكنه رغم ذلك ما زال يعد بهدم الحواجز والأضرحة وإعادة الطير فوق جادة "السبعين" ميدان الدولة ورمز جمهوريتها التي يحن إليها اليمنيون كما تحن صنعاء لأبنائها المهاجرين قسراً.

المزيد من تقارير