النحل الطنان يستخدم الذكاء الجمعي لتبادل المعرفة في حل الألغاز

يتعلم النحل الطنان من بعضه بعضاً كيفية حل المعضلات المعقدة التي يصعب على كل واحد منه تعلمها بمفرده، وفق رأي علماء، وقد أظهرت تجارب أن تلك الحشرات تستطيع التعلم من قريناتها أداء مهمات معقدة تتعلق بأحجية مسارات في صندوق، بهدف التمكن من الوصول إلى جائزة متمثلة في قطعة سكر.

وفي غياب تلك المساعدة من القرينات تبذل كل نحلة بمفردها مجهوداً كبيراً كي تتوصل إلى إنجاز حل الأحجية من المربع الأول.

ونشر العلماء دراستهم تلك في مجلة "نيتشر" Nature العلمية، مشيرين إلى أنها تبرهن أن النحل يستطيع تعلم مهمات معقدة عبر التفاعل الاجتماعي، وهو ما يتناقض مع الاعتقاد السائد منذ وقت طويل بأن هذه القدرة تقتصر على البشر.

وفي سياق دراستهم ابتكر العلماء صندوق مهمات فيه أحجية مكونة من خطوتين، ويتوجب على النحل أن يتعلم في الخطوة الأولى كيف يزيح عقبة ما قبل التعامل مع غطاء متحرك يؤدي فتحه للوصول إلى محلول السكر.

ودرب العلماء مجموعة من النحلات ليكن "مرشدات"، مع منحهن مكافأة موقتة في البداية، وقد استطاع النحل غير المدرب تعلم خطوتي فتح الصندوق من المرشدات من دون الحاجة إلى المكافأة الموقتة في الخطوة الأولى.

وفي المقابل، حين غابت النحلات المرشدات فشل النحل في التوصل إلى حل اللغز بصورة إفرادية مستقلة مستندة إلى المحاولة والخطأ.

 قفير نحل (أ ب)

وبحسب المؤلف الرئيس للدراسة الدكتور أليس بريدجس، "يعتبر الأمر مهمة فائقة التعقيد بالنسبة إلى النحل، إذ يجب عليهم تعلم إنجاز خطوتين للوصول إلى مكافأة، مع ملاحظة أن الخطوة الأولى من ذلك السلوك لم تقابل بإعطاء مكافأة عنها، وفي البداية وجب تعليم النحلات المرشدات باستعمال المكافأة الموقتة، مما يبين مدى تعقيد المهمة، وفي المقابل تعلمت بقية النحلات كيفية إتمام النسق كله عبر الملاحظة الاجتماعية لتلك النحلات المُدربات حتى من دون المرور باختبار الخطوة الأولى ومكافأتها، لكن حين تركنا لنحلات أخريات أن يحاولن فتح الصندوق من دون وجود قريناتهن المُدربات اللواتي يظهرن كيفية التوصل إلى الحل، لم تفلح تلك الأخريات في فتح الصندوق على الإطلاق".

كذلك أوضح الفريق العلمي أن عمله "يفتح إمكانات مثيرة" تتعلق بفهم كيفية تطور الثقافة التراكمية.

وتشير الثقافة التراكمية إلى تجمع تدريجي للمعرفة والمهارات عبر الأجيال، مما يتيح تنقيح الأفكار والتقنيات والممارسات عبر الذكاء الجمعي.

وقد لاحظ البروفيسور لارس شيكيتا الذي يعمل في "جامعة كوين ماري في لندن" والمتخصص في البيئتين الحسية والسلوكية أن "هذه الدراسة تتحدى الفكرة التقليدية القائلة بأن البشر وحدهم يستطيعون التعلم الاجتماعي لسلوكيات معقدة تتخطى التعلم الإفرادي، وتحرك الدراسة ذلك الإمكان المذهل القائل بأن الإنجازات المرموقة للحشرات الاجتماعية، على غرار هندسة القفائر لدى النحل والدبابير، أو العادات الزراعية لحشرة المَن والنمل المستوطن للفطريات، قد ينتشر بصورة أولية عبر تقليد المبتكرين الأذكياء، قبل أن تصبح تلك السلوكيات لاحقاً جزءاً من مهارات مترسخة لدى أنواع محددة". [شارك لارس شيكيتا في الدراسة وهو مؤلف كتاب "عقل النحلة"].

في وقت موازٍ أظهرت دراسة أخرى نُشرت في إحدى دوريات "نيتشر للسلوك البشري" أن الشمبانزي تستطيع تعلم مهارات جديدة عبر ملاحظة بعضها بعضاً، وقد درب علماء من هولندا وبلجيكا الشمبانزي على حل صندوق أحجيات يتطلب إجراء ثلاث خطوات للوصول إلى مكافأة تتمثل في الطعام، فتمكنت من نقل تلك المعرفة إلى 14 قرد شمبانزي ضمن مجموعة متجانسة عمرياً مؤلفة من 66 قرداً.