ملخص
هل تتشكل جبهة ديمقراطية لمنافسة قيس سعيد في الانتخابات الرئاسية التونسية؟
ثمّة حقيقة لا يمكن إنكارها في المشهد السياسي الراهن في تونس، وهي غياب مشروع سياسي حقيقي من المعارضة لمواجهة المسار الجديد الذي بدأته تونس مع الرئيس قيس سعيّد في 24 يوليو (تموز) 2021.
ويقرّ المعارضون أنفسهم لهذا المسار بفشل المعارضة بكل أطيافها في التوحّد لمواجهة المشروع السياسي الجديد الذي بدأه سعيد، على أنقاض المنظومة السياسية السابقة التي عمّرت في تونس لأكثر من عشر سنوات.
تقبل تونس على محطة انتخابية مفصلية في تاريخها، باعتبارها ستكون إما تأسيساً وتكريساً لمسار 25 يوليو (تموز) 2021، الذي يتزعمه سعيّد، أو تقويضاً لهذا المسار انطلاقاً من مراهنة المعارضة على الفوز بمنصب رئيس الجمهورية ومن ثم البدء في تغيير ملامح المشهد الراهن سياسياً.
"العصفور النادر" للمعارضة
وفي غياب التداول والنقاش في الفضاء العام حول هذا الموعد الانتخابي، تسود نقاشات في كواليس المعارضة بشأن كيفية التعاطي مع هذه المحطة الانتخابية، وإمكانية طرح مرشح بعيد من الملاحقات القضائية، وقادر على مغازلة الشارع التونسي، وحشده وراء تحوّل سياسي جديد بالاعتماد على ما آلت إليه أوضاع التونسيين الاقتصادية والاجتماعية من تدهور في سنوات ما يسمّى بمسار 25 يوليو.
وبينما تبحث المعارضة عن "عصفور نادر"، لمنافسة سعيّد، يضع الأخير في إعلانه عن تنظيم الانتخابات الرئاسية في موعدها، شعبيته وخياراته السياسية على المحك من أجل إكساب برنامجه السياسي مشروعية شعبية. فهل تنجح المعارضة في الاتفاق على شخصية سياسية وازنة قادرة على منافسة قيس سعيّد؟ وهل تضمن التفاف التونسيين حولها بعدما اتسعت الهوة بين النخب السياسية وعموم التونسيين؟
تسود الشارع السياسي التونسي حالة من الترقب لما ستقرّره المعارضة بخصوص شكل مشاركتها في هذا الاستحقاق، في ظل الزجّ بعدد من قياداتها في السجون، وعدم قدرتها على رصّ صفوفها وتجاوز خلافاتها.
المعارضة لم تحافظ على الديمقراطية
ويؤكد الناشط السياسي والباحث الجامعي الأمين البوعزيزي في تصريح لـ "اندبندنت عربية"، أن "المعارضة لم تقدم أي عرض سياسي يغري التونسيين ويدافع عن الديمقراطية فعلاً وممارسة"، مضيفاً أن "المعارضة اليوم، والتي كانت بالأمس القريب في الحكم، لم تُحسن الحفاظ على الحكم وعلى الديمقراطية".
ويرى البوعزيزي أن "المعارضة في تونس لم تُشفى من أمراضها بعد، بسبب طغيان الصراعات الداخلية، وممارساتها العبثية طيلة عشر سنوات"، مضيفاً أن "السلطة الراهنة في تونس لا يمكنها أن توفر شروطاً نزيهة لإجراء الانتخابات الرئاسية، بخاصة وأن قيس سعيد بدأ فعلياً حملته الانتخابية، قبل أشهر من الموعد الانتخابي، ويمارس الدعاية ضد المرشحين المفترضين لهذه الانتخابات".
صحوة سياسية وديمقراطية
في المقابل، يعتبر الأمين العام لحركة النهضة، العجمي الوريمي، أن "الفرصة متاحة لتوحيد الصفوف في المعارضة". ودعا التونسيين إلى "صحوة سياسية وديمقراطية وهبّة مجتمعية دفاعاً عن الحرية والعدالة والكرامة للتونسيين، يتم من خلالها استعادة الوحدة الوطنية والحكم الديمقراطي وأمل التونسيين في حياة كريمة".
ودعا الوريمي في كلمة خلال وقفة احتجاجية أمام المسرح البلدي بشارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة التونسية نظّمتها "جبهة الخلاص الوطني" مساء السبت 16 مارس (آذار) الجاري، تضامناً مع المعارضين الموقوفين في ما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة" إلى "وحدة المعارضة وإلى تكوين جبهة ديمقراطية واسعة من أجل استعادة الديمقراطية"، على حد تعبيره.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الترشح حق للجميع
من جهته، اعتبر الأمين العام لحزب "التيار الشعبي"، زهير حمدي، في تصريح خاص، أن "المعارضة بشكلها الحالي لا تملك القدرة على التجميع، ولم تقدم تنازلات، بل استمرت في المكابرة والصراع على الزعامة، وهو الداء الذي ينخرها منذ سنوات، حيث يسعى كل زعيم حزب إلى تقديم نفسه للانتخابات من دون البحث في مدى قدرته على جذب الناخبين".
واستبعد حمدي أن "تتفق المعارضة التي تنتمي إلى نفس العائلات الفكرية حول مرشح واحد للانتخابات الرئاسية المقبلة، في غياب اتفاق على مشروع وطني يجمع حوله التونسيين".
وأعرب حمدي عن أمله في أن تكون "الانتخابات المقبلة، نزيهة وتنافسية وفي مناخ سياسي واجتماعي سليم، تتوافر فيه مقومات الانتخابات الديمقراطية، وبمشاركة شعبية واسعة"، مضيفاً أن "الترشح لهذه الانتخابات حق لكل تونسي تتوافر فيه شروط الترشح".
أسبقية لقيس سعيّد
وبينما يستبعد البعض إمكانية رصّ صفوف المعارضة، يقرّ الكاتب الصحافي، النائب السابق في البرلمان، هشام الحاجي، بأن "قيس سعيد يتمتع بأسبقية مقارنة ببقية المرشحين المحتملين، وفي غياب المعارضة، التي تعاني انعدام التواصل مع الرأي العام، ومن حالة تشتت هيكلي، إلى جانب النزعة الزعاماتية وعدم تجديد قياداتها، وعدم بلورة رؤى وتصوّرات جديدة تكون قادرة على مواجهة الشعبوية".
ويضيف الحاجي أن "رئيس الجمهورية، قيس سعيد، قد يجد نفسه في مواجهة مرشحين يلتقون على رغم اختلافاتهم على أنهم يريدون هزيمته انتخابياً، وهو ما يحيل إلى المناخ الذي ستجرى فيه هذه الانتخابات، في ظل غياب الحوار في الفضاء العمومي، نتيجة المرسوم رقم 54 وخضوع عدد من قادة المعارضة للملاحقة القضائية، إضافة إلى شبه قطيعة بين الطبقة السياسية والرأي العام".
المال السياسي والإرهاب
وكان الرئيس التونسي أشار في حديثه مع رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، فاروق بوعسكر إلى أنه "ليس من المقبول اعتماد ترشحات لأشخاص تتعلق بذمتهم قضايا خطيرة من قبيل الإرهاب، وكذلك المال السياسي".
ويذكر أن قاضي التحقيق في القطب القضائي المالي، تعهّد بمباشرة الأبحاث اللازمة حول شبهات تبييض الأموال، في حق المحالين على أنظاره، بمقتضى قرار صادر عن النيابة العامة، بينهم عدد ممن أعلنوا نيتهم الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة على غرار، ألفة الحامدي، رئيسة حزب "الجمهورية الثالثة"، ونزار الشعري، مؤسس "حركة قرطاج الجديدة"، وفاضل عبد الكافي، الرئيس السابق لحزب "آفاق تونس"، والمنذر الزنايدي، وزير السياحة، في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي، الذي طرح اسمه بوصفه مرشحاً توافقياً للرئاسة.