Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

انتخابات إقليم كردستان لن تخرج عن كنف القوى الحاكمة

جهات جديدة تستثمر النقمة من الأزمات لسحب مقاعد من الحزبين 

متظاهران كرديان ضد القصف الإيراني على أربيل (موقع حكومة إقليم كردستان)

ملخص

يخوض الأكراد الانتخابات في وقت يخيم القلق من الأخطار المتزايدة على إقليمهم

بعد شد وجذب وتأجيل متكرر، حُدد موعد جديد لإجراء انتخابات برلمانية في إقليم كردستان - العراق بعد أعوام من أزمات سياسية واقتصادية، في ظل أجواء مشحونة ستقوم خلالها تداعيات القرارات الاتحادية والتوجس من قلة مشاركة الناخبين بدور مؤثر في رسم ملامح المعادلة السياسية المقبلة، في وقت تشير المعطيات إلى احتفاظ القوى التقليدية بمقاليد السلطة على رغم المؤشرات على تراجع شعبيتها، ودخول قوى وتحالفات جديدة في غمار المنافسة.

ويخوض الأكراد الانتخابات في وقت يخيم القلق من الأخطار المتزايدة على إقليمهم الذي كثيراً ما تمتع بسلطة شبه مستقلة عن بغداد منذ عام 1991، إبان حكم نظام صدام حسين، وبعد سقوطه على يد الأميركيين عام 2003، إذ تمكنوا من تعزيز مكاسبهم عندما شاركوا في إقرار دستور دائم للبلاد وفق نظام حكم فيدرالي، قبل أن يصطدموا بخلافات عميقة مع الحكومة الاتحادية التي يقودها الشيعة أدت، خلال السنوات الأخيرة، إلى تجريدهم من صلاحيات واسعة على إثر صدور سلسلة قرارات قضائية اتحادية "ملزمة غير قابلة للطعن" كان أبرزها عدم دستورية تصديرهم النفط بصورة مستقلة.

 

ويأتي تحديد الموعد الجديد للانتخابات المقررة في الـ 10 من يونيو (حزيران) المقبل، بعد ضغوط مارستها واشنطن وحلفاؤها من الدول الغربية، بعد أن أدى الانقسام داخل البيت الكردي، تحديداً بين الحزبين التقليديين الحاكمين "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني ونظيره "الاتحاد الوطني" بزعامة بافل طالباني، إلى تأجيلها ثلاث مرات جراء الخلافات حول اقتراحات تعديل قانون الانتخابات، وانتهاء ولاية مفوضية الانتخابات الخاصة بالإقليم، فضلاً عن التقاطعات إزاء المقاعد المخصصة للأقليات وفق نظام "الكوتا"، في وقت كانت النقمة الشعبية تشهد تصاعداً من أزمة المرتبات والتدهور في مستوى الخدمات والزيادة غير المسبوقة في الضرائب.

وتتباين القراءات حول ما ستؤول إليه هذه الانتخابات بالمقارنة مع سابقاتها مع الأخذ في الاعتبار تبعات جملة من العوامل، آخرها يكمن في إصدار المحكمة الاتحادية في فبراير الماضي قرارات "ملزمة" لمصلحة طعون عدة تقدّم بها مسؤولون في حزب طالباني وشخصيات كردية مستقلة، نصت على إلزام توطين رواتب موظفي القطاع العام في الإقليم لدى المصارف الاتحادية وحسمها من حصته في الموازنة، أي دفع مرتباتهم مباشرة من الحكومة المركزية مع تسليم الإقليم إيراداته لبغداد، كما ألغى قرار آخر المقاعد المخصصة للأقليات وفق نظام "الكوتا" في برلمان الإقليم والبالغة 11 مقعداً، ليتقلص مجموع مقاعده إلى 100 مقعد.

تغير محدود

وتذهب الترجيحات إلى احتفاظ الحزبين الحاكمين بثقلهما النيابي، وإن كانت أصواتهم قد تسجل تراجعاً جزئياً، وفق ما قال الخبير في شؤون الانتخابات هلشو عبدالفتاح مضيفاً أن "تقليص عدد المقاعد واعتماد نظام الدوائر المتعددة قد يحدث تغييراً جزئياً، لكنه لن يؤثر في الصورة العامة للمعادلة السياسية لأن القوى الحاكمة تتمتع بأدوات الاستمرار من سلطة عسكرية ومصادر مالية، وربما قد تحصّل بعض القوى الجديدة التي ستدخل المنافسة بعض المقاعد"، ولفت إلى أن "إلغاء مقاعد الكوتا واعتماد نظام الدوائر المتعددة قد لا يكون في مصلحة القوى الصغيرة التي ستحتاج إلى الدخول في تحالفات مع الأخذ في الاعتبار المردود الإيجابي لتعدد الدوائر والكامن في اختيار الناخبين لمرشحين حصراً من مناطقهم، وكذلك حصر حالات التزوير".

 

وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها اعتماد نظام الدوائر المتعددة، إذ تم بموجب قرارات المحكمة الاتحادية تقسيم الإقليم على أربع دوائر، اثنتان منها في محافظتي أربيل ودهوك، الواقعتين في نطاق نفوذ حزب بارزاني الذي يقود الحكومة، ودائرتان في محافظة السليمانية ومنطقة حلبجة الخاضعتين لنفوذ الشريك الرئيس في الحكومة وهو حزب طالباني، وقُسمت المقاعد النيابية البالغة 100 مقعد على الدوائر، خصص منها 38 مقعداً للسليمانية و34 لأربيل و25 لدهوك وثلاثة مقاعد لحلبجة، مع حصر عملية التحضير والإشراف على عملية إجراء الانتخابات بالمفوضية العليا المستقلة المعتمدة لدى السلطة الاتحادية.

المقاطعة واردة

وستكون لنسبة مشاركة الناخبين انعكاساتها على صوغ الثقل النيابي للقوى المنافسة، وفي هذا الصدد أشار عبدالفتاح إلى أن "نسبة المشاركة منذ أول انتخابات برلمانية شهدها الإقليم عام 1992، سجلت تراجعاً تدريجياً على مر الدورات الانتخابية المتتالية، إلى أن بلغت أدنى مستوى لها في آخر انتخابات خاضها الإقليم عام 2018، وهذا مرتبط بتراجع الثقة بين الناخب من جهة، والقوى السياسية والفائزين السابقين من المرشحين من جهة أخرى، إذ أسهمت الإخفاقات السياسية وواقع الفساد وعدم تنفيذ الوعود في خلق حال من اليأس لدى الشارع".

وحول نسبة المشاركة المتوقعة قال الخبير في شؤون الانتخابات "ربما لا نشهد تزايداً في الإقبال، وهذا له أسبابه، منها عدم وجود قوة سياسية قادرة على المنافسة وإحداث تغيير مؤثر في نفوذ القوى التقليدية، وقد يكون لاعتماد مفوضية الانتخابات على حصر الاقتراع بالناخب الذي يمتلك البطاقة البيومترية أثر أيضاً على تدني النسبة"، أما بخصوص تداعيات قرار حصر توطين المرتبات لدى المصارف الاتحادية على توجهات الناخبين، فرأى عبدالفتاح أن "القرار ما زال على الورق وإذا ما طبّق قبل موعد الانتخابات، من دون شك سيكون له الأثر على تدني نسبة أصوات القوى الحاكمة". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويفتقر الإقليم، والعراق عموماً، إلى مؤسسات "علمية أكاديمية متخصصة" في مجال استطلاع المؤشرات واتجاهات السياسة العامة، إذ في الغالب تفتقر إلى الشروط والضوابط والمصداقية على صعيد آلية إجراء الاستفتاءات واختيار العينات والشرائح خلال عملية إجراء المسح، وفي الغالب يتم الاعتماد على التوقعات المبنية على المؤشرات التي تذهب إلى احتفاظ حزب بارزاني بموقع الصدارة يليه حزب طالباني، على أن يحل حزب "الجيل الجديد" المعارض بزعامة رجل الأعمال شاسوار عبدالواحد ثالثاً.

كما يتوقع أن تسجل حركة "التغيير"، وهي الطرف الثالث المشارك في الحكومة، تراجعاً كبيراً بناء على نتائج الانتخابات البرلمانية الاتحادية الماضية، مقابل احتفاظ القوى الإسلامية المعارضة بثقلها النيابي، مع ترجيحات تذهب إلى إمكان حصد قوى جديدة مقاعد يتقدمها السياسي لاهور شيخ جنكي المنشق عن حزب طالباني، إلى جانب شخصيات سياسية أخرى معارضة للحزبين.

محفزات احتكار السلطة

وتقف عوامل عدة وراء انحسار المنافسة على قوى السلطة مع صعوبة تحقيق قوى المعارضة نتائج مؤثرة تمنحها مكانة فاعلة داخل المؤسسات المتحكمة بدفة القرار في هرم السلطة، وأيّد المحلل في الشأن الكردي سرتيب جوهر هذه القراءة قائلاً إن "العنصرين الأساسين يكمنان في احتكارهما القوة العسكرية والمصادر المالية، ربما تختل هذه المعادلة جزئياً مع حصول تغيّر في توجهات الناخب في حال تحقق مشروع دمج القوات الحزبية في مؤسسة وطنية، المدعوم من واشنطن وحلفائها، وتم توطين مرتبات الإقليم في البنوك الاتحادية من دون أن يؤثر ذلك في صلاحيات كيان الإقليم الدستوري"، واستدرك "لكن لا تزال هناك مصادر مالية مثل الإيرادات الجمركية والضريبية وغيرها خاضعة لسيطرة القوى المتنفذة، وما زال من الصعب تأطيرها في مؤسسة وطنية موحدة".

وكان الحزبان الحاكمان خسرا نحو 700 ألف صوت في الانتخابات النيابية الاتحادية التي جرت في خريف عام 2021، على رغم تحقيقهما مكاسب على مستوى عدد المقاعد وفق قانون الانتخابات الجديد الذي اعتمد نظام الدوائر المتعددة، وحصد "الديمقراطي" 31 مقعداً مقابل 18 مقعداً لنظيره "الوطني"، بنسبة مشاركة متدنية لم تتجاوز 40 في المئة والتي استندت بياناتها إلى مستلمي بطاقة الناخب وليس إلى عدد الذين يحق لهم التصويت.

إلا أن جوهر رأى أن "نسبة المقاطعة في الإقليم تفوق ما أعلن رسمياً، إذ بلغت نحو 72 في المئة، ولم يتوجه ما يقارب 54 في المئة إلى مراكز الاقتراع، و17 من أصل 46 في المئة من نسبة المشاركين لم يعطوا أصواتهم لأية جهة، وهذا يدل على وجود ثلاثة أسباب رئيسة تقف وراء تدني نسبة المشاركة، وهي النقمة الشعبية واعتقاد بعضهم بأن عامل الانتخابات لا يؤدي إلى أي تغيير في الوضع السياسي، فضلاً عن أن قسماً لا يجد قوة منافسة بديلة للقوى الحالية"، لافتاً إلى أن "التماس نوع من الحماسة من قبل الناخب في الانتخابات المقبلة لاعتبارات عدة تتعلق بتوافر أرضية يمكن أن يحقق بعض التغيير، خصوصاً أن هناك قوى جديدة يتوقع أن تدخل المنافسة ويمكنها أن تستميل المقاطعين أو حتى سحب الأصوات من بقية القوى لمصلحتها، مما سيشعل المنافسة مع القوى التقليدية".

وخلص جوهر بالإشارة إلى "توقعات واستطلاعات رأي أولية تفيد بأن نتائج هذه الانتخابات ستكون مختلفة عن تلك التي جرت عام 2018، بخاصة أننا شهدنا ضغوطاً متصاعدة من قبل المجتمع الدولي الذي رهن دعمه للإقليم بإجراء قواه الحاكمة إصلاحات حقيقية، منها الحد من الفساد المستشري وتوحيد القوات الأمنية والعسكرية المنقسمة بين الحزبين في إطار قوة رسمية غير حزبية وتفعيل المؤسسات الرقابية مثل البرلمان وهيئة النزاهة، وبخلافه فإن الدعم الدولي المقدم إلى الإقليم لن يستمر".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير