Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

يزن الفلسطيني... قصة النزوح والذبول والتلاشي

على رغم لجوئه ووالدته إلى المنطقة الإنسانية بغزة لكنه مات من سوء التغذية وانقطاع الحليب والأكسجين والدواء

ملخص

 ذلك ما حدث في جنوب غزة مع الطفل يزن.

على أرض المستشفى جلست رانيا تصرخ وتبكي بحرقة لفقدان ابنها يزن، وتولول على ما أصابها وتتساءل "من سيقول لي ماما؟"، بعد أن ارتقى الطفل من شدة سوء التغذية على رغم وجوده في محافظة رفح أقصى جنوب قطاع غزة، وهي المنطقة الإنسانية المسموح فيها بدخول المساعدات.

في مستشفى أبو يوسف النجار كانت رانيا تبكي صغيرها المكفن وهي تردد مراراً، "من سيقول لي ماما؟ من سيقول لي ماما؟"، وبحرقة تقول "شاهدت يزن وهو يموت ببطء شديد أمام عيني ولم أستطع إنقاذه".

ماذا يعاني؟

انهارت الأم الثكلى على الأرض أمام أقاربها وحشود الجرحى والطاقم الطبي المنهك، وبعد تدخل العاملين الصحيين تماسكت رانيا قليلاً وكان الحزن العميق قد اجتاح قلبها وملامحها على فراق يزن الذي كان أوضح وأكبر مثال لوصف المعاناة التي تضرب أطفال غزة نتيجة سوء التغذية.

 

 

يزن الكفارنة، ذلك الطفل الذي انتشرت صوره وهو ينام على سرير المستشفى ويظهر جسده وكأنه هيكل عظمي يغطيه الجلد فقط، بدا شاحباً جداً وأشبه بالموتى إذ برزت عظام وجهه وجسده الهزيل بعدما توقف عنه الطعام.

وتعود قصة يزن لليوم الأول للحرب الإسرائيلية على غزة عندما وصلت إلى أسرته أوامر الإخلاء التي وزعتها تل أبيب على سكان شمال القطاع، وبسرعة استجابت العائلة إلى تلك التعليمات وغادرت منزلها باتجاه محافظة رفح.

في المنطقة الإنسانية

تقول الأم رانيا، "طفلي مصاب بشلل دماغي منذ ولادته وهو بحاجة إلى رعاية فائقة على جميع المستويات، لذلك غادرت به على الفور نحو المناطق الإنسانية التي وصفها الجيش الإسرائيلي بأنها آمنة، وسيكون متاحاً فيها الغذاء والدواء والمأوى".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وصل يزن رفقة عائلته إلى المنطقة الإنسانية وهناك بدأت رحلة عذابه، وتضيف رانيا "يأكل ابني الطعام المهروس فقط ويجب أن يتضمن جدوله الغذائي الموز والبيض، ويشرب حليباً خاصاً بحالته، ويجب أن يكون الماء معدنياً، كما أنه بحاجة إلى أدوية لمساعدته في التعافي".

وكل ما يحتاجه يزن لم يكن موجوداً في المنطقة الإنسانية، وهناك تحولت حياته من طفل نشيط يستطيع تحريك أطرافه ويحب متابعة التلفاز واستخدام الهاتف الذكي والحديث مع أمه إلى صغير هزيل مرهق يفقد وزنه باستمرار.

وتوضح الأم أن سوء التغذية هو السبب وراء تدهور حال ابنها وليس الجوع، والفرق بينهما كبير إذ يتوفر القليل من الطعام في جنوب غزة حيث مكان نزوح يزن، لكن لا يتوفر الغذاء المطلوب لحال الطفل الذي يبلغ من العمر 10 سنوات.

إنه يموت ببطء

بحثت رانيا عن المكملات الغذائية في كل مكان ونبشت بين رفوف الصيدليات عن الحليب المخصص لصغيرها، وتعبت أقدامها وهي تدور في الأسواق لشراء حميته الغذائية، لكنها كانت تعود كل يوم خاوية اليدين.

وتتابع، "لا يوجد في المنطقة الإنسانية أي شيء مناسب للبشر، فما بالك بحال يزن، فمنذ بداية الحرب الإسرائيلية أصبح كثير من اللوازم والمواد الغذائية مقطوعاً".

وتمسك الأم بصورة يزن قبل أسبوع من بداية الحرب وتكمل، "هذه اللقطة كافية لوصف حاله، إنه يموت ببطء".

وكان يزن يعيش في خيمة إيواء وبعد أن ساء وضعه الصحي حملته أمه إلى المستشفى إذ كانت تأمل بأن يحظى برعاية طبية جيدة، ويجد في المرفق الصحي حمية غذائية تقيه الموت، لكن ما جاء في تفكيرها لم تجده على أرض الواقع، فهناك الأطباء منشغلون برعاية الجرحى ومرهقون ويفتقدون أبسط الأدوية.

وبعد 150 يوماً من بدء للحرب خسر يزن أكثر من 30 كيلوغراماً من وزنه البالغ 40 كيلوغراماً، وتعزي الأم السبب إلى رفض إسرائيل تحويله للعلاج في الخارج أو السماح بإدخال الأدوية والغذاء المناسب لحاله.

عصفور بلا أكسجين

تنساب الدموع من عيني رانيا التي لم تتوقع أن تصبح عاجزة عن توفير موزة واحدة لطفلها وتنظر إلى جثمانه الذي يبدو هكيلاً عظمياً وتخاطبه، "أنت عصفور في الجنة، قطع عنك الغذاء والأوكسجين والأدوية اللازمة لحالك، وعلى العالم أن يلقي نظرة على واقع غزة وأطفالها ويرى كيف تغيرت حياتنا".

وتقول الأم، "كنت أسمع عن مصطلح سوء التغذية لكنني أبداً ما رأيته حتى شاهدت يزن الذي كان أكبر مثال لوصف المعاناة التي تضرب أطفال غزة نتيجة هذا المرض".

 

 

وبعد حادثة يزن المأسوية سادت حال من الغضب الشديد سكان غزة وتداولوا موضوعه بحرقة، بل وخرجوا في مظاهرة كبيرة تطالب بحماية الأطفال من الجوع الذي ينهشهم ويلتهمهم واحداً تلو الآخر، والعمل الفوري على وقف الحرب.

وعن حال يزن يقول طبيب الأطفال أشرف ماضي الذي كان يتابعه، "كان يعاني التهابات حادة في الجهاز التنفسي وسوء تغذية حاد، ولا توجد أدوية له في قطاع غزة نتيجة الحصار والحرب مما إلى تدهور حاله الصحية"

ويضيف، "كان نازحاً في خيمة ونتيجة قلة الاهتمام بحاله وقلة العلاجات تدهورت الأمور حتى جاء إلى المستشفى في حال متأخرة، فلم نجد له حليباً مناسباً وكان يشرب أي نوع متوافر في السوق، لكنه لم يستجب وعجزنا عن فعل أي شيء حتى فارق الحياة".

ليس الطفل الوحيد

ويزن ليس الوحيد الذي توفي بسبب سوء التغذية، فهناك 16 طفلاً رحلوا جميعهم للسبب نفسه، لكن حال الطفل كانت الأصعب وبخاصة أنه يعيش في جنوب غزة.

ويوضح ماضي، "على رغم أنه في المنطقة الإنسانية لكنه توفي، وهذا دليل على أنه حتى المكان الآمن يفتقد مقومات الحياة".

وتعقيباً على وفاة يزن تقول المديرة الإقليمية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) أديل خضر إن "وفيات الأطفال نتيجة سوء التغذية التي كنا نخشى وقوعها أصبحت حقيقة واقعة، وهذا ليس كل شيء، وسنرى نتائج كارثة الجوع بعد أسابيع قليلة".

المزيد من متابعات