ملخص
ترى سارة جمعة التي اصطحبت أطفالها إلى كفرذبيان وهي لبنانية مقيمة في باراغواي "من يأتي إلى هنا، لا يشعر صراحة بأزمة اقتصادية أو سياسية، كما لو أن الجنوب ليس جزءاً من البلد".
في منتجع جبلي مكتظ بالرواد بعيداً من تبادل القصف اليومي على الحدود بين إسرائيل وجنوب لبنان، يسعى بعضهم إلى المضي بحياتهم والاستمتاع بالثلج والتزلج.
وتقول تالا أسعد (17 سنة) المقيمة في بلدة شحيم جنوب بيروت لوكالة الصحافة الفرنسية "التزلج بمثابة متنفس لننفصل عن الأجواء التي نعيشها وعن دوي الغارات الإسرائيلية"، لذلك قصدت هذا المنتجع الواقع على بعد عشرات الكيلومترات شمال شرقي بيروت.
في مرتفعات بلدة كفرذبيان الواقعة في سلسلة جبال لبنان الغربية، يقول لبنانيون آخرون إن ارتياد المناطق الجبلية المكسوة بالثلج للتزلج أو التنزه يشكل فسحة للتوقف ولو موقتاً عن متابعة نشرات الأخبار.
وتروي أسعد كيف سمعت وعائلتها ارتدادات ضربات إسرائيلية طاولت الأسبوع الماضي منطقة صيدا في عمق الجنوب، "اهتز المنزل بنا".
وأسفر القصف عن إصابة 14 شخصاً بجروح، فيما قالت إسرائيل إنها استهدفت "مخازن أسلحة" لـ"حزب الله".
ومنذ اليوم التالي للهجوم غير المسبوق الذي شنته حركة "حماس" على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تشهد الحدود اللبنانية تصعيداً بين "حزب الله" وإسرائيل.
ويعلن "حزب الله" استهداف مواقع وأجهزة تجسس وتجمعات عسكرية إسرائيلية دعماً لغزة و"إسناداً لمقاومتها"، ويرد الجيش الإسرائيلي بقصف جوي ومدفعي يقول إنه يستهدف "بنى تحتية" للحزب وتحركات مقاتلين قرب الحدود.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في منتجع المزار الواقع على بعد عشرات الكيلومترات من أقرب نقطة حدودية، يقف المتزلجون من كبار وصغار في صف طويل بانتظار الصعود إلى المحطات وترتفع أصوات قهقهة الرواد بين الحين والآخر.
ويقول إدوين جاركيديان (21 سنة) لوكالة الصحافة الفرنسية "يبقى الخوف قائماً، لكنك تعتاده"، ويتابع أن "الخوف كان أكبر عند بدء التصعيد، لكن إن واظبت على التفكير في ذلك، ستتوقف عن عيش حياتك".
ودفع التوتر عشرات آلاف السكان على جانبي الحدود إلى إخلاء منازلهم.
في لبنان وحده، نزح أكثر من 89 ألفاً من بلداتهم الحدودية مع إسرائيل والتي تحول بعضها إلى ركام جراء الضربات المتكررة، وتسبب التصعيد كذلك بمقتل 284 شخصاً في الأقل، غالبيتهم من مقاتلي "حزب الله" وبينهم 44 مدنياً، وفق حصيلة جمعتها وكالة الصحافة الفرنسية.
وتسود خشية محلية ودولية من توسع تبادل القصف عبر الحدود إلى مواجهة واسعة بين "حزب الله" وإسرائيل اللذين خاضا حرباً مدمرة في صيف 2006.
وتقول مسؤولة التطوير والتسويق في منتجع المزار نيكول واكيم لوكالة لصحافة الفرنسية إن الإقبال على التزلج "يسجل ارتفاعاً" هذا الموسم، على رغم أن عدد السياح انخفض مقارنة بالعام الماضي.
وترى أن اللبنانيين "بحاجة إلى الهرب للجبال لكي ينسوا ما يحصل في الجنوب لأننا لا نعلم كيف يمكن أن يتطور الوضع".
واصطحب مارسيل سمعان (41 سنة) أطفاله الثلاثة لممارسة رياضة التزلج في منطقة كفرذبيان التي غطى الثلج مرتفعاتها واختارتها جامعة الدول العربية السبت الماضي عاصمة للسياحة الشتوية.
ويقول الرجل الذي اختبر أعواماً من الحرب "عشنا حياة الحرب ولا نريد لأطفالنا أن يعيشوا اليوم التجربة ذاتها"، مضيفاً أنه "بالتأكيد قلوبنا معهم (سكان الجنوب) لكننا نود أن نعيش حياتنا".
ويتزامن التصعيد جنوباً مع مرور أربع سنوات من انهيار اقتصادي غير مسبوق، باتت معه غالبية سكان لبنان تحت خط الفقر وبالكاد قادرة على توفير حاجاتها.
وأصبح التزلج بطبيعة الحال ترفاً بالنسبة إلى شريحة واسعة من اللبنانيين في بلد يبلغ فيه الحد الأدنى للأجور نحو مئة دولار مع تدهور قيمة العملة الوطنية خلال الأعوام الأخيرة.
ويقول سمعان إن كلفة قضاء يوم تزلج مع عائلته تتجاوز 150 دولاراً، مما يعادل راتباً شهرياً لجندي أو مدرس في القطاع الرسمي.
وعلى رغم أن القطاع السياحي أسهم بصورة إيجابية في تحقيق نمو اقتصادي خلال الفترة الماضية، إلا أن البنك الدولي توقع في تقرير أصدره في نهاية 2023 أن يعود الاقتصاد لحال الركود، على وقع غياب الاستقرار الاقتصادي وانعكاسات الحرب الدائرة في قطاع غزة والتي شكلت "صدمة إضافية كبيرة" لنموذج النمو الاقتصادي اللبناني.
وترى سارة جمعة التي اصطحبت أطفالها إلى كفرذبيان وهي لبنانية مقيمة في باراغواي أن "من يأتي إلى هنا، لا يشعر صراحة بأزمة اقتصادية أو سياسية"، قائلةً "كما لو أن الجنوب ليس جزءاً من البلد".