Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

300 يوم من معارك السودان في حرب غير محسومة

البرهان دعا عناصر "الدعم السريع" للخروج من ولايتي الجزيرة والخرطوم وفرنسيس يصلي من أجل السلام

ملخص

تقدم الجيش بأم درمان يمنح البرهان "خطوة أولى" في صراع بعيد من الحسم

شقت قوات تابعة للجيش السوداني طريقها في منطقة كرري بأم درمان حتى التحمت بقوات أخرى متحصنة غير بعيد في مقر سلاح المهندسين نهاية الأسبوع الماضي، في تطور كبير دفع قائد الجيش رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان إلى ترك مقره الحالي في بورتسودان لتفقد ما توصف بأهم خطوة يحققها الجيش منذ اشتعال الصراع ضد قوات "الدعم السريع" في منتصف أبريل (نيسان) الماضي.

عاد البرهان -الذي أدخل الخلاف بينه ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي) السودان في دوامة حرب أودت في 10 أشهر بحياة الآلاف وخلفت أكثر من ثمانية ملايين نازح داخل البلد وخارجها- إلى أم درمان التي رحل عنها في ظلمة ليل الـ23 من أغسطس (آب) الماضي في ملابسات لم تكشف حتى الآن.

لا حديث إلا بعد الحرب

وقف قائد الجيش ليقول إن ما وصفها بمعركة الكرامة ستستمر إلى أن يتم دحر قوات "الدعم السريع" نهائياً. داعياً في مقطع فيديو  بثته القوات المسلحة السودانية من زيارته لأم درمان، عناصر "الدعم السريع" للاحتكام إلى صوت العقل والخروج من ولايتي الجزيرة والخرطوم. ومؤكداً "طالما أنكم تقتلون وتنهبون وتسرقون فلا مجال للحديث معكم إلا بعد انتهاء المعركة".

لكن الضابط السابق بالجيش السوداني اللواء أمين مجذوب يعتقد أن هذه الخطوة من جانب الجيش إنما تهدف لإنهاء الحصار الذي يضربه "الدعم السريع" على السلاح الطبي وسلاح المهندسين لتأمين خط إمداد من بورتسودان إلى أم درمان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال مجذوب لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) "هذا التقدم يحقق أيضاً إبعاد المهددات التي كانت تستهدف شمال أم درمان كمنطقة وادي سيدنا وحامية كرري العسكرية التي تتضمن عدداً من الوحدات العسكرية".

واعتبر المجذوب ما حققه الجيش "خطوة أولى" تسهل عبور قواته إلى مدن العاصمة الأخرى انطلاقاً من أم درمان ووصولاً إلى سلاح المدرعات ومنها جنوباً إلى منطقة جبل أولياء العسكرية.

وأم درمان واحدة من ثلاث مدن تشكل العاصمة السودانية مع الخرطوم والخرطوم بحري، وفيها يتحصن الجيش في مقر السلاح الطبي على الضفة الغربية للنيل الأبيض على مقربة من ملتقى مقرن النيلين، وكذلك في سلاح المهندسين الذي يبعد عنه بنحو خمسة كيلومترات.

سارع "الدعم السريع"، الذي يعتقد أنه يتشكل من 200 ألف فرد، للسيطرة على مواقع وأحياء سكنية بين هذين المقرين بعد قليل من اندلاع شرارة الاشتباكات في 15 أبريل الماضي. وسيطرت قوات حميدتي أيضاً على منطقة وادي سيدنا العسكرية في كرري في شمال أم درمان، ليحصل على نقطة ارتكاز مكنته يومياً من إطلاق القذائف شمالاً نحو مواقع ارتكازات الجيش بمنطقة الثورة في كرري وجنوباً نحو السلاح الطبي وسلاح المهندسين.

وعجز الجيش عن الوصول إلى قواته في هذا المربع طوال الأشهر الـ10 الماضية، كما عجز "الدعم السريع" عن اقتحام أي منها على رغم نجاحه في قطع الإمداد العسكري للجنود داخلها.

ويقول اللواء مجذوب، إن أم درمان كانت "شريان إمداد حيوياً" لـ"الدعم السريع" وكان على الجيش قطعه، مضيفاً، "تحقق هذا من خلال خطوات، أولها تعطيل جسر شمبات الذي يربط أم درمان بمدينة بحري ثم التقدم نحو منطقة أم درمان القديمة التي تشمل مقر الإذاعة والتلفزيون، من ثم قطع أي إمداد يصل لـ(الدعم السريع) من الحدود الغربية للمدينة ومنها إلى الخرطوم والخرطوم بحري".

وكان الجيش السوداني سعى مراراً لاستعادة السيطرة على مباني الإذاعة والتلفزيون في أم درمان من دون تحقيق نجاح يذكر.

ويتوقع الضابط السوداني السابق نجاح الجيش في السيطرة على الجسور الرئيسة بالعاصمة، إضافة إلى طريق شريان الشمال، الذي وصفه بأنه "أحد خطوط الإمداد لقوات (الدعم السريع) من الحدود الشمالية الغربية للبلاد"، متوقعاً أيضاً أن يسعى الجيش للسيطرة بعد ذلك على طريق التحدي الذي يربط العاصمة بولاية نهر النيل.

بعيداً من الحسم

بعد أكثر من 300 يوم من معركة تحذر الأمم المتحدة من خطورتها على مستقبل السودان، وعلى رغم احتفاء الجيش بزيارة البرهان إلى أم درمان، فإن المتخصصة في الشأن السوداني أسماء الحسيني تقول إن الأوضاع في السودان لا تزال بعيدة من الحسم لأي من طرفي الصراع.

وأضافت لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) أن زيارة البرهان لأم درمان تهدف في الأساس إلى رفع الروح المعنوية للجنود بعد الخسائر التي مني بها الجيش في أكثر من مكان وخسارة ولاية الجزيرة أمام قوات "الدعم السريع".

في نهاية العام الحالي، سيطر "الدعم السريع" على أجزاء واسعة من ولاية الجزيرة شمال العاصمة، في خطوة اعتبرت "نقلة كبيرة" في الصراع الدائر في جميع أنحاء السودان.

كما سيطر "الدعم السريع" على مدينة ود مدني في ولاية الجزيرة وهي ثاني أكبر مدن السودان، في أعقاب انسحاب الفرقة الأولى مشاة في الجيش السوداني من المدينة، وهي الخطوة التي وصفها سودانيون بالخيانة، بينما أعلن الجيش فتح تحقيق.

وتحدثت تقارير من ود مدني في أوائل العام الحالي عن انتشار عناصر "الدعم السريع" في كل مكان تقريباً وإقامة نقاط تفتيش في الشوارع الرئيسة وحول المقار الحكومية.

لكن الجيش السوداني لم يعلن قط نتيجة للتحقيق، واكتفى بنفي ما تردد عن اتهامات بتواطؤ عدد من كبار الضباط في الأمر.

وبخلاف ولاية الجزيرة، يسيطر "الدعم السريع" خارج العاصمة على خمس ولايات، أربع منها في إقليم دارفور، وذلك من إجمالي 17 ولاية سودانية.

وبينما تقول مصادر عسكرية إن معارك متقطعة تدور على تخوم ولايتي شمال وغرب كردفان، يبسط الجيش السوداني سيطرته على 12 ولاية هي الولاية الشمالية ونهر النيل في الشمال، وكسلا والقضارف والبحر الأحمر في الشرق، وسنار والنيل الأزرق في الجنوب.

وتعتقد أسماء الحسيني، الباحثة المتخصصة في الشأن السوداني، أيضاً أن فشل جميع المبادرات السياسية لحل الأزمة يدفع الطرفين لتحسين الأوضاع العسكرية على الأرض قبل أي مفاوضات مقبلة.

وتضيف "البرهان يريد أن يبعث للخارج برسالة مفادها أنه لا يزال مسيطراً على البلاد، بخاصة بعد عودة قائد قوات (الدعم السريع) محمد حمدان دقلو للظهور وقيامه أخيراً بجولة إلى دول أفريقية".

لكن الأفق لا يشي بأي محاولات للحل، بعد أن تسبب تمسك كل طرف بموقفه في انهيار فرص جمعهما في جيبوتي قبل أسابيع.

ولا ترى الباحثة المصرية أيضاً أي أفق لتوقف الحرب، وتقول إن الأمر في حاجة إلى ضغوط قوية ورغبة حقيقية من المجتمع الدولي لتحقيق ذلك.

وتابعت، "بعد هذه الأشهر الطويلة من الحرب والكر والفر، بات واضحاً أن كلا الطرفين منهك ويمنى بخسائر كبيرة، لكنه يسعى لتحقيق مكاسب على الأرض لتحسين فرصة في التفاوض، ولوقف هذه الدائرة على المجتمع الدولي أن يكون جاداً في فرض وقف إطلاق نار، وإجبار الطرفين على التفاوض لإنهاء الحرب".

وقالت أيضاً، "لن يستطيع أي طرف حسم الحرب لصالحه، لكن كلما طالت زادت الأخطار التي تهدد السودان، وبخاصة خطر التقسيم".

صلوات البابا فرنسيس

في كرري يقع أهم مقار الجيش السوداني في أم درمان على الإطلاق. فهناك مقار للدفاع الجوي ومطار وادي سيدنا، وهو إحدى أكبر القواعد العسكرية للجيش السوداني، وأحد أقدم المطارات العسكرية في البلاد، الذي تأسس عام 1967.

وشكل مطار وادي سيدنا، إلى جانب أهميته الاستراتيجية، مقراً لقيادة العمليات العسكرية التي يصل إليها البرهان بين الفينة والأخرى جواً من مطار بورتسودان، التي يتخذ منها قائد الجيش مقراً موقتاً بعد تسميتها بالعاصمة الموقتة.

وحاول "الدعم السريع" مرات عدة استهداف المطار بقذائف صاروخية بعيدة المدى أدت إحداها إلى إصابة طائرة إجلاء تركية في المطار في نهاية أبريل الماضي.

كان هذا قبل أربعة أشهر من وصول البرهان إلى بورتسودان والاستقرار بها كعاصمة بديلة للحكومة. وانتقلت البعثات الدبلوماسية والمنظمات الإنسانية بدورها إلى بورتسودان بعد أشهر من عمليات إجلاء الرعايا الأجانب والسودانيين المقيمين بالخارج.

ولم يكشف بيان الجيش السوداني عن المدة التي قضاها البرهان في أم درمان وولاية نهر النيل، لكنه عاد إلى بورتسودان التي تبعد بنحو 800 كيلومتر عن العاصمة، وتمثل البوابة البحرية الأكبر للبلاد بميناء يعد المنفذ الرئيس لاستيراد السلع الاستراتيجية وتصدير نفط جنوب السودان.

وبقيت بورتسودان بمنأى من أعمال العنف والقتال المتركز في العاصمة الخرطوم وضواحيها وإقليم دارفور غربي البلاد.

وعلى رغم أهمية ما تحقق للجيش في أم درمان، فإن مصدراً عسكرياً يقول إن البرهان سيبقى في بورتسودان في انتظار تحقيق ما هو أهم.

وأضاف المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته "لا غنى للبرهان وقيادات الجيش عن بورتسودان في الوقت الراهن. حتى الآن، لا نزال بعيدين من القول إن سيطرة كاملة تحققت في أم درمان".

من جانبه، ناشد بابا الفاتيكان، اليوم الأحد، طرفي الصراع في السودان إلى إنهاء الحرب المستمرة منذ 10 أشهر وتسببت في نزوح ملايين الأشخاص وأثارت تحذيرات من حدوث مجاعة.

وقال البابا فرنسيس، "أطلب مرة أخرى من الطرفين المتحاربين إنهاء هذه الحرب التي تلحق كثيراً من الضرر بالشعب ومستقبل البلاد".

وأضاف "دعونا نصلي من أجل إيجاد سبل السلام قريباً لمستقبل السودان الحبيب".

ولم تفلح الجهود الدبلوماسية حتى الآن في إنهاء الحرب الأهلية في السودان التي تدور رحاها بين القوات المسلحة وقوات "الدعم السريع" شبه العسكرية.

وفي كلمته الأسبوعية، اليوم الأحد، أشار البابا فرنسيس أيضاً إلى الصراعات في موزمبيق وأوكرانيا وإسرائيل والأراضي الفلسطينية.

وقال، "أينما يوجد قتال، يكون السكان منهكون، لقد سئموا من الحرب، التي تكون دائماً عديمة الفائدة وغير حاسمة ولن تجلب سوى الموت والدمار ولن تؤدي أبداً إلى حل المشكلة".

المزيد من متابعات