Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

في مهرجان برلين السينمائي لا مكان للمتطرفين

ينطلق اليوم في جو من التوتر وتكريم سكورسيزي يعوض الغياب الأميركي

قصر مهرجان برلين يغص بجمهور سينمائي (خدمة المهرجان)

مهرجان برلين السينمائي يفتتح هذا المساء دورته الرابعة والسبعين في جو يسوده التوتر والتجاذبات السياسية والخلافات العقائدية. فقبل أسبوع من انطلاق هذا الحدث الدولي البارز الذي يستمر من 15 إلى 25 فبراير (شباط)، قررت الإدارة سحب الدعوة إلى حضور حفلة الافتتاح التي كانت وجهتها إلى أربعة من أعضاء حزب "البديل من أجل ألمانيا" المُصنّف من الأحزاب اليمينية المتطرفة، بعدما تحولت تلك الدعوة مادة للجدال والأخذ والرد في الإعلام التقليدي وعلى وسائط التواصل الاجتماعي.

وتبين أيضاً أن استضافة هؤلاء، كانت موضوع خلاف حاد داخل أروقة المهرجان وفي صفوف فريق العمل. علّقت الادارة في بيان: "الالتزام بمجتمع حر ومتسامح والوقوف ضد تطرف اليمين هما الحمض النووي للمهرجان الذي خضع طوال عقود لقيم الديمقراطية وناهض كل أشكال التطرف اليميني. ويجسّد "البرليناله" كمؤسسة ثقافية بمجموعة الأفلام التي يعرضها، هذا التوجه. وقد أشرنا مراراً إلى أننا نتابع بقلق مدى تزايد معاداة السامية والاستياء من المسلمين وخطاب الكراهية وغيرها من المواقف المناهضة للديمقراطية والتمييزية في ألمانيا. (...) يتبنّى حزب "البديل من أجل ألمانيا" والعديد من أعضائه وممثّليه وجهات نظر تتعارض بشدة مع القيم الأساسية للديمقراطية: مطالبة بمجتمع متجانس، فرض قيود على الهجرة والترحيل الجماعي، عنصرية وتصريحات معادية للمثليين، رؤية تحريفية للتاريخ الألماني، هذا كله شديد الحضور في صفوف هذا الحزب. في زمن ينتقل فيه المتطرفون اليمينيون إلى البرلمانات، يود "البرليناله" تسجيل موقف صريح من خلال سحب هذه الدعوة". 

يأتي هذا الرفض لجهة سياسية في وقت يعاني المهرجان من صراعات على محاور عدة، مصدر أحدها الحرب على غزة التي تلقي بظلالها الثقيلة على الغرب عموماً وألمانيا خصوصاً. فبعد محاولة مفوّض الشؤون الثقافية جو شيالو فرض شروط على المؤسسات المستفيدة من المال العام تلتزم بموجبها عدم التعرض لدولة إسرائيل، مصنّفاً أي نقد للصهيونية في خانة معاداة السامية، قامت حملة كبيرة ضد هذه المبادرة بمقاطعة المؤسسات الثقافية الألمانية. ووفق المدير الفني للمهرجان كارلو شاتريان، فقط اثنان انسحبا منه بعدما كان تم اختيار أفلامهما، لكنه يوضّح أن ثمة لغطاً في هذا الصدد لأن "البرليناله" لا يتلقى دعماً من المدينة بل من الحكومة الفيدرالية الألمانية. وأشار إلى أن المهرجان للجميع بلا استثناء بل هو مكان للحوار بين الأضداد. ويحدث هذا كله في سياق سياسي شديد الانحياز لإسرائيل، فنتج منه حظر وتهميش ومحاولة إلغاء لعديد من الأصوات المناصرة للقضية الفلسطينية منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، ممّا أدى إلى استياء، خصوصاً في الوسط الثقافي، من هذا التضييق على الحريات التي تعيشه ألمانيا بشكل غير مسبوق.

سجال سياسي وفني

المسألة الأخرى التي أحدثت سجالاً منذ الإعلان عنها قبل أشهر، هي عدم رغبة الثنائي مارييته ريسنبيك (مديرة تنفيذية) وكارلو شاتريان (مدير فني)، اللذين يتوليان شؤون المهرجان منذ عام 2020 (الدورة التي شهدت تفشي كورونا) في الاستمرار على رأس "البرليناله"، بعدما تعرضا لضغوط من وزيرة الثقافة كلوديا روث التي في جعبتها مخططات أخرى على ما يبدو. شاتريان كان قد أعلن استقالته من إدارة المهرجان في سبتمبر (أيلول) الماضي، وهذه آخر دورة له، نتيجة رغبة وزارة الثقافة دمج وظيفتي المدير التنفيذي والمدير الفني، والعودة إلى النموذج الذي كان معمولاً به سابقاً في أيام المدير السابق ديتر كوسليك. كتب شاتريان يقول: "اعتقدتُ أن من الممكن تسهيل الاستمرارية إذا بقيتُ جزءاً من المهرجان، ولكن في إطار الهيكلة الجديدة، بات من الواضح تماماً أن الظروف التي تسمح لي بالاستمرار كمدير فني لم تعد قائمة". هذا الأمر لم يمر بلا انتباه، إذ وقّع نحو 300 شخصية سينمائية على بيان للمطالبة بإبقائه والاحتجاج على القرار، ومن بين الموقعين بعض الأسماء البارزة كمارتن سكورسيزي. في أي حال، فور انتهاء الدورة الحالية، سيصبح اسم كارلو شاتريان من الماضي، بعدما عُيِنت الأميركية تريسيا توتل خلفاً له، وهي كانت أدارت سابقا مهرجان لندن السينمائي. 

على مستوى البرمجة، هناك تغييرات في هذه الدورة تشمل خصوصاً عدد الأفلام الذي تم تخفيضه من 285 فيلماً في الدورة الماضية إلى نحو 200 في الدورة الحالية. والحق يُقال أن "البرليناله" كان أحد أكثر المهرجانات ازدحاماً حدّ أن الأفلام تتيه وسط الزحمة والكم. على رغم أن الجمهور ضخم إذ يتجاوز الـ400 ألف مشاهد في كل دورة، وهذا مرتبط بواقع أن المهرجان يُقام في مدينة ضخمة يقيم فيها نحو 4 ملايين نسمة. لكن التضخم الذي شهدته السنوات الماضية والتكلفة العالية للحياة، لا سيما بعد الصراع الروسي- الأوكراني، وعدم زيادة الموازنة المرصودة، جعلت المهرجان يلجأ إلى خيار إلغاء بعض الأقسام (في مقدّمها قسم مخصص للسينما الألمانية) والتقليل من عدد الأفلام المشاركة. إلا أن المسابقة لم تُمَّس، وعدد الأفلام المعروضة فيها هذا العام هو 20 وينطوي على عدد غير قليل من الأعمال التي تحمل تواقيع سينمائيين غير مكرسين أو لا يزالون في مقتبل مسارهم الفني، وسيتسابقون مع بعض الأسماء الكبيرة على "الدببة" الذهبية والفضية وغيرها من الجوائز التي تمنحها لجنة تحكيم، تترأسها الممثّلة المكسيكية من أصل كيني لوبيتا نيونغو في الرابع والعشرين من هذا الشهر.

من الأسماء المعروفة المشاركة في مسابقة هذا العام: الكوري الجنوبي هونغ سانغ سو والروسي فيكتور كوساكوفسكي والموريتاني عبد الرحمن سيساكو والفرنسيان برونو دومون وأوليفييه أساياس والألماني أندرياس درايسن، فيما تشارك التونسية مريم جوبار بفيلم هو العربي الوحيد في المسابقة، إذا ما اعتبرنا سيساكو غير عربي. من اللافت هذا العام الحضور الخجول للسينما الأميركية داخل المسابقة، فهناك فيلم أميركي واحد فقط، وهذا كان العيب الذي يشكو منه المهرجان في السنوات الماضية. يبدو أن الأميركيين باتوا يفضّلون سجادة "كانّ" الحمراء وسحر البندقية الذي لا يُقاوَم على برلين وشتائها القارص لترويج أعمالهم. إلا أن هذا الغياب يعوضه حضور المخرج الأميركي الكبير مارتن سكورسيزي الذي سيُسلَّم جائزة فخرية عن مجمل أعماله، وهي جائزة أُسندت إلى زميله ستيفن سبيلبرغ العام الماضي. حضوره لن يكون فقط لغرض التكريم، بل سيقدّم درساً، انطلاقاً من تجربته داخل جدران ما يُعرف بـ"مواهب البرليناله"، كما أنه سيعرض أحدث أعماله "صُنع في إنجلترا: أفلام باول و برسبرغر"، وهما المخرجان اللذان اكتشفهما مخرج "سائق تاكسي" عندما كان صغيراً وربطته بها علاقة خاصة جداً يروي فصولها في هذا العمل الوثائقي.

فيلم الافتتاح، "أشياء صغيرة كهذه"، مستوحى من رواية بالعنوان نفسه للروائية الإيرلندية كلير كوغان، من إخراج البلجيكي تيم ميلانتس (44 سنة) الذي يقدّم هنا فيلمه الروائي الطويل الثالث، علماً ان باكورته "باتريك" عن مغامرات طفل في مدينة عراة، كان لفت الأنظار. لكن مع جديده هذا الذي سنكتشفه هذا المساء، ينتقل إلى مستوى إنتاجي آخر، لكونه أعطى الدور الرئيس فيه للممثل كيليان مرفي المرشح حالياً لـ"أوسكار" أفضل ممثل عن دوره في "أوبنهايمر". تجري الأحداث في عام 1985، في الفترة التي تسبق عيد الميلاد في بلدة صغيرة في مقاطعة ويكسفورد، إيرلندا. يكدح بيل فورلونغ كتاجر فحم لإعالة نفسه وزوجته وبناته الخمس. في وقت مبكر من صباح أحد الأيام أثناء خروجه لتوصيل الفحم إلى الدير المحلي، يكتشف اكتشافاً يجبره على مواجهة ماضيه والصمت المتواطئ لمدينة تسيطر عليها الكنيسة الكاثوليكية.

 

اقرأ المزيد

المزيد من سينما