ملخص
مسلسل "أسياد الجو" هو قصة مأسوية عن طيارين أميركيين جمعتهم الأخوة ووحدة السلاح وأنهكهم الموت
في مراجعة نقدية قديمة للمسلسل الدارمي الحربي "عصبة الإخوة" Band of Brothers الذي انطلق عام 2001، اختار الكاتب البدء باقتباس للدكتور صموئيل جونسون من عام 1778 يقول فيه: "يستحقر كل إنسان نفسه لأنه لم يكن جندياً، أو لم يكن في البحر. تتمتع مهنة الجنود والبحارة بأنها تمنحك الكرامة من خلال مواجهة الخطر... تبجل البشرية أولئك الذين تغلبوا على الخوف، وهو ضعف عام للغاية". بعد قرون، صارت كلماته تبدو بالية وغير صحيحة إلى حد كبير، لكنها تتبادر إلى الذهن مرة أخرى عند مشاهدة المسلسل القصير الجديد "أسياد الجو" Masters of the Air على منصة "أبل تي في بلس".
ونجح مسلسل "عصبة الأخوة" والعمل الذي تلاه عام 2010 "الهادئ" The Pacific ببراعة في إحياء "السمعة الرفيعة للخطر" من خلال تصويرهما المثير والمشوق لأحداث الحرب العالمية الثانية. الآن، يعود المنتجان ستيفن سبيلبرغ وتوم هانكس مع الجزء الثالث من ملحمة الدماء والمجد الذي انتظره كثر بشغف - تدور أحداثه هذه المرة في سماء ألمانيا الملتهبة بالنيران. تستعمل المؤثرات الخاصة بوفرة في "أسياد الجو" حيث يستفاد بصورة جيدة من موازنة العمل التي يشاع أنها بلغت 250 مليون دولار (ما يعادل 196 مليون جنيه استرليني) - والتي استثمر جزء منها بلا شك لجذب مجموعة من ألمع الأسماء الجديدة في هوليوود مثل: أوستن بتلر (العائد حديثاً من غرايسلاند Graceland [مقر إقامة إلفيس بريسلي] بعد تجسيده شخصية إلفيس بريسلي في فيلم "إلفيس" Elvis)، وباري كوغان بطل فيلم "سولتبيرن" Saltburn، وكالوم تيرنر من مسلسل "الالتقاط" The Capture، وحتى دكتور هو شخصياً، نيكوتي غاتوا من السلسلة الشهيرة "دكتور هو" Doctor Who.
ويحكي العمل المكون من تسع حلقات والمستند إلى كتاب "أسياد الجو: قاذفو القنابل الأميركيون الذين خاضوا الحرب الجوية ضد ألمانيا النازية" Masters of the Air: America’s Bomber Boys Who Fought the Air War Against Nazi Germany الصادر عام 2006 للكاتب دونالد إل ميلر، قصة الرجال الذي كانوا في كتيبة قاذفات القنابل رقم 100، التي شكلت جزءاً من وحدة القوات الجوية الأميركية التي استدعيت لتعزيز التشكيلات المتناقصة للقوة الجوية الأميركية الثامنة في عام 1943.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحلق الطاقم بطائرات "بي-17" B-17 من ثورب أبوتس، قرب ديس في نورفولك، بين عامي 1943 و1945. خلال ذلك الوقت، كانت مهمتهم ضرب عمق الأراضي الألمانية - أو كما يعلن بنبرة تشاؤمية في المقطع الترويجي للمسلسل "مباشرة في أراضي هتلر". وكما أشار الصحافي والمؤرخ العسكري ماكس هاستينغز في صحيفة "تايمز"، الذي يشارك شخصياً كضيف شرف في العمل، اتخذ الأميركيون مساراً مختلفاً عن الذي تبنته قيادة قاذفات القنابل التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني. تمكنت الطائرات الأميركية المسلحة والمدرعة أكثر من الطائرات البريطانية من المهاجمة في وضح النهار (بدلاً من القيام بذلك تحت غطاء الليل)، وكانت تحلق في تشكيلات ضيقة اعتقدت أنها كافية للدفاع ضد هجمات المقاتلات. ويقول قائد الكتيبة 100 للشباب في المسلسل: "أريد تشكيلات متراصة جداً لدرجة أنك لن تكون قادراً على تمرير عملة معدنية واحدة من بين أطراف أجنحتنا". لكن تبين أن نظريتهم كانت خاطئة بشكل قاتل.
كما شكل الطقس الأوروبي المكفهر تحدياً لا يمكن التغلب عليه. وجد الطيارون، الذين اعتادوا على سماء كاليفورنيا وكولورادو الصافية، أنفسهم في مواجهة غيوم رمادية ورؤية ضعيفة، ومضطرين بصورة أساسية إلى القصف بشكل أعمى من ارتفاع 25 ألف قدم في الهواء (نحو 7.6 كم). وغني عن القول إن كفاءة هجماتهم أضعفت بشدة.
طوال عامي 1943 و1944، حلقت هذه القاذفات - التي عملت إلى جانب عديد من وحدات الدعم البريطانية والأميركية - فوق ألمانيا محققة أقل قدر من النجاح ومتكبدة أكبر قدر من الخسائر. هذه الطائرات التي كانت تحلق على ارتفاع منخفض مقارنة بالطائرات الأخرى، غالباً ما كانت أهدافاً سهلة لمقاتلي العدو والمدافع الأرضية. وشملت أهدافها خطوط النقل وخطوط الاتصالات ومرافق تخزين النفط ومحطات الطاقة والمدن الصناعية ومواقع الصواريخ ومصانع الأسلحة والمنشآت العسكرية في جميع أنحاء أوروبا. يرد في الموقع الإلكتروني للمتحف الإمبراطوري [البريطاني] للحرب أنه وعلى رغم أن الكتيبة 100 لم تكن "بارزة من الناحية الإحصائية" (على سبيل المثال، فازت مجموعات أخرى بمعارك أكثر وخسرت رجالاً أكثر)، فإن الوحدة أصبحت مشهورة بمعدل الوفيات الحاد المأسوي في غارات كانت قاتلة في كثير من الأحيان. عند التساؤل عما إذا كانت المجموعة تستحق لقبها الكئيب، قال الملاح الرئيس في الكتيبة 100، هاري كروسبي، ذات مرة: "لقد فقدت الجماعات الأخرى طائرات وأطقماً أكثر مما خسرنا. ما ميزنا هو أننا عندما كنا نخسر، كانت خساراتنا كبيرة".
ما بين الـ25 من يونيو (حزيران) من عام 1943 والـ20 من أبريل (نيسان) من عام 1945، شاركت كتيبة القنابل 100 في ما يزيد قليلاً على 300 مهمة، وتكبدت قرابة نصف خسائرها في ثمان منها. في المتوسط، أكمل الطاقم 11 مهمة فقط من أصل 25 مهمة كان مطلوباً منه إتمامها قبل السماح له بالعودة للوطن.
ويتمكن "أسياد الجو" من تصوير هذا الزخم بدقة عالية، ويتتبع الطيارين في قمرة القيادة وهم يتفادون القذائف والإصابات الناجمة عن الصقيع، وخصوصاً الموت - الذي لا يبدو بعيداً من المشهد أبداً. هناك سينمائية لا تقاوم: ملحمة تستعرض بطريقة نادراً ما ترى على الشاشة الصغيرة. الطائرات تحلق، ثم تتحطم وتحترق، إنها تحلق على ارتفاع منخفض ثم تصعد مجدداً، بينما يستعد الشباب في داخلها للأسوأ ويصلون من أجل الأفضل، ليس فقط لأنفسهم ولكن أيضاً لرفاقهم في السماء. إن عبارة جونسون عن "كرامة مواجهة الخطر" تتردد بصوت عال في مثل هذه المشاهد.
في الـ17 من أغسطس (آب) عام 1943، فوق مدينة ريغنسبورغ الجنوبية الشرقية الألمانية، فقدت الكتيبة 100 تسعة من أصل 22 طائرة طراز "فورترس" مشاركة في المهمة، أي ما يعادل مقتل 90 رجلاً (10 من كل طاقم). حصلت الكتيبة على أول تكريم وحدة متميزة عندما نفذت هجوماً هدف إلى إلحاق أضرار جسيمة بإنتاج الطائرات الألمانية. في أكتوبر (تشرين الأول) من ذلك العام، أرسلت 18 طائرة من كتيبة القنابل 100 لضرب أهداف في مدينة مونستر الألمانية. وبسبب استنفاد القوات، أرسلت 13 طائرة فقط، وهو عدد أقل بكثير من المجموعات الكاملة المكونة من 19 أو 21 طائرة. ومن بين تلك الطائرات الـ13، أسقطت 12 طائرة. امتلأت السماء بالقذائف والنيران، وعادت طائرة واحدة فقط بقيادة روبرت روزنتال البالغ من العمر 26 سنة حينها إلى إنجلترا، وإن كانت العودة بمحركين معطلين، وثقب كبير في أحد الأجنحة، وثلاثة مدفعيين مصابين.
وكذلك في أكتوبر، فقدت الكتيبة 100 نحو 100 رجل في ثلاث مهام فقط. حتى أولئك الذين عادوا إلى ديارهم ليجدوا الراحة في المناظر الطبيعية الريفية في المملكة المتحدة، ما لبثوا أن أرسلوا مرة أخرى إلى المعارك الجوية العنيفة مرة أخرى. على رغم تباين نجاحاتهم، فإنه احتفى برجال الكتيبة 100 لشجاعتهم في المضي قدماً على رغم الصعاب. لكن فقدان رفاقهم ترك أثراً نفسياً شديداً في هؤلاء الشباب. في مقالته لصحيفة "تايمز"، يتذكر هاستينغز كيف طلب من والدته، التي كانت محررة قسم المرأة في مجلة "بيكتشر بوست"، أن تصطحب فريقاً من الزميلات وعارضات الأزياء إلى حفل عيد ميلاد أقيم لبعض طياري قاذفات القنابل الأميركيين للمساعدة في رفع معنوياتهم. يكتب هاستينغز أن ما بدأ كمناسبة عرضية من المرح الاحتفالي، سرعان ما تحول إلى تجمع من الدموع والألم حيث انهار عديد من الطيارين عاطفياً.
في غالب الأحيان تقريباً كان الطيارون الناجون بعد إطلاق النار على طائراتهم يهبطون في أراضي العدو، حيث يجمعون وينقلون إلى معسكرات أسرى الحرب ليعيشوا طوال المدة المتبقية من الحرب. هذا ما حدث مع شخصيات واقعية مثل الرائد غيل "باك" كليفن والرائد جون "باكي" إيغان، بطلي "أسياد الجو"، ويجسدهما بتلر وتيرنر على التوالي. وتعرض الصديقان الحميمان اللذان اشتركا في القوات الجوية في تكساس عام 1940، لإسقاط طائرتيهما بفاصل يومين عام 1943 - فقط ليصادفا بعضهما بعضاً في معسكر "ستالاغ لوفت 3" الألماني لأسرى الحرب، إذ أسر إيغان بعد غارة مونستر المشؤومة في أكتوبر. على ما يبدو، استقبل كلفين صديقه عندما رآه بالسؤال: "لماذا استغرقت وقتاً طويلاً بحق الجحيم؟". تدور أحداث الحلقات الأخيرة من "أسياد الجو" داخل أسوار معسكرات اعتقال أسرى الحرب. ومع تقدم الحلفاء والاتحاد السوفياتي، كان إيغان وكليفن من بين نحو 10 آلاف سجين ساروا نحو مدينة سبريمبيرغ الشرقية. كان المسير طويلاً وشاقاً: مات المئات من البرد أو المرض أو كليهما. لكن الصديقين نجوا.
وكما وصف كروسبي في كتابه "جناح وصلاة: كتيبة قاذفات القنابل 100 اللعينة التابعة للقوات الجوية الأميركية الثامنة أثناء عملها فوق أوروبا في الحرب العالمية الثانية" A Wing and a Prayer: The Bloody 100th Bomb Group of the US Eighth Air Force in Action Over Europe in World War II، كان إيغان وكليفن "طيارين عسكريين مرحين، يرتديان قبعتيهما بشكل مائل خلف رأسيهما... يرتدي كلاهما وشاحاً أبيض، ممثلين روح الرومانسية". كما عرف عنهما أيضاً أنهما "كرها الانضباط" بخاصة.
من بين الطيارين الحقيقيين الآخرين الذين يظهرون في المسلسل أيضاً هناك الكابتن فرانك ميرفي (يجسده جوناس مور)، الذي يروي كتابه "حظ القرعة: قصتي في الحرب الجوية في أوروبا" Luck of the Draw: My Story of the Air War in Europe وقتاً قضاه مع الكتيبة 100، بما في ذلك تجربة هبوطه بالمظلة من طائرته المحترقة إلى منطقة هولسهاوزن الزراعية في شمال شرقي ميونيخ. تركز إحدى حلقات "أسياد الجو" على وحدة "طياري تاسكيجي"، أول وحدة طيران مكونة بالكامل من السود في التاريخ العسكري الأميركي، التي يشكل النقيب الحقيقي فيها روبرت دانيالز جزءاً مهماً من القصة (يجسده في المسلسل غاتوا).
وسيجد عشاق مسلسلي "عصبة الإخوة" و"الهادئ" تفاصيل كثيرة يمكنهم الاستمتاع بها في "أسياد الجو" الذي وصف (بشكل إيجابي) بـ"النسخة الجوية من ’عصبة الإخوة‘". فالمعارك الجوية مصورة بشكل مذهل، وتنبض بزخم لا يمكن تصديقه يجعل المرء يأمل أنه في الأقل يفي الأحداث الواقعية حقها بعض الشيء.
لكن الأهم من كل ذلك، أن المسلسل يضفي إحساساً بالأخوة. قبل القبض عليه في أكتوبر 1943، كان إيغان حاضراً في غارة ريغنسبورغ المشؤومة قبل أشهر، عندما سقطت تسع طائرات من أصل 12 طائرة. كانت طائرته من بين الثلاث التي نجت، وهبط كما هو مخطط له في شمال أفريقيا. وكما ورد في الموقع الإلكتروني لمتحف الطيران الأميركي، قال إيغان عند رؤية رفاقه: "لم أعش قط مثل هذا الشعور بالأخوة الذي شعرت به عندما هبطنا. تصافح الجميع وصفع بعضهم بعضاً بمرح على ظهورهم، ثم وقفوا بثبات على تلك الأرض الطيبة الصلبة". "أسياد الجو" عمل متألق حتى وسط مآسيه.
يمكنكم مشاهدة "أسياد الجو" الآن على منصة "أبل تي في بلس"
© The Independent