Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تجارة "بيتكوين" مصر... وهم طائر بأجنحة الثراء

شركات الوساطة تخدع راغبي جمع الثروات سريعاً وتبيع لهم العملات المشفرة على رغم أن القوانين تحظرها

بيزنس "بيتكوين" والعملات المشفرة في مصر محظور بلا رقابة وضحاياه بالجملة (اندبندنت عربية)

ملخص

بيزنس "بيتكوين" والعملات المشفرة في مصر محظور بلا رقابة وضحاياه بالجملة.

على رغم التحذيرات والنداءات المتكررة من الجهات الحكومية والرقابية في مصر بضرورة تجنب الاستثمار في سوق العملات الافتراضية المشفرة لما ينطوي عليه من أخطار عالية وعمليات نصب واحتيال مالي، إلا أن تلك السوق شهدت تنامياً واسعاً خلال الآونة الماضية واتسعت أنشطة المتعاملين فيها بصورة متزايدة.

وبدا ذلك جلياً في اعتراف عدد من الدول والشركات العامة والخاصة بهذه العملة الافتراضية وصلاحيتها لكل أنواع التعاملات المالية والتجارية، مما يشكل بدوره تهديداً واضحاً باعتبارها تمثل اقتصاداً موازياً يهدد الاقتصاد الرسمي المطبق في كل دولة، وفقاً للضوابط والمعايير الاقتصادية والمالية المحددة من البنوك المركزية والمصارف المالية المتنوعة.

"اندبندنت عربية" حاولت اختراق دهاليز عالم العملات الافتراضية المشفرة للتعرف على كيفية اصطياد محترفي النصب والاحتيال المالي ضحاياهم عبر شبكات الإنترنت، وما هي الأدوات التي يلجأون إليها لإغراء العملاء والدوافع وراء لجوء كثير من الشباب للاستثمار في تلك المنصات التي لا تخضع لأية رقابة من أية جهة حكومية؟ ولماذا ارتبط اسم تلك العملات بالجرائم المحظورة وغير المشروعة بالمخالفة للقانون؟

مغامرة تنتهي بضياع الأموال

بين عشية وضحاها تبدلت حياة "أحمد.ع" رأساً على عقب، وتحولت أحلامه إلى سراب بعد سقوطه فريسة لمحترفي عصابات النصب والاحتيال المالي عبر شبكات الإنترنت، بعد أن قاده حظه العاثر إلى خوض مغامرة الاستثمار في سوق العملات المشفرة والتي انتهت بخسارته أمواله.

ويروي الشاب الثلاثيني الذي يقطن في حي الهرم بمحافظة الجيزة في شهادته "بدأت خوض تجربة الاستثمار في العملات المشفرة قبل أسابيع عدة حينما تلقيت رسالة أنه بالإمكان تحقيق مكاسب وأرباح مالية طائلة أثناء وجودي في المنزل، ولا يتطلب الأمر أي مجهود سوى الضغط على اللينك المرفق مع الرسالة، فقررت خوض المغامرة وقمت بالضغط على اللينك ودخلت على نظام مخصص لشراء العملات المشفرة وكنت أتعامل فيه مع وسطاء طوال الوقت".

ويكمل أحمد حديثه "مع كل خطوة شراء لتلك العملات كنت أحصل على نسبة من الأرباح يتم صرفها في التوقيت نفسه وتحويل الأموال عبر خدمة فورية محلياً، وكان هناك كثير من المتعاملين غيري في هذا النظام يشترون بأرقام كبيرة بعضها يقدر بـ100 ألف جنيه (3236 دولاراً) و200 ألف جنيه (6473 دولاراً)، وبعد تحقيق مكاسب وأرباح قررت استكمال المغامرة لجني أرباح ومكاسب أكبر وشعرت أنني سأحقق كل ما أحلم به".

ويضيف الشاب الثلاثيني "عقب إتمام عمليات الشراء لأكثر من عملة والحصول على أرباحها المالية أدخلني الوسيط لمرحلة أخرى جديدة تستلزم إتمام أربعة مهمات من أجل الحصول على نسبة ربح عالية تقدر في النهاية بـ 70 ألف جنيه (2265.35 دولار)، وكانت المرحلة الأولى تتطلب شراء عملات تصل قيمتها إلى 2000 جنيه (64 دولاراً) والثانية بـ 4 آلاف جنيه (129 دولاراً)، والثالثة بـ7 آلاف جنيه (226 دولاراً)، والأخيرة بـ25 ألف جنيه (809 دولارات)، وقمت بخوض المراحل الثلاث ودفعت أموالي لشراء العملات المطلوبة، وحينما وصلت للمرحلة الرابعة لم أتمكن من خوضها لأنه لم يكن معي قيمة المبلغ المطلوب آنذاك".

 

ويواصل، "طالبت الوسيط بالحصول على نسبة الربح ولكنه رفض وأكد أنه لابد من تجاوز المرحلة الرابعة للحصول على الأرباح كاملة، فطالبت بالمبالغ التي قمت بدفعها خلال المراحل السابقة ولكنه لم يستجب أيضاً ولم يرد على رسائلي في ما بعد، وهنا شعرت أنني تعرضت لعملية نصب واستيلاء على أموالي، وفوجئت بتكرار وقائع النصب مع عدد من المتعاملين غيري على هذا النظام نفسه".

اصطياد المستخدمين

هوس الثراء السريع وجني أرباح طائلة دفع أيضاً أحمد فرغلي (اسم مستعار) المقيم في الإسكندرية إلى خوض تجربة الاستثمار في إحدى منصات العملات المشفرة للتعدين والاستثمار.

ووفقاً لشهادة فرغلي، "تعرفت على المنصة من خلال إعلان ترويجي على ’فيسبوك‘ وقررت المشاركة في تلك المنصة التي تعمل في مجال بيع معدات الإنتاج وبرامج وأجهزة إلكترونية نظير باقات تبداً من 10 دولارات وتصل إلى 1000 دولار، وكانت قيمة الدولار على المنصة تُعادل 20 جنيهاً آنذاك، فاخترت أن تكون بداية الاشتراك بمبالغ ضئيلة كنوع من التجربة في مقابل تأجير آلات ومعدات بعائد يومي ثابت، وكلما كانت الأرباح تتزايد كلما كانت استثماراتي المالية في المنصة تتزايد".

ويضيف فرغلي، "بلغت قيمة استثماراتي في المنصة نحو 75 ألف جنيه (2426 دولاراً)، ولكنني فوجئت مع مرور الوقت وتزايد نسبة استثماراتي بتنصل مسؤولي المنصة من دفع الأرباح في المواعيد المحددة والتهرب من سدادها عكس ما كان يحدث طوال الفترة السابقة، وأحسست أنني أتعرض لعملية نصب ممهنجة، فقمت بتحرير محضر بالواقعة وإثبات تلك الوقائع، ولكن المفاجأة التي اكتشفتها في التحقيقات أن تلك العصابات الإجرامية تقوم بتهريب الأموال التي حصلت عليها من جميع المشاركين في المنصة وتداولها عبر سوق العملات المشفرة مثل "بيتكوين" لكي يصعب تتبعهم ومراقبتهم".

ويحظر قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي المصري الصادر بالقانون رقم (194) لسنة 2020 إصدار عملات مشفرة أو نقود إلكترونية أو الاتجار فيها والترويج لها من دون الحصول على ترخيص بذلك، إذ تنص المادة (206) من قانون البنك المركزي المصري على أن "يحظر إصدار العملات المشفرة أو النقود الإلكترونية أو الاتجار فيها أو الترويج لها أو إنشاء أو تشغيل منصات لتداولها أو تنفيذ الأنشطة المتعلقة بها من دون الحصول على ترخيص من مجلس الإدارة"، كما تنص المادة (205) على أن "يلتزم مقدمو التمويل الرقمي المقترن بتقديم خدمة دفع أو تحصيل إلكتروني بالحصول على موافقة البنك المركزي قبل تقديم هذه الخدمات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى مدى العامين الماضيين استطاعت الأجهزة الأمنية ضبط كثير من التشكيلات العصابية العاملة في مجال الاتجار في العملات الافتراضية المشفرة بالمخالفة للقانون، ففي سبتمبر (أيلول) 2022، ألقت الأجهزة الأمنية القبض على عاطل أدار صفحة عبر "فيسبوك" وروج من خلالها لبيع عملات أجنبية والاتجار في العملة الافتراضية "بيتكوين"، وبعد مداهمة مكان اختبائه عثر بحوزته على مبالغ مالية من عملات محلية وأجنبية وعدد من الأجهزة تستخدم كمنصة تعدين عملات افتراضية، وفي فبراير (شباط) من العام نفسه ضبطت الأجهزة الأمنية أربعة أشخاص لقيامهم بالوساطة لبيع وترويج العملات الافتراضية بين مرتادي شبكة الإنترنت، وذلك بحجم تعاملات بلغ قرابة 5.5 مليون جنيه (161817 دولاراً).

وفي أغسطس (آب) 2023 ضبطت الأجهزة الأمنية أحد الأشخاص المقيمين في محافظة الإسكندرية وقد تخصص في بيع وشراء العملات الافتراضية على شبكة الإنترنت بالمخالفة للقانون، وعُثر بحوزته على 106 أجهزة تعدين للعملات الافتراضية وجهاز حاسب آلي، وقدرت أفعال الغسل من متحصلات نشاطه الإجرامي بمبلغ 3 ملايين جنيه (97091 دولاراً).

خلايا عنقودية

وفي هذا السياق يقول مساعد وزير الداخلية السابق لأمن المعلومات محمود الرشيدي إن الجرائم التي ترتكب بسبب العملات المشفرة مثل "بيتكوين" تندرج تحت بند النصب والاحتيال والأموال العامة، وهي جرائم أشبه بخلايا عنقودية لا يمكن تتبعها أو مراقبتها أو معرفة أصحابها، موضحاً أن هذا البيزنس غير معترف به كونه تجارة غير منظورة ولا يوجد سند أو ضامن لها.

ويضيف مساعد وزير الداخلية السابق أن تلك العملات أصبحت تستخدم على نطاق واسع من قبل كل من يتعامل في أمور غير مشروعة مثل العصابات الإجرامية والتنظيمات الإرهابية والجماعات المتطرفة، وحتى بالنسبة إلى وكالات الاستخبارات العالمية، إذ يستخدمونها من خلال الجزء الأعظم والغالب في شبكة الإنترنت والذي يعرف بالـ (DARK NET).

ويشير الرشيدي إلى أن هناك كثيراً من المواقع المتخصصة التي تعمل في مجال الاتجار في هذه العملات سواء على الإنترنت أو مواقع التواصل الاجتماعي، مردفاً أن "أصحاب تلك المنصات يصطادون دائماً ضحاياهم من خلال منحهم أرباحاً خيالية خلال المراحل الأولى من الاستثمار ثم الاستيلاء على أموالهم والاختفاء نهائياً"، موضحاً أن الخطورة في سوق العملات المشفرة تكمن في صعوبة معرفة من يديرون هذا البيزنس غير الشرعي، وهو ما يجعل نسبة الأخطار عالية، وقال "لا يوجد جان ينجح في جريمته إلا بطمع المجني عليه وجهله".

ويوضح مساعد وزير الداخلية السابق لأمن المعلومات أن "بيتكوين" تعتبر أشهر وأقوى العملات الافتراضية المشفرة المتداولة عبر شبكة الإنترنت العالمية، ويحتاج استخدامها إلى اتصال شبه دائم بشبكة الإنترنت الدولية، وتتأثر بجودة تلك الخدمة التي كثيراً ما تتعرض لأعطال عمدية وغير عمدية لأسباب واعتبارات فنية وجغرافية، ولا تكون مغطاة بأي غطاء ذهبي أو ضمان أو دعم من الدولة أو البنوك ممن لا يعترفون بها أو يبيحون التعامل من خلالها، وحتى في هذه الأحوال لا يمكنهم تحقيق ضمانات أكيدة في حال التعرض لأي خسائر.

وعن تاريخ نشأة "بيتكوين" يقول الرشيدي إن التعامل الفعلي بهذه العملة الافتراضية على شبكة الإنترنت بدأ عام 2009 وكان سعر الصرف الخاص بها لا يتعدى جزءاً ضئيلاً من قيمة الدولار الأميركي، ثم اختفت عام 2010 وعادت للظهور مرة أخرى خلال الأعوام القليلة الماضية بضمانات تأمينية وحمائية أقوى مما كانت عليه، وبخاصة في تأمين العملة ذاتها بعلامات خاصة تجذب احتمال الصرف المتكرر للحيلولة دون إمكان نسخها.

وبحسب الرشيدي فإن "بيتكوين" عملة افتراضية لا وجود لها إلا على شبكة الإنترنت، وعند البدء في استخدام التطبيق الخاص بالعملة تنشأ حافظة إلكترونية للمستخدم عبر الإيميل الإلكتروني ويخصص له التطبيق حافظة ذات عنوان خاص ومشفر، وغالباً ما يكون مكوناً من 25 أو 26 حرفاً ورقماً تأكيداً للسرية والخصوصية، ويخصص لكل حافظة إلكترونية كلمة سر خاصة ولا يمكن لأحد الإطلاع أو التعامل بهذه المحفظة الإلكترونية إلا من خلال عنوانها الإلكتروني المشفر وكلمة السر الخاصة، ولا يمكن أن يستدل منها على أية بيانات خاصة بالمتعاملين وطبيعة المعاملة.

وأقر القانون المصري رقم (194) لسنة 2020 عقوبات صارمة في شأن إصدار العملات المشفرة أو النقود الإلكترونية أو الاتجار فيها أو الترويج لها أو إنشاء أو تشغيل منصات لتداولها أو تنفيذ الأنشطة المتعلقة بها دون الحصول على ترخيص، تضمنت أن يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تجاوز 10 ملايين جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من خالف أیاً من أحكام المواد (63) و (184) و (205) و (206) من هذا القانون.

هوس الثراء السريع

فيما يقول الخبير الاقتصادي مصطفى بدرة إن أخطار العملات المشفرة كبيرة وتحدث فيها عمليات تلاعب واحتيال مالي ونصب على المواطنين، وأصبحت تستخدم في جرائم عدة مثل غسل الأموال وتجارة السلاح، موضحاً أن الرغبة في الثراء السريع هو السبب الرئيس وراء انتشار عمليات النصب والاحتيال بسبب تلك العملات المشفرة وظهور كثير من "المستريحين".

ووفقاً للمتحدث فإن "بيتكوين" عبارة عن معادلات تتم عبر الحاسب الآلي ولا يعرفها إلا المتعاملون في هذه السوق ومن يتداولون بها، ولا تخضع لرقابة الأجهزة المعنية أو أية قوانين، مشيراً إلى أن تلك العملات لا يتداول عليها داخل مصر ولا يوجد تقدير لها مثل أسواق الذهب أو الأسهم أو السندات، وتحمل نسبة أخطار عالية للغاية، مردفاً "كل سوق لها درجة أخطار ولكنها تختلف بحسب المدة الزمنية والتضحية والقدرة على التداول"، مشيراً إلى أن بعض الدول أصبحت تتعامل بتلك العملات المشفرة ولكن تحت رقابة البنوك المركزية.

تجريم التتبع

ويعضد الطرح السابق حديث مصطفى أبو جمرة، وهو خبير معلوماتي وعضو منتدب لمنصة (Big Brother Analytics)، والذي يوضح أن العملات المشفرة مجرمة في كثير من الدول وغير معترف بها نظراً لعدم وجود رقابة عليها أو غطاء لها مما يجعل الحكومات تخشى التعامل بها أو طرحها للاستثمار، في حين أن بعض البلدان اعترفت بها وأقرتها مثل دولة الإمارات العربية المتحدة، وبات التعامل بها يحدث بصورة طبيعية.

وكشف أبو جمرة عن استخدام بعضهم تلك العملات في العمليات غير المشروعة مثل جرائم الاغتيال وغسل الأموال وغيرها من الأعمال المحظورة والمخالفة للقانون، مرجعاً ذلك لصعوبة تتبع تلك العملات أو وجود جهة تراقبها مما يسمح لضعاف النفوس باستغلالها عبر الإنترنت.

وأضاف خبير نظم المعلومات أن كثيراً من المواطنين يتلهفون لشراء تلك العملات المدرجة في سوق العملات المشفرة، ومع مرور الوقت يتعرضون لوقائع نصب واحتيال، مشدداً على ضرورة تجنب التعامل في سوق العملات المشفرة تفادياً للتعرض للنصب والاحتيال المالي، وكونها تحمل أخطاراً عالية في الاستثمار.

وكان رئيس هيئة الرقابة المالية محمد عمران أطلق تحذيرات أواخر ديسمبر (كانون الأول) عام 2017 حول أخطار دعوات الانسياق وراء العملات الرقمية وما يرتبط بها من تعاملات في ضوء أنها غير خاضعة لرقابة أية جهة داخل مصر، وتشكل تحايلاً على المنظومة النقدية الرسمية الخاضعة للرقابة وما يرتبط بها من قوانين مكافحة غسل الأموال، مضيفاً أن الهيئة لم ترخص أو تقنن تلك العملات الرقمية أو المنتجات المرتبطة بها، ولا توافق على التعامل فيها أو استخدامها.

وأكد عمران أن الدخول في هذا النوع من الأدوات عالية الأخطار يعد نوعاً من المقامرة، وأن من يتعامل بتلك العملات معرض لفقدان كامل أمواله عند تقبله لهذه الدرجة العالية من الأخطار، مع التأكيد على أن تلك العملات الرقمية غير خاضعة لرقابة أي من البنوك المركزية حول العالم أو لرقابة أية جهة أخرى، كما أنه من الوارد أن يقع المستثمرون فيها داخل شباك القراصنة أو يتعرضون لخسائر ضخمة في أي وقت.

المزيد من تحقيقات ومطولات