Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تحقيق لـ"بلومبيرغ" يكشف عن دهاليز تهريب الوقود الليبي إلى أوروبا

الاستيلاء على الناقلة "كوين ماجدة" في المياه الألبانية فتح نافذة على تجارة بـ5 مليارات دولار في الوقود الروسي المهرب

يستفيد المهربون للنفط الليبي من فرق السعر بين الوقود المدعوم من الحكومة وما يباع في السوق السوداء (أ ف ب)

ملخص

خلص التحقيق الذي استغرق عام من البحث إلى أن 40 في المئة من الوقود الذي تستورده ليبيا يتسرب من خلال التجارة غير المشروعة

نشرت وكالة "بلومبيرغ" تحقيقاً مطولاً بعنوان، "ملحمة السفينة كوين ماجدة"، رصدت من خلاله آفة تهريب النفط الليبي في غياب الشفافية والمساءلة، في الدولة التي لا تزال تمزقها الصراعات الداخلية للفوز بالسلطة. بدأت الوكالة العالمية، القصة بسرد أحداث وقعت في صباح صاف من سبتمبر (أيلول) 2022، حين غادرت السفينة "كوين ماجدة"، وهي ناقلة وصفتها بـ"ناقلة باهتة اللون باللونين الأزرق والأبيض"، محملة بزيت الغاز البحري، تبلغ قيمتها أكثر من مليوني دولار، ميناء بنغازي الليبي وانطلقت إلى بورتو رومانو في ألبانيا، على بعد 600 ميل بحري إلى الشمال.

تعامل القبطان الليبي البالغ من العمر 55 سنة، زهير الكوفي، مع الرحلة مثل الرحلات السابقة التي قام بها، فكان لديه شهادة موقعة توضح أن الوقود نشأ في ليبيا من "شركة البريقة لتسويق النفط"، وهي ذراع المؤسسة الوطنية للنفط المملوكة للدولة، وبعد أربعة أيام، عندما دخلت "كوين ماجدة" المياه الألبانية، رأى الكوفي قارباً صغيراً يظهر في الأفق، كما روى لاحقاً. كانت سفينة تابعة لخفر السواحل، وعندما صعد أحد الضباط على متنها، قدم له الكوفي الشاي بينما كان ينظر إلى وثائق الشحن. قال الكوفي، "الضابط قال إنه لا توجد مشكلة، ثم جاءت إلى جانبهم سفينة أكبر لخفر السواحل، عندها أدركت أن هناك خطأ ما."

ووجد المفتشون الألبان أنه حتى خزانات المياه ضخت بالكامل بآلاف الجالونات من زيت الغاز، واشتبهوا في أن الوثائق التي تظهر الوقود الذي مصدره ليبيا مزورة. وكانت هناك علامة حمراء واحدة وهي أن "شركة البريقة" تتعامل مع الوقود داخل ليبيا، في حين أن المؤسسة الوطنية للنفط هي الكيان الوحيد المصرح له باستيراد وتصدير المنتجات البترولية، في الدولة الأفريقية التي مزقتها الصراعات.

تلقى الكوفي تعليمات بأخذ "كوين ماجدة" إلى ميناء دوريس، إذ كان ينتظرها صف من سيارات الشرطة، واقتيد وبعض أفراد طاقمه المكون من 10 أفراد إلى مركز الشرطة، ووجهت إليهم تهمة التهريب.

وقال المدعون الألبان وأفراد الطاقم إن المتلقي المقصود هي شركة "كاستاراتي غروب أس أتش دوت إيه"، وهي شركة طاقة تدير شبكة من محطات الوقود في جميع أنحاء البلاد، ولم يكن مالك السفينة، رجل الأعمال الليبي، نوري الذوادي، الذي يظهر في ملفه الشخصي على "فيسبوك" وهو يصور مع سيارات ويخوت أجنبية. وقامت شركته "إلداوادي شيبيتغ ليميتد"، بتشغيل السفينة "كوين ماجدة" خارج تركيا حتى أوائل عام 2022، وهي الآن مسجلة في جزر مارشال، وفقاً لقاعدة بيانات المنظمة البحرية الدولية. وفي يونيو (حزيران) 2022، تغير علم السفينة من ليبيا التي اعتبرتها الصناعة البحرية مدرجة على القائمة السوداء بسبب افتقارها إلى الرقابة إلى الكاميرون.

وأكدت "كاستاراتي" في رسالة بالبريد الإلكتروني أنها تلقت شحنات من زيت الغاز البحري من السفينة "كوين ماجدة" في شهري يوليو (تموز) وأغسطس (آب) الماضيين، لكن الشركة قالت إنها لا تملك عقد شراء للشحنة التي كانت تحملها السفينة الليبية وقت احتجازها. وقالت متحدثة باسم الشركة، "أجرت مجموعة كاستاراتي كل المعاملات التجارية بمنتهى النزاهة والشفافية"، في حين لم يستجب الدوادي لطلبات التعليق من "بلومبيرغ".

وتقول الوكالة العالمية، إن احتجاز السفينة أثار تساؤلات حول تهريب الوقود المزعوم أكثر ممن من يقف وراءه؟ وما مدى انتشار السرقة؟ لماذا كان من الممكن أن يحدث؟ ومن أين أتى الوقود، وأين كانت الأموال تذهب؟

وأشارت إلى أن الأمر استغرق ما يقرب من عام للإجابة عن هذه الأسئلة، لكن تحقيقاً أجرته استناداً إلى سجلات الشحن والمقابلات مع مسؤولين ليبيين، وأشخاص مطلعين على أعمال النفط الليبية وأفراد الطاقم، وجد أن ما يصل إلى 40 في المئة من الوقود الذي تستورده البلاد بموجب برنامج دعم حكومي، أو حوالى 5 مليارات دولار سنوياً، يتسرب من خلال التجارة غير المشروعة، ويأتي معظم هذا الوقود المستورد من روسيا، ويحول إلى دول في أوروبا التي حظرت استيراد تلك المنتجات نفسها.

وقال مدير التحقيقات في شركة "سنتري"، تشارلز كاتر، "أدى إغلاق الأسواق الأوروبية في أعقاب الهجوم الروسي على أوكرانيا، والعقوبات الغربية التي تلت ذلك، إلى زيادة حادة في صادرات النفط الروسي المكرر إلى شمال أفريقيا، وهي منطقة تعاني ندرة المصافي". ونشرت منظمة غير ربحية مقرها واشنطن، تقريراً عن تصاعد الفساد والأنشطة غير المشروعة في ليبيا، وقدمت المساعدة البحثية لهذه القصة، قائلة "يرتبط هذا التدفق من الواردات النفطية ارتباطاً مباشراً بعمليات تهريب الوقود المزدهرة في ليبيا".

وكان ميناء دوريس، وهو أكبر ميناء في ألبانيا، هادئاً بشكل مخيف بعد ظهر يوم الثلاثاء الحارق في يوليو الماضي، وكانت الرافعات الصفراء والزرقاء التي تنقل الحاويات عاطلة عن العمل، ولم يكن من الممكن رؤية سوى عدد قليل من العمال، وسط الحرارة المنبعثة من الأرصفة، وفي الطرف الشرقي للميناء، كانت السفينة "كوين ماجدة" مربوطة بالرصيف رقم اثنين.

وتقول "بلومبيرغ"، "10 أشهر مضت، منذ أن دخلت السفينة إلى الميناء، فيما شوهت خطوط الصدأ بدنها، وكان يجلس على مقدمة السفينة كرسي معدني وحيد ذو ظهر نايلون مهترئ، وبالقرب من الجسر، حيث عادة ما يعثر على ضباط السفينة، علق عدد قليل من القمصان والمناشف من حبل الغسيل المثبت".

أجاب الكابتن الكوفي عن أسئلة "بلومبيرغ" عبر تطبيق "واتساب"، ونفى ارتكاب أية مخالفات، قائلاً إن التحقق من الأوراق ليس من مهماته، وأوضح أنه عين في أبريل (نيسان) 2022 بعقد مدته خمسة أشهر في مقابل 3500 دولار شهرياً، مضيفاً "نحن عمال بموجب عقد بيننا وبين الشركة، نحن لسنا أصحاب السفينة أو الشحنة. لا أعرف لماذا يحتجزوننا".

وكان القبطان أشار إلى أنه سيكون على استعداد للتحدث أكثر شخصياً، لكنه توقف عن إرسال الرسائل في يونيو الماضي، ولم يعثر عليه في أي مكان بعد ظهر ذلك اليوم في دوريس، وبدلاً من ذلك، خرج كبير ضباط السفينة، عماد الشعلة من مدخل أعلى ممر صدئ، وكان متردداً في التحدث في البداية، قائلاً إنه لا يريد إزعاج مالك السفينة، الذي قال إنه كان يدفع أتعاب محام يمثل الطاقم.

لكن خلال الأيام القليلة التالية، شارك شعوره باليأس قائلاً "بعد ستة أشهر في السجن، سمح لي ولأفراد الطاقم الآخرين بالعودة للسفينة تحت الإقامة الجبرية"، مضيفاً أنه افتقد ابنته التي ولدت قبيل إبحاره من بنغازي، وكانت تقترب من عيد ميلادها الأول.

وبدأ الشعلة، وهو بحار ذو خبرة من طرابلس، العمل على السفينة "كوين ماجدة" في يوليو 2022، وقال إن السفينة سلمت شحنات إلى ألبانيا في يوليو وأغسطس الماضيين، من دون وقوع حوادث، وإنه فوجئ عندما احتجزت في سبتمبر الماضي، قائلاً "كان الأمر نفسه، الأوراق نفسها، والمشتري نفسه، نحن لم نفعل أي شيء خاطئ".

المحققون الألبان يرون قصة مختلفة

لكن المحققين الألبان يروون قصة مختلفة، فبحلول رحلة "كوين ماجدة" الأخيرة، كانت لديهم معلومات استخبارية تشير إلى أنها كانت تبحر بوثائق مزورة، واشتبهوا في أن الوقود، لو دخل ألبانيا، كان سيباع محلياً في محطات الوقود، وربما إعادة تصديره إلى دول أخرى، وفقاً لمسؤول في إنفاذ القانون طلب عدم الكشف عن هويته لأن القضية مستمرة.

وليس بعيداً من المكان الذي رست فيه سفينة "كوين ماجدة"، يوجد مبنى من طابقين مع العلم الإيطالي عند المدخل، وهو موقع لقوة شرطة تحقق في الجرائم الاقتصادية والمالية. ويعمل أفراد الجيش الإيطالي هناك بشكل وثيق مع خفر السواحل الألباني لمراقبة الأنشطة المشبوهة على البحر الأدرياتيكي، الذي يفصل بين البلدين.

 

وعلى مر السنين، حقق المكتب في الاتجار بالمخدرات والبشر، وفي عام 2022، بدأ الضباط في رؤية اتجاه آخر، إذ انخرطت سفن الصيد الألبانية في عمليات نقل من سفينة إلى أخرى في البحر، مع حصول القوارب على شحنات الوقود المهربة من ليبيا.

سفن الصيد الألبانية تشتري الوقود الليبي المدعوم

ليبيا التي تمتلك أكبر احتياطيات نفطية في أفريقيا، لديها طاقة تكرير صغيرة، لذلك تستورد شركة النفط الوطنية الوقود بأسعار السوق وتبيعه للمواطنين بخصم كبير، مما يمنحه عملياً كمنفعة اجتماعية، مما يخلق فرصاً للمهربين لبيعه بأسعار أعلى.

وفي يناير (كانون الثاني) 2023، ساعدت قوة الشرطة التي تحقق في الجرائم الاقتصادية والمالية، في القبض على سفينتي صيد، "جيني" التي ترفع العلم الألباني، وقارب يرفع العلم الليبي، لنقل الوقود باستخدام أنابيب مطاطية، وفي المحصلة، أحبطوا خمس عمليات لتهريب الوقود منذ الحرب الروسية في أوكرانيا، وفقاً للمقدم دافيد دابونتي، الذي كان مسؤولاً عن المخفر في دوريس حتى الشهر الماضي.

وقال دابونتي في مقابلة أجريت معه في مكتبه المطل على الميناء، "أصبحت المشكلة واضحة للغاية منذ الحرب الروسية، ففي الماضي، كانت جريمة صغيرة، قوارب الصيد، والصيادون هم الذين يستفيدون بشكل مباشر. والآن نشهد تزايداً وتدويلاً لهذه الظاهرة، مع تورط الجريمة المنظمة أيضاً".

وقال المحامي الذي يمثل مالك السفينة "جيني"، إلير ماليندي، إن من الممارسات الشائعة أن تذهب سفن الصيد الألبانية إلى ليبيا لشراء الوقود المدعوم بحوالى 25 سنتاً للتر. وأضاف أن كل سفينة صيد ألبانية تقريباً جهزت بسعة تخزين إضافية لجلب الوقود على متنها، مشيراً إلى أن مالك السفينة "جيني"، قام برحلات عدة إلى طرابلس لبيع الأسماك وشراء الوقود لتشغيل قاربه، ودفع ببراءته من تهمة تهريب البضائع الخاضعة للضريبة الانتقائية، ولم يتحدد حتى الآن موعد للمحاكمة.

وتقول "بلومبيرغ نيوز" في تحقيقها إن حال السفينة "كوين ماجدة" توحي بشيء أكبر، كما لم يذكر المدعون الألبان مصدر الوقود، لكنهم يزعمون أنه جرى الاتجار به بشكل غير قانوني، فيما يواجه القبطان وأفراد الطاقم الثلاثة أحكاماً بالسجن تصل إلى 10 سنوات، وسمح لستة آخرين بالعودة لبيوتهم.

وكان لشعلة وأفراد الطاقم الذين ما زالوا على متن السفينة الحرية في القدوم والذهاب كما يحلو لهم، وهو ترتيب غير عادي نظراً إلى خطورة الاتهامات، فهم استخدموا دراجة هوائية لشراء البقالة، لكن في الغالب كانوا يهتمون بمولدات السفينة وغيرها من المعدات. وكانت السفينة "كوين ماجدة" لا تزال محملة بالوقود الذي لم يسلم مطلقاً، وكانوا بحاجة إلى التأكد من عدم وجود تسربات أو أخطار نشوب حريق، إذ كانوا يعيشون مع حمولة يحتمل أن تكون قابلة للانفجار.

وكان الكوفي، القبطان، اشتكى عبر تطبيق "واتساب" من أنه وطاقمه كانوا بيادق عالقين في وسط صراع على السلطة بين الأذرع المتنافسة للمؤسسة الوطنية للنفط الليبية، وقال "جعلوني أبدو كرجل مافيا، كان بإمكاني رفع المرساة والهرب، ولو كان لدي ما أخفيه لحاولت الهرب".

لكن الكوفي رفع المرساة، وفقاً للمدعين العامين، إذ غادر السفينة ذات صباح في أواخر يونيو الماضي، ولم ترد الرسائل منه منذ ذلك الحين.

ليبيا ومحاربة آفة تهريب الوقود

كان رئيس ديوان المحاسبة الليبي خالد شكشك، وهو هيئة الرقابة المالية الحكومية، أحد المسؤولين القلائل الذين أبدوا استعداداً للحديث عن تهريب الوقود، واتفق على الاجتماع مع "بلومبيرغ نيوز" في سبتمبر الماضي، في فندق في تونس العاصمة الساحلية المجاورة لبلاده، على بعد حوالى ساعة جواً من طرابلس، وصل حليق الذقن ويرتدي بدلة رمادية كرجل في مهمة، مع ثلاثة مساعدين ومجلد من المستندات التي أشار إليها خلال المقابلة.

وكان شكشك، الذي ترأس ديوان المحاسبة على مدى العقد الماضي، ينفذ حملة للقضاء على آفة تهريب الوقود، وهي المشكلة الراسخة التي تفاقمت منذ انهيار نظام معمر القذافي في عام 2011، مما أدى إلى صراع مستمر بين الفصائل العسكرية المتنافسة وأمراء الحرب والشبكات الإجرامية.

وفي عام 2017، كشف المدعون العامون في إيطاليا ومالطا عن شبكة إجرامية دولية هربت وقود الديزل إلى السفن في مالطا، ثم إلى السوق الأوروبية في نهاية المطاف. وتتعلق القضية بنجم كرة قدم مالطي سابق، وميليشيا ليبية مسلحة، وشركة شحن إيطالية والمافيا، بحسب المدعين الإيطاليين.

وبحلول مايو (أيار) 2022، لاحظ مسؤولو شركة النفط الوطنية نمطاً من تجارة الوقود المهرب من ليبيا إلى تركيا، لكنهم لم يتمكنوا من إيقافه، وفقاً للوثائق التي اطلعت عليها "بلومبيرغ". وفي مذكرة بتاريخ الـ10 من مايو الماضي، إلى النائب العام الليبي، قال رئيس المؤسسة الوطنية للنفط السابق في ليبيا مصطفى صنع الله (قالت حكومة عبدالحميد الدبيبة في عام 2022 إنها استبدلته وعينت رئيساً جديداً في مقر الشركة، لكن صنع الله قال إن المسؤولين التنفيذيين والشركات التابعة للمؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا ما زالوا يعترفون به رئيساً)، إن ثلاث سفن، بما في ذلك "كوين ماجدة"، تنقل شحنات وقود غير قانونية، وحث المدعي العام على اتخاذ الإجراءات اللازمة.

وانتشر برنامج الوقود المدعوم في ليبيا، الذي بدأ في عهد القذافي في أواخر السبعينيات انتشر في السنوات القليلة الماضية، وفقاً لشكشك، وقفز بأكثر من 70 في المئة إلى 62 مليار دينار (12.8 مليار دولار) في السنة المالية 2022، من 36 مليار دينار (7.4 مليار دولار) في 2021، وكان هذا ما يقرب من نصف الموازنة الوطنية، وكان في طريقه لأن يصبح أكبر في عام 2023، وجرى تهريب ما يصل إلى 40 في المئة من ذلك، أي حوالى 5 مليارات دولار في عام 2022، وفقاً لتقديرات مكتب التدقيق التي شاركها شكشك مع "بلومبيرغ".

كانت تقديرات البنك المركزي الليبي أعلى من ذلك، إذ قال إن  التهريب كلف البلاد 30 مليار دينار (6.2 مليار دولار) في عام 2022.

وقال رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط الليبية الحالي، فرحات بن قدارة، في يوليو 2022، عبر البريد الإلكتروني، إن تهريب الوقود يمثل "مشكلة كبيرة" لكنه لا يستطيع تقديم تقدير لحجم السرقة أو قيمتها، وقال إن مؤسسته طلبت من شركة "البريقة" تركيب أنظمة تتبع بنظام تحديد المواقع العالمي (GPS) لمساعدة السلطات في التحقيق، وأوصت الحكومة بإعادة النظر في برنامج الدعم الخاص بها.

ودعا شكشك إلى استبدال الدعم بدفع مبلغ مقطوع قدره 1000 دولار لعائلات لتلبية احتياجاتها من الطاقة، وقال إن "سياسة دعم الوقود بشكلها المطبق حالياً هي هدر للمال العام، واستنزاف لموارد الدولة. إنه ينشر الجريمة وعدم المساواة في توزيع الموارد ويقوض الديمقراطية".

الافتقار للشفافية

وفي بلد لا يضم سوى عدد قليل من المؤسسات القوية وتهيمن عليه الميليشيات والولاءات القبلية، سعى شكشك إلى محاسبة من هم في السلطة، وأدت عمليات التدقيق التي أجراها إلى إيقاف أو إقالة عشرات المسؤولين بسبب الفساد، وإساءة استخدام الأموال العامة وقضايا الحوكمة، وانتقد مراراً وتكراراً البنك المركزي وشركة النفط الحكومية بسبب افتقارهما إلى الشفافية، وهي ادعاءات دحضها البنك وشركة النفط علناً.

نجا شكشك من محاولة لإقالته في عام 2014، وفي عام 2017، دعا إلى رقمنة برنامج الدعم كوسيلة للحد من النفقات، بحيث تمنح العائلات الليبية بطاقة شحن محملة مسبقاً يمكنهم استخدامها لشراء الوقود بأسعار مدعومة، في نقاط البيع في جميع أنحاء البلاد، وبمجرد استنفاد الأسر لمخصصاتها الشهرية، سيطلب منها شراء الوقود بأسعار السوق، إلا أن الاقتراح لم يذهب إلى أي مكان.

وقال شكشك إن المؤسسة الوطنية للنفط لديها نظام محاسبي ضعيف، لا يتوافق مع المعايير الدولية، وليس لديه رؤية كاملة لما تفعله الشركات التابعة لها، وقال إن ليبيا تواصل استيراد مزيد من الوقود المكرر الذي لا يصل أبداً إلى المواطنين، وكان البرنامج يهدف إلى مساعدتهم، وفعلت البلاد ذلك على رغم انكماش الاقتصاد بنسبة 1.2 في المئة في عام 2022، وفقاً لتقديرات البنك الدولي.

وأضاف أن كميات كبيرة من الوقود تهرب لدرجة أن الليبيين في بعض المناطق الجنوبية والحدودية يقفون لساعات في طوابير طويلة، لتزويد سياراتهم بالوقود أو شراء الوقود من السوق السوداء بأسعار متضخمة. وقال شكشك "إن عدداً كبيراً من المواطنين والأسر لا يستفيدون، بخاصة ذوي الدخل المحدود، مما يؤدي إلى فقدان برنامج الدعم غرضه. المستفيدون الحقيقيون من هذا الدعم هم أصحاب الشركات والمصانع والسيارات الفاخرة، مما ينتج منه ظلم في توزيع موارد الدولة".

وأضاف أن النشاط الوحيد الذي يفسر ارتفاع الواردات هو ارتفاع التهريب.

التهريب يمكن أن يهز الأسواق العالمية

ويمكن للتهريب أن يهز الأسواق العالمية، ففي يناير الماضي أجبرت الاحتجاجات في حقل الشرارة النفطي، التي اندلعت جزئياً بسبب نقص الوقود، المؤسسة الوطنية للنفط الليبية على إغلاق المنشأة لمدة ثلاثة أسابيع، وساعد إغلاق أكبر حقل نفط في البلاد، الذي يمكن أن ينتج حوالى 300 ألف برميل يومياً، في رفع أسعار النفط الخام أكثر من ثلاثة في المئة في ذلك الأسبوع.

في حين كلف سحب الوقود الليبي البلاد حوالى 750 مليون دولار في عام 2018، وفقاً لرئيس المؤسسة الوطنية للنفط الليبية آنذاك مصطفى صنع الله، الذي لم يستجب لطلبات التعليق من "بلومبيرغ". وفي عام 2021، عندما رفضت الحكومة تخصيص مزيد من الأموال للوقود المدعوم، ونفذ برنامجاً يمكن من خلاله استبدال الخام الليبي غير المعالج بالوقود من شركات الطاقة الأجنبية، وسيغطي مشتري النفط الخام أي فرق في السعر.

التهريب ومليارات اليورو من عوائد الضرائب المفقودة

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويكلف التهريب الدول الأوروبية مليارات اليورو من عائدات الضرائب المفقودة، ويستفيد المهربون من فرق السعر بين الوقود المدعوم وما يباع في السوق السوداء. وعلى رغم أن ليبيا ليست الدولة الوحيدة في المنطقة التي تقدم الدعم، إلا أن سعر وقودها مخفض للغاية مما يجعلها هدفاً مناسباً، وأدت حرب روسيا مع أوكرانيا إلى فارق أكبر ي الأسعار. وفي حين يدفع الليبيون قرشاً واحداً فقط في مقابل لتر البنزين، أي نحو واحد في المئة من سعر السوق، فإن المستهلكين في أوروبا يدفعون نحو دولارين.

ووفقاً لشركة "سيسبا"، وهي شركة سويسرية تدير برنامجاً لوضع علامات على الوقود لتحديد التجارة غير المشروعة، ويقدر المسؤولون الإيطاليون أن ما يصل إلى 20 في المئة من الوقود المستخدم للنقل في عام 2021 يأتي من السوق السوداء، وذلك بشكل رئيس من خلال الواردات غير القانونية التي تتهرب من الضرائب بنحو 3 مليارات دولار سنوياً.

وقال شكشك "أصبحت هذه الآن قضية فساد كبرى، لقد تحولت من تهريب على نطاق صغير يقوم به أفراد إلى جريمة منظمة تنفذها مجموعات ذات قوة ونفوذ، باستخدام ناقلات النفط والشاحنات الكبيرة".

وقال المحلل في "تشاتام هاوس"، تيم إيتون، وهي منظمة غير ربحية مقرها لندن "من الواضح أن المستفيدين من تهريب الوقود كانوا يتحركون أعلى وأعلى في السلسلة الغذائية. الآن لديك جماعات مسلحة تبيعها، وأصبحت على نحو متزايد جريمة عابرة للحدود الوطنية تتورط فيها السلطات في ليبيا".

وفي اجتماع متلفز في نوفمبر الماضي، اتهم رئيس الوزراء الليبي عبدالحميد الدبيبة "شركة البريقة"، التي تستقبل الوقود المستورد وتسلمه لشركات النقل لتوزيعه، بالإسهام في ارتفاع تهريب الوقود من خلال تقديم طلبات كبيرة للمنتجات النفطية، وهذه هي الشركة نفسها التي كان اسمها موجوداً في وثائق الشحن الخاصة بالسفينة "كوين ماجدة".

من جانبه وصف رئيس "شركة البريقة" فؤاد علي هذه الادعاءات بأنها "لا أساس لها من الصحة"، وفي مقابلة مع "بلومبيرغ" في يناير الماضي، قال إن الشركة تجمع، ولكنها لا تدقق في طلبات الوقود للوكالات الحكومية الرئيسة، إنما تمررها للموافقة على الموازنة، وهي ليست مسؤولة عن نقل الوقود بعد تسليمه لشركات التوزيع. ليس هناك ما يكفي من الرقابة".

أضاف "لا توجد متابعة من أي طرف، ونحن قلقون للغاية في شأن تهريب الوقود، فالوضع سيزداد سوءاً في المستقبل ما لم يتم القيام بشيء ما، لكن البريقة تفتقر إلى الاختصاص والسلطة".

ولم يرد مكتب الدبيبة على أسئلة "بلومبيرغ" المتعلقة بـ"البريقة" ولا وزارة المالية الليبية.

اقرأ المزيد

المزيد من البترول والغاز