Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تغيب المناظرات السياسية عن شاشاتنا العربية؟

تشكل مناسبة يتعرف خلالها الناخبون إلى قدرات المرشحين الاتصالية وبرامجهم لمعالجة المشكلات التي تواجهها دولهم أو كيفية إدارة العلاقات الخارجية

تعتبر المناظرات التلفزيونية جزءاً لا يتجزأ من حملة المرشحين الرئاسية في كثير من الدول (رويترز)

ملخص

بدأت هذه المناظرات التلفزيونية عام 1960 في الولايات المتحدة الأميركية بين المرشحين الديمقراطي جون كيندي، والجمهوري ريتشارد نيكسون

مع بدء العد التنازلي للانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية، يزداد الترقب للمناظرات التلفزيونية، التي عادة ما تشكل نزالاً قوياً بين المتسابقين إلى البيت الأبيض.

والولايات المتحدة ليست البلد الوحيد، الذي يعرف تنظيم مناظرات تلفزيونية بين المتنافسين على دفة الرئاسة أو مقاعد البرلمان في العالم، حيث تنظم دول أخرى عدة مناظرات على غرار فرنسا.

لكن ذلك يثير تساؤلات: لماذا تغيب هذه المناظرات عن الشاشات العربية؟ وعلى رغم أن الإجابة قد تبدو سهلة في بادئ الأمر، إذ يحتم وجود مناظرات كهذه حداً أدنى من الانفتاح السياسي يغيب اليوم عن دول عربية عدة، فإن مراقبين وباحثين يرون أن هناك أسباباً أخرى كامنة وراء ذلك.

ثلاثة أسباب

تكتسي المناظرات التلفزيونية أهمية كبيرة خصوصاً أنها تشكل مناسبة يتعرف خلالها الناخبون إلى قدرات المرشحين الاتصالية وبرامجهم التي يطرحونها لمعالجة المشكلات التي تواجهها دولهم أو كيفية إدارة العلاقات الخارجية وغير ذلك.

بدأت هذه المناظرات التلفزيونية عام 1960 في الولايات المتحدة الأميركية بين المرشحين الديمقراطي جون كيندي، والجمهوري ريتشارد نيكسون، واللافت أن هذه المناظرات يتعدى الاهتمام بها الحدود الأميركية أو الفرنسية إلى كل أنحاء العالم، لكن لماذا تغيب عن الشاشات العربية؟

يجيب الباحث اليمني في علوم الإعلام والاتصال، عبدالله سالم باخريصة، قائلاً "هناك ثلاثة أسباب، أولاً عدم معرفة القائمين على وسائل الإعلام بأهمية المناظرات في الدول الديمقراطية... أما في الدول ذات الحكم الواحد فلا توجد انتخابات أصلاً لذلك تكون وسائل الإعلام متحكماً فيها من قبل السلطة، ويبقى أول سبب هو مدى وجود تعددية سياسية تفرض نوعاً من التنافس الذي يمكن أن يطرح في المناظرات".

وأردف باخريصة في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، "ثانياً، المرشحون نفسهم ليست لهم القدرة الكافية على إدارة المناظرات (..) ربما حججهم قاصرة وأسلوب حوارهم ضعيف وغير متمكنين من أساليب الاتصال الحديثة الموجودة في دول مثل الولايات المتحدة أو غيرها".

وتابع أن "ثالثاً، الجمهور يشكل دافعاً رئيساً من دوافع الامتناع عن اعتماد المناظرات التلفزيونية، فغالب الشعوب العربية ليست معتادة على هذا النمط من الاتصال السياسي، وربما تكون تونس استثناء في اعتماد هذا الشكل وحتى على مستوى التداول السلمي على السلطة".

وبالفعل، تعتبر المناظرات التلفزيونية جزءاً لا يتجزأ من حملة المرشحين الرئاسية، وأي زلة أو حركة جسدية غير مدروسة بعناية قد تضعف المرشح في مشواره الانتخابي قبل توجه الناخبين إلى صناديق الاقتراع.

وتوصف هذه المناظرات، التي تمتد في غالب الأوقات لمدة ساعة ونصف الساعة، بالعملية الاتصالية الاستعراضية للمرشحين أمام الجمهور. لكن في السنوات الماضية مع تصاعد الشعبوية في الدول الغربية لجأ عديد من المرشحين إلى الكذب، وهو ما طرح تحدياً آخر أمام مديري هذه المناظرات خصوصاً أنه تبث على الهواء مباشرة.

ارتباط وثيق بالديمقراطية

ويرى باحثون في علوم الإعلام والاتصال أن المناظرات التلفزيونية باعتبارها شكلاً من أشكال الاتصال السياسي، لا يمكن أن تكون بمعزل عن الديمقراطية والتعددية السياسية وهو أمر يغيب عن الدول العربية.

وشكلت تونس في السنوات الماضية استثناءً عربياً على هذا المستوى، إذ شهدت مناظرات تلفزيونية عدة يبقى أبرزها تلك التي عرفتها عام 2019 بعد ترشح 26 مرشحاً لهذا الاستحقاق، قبل أن يصل إلى الدور الثاني الرئيس الحالي قيس سعيد ورئيس حزب "قلب تونس" وقطب الإعلام نبيل القروي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وشدت المناظرات التي جمعت القروي وسعيد في الدور الثاني أنظار عشرات الملايين في العالم العربي، خصوصاً أنها شملت ملفات حساسة على غرار العلاقات الخارجية وكيفية انتشال تونس من أزمتها الاقتصادية التي تتخبط فيها منذ أعوام.

واعتبر الباحث في علوم الإعلام والاتصال التونسي، الواثق بالله شاكير، أن "المناظرات تقليد مرتبط أساساً بالديمقراطية، وتتطلب مشاركة سياسية واهتماماً بالشأن العام وكيفية إدارته، وهذا ربما مقارنة بالولايات المتحدة أو غيرها من الدول الديمقراطية يعد منحسراً في الدول العربية، ونجاح هذه المناظرات يتطلب بيئة ديمقراطية وتوفير تكافؤ الفرص بين المرشحين وشفافية، وهذا يوفر ميزات أهمها أن الناس تعرف من هم المرشحون المتنافسون".

وأكد أن "في البيئة الديمقراطية يعتبر الإعلام أحد أهم أعمدتها بمختلف منصاته، ويمكن للشعب من خلال الإعلام أن يعرف من هم المرشحون وبرامجهم مما يساعد المواطن على اختيار الشخص الذي يراه مناسباً".

ورأى شاكير أن "ما يحدث في الدول العربية هو أنه لا توجد ديمقراطية، وحتى الحديث عن الاستثناء التونسي فإنه لا يمكن اعتباره استثناء كون هذه التجربة لا تزال في طور الانتقال الديمقراطي، لذلك تعتبر الديمقراطية شرطاً أساسياً لتنظيم مناظرات كهذه".

ولفت المتحدث إلى أن "هناك نقطة أخرى فارقة في تنظيم هذه المناظرات هي إعداد الجمهور والرأي العام لها خصوصاً في دول تشهد عزوفاً عن الاستحقاقات الانتخابية والاهتمام بالشأن العام".

وختم بالقول إن "هناك مثالاً في هذا الإطار، فقد عرفت تونس بعد فترة من الاستقطاب السياسي الحاد والخصومات، مناظرة بين الرئيس الحالي قيس سعيد ومنافسه في الدور الثاني نبيل القروي، وهي مناظرة حظيت باهتمام كبير لأن الجميع كان ينتظر بشغف من سيحكم تونس مما يعني أنه يجب تهيئة الجمهور والناخبين لمناظرات كهذه".

وفي خضم ترسخ حالة العزوف الشعبي عن الاستحقاقات السياسية في الدول العربية، والأزمات التي تئن تحت وطأتها بعض وسائل الإعلام والتي لم تبق بمنأى عن التجاذبات السياسية، فإنه من غير الواضح ما إذا سيتم مستقبلاً الاستعانة بالمناظرات التلفزيونية في إدارة التنافس على السلطة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير