ملخص
الاقتصاد الروسي يتجاوز العقوبات ويحقق نمواً ربما أكبر من بعض الدول الغربية التي تفرض العقوبات على موسكو
تفاخر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام حشد من أنصاره، الجمعة الماضي، في مدينة تولا، التي تعد عاصمة الصناعات العسكرية الروسية، بأن اقتصاد بلاده "تمكن من هزيمة العقوبات الغربية" التي فرضت على موسكو بسبب حرب أوكرانيا.
كانت التوقعات في بداية فرض العقوبات غير المسبوقة أن ينهار الاقتصاد الروسي، بخاصة مع تشديد العقوبات ومحاولة عزل روسيا عن النظام المالي والتجاري العالمي.
في كلمته قال الرئيس الروسي، "لقد توقعوا الهبوط، والفشل والانهيار، وأننا سنتراجع ونستسلم وننكسر". وأضاف بوتين "لن ينجحوا، فاقتصادنا ينمو على عكس اقتصاداتهم"، مشيراً إلى أن اقتصاد بلاده لم يصمد فقط أمام العقوبات القاسية التي فرضها الغرب، بل إنه "أصبح الآن أكبر من اقتصاداتهم باستثناء اقتصادين فقط".
يذكر أن تقرير البنك الدولي بتصنيف الناتج المحلي الإجمالي للدول على أساس القدرة الشرائية الصادر أخيراً أظهر تقدم الاقتصاد الروسي على الاقتصاد الألماني، أكبر اقتصاد في دول منطقة اليورو. ويبدو أن صندوق النقد الدولي يتفق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إذ أعلن أخيراً عن رفع توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي لروسيا هذا العام 2024 من 1.1 في المئة توقعها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إلى نمو بنسبة 2.6 في المئة، أي بزيادة بنسبة 1.5 في المئة عن تقديرات نهاية العام الماضي.
إنفاق الحرب
يقول كثر من الاقتصاديين، الذين لم تحدث توقعاتهم بانهيار الاقتصاد الروسي، بحسب تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" إن روسيا ربما تمكنت من تفادي تأثير العقوبات باستمرار تصدير الطاقة على رغم الحظر الغربي، ويرجعون نمو الناتج المحلي الإجمالي في قدر كبير منه إلى زيادة الانفاق العسكري الروسي، لكن الرئيس بوتين قال في خطابه إن "كل صناعة لدينا قامت بواجبها".
بالفعل، زادت روسيا الإنفاق العسكري بنحو ثلاثة أضعاف عما كان عليه في عام 2021، وهو العام السابق على بدء حرب أوكرانيا. وأصبح نحو ثلث الموازنة الروسية موجه للمجهود الحربي، ففي العام الماضي 2023، خصصت الحكومة الروسية 9.6 تريليون روبل (أكثر من 105 مليار دولار) من الموازنة للإنفاق على الحرب، أما مخصصات هذا العام فتصل إلى 14.3 تريليون روبل (157 مليار دولار).
وخلصت ورقة بحثية لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي إلى أن الزيادة الهائلة في الإنفاق العسكري تمثل "عتبة مفصلية في تطور روسيا ما بعد الشيوعية". وكان عدد من المسؤولين الاقتصاديين الروس قد حذروا بالفعل من أن الزيادة الكبيرة في الإنفاق الحكومي تزيد من أخطار "غليان" الاقتصاد في المستقبل، إلا أن ذلك الإنفاق يحافظ على معدلات نمو طبيعية حتى الآن، على رغم العقوبات الاقتصادية غير المسبوقة على موسكو.
ولدى عرضه موازنة الإنفاق العسكري على نواب مجلس الدوما (البرلمان) في سبتمبر (أيلول) الماضي، استخدم وزير المالية أنطون سيلوانوف أحد الشعارات السوفياتية إبان الحرب العالمية الثانية حين وصف الموازنة بأنها "كل شيء للجبهة، كل شيء للنصر".
وفي لقاء له مع مجموعة من رجال الصناعات العسكرية، الجمعة الماضي، وعدهم الرئيس بوتين بأن "يضمنوا وجود طلبات (على منتجاتهم) لسنوات مقبلة، مما يعني أن الحكومة الروسية ستواصل زيادة الإنفاق العسكري، بل وأشار الرئيس الروسي إلى أن وزارة الدفاع الروسية تدفع للموردين من منتجي الأسلحة والعتاد العسكري نسبة 80 في المئة من قيمة المشتريات مقدماً.
عائدات الطاقة
ما مكن الحكومة الروسية من تلك الزيادة الهائلة في الإنفاق العسكري هو استمرار تدفق عائدات صادرات الطاقة الروسية من الغاز والنفط الخام ومشتقاته على رغم العقوبات الغربية والحظر الأوروبي على استيراد الطاقة من موسكو، وفرض الدول الغربية سقف سعر للنفط الروسي بهدف حرمانها من عائدات تسهم في تمويل حربها في أوكرانيا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع أن عائدات روسيا من مبيعات الطاقة تراجعت العام الماضي 2023 بنسبة تصل إلى الربع عما كانت عليه في العام السابق 2022، فإنها تظل إلى من المتوسط السنوي لعائدات 10 سنوات من قبل، ووصلت عائدات صادرات الطاقة الروسية العام الماضي إلى 8.8 تريليون روبل (97 مليار دولار).
إضافة إلى عائدات صادرات الطاقة، لجأت الحكومة الروسية إلى إجراءات غير تقليدية لزيادة موارد الخزانة العامة، من قبيل ضرائب ورسوم استثنائية مثل "التبرعات الطوعية" التي على الأعمال والشركات الغربية دفعها حين تقرر مغادرة السوق الروسية. تقول الباحثة في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي إلينا ريباكوفا، "يكتسب النظام (الروسي) الصلابة من كونه يجلس على تل من النفط... يبدو الاقتصاد الروسي الآن مثل محطة بنزين بدأت تنتج دبابات".
تقدر وزارة المالية الروسية أن حجم التحفيز المالي المرتبط بالحرب في موازنة 2022 - 2023 وصل إلى نسبة 10 في المئة من الناتج المحلي، ومع أن الإنتاج في قطاع الصناعات العسكرية ارتفع بنسبة 35 في المئة، إلا أن الإنتاج في الصناعات غير العسكرية لم يشهد نمواً يذكر، بحسب كثر من المراقبين.
يظل هناك خطر أن يؤدي هذا الإنفاق الهائل، على رغم انعكاسه إيجاباً على الاقتصاد عموماً، إلى اختلالات قد تصبح مشكلة فيما بعد، فضلاً عن أن الإنفاق الحكومي الكبير جعل معدلات التضخم لا تنخفض كما ينبغي، إذ تصل حالياً إلى ما بين 7 و7.5 في المئة.