Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جرائم الظل في المغرب... من أمن العقوبة أساء الأدب

كثير من الحوادث لا يتم التبليغ عنها لأسباب عدة منها أحياناً عدم اهتمام الشرطة

شهد عام 2023 انخفاضاً ملحوظاً في المظهر العام للجريمة بالمغرب (أ ف ب)

"فاجأني شخصان ذات ليلة وأنا عائد من العمل بعد إغلاق محلي الخاص بالحلاقة، بأن أوقفاني بالقوة قبل أن ينهالا عليَّ بالضرب، ليسرقا مني هاتفي المحمول الجديد، ولكنني لم أجرؤ على إبلاغ الشرطة بما تعرضت له"... هكذا يتذكر ياسين ما حصل له قبل أسبوعين في أحد الأحياء الشعبية بضواحي العاصمة المغربية الرباط.

يندرج ما وقع لهذا الشاب المغربي ضمن ما يمكن تسميته "جرائم الظل"، وهي الجرائم التي لا يتم التبليغ عنها من طرف الضحايا، ولا يتم تقديم شكاوى في شأنها لدى أجهزة ومصالح الأمن، بسبب الخوف من التشهير، أو الخشية من انتقام المعتدي، أو تفادي طول الإجراءات الأمنية، وغيرها من الدوافع.

جرائم ظل

يعود الشاب ياسين ليقول إنه أحجم عن وضع شكاية أمنية ضد الشخصين اللذين اعتديا عليه بسرقة هاتفه بالعنف، على رغم تذكره ملامحهما، وسهولة التعرف إليهما، لكونهما "معروفين بجرائم النشل والسرقة في الأحياء الشعبية المجاورة".

وعزا ياسين هذا الإحجام عن التبليغ لما جرى له قرب مركز الشرطة في حيه ضاحية الرباط، إلى الخوف من انتقام المعتديين. وقال "لا يمكنني أن أغامر بنفسي وحياتي لمجرد سرقة هاتف يمكنني تعويضه مستقبلاً، لأن اللصين لا شك سينتقمان مني أو من أفراد أسرتي، إذا ما تسببت لهما في السجن".

وأضاف أنه يسمع عن عديد من الضحايا الذين لا يفكرون في التبليغ عما تعرضوا له من جرائم النشل أو التعنيف في الشارع، الذين قرروا الركون إلى الصمت والاستسلام للسبب نفسه، هو تجنب انتقام المعتدي.

من جهتها، تقول السيدة فتيحة، أم في نهاية عقدها الرابع، إن ابنتها تعرضت للتغرير من طرف شاب حاول هتك عرضها من دون أن يفلح في ذلك، لكنها لم تبلغ عن هذه الجريمة، مخافة "نظرة الناس وخصوصاً الجارات"، على حد قولها.

وتكمل هذه الأم، التي تقطن في إحدى العمارات الآهلة بالسكان نواحي مدينة سلا، إن ابنتها المراهقة كانت ضحية تغرير زميل لها في المدرسة، وحاول هتك عرضها من دون عنف، موردة أنها "قررت عدم تقديم شكاية أمنية ضد الشاب لأسباب عدة".

وأفصحت المتحدثة عن بعض هذه الدوافع التي جعلت جريمة التغرير بقاصر تدخل ضمن جرائم الظل، منها أنها أشفقت على الشاب صغير السن، ولم ترغب في تدمير مستقبله الدراسي، ووضعية أسرته التي جاءت تستعطفها حتى لا تتسبب في دخوله السجن.

واستطردت الأم بأن السبب الرئيس الذي جعلها تتفادى الإبلاغ عن جريمة التغرير بابنتها، هو رغبتها في عدم تضخيم الموضوع حتى لا يصل إلى العائلة أولاً، وحتى لا تبلغ القصة آذان جاراتها في العمارة والحي الذي تقطنه، وتتعرض للتنمر والتشهير، على حد قولها.

دوافع عدم التبليغ

يعلق الناشط الحقوقي عبدالإله الخضري على الموضوع بالقول إن كثيراً من جرائم النشل والسرقة واعتراض السبيل والاعتداءات الجسدية لا يتم التبليغ عنها من قبل المعتدى عليهم، لأسباب عدة منها أحياناً عدم إيلاء الشرطة الاهتمام الكافي بهذه الشكايات.

ويشرح الخضري "المواطن الذي يتعرض للاعتداء يشعر في بعض الأحيان بخيبة أمل إزاء طريقة والمدة الزمنية لمعالجة شكاياته، خصوصاً عندما يكتشف الضحية أن المعتدي ما زال حراً طليقاً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف أن هناك سبباً آخر في بروز ظاهرة جرائم الظل، وهو رغبة الضحية أحياناً في تفادي التعقيدات التي تعرفها إجراءات البحث والاستنطاق، وتخوف الشهود من الإدلاء بشهاداتهم.

وأشار إلى أنه من بين دوافع انتشار جرائم الظل الخوف من انتقام المعتدي، إذ إن هناك عديداً من المواطنين يخشون اللجوء إلى الأمن والقضاء، مخافة الانتقام منهم من طرف المعتدين.

ولفت إلى وجود أحزمة الفقر المحيطة بالمدن، والتي ينشط فيها باعة المواد الممنوعة كالمخدرات والمشروبات الكحولية، كما توجد بعض الدواوير القروية المعروفة بزراعة القنب الهندي (الكيف)، تأوي مطلوبين قضائياً أو أمنياً، من ثم عندما يتعرض المواطن في هذه المناطق للسرقة أو الاعتداء، عدا أحداث القتل، يسعون إلى تفادي اللجوء إلى الأمن أو القضاء.

وخلص الخضري إلى أن "هذه السلوكيات السلبية تدفع عدداً من الضحايا والمعتدى عليهم في جرائم التعنيف أو السرقة وغيرها إلى العزوف عن التبليغ عن الفاعلين"، مشيراً إلى أن "البعض صاروا يفضلون الاقتصاص من المعتدين بأيديهم".

"من أمن العقوبة أساء الأدب"

وبخلاف ما يروج من تفشي الجرائم في المجتمع المغربي، تفيد أرقام رسمية صادرة عن المديرية العامة للأمن الوطني أن عام 2023 شهدت انخفاضاً ملحوظاً في المظهر العام للجريمة، بخصوص عدد القضايا والملفات المسجلة بناقص 10 في المئة، والتي بلغ عددها 738748 قضية، وأفضت إلى ضبط وتقديم 723874 شخصاً.

وتبعاً لذات المعطيات الرسمية، فإن مؤشرات الإجرام العنيف شهدت تراجعاً في مختلف الجرائم الخطرة، إذ انخفضت جرائم القتل والضرب والجرح المفضي للموت بنسبة 25 في المئة، والاعتداءات الجنسية بناقص أربعة في المئة، وسرقة السيارات بـ19 في المئة، والسرقات الموصوفة بتسعة في المئة، والسرقات بالعنف بستة في المئة.

وتؤكد مديرية الأمن في المغرب أن مؤشرات "جرائم الظل أو الجرائم غير المبلغ عنها" تقلصت أيضاً، بفضل "التبليغ الفوري للضحايا والشهود عن الجرائم المرتكبة، والتعاطي الجدي مع الوشايات الافتراضية والمحتويات المنشورة على وسائط التواصل الحديثة".

حيثية التعاطي الجدي من طرف مصالح الأمن المغربية مع وقائع إجرامية من اعتداءات وسرقات، يؤكدها الباحث في الشأن الأمني عبدالقادر الرعد بقوله إن "عدداً كبيراً من الجرائم كانت ستسجل ضمن جرائم الظل التي لا يتم التبليغ عنها، لولا مقاطع فيديو من كاميرات الشوارع تنشرها مواقع التواصل ترصد تلك الوقائع، فتتفحصها فرق أمنية متخصصة، لتتدخل وتوقف المعتدين حتى لو لم تتوصل بشكايات من الضحايا".

أنواعها وانعكاساتها

ووفق الباحث عينه، فإن جرائم الظل يمكن تقسيمها إلى نوعين، الأول تلك الجرائم التي يذهب ضحيتها أشخاص تعرضوا للسرقة أو الاعتداء أو التعنيف أو التحرش أو التغرير أو هتك العرض، ولكنهم يقررون عدم التبليغ عنها لسبب أو لآخر، وهناك جرائم تقع ويشهدها شهود عيان لكنهم بدورهم لا يبلغون عنها لدى مصالح الأمن للنأي بأنفسهم عن "تبعات الشهادة".

وسرد المتحدث عدداً من الانعكاسات السلبية لظاهرة جرائم الظل، منها أن "المعتدي الذي يشعر بأنه لم يتم التبليغ عنه لدى الشرطة يتمادى في غيه وإجرامه وأفعاله غير القانونية، وهو ما يمكن أن تنطبق عليه مقولة (من أمن العقوبة أساء الأدب)".

ومن الانعكاسات الأخرى لظاهرة جرائم الظل في المجتمع المغربي، يضيف ذات المتكلم، تناسل حالات ما يسمى "قضاء الشارع" أو "شرع اليد"، حين لا يبلغ المعتدى عليه بالجريمة لأنه يحضر للانتقام لشخصه بالقصاص من المعتدي، مما قد يهدد السلم المجتمعي.

المزيد من تقارير