Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لعبة الخيال في نزاع الأرض بعد زمن الفضاء والعولمة

الكوكب حديثاً مكان منهك لا يحوي كل النعم والخيرات ومركز لانتقالنا إلى عوالم أخرى لا أكثر

أنصار جماهير سيلتك لا تتوقف عن دعم فلسطين (أ ف ب)

ملخص

تحولت بعض أشد عقوبات سرقة الأرض من أصحابها إلى أهازيج رياضية وأغانٍ فلكلورية وظهرت أخيراً في ألعاب وتطبيقات مالية لتداول العملة تميزت بكونها ذات طابع تجاري واستثماري مريب

نظر الإنسان إلى أرضه دائماً بوصفها المكان الذي يحوي كل النعم والخيرات، عاداً أن خروجه منها هو الموت المحقق الذي لا مناص منه، وظهرت هذه الحالة العاطفية أخيراً، حتى في زمن الفضاء والواقع الافتراضي، ولدى أجيال جديدة في مختلف أنحاء العالم.

وأخذت عقوبة سرقة وتعرية الأرض من أصحابها طابعاً شخصياً للغاية قديماً وحديثاً، خصوصاً لدى الضحية، كونها تجد تعاطفاً كبيراً من بقية الشعوب، إذ تجاوزت العقوبة دائماً القوانين والعادات والأعراف البشرية، لتدخل أطواراً أكثر دموية وشراسة. فالهندي الأحمر عاقب سارق أرضه بسلخ فروة رأسه، فيما ذهب المحارب الأسطوري الاسكتلندي (وليام والاس) إلى استخدام كل مخزونه التاريخي والذهني من الوحشية والهمجية للتعبير عن رفضه القاطع لهذه الفكرة.

الصراع حديثاً

وحديثاً، قاومت المجتمعات بكل وسائلها المتاحة سارق الأرض، وأبدعت مخيلتها في إنتاج وسائل عديدة لاستخدامها في هذا النزاع الأزلي، ومنها المقاومة باستخدام موجودات المكان الطبيعية مثل المقاومة بالحجارة، أو العمل الفدائي، الذي يذهب إلى حد التضحية المباشرة بالنفس، إضافة إلى توظيف وسائل التواصل الاجتماعي والفضاء الافتراضي لهذه الغاية.

بدورها، عبرت المخيلة الفنية عن فكرة مقاومة الشعوب لاغتصاب الحقوق، وخصوصاً فكرة الاحتلال العسكري للأرض قديماً وحديثاً، وجاء ذلك عبر الأغنية والفنون الشعبية والسينما، فيما ظهرت في زمن الفضاء والفضاء الافتراضي المعاصر تطبيقات خيالية توضح بعض تطورات هذه الحالة من خلال الإنترنت ومواقع التواصل ووصلت بعض تجلياتها إلى ألعاب الفيديو لتظهر تطبيقات آلية لها ضمن واحدة من ألعاب العملات المشفرة التي يمارسها الشباب عبر شبكة الإنترنت.

المخيلة وتحريف الواقع

ساعدت المخيلة الواسعة لبعض الأشخاص المعاصرين في تحريف بعض الحقائق الواقعية التي دارت ضمن ذلك الصراع الشرس والمرير. وفي محاولة لاستثمار مراحل غامضة من النزاعات ربحياً، تحولت عقوبة سرقة الأرض في زمن الهندي الأحمر المنقرضة قبل عقود عدة، إلى تطبيق صغير ضمن لعبة مالية إلكترونية معقدة لتداول العملة، التي يمارسها الشباب ضمن أسواق الصرف الأجنبية، والتي تهدف إلى إجراء عدد كبير من الصفقات ضمن وقت قصير، دون علم بجذورها التاريخية.

فاللاعبون يغامرون باستخدام التطبيق المسمى "سلخ الفروة" وكثير منهم لا يعلمون أن اسمه يرجع إلى فترة زمنية غابرة، وهي حقبة الهنود الحمر، ولكن مصمم التطبيق حرف الفكرة قليلاً، وحولها إلى "روبوت آلي" يسمى وسيطاً، إذ ينفذ المتداولون من خلال هذا التطبيق حركة سريعة ومباغتة ضمن السوق، لكنها تدر أرباحاً مالية سهلة وسريعة. واللافت للنظر هو مدى التشابه الكبير بين فكرة التطبيق عبر زمن الآلة حديثاً، وبين الممارسة الواقعية لهذه الفكرة زمن مقاومة الهندي الأحمر للدخلاء الذين جاءوا لاحتلال أرضه.

اختلاف الخيال عن الواقع

ويختلف التطبيق الافتراضي عن الواقع في كونه قلب بعض الحقائق بصورة متعمدة أو دون قصد، فالهندي الأحمر لم يقدم على الاتجار بفروات الرأس التي انتزعها من رؤوس خصومه، بل إنه أقدم على هذه الفعلة بوصفها عقوبة رادعة للمستوطنين الذين تعدوا على أرضه وشعبه وقتها. لذلك قاد هذا التطبيق الحديث مخيلة بعض المتداولين والمتابعين بصورة غير دقيقة، وعبر بطريقة غير مباشرة عن سلوكات أشخاص آخرين، عاصروا تلك الأحداث، وامتهنوا هذه العقوبة لاحقاً لتحقيق الربح التجاري والثراء الفاحش السريع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتقول الموسوعة العلمية الأوروبية إن مجموعة من القتلة المأجورين استثمروا فكرة هذه العقوبة مالياً، وحولوها إلى ممارسة ربحية. وتجدر الإشارة إلى أن الموسوعة العلمية تشير أيضاً إلى أن "عرض أشخاص أو جهات استعمارية وقتها لمكافآت مالية مقابل فروات رؤوس الهنود الحمر، ما هو إلا ادعاء غير صحيح".

تحويل الفكرة

عبرت شعوب أخرى عن الصراع ضمن فكرة العقوبات المغلظة والشديدة، من خلال أغانٍ وأهازيج شعبية تسرب بعضها إلى جمهور كرة القدم والجماهير الرياضية، لتتحول الفكرة إلى أعمال أدبية وفنية تصدر من المخيلة الجماعية، لكنها نقلت في الغالب عن أشعار وقصائد وأمثال فلكلورية.

وأخذ الشباب من الأجيال الحديثة هذه الأهازيج، ورددوها بشجن ضمن افتتاحيات مباريات في هذه اللعبة الجماهيرية، دون اكتراث بكيفية انتقالها من أتون النزاع العسكري الدموي، إلى الحياة الترفيهية والافتراضية المعاصرة. وظهرت بعض الأغاني التي انتشرت بسرعة على مواقع التواصل الاجتماعي أخيراً، وفي ظل اشتداد بعض النزاعات، ومنها النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، ضمن حرب "غزة".

وعبرت كلمات تلك الأغاني والأهازيج التي تعود جذور أشهرها إلى التراث الأوروبي، وتحديداً الاسكتلندي، بطريقة غير مباشرة، عن صلابة الإنسان التي تظهر في هذا الصراع المرير الذي امتد منذ فترة القرون الوسطى وما بعدها ولغاية يومنا هذا.

في المخيلة الاسكتلندية

ربطت المخيلات الإنسانية كلها ومنها الاسكتلندية بين خسارة الأرض والشعور بالعار، الذي تفوق مرارته مرارة الموت جوعاً في كثير من الأحيان، إذ أظهرت أحداث شعبية معاصرة جاءت ضمن مناسبات احتفالية، مقدار ترسخ هذا الشعور في الوجدان الإنساني الأوروبي حتى في اسكتلندا الحديثة، وليس القديمة فحسب، فهو شعور فطري تتناقله الأجيال بعد مرور قرون من الزمن على ذلك الصراع المعقد الذي انتهى واقعياً، لكنه ما زال يتفاعل افتراضياً.

والدليل على ذلك أنه انتقل من جذوته العسكرية الصرفة إلى السياسة، ومن ثم وصل إلى كافة طبقات المجتمع ومنها المجتمع الرياضي، وعبر مختلف الفنون والمحافل الجماهيرية. وتعبر أغنية "لن تسير وحدك" التي رددتها أخيراً جماهير نادي (سلتيك) الرياضي الاسكتلندية - الإيرلندية، عن انتقال هذا الشعور إلى خارج حدود تلك الثقافة، ليظهر النشيد ضمن أجواء جماهيرية احتفالية على مدرجات ملاعب كرة القدم، وتضامناً مع صمود أهل شعوب أخرى منها شعب "غزة" الذين تمسكوا بأرضهم بقوة وشجاعة.

طبيعة التضامن

هذه الجماهير هي من فئة اللاجئين الإيرلنديين الذين استوطنوا اسكتلندا بعد النزوح الجماعي أثناء مجاعة شهيرة وكوارث أرغمتهم على ترك بيوتهم وحقولهم، لذلك فهم يعبرون من خلال ترديد هذه الأغنية عن تضامنهم مع صمود ذلك الإنسان فوق أرضه على رغم ما تعرض له من كوارث ونكبات.

يذكر أن هذه الأغنية ترددت على السنة فنانين كثر، لكنها عرفت أكثر من خلال المغني الأميركي الشهير (فرانك سيناترا)، والذي نقلها بدوره عن أغنية كانت تؤدى ضمن لعبة الأحصنة الطائرة في السيرك الأوروبي قديماً، وكان ذلك أيضاً قبل أن تتحول الأهزوجة ذاتها، إلى أغنية شهيرة ترددها جماهير نادي "ليفربول" الرياضي الإنجليزي، كشعار رسمي لها في كل المحافل الرياضية.

الأرض علمياً وافتراضياً

على رغم كل تلك المخيلة الخصبة للشعوب، ظهرت الأرض حديثاً، في كثير من وسائل الإعلام، بوصفها مكاناً منهكاً ومستهلكاً، قرر الإنسان الحديث تجاوزه كاملاً والبحث عن بديل له في هذا الفضاء الشاسع، إذ أكدت دراسات علمية حديثة، أن هناك ملايين الكواكب الصالحة لسكن الإنسان. وترسخت هذه الفكرة في الفنون، لتأخذ مكانها في الثقافة الشعبية، من خلال مسلسلات وبرامج غزو الفضاء منذ "ستارغيت"، وحتى يومنا هذا، وظهرت أخيراً محاولة الإنسان المعاصر لاستيطان القمر أو المريخ أو أية كواكب تصلح للحياة خارج كوكب الأرض.

وجاءت هذه الصورة معاكسة تماماً للمخيلة الإنسانية القديمة عموماً، ومنها الأوروبية القديمة. وفي عصر التقدم العلمي والتقنيات الذي رافق فكرة غزو الإنسان للفضاء، انتقل النزاع على الأرض من العالم الواقعي إلى الافتراضي، وتحول من خلال هذه الفنون من كونه نزاعاً دموياً تقليدياً حقيقياً إلى كونه نزاعاً ذا طابع علمي وصار متعلقاً بغزو الفضاء واستيطان كواكب أخرى.

أخيراً، في زمن ثورة الاتصالات أصبحت الكرة الأرضية بكاملها قرية صغيرة من خلال العولمة. وظهر المكان من خلال الإنترنت بوصفه بقعة ضئيلة من الوجود يقتحمها الشخص دون حاجة إلى المحاربين والجيوش أو احتلال أراضي الآخرين.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات