Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رسائل صوماليلاند للداخل والخارج في شأن "القاعدة الإثيوبية"

بيهي عبدي يهاجم الجامعة العربية ومراقبون يرصدون المخاوف المصرية من مذكرة التفاهم

مراسم توقيع الاتفاقية بين إثيوبيا وصوماليلاند (رويترز)

ملخص

انتقد رئيس ما يعرف بجمهورية "صوماليلاند"، موسى بيهي عبدي، الأصوات المعارضة لمذكرة التفاهم الموقعة مع إثيوبيا مؤكداً أن هذه المعارضة مبنية على معلومات مشوهة.

بعد أيام من التوتر، تمسك رئيس ما يعرف بجمهورية "صوماليلاند"، موسى بيهي عبدي، بأن مذكرة التفاهم المبرمة مع إثيوبيا لا تتعلق بمنح موانئ لأديس أبابا بتاتاً، بل تنص على "تأجير منطقة ساحلية للقوات البحرية الإثيوبية بغرض إقامة قاعدة عسكرية، على أن تكون مخصصة للأغراض العسكرية، ولا يسمح فيها بممارسة أي أنشطة تجارية، سواء المتعلقة بعمليات الاستيراد والتصدير أو نقل بضائع".

بيهي قال أيضاً في مقابلة تلفزيونية مطولة إن إثيوبيا ستعترف في المقابل رسمياً بصوماليلاند، أي إن تسليم المنطقة سيكون مشروطاً ومتزامناً مع الاعتراف الإثيوبي بالجمهورية غير المعترف بها دولياً.

وفي ما يخص الأنشطة التجارية وخدمة الموانئ، أكد بيهي أن ميناء "بربرة" الخاضع لسيادة حكومته منذ عام 1991 سيقدم خدماته الملاحية للبضائع الإثيوبية، مثله مثل موانئ جيبوتي وكينيا، في إطار عمل تجاري تنافسي، مشدداً على "أن لا علاقة للمذكرة المبرمة بالأنشطة المتعلقة بالموانئ" وأن سيادة حكومته على ميناء "بربرة" لن تتأثر بأي شكل.

وتجنب بيهي تحديد مدة "عقد إيجار المنطقة العسكرية"، كما لم يعلق على الادعاءات الرسمية الإثيوبية التي تزعم امتلاكها موانئ تجارية في خليج عدن، وفق المذكرة المبرمة مع صوماليلاند في الأول من يناير (كانون الثاني) الجاري.

مصالح متبادلة

رئيس ما يعرف بجمهورية "صوماليلاند" برر إقدام حكومته على هذه الخطوة بقوله إن الاتفاق يسلط الضوء على المصالح المشتركة لكلا البلدين، بهدف تعزيز علاقاتهما الثنائية، إذ حرص كل منا على تحقيق مصالح شعبه، فإثيوبيا باعتبارها دولة غير ساحلية في القرن الأفريقي تضم عدداً كبيراً من السكان وتسعى جاهدة إلى الوصول إلى منفذ بحري منذ فترة طويلة.

وقال "في حين ظللنا في صوماليلاند نسعى جاهدين إلى الحصول على الاعتراف الدولي لمدة ثلاثة عقود، من ثم المصالح المشتركة تطلبت تأجير قاعدة عسكرية للبحرية الإثيوبية. مقابل أن تكون أديس أبابا أول المعترفين رسمياً بأرض الصومال، على أن يتزامن الحدثان، ويشكل هذان الجانبان الحاسمان أساس الاتفاق".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وذكر بأن الاتفاق ينص على "تأجير قطعة صغيرة من الأرض للبحرية الإثيوبية كقاعدة بحرية" فحسب، لا تشمل أي أغراض تجارية أو ملاحية، إذ إن التجارة والموانئ في أرض الصومال تقع ضمن ولايتنا القضائية، مشيراً إلى أن ثمة اتفاقات تجارية أخرى تتعلق بواردات وصادرات إثيوبيا قد تستخدم ميناء بربرة، في إطار إقليمي تنافسي، كما يحدث في كينيا وجيبوتي وغيرها من موانئ القرن الأفريقي، التي تتنافس على توفير أحسن الشروط للبضائع الإثيوبية.

وانتقد رئيس حكومة هرغيسا الأصوات المعارضة للمذكرة، منوهاً بأن المعارضة لهذا الاتفاق داخل الصومال مبنية على معلومات مشوهة. وأشار إلى أن ذلك عائد إلى تقارير مفبركة، تم ترويجها ضمن حملة منظمة لتضليل الرأي العام، من قبل أفراد في الصومال يعارضون الاتفاق.

وزعم أن الحكومة الصومالية لا تعارض المذكرة الموقعة بيننا وبين إثيوبيا، من جهة المبدأ بل تسعى إلى تأكيد وجودها ضمن الاتفاق، أي إنها تحاول السيطرة الكاملة على الاتفاق على أن تكون مقديشو هي الطرف المهيمن والموقع مع أديس أبابا، على رغم عدم سيطرتها على صوماليلاند.

هجوم على الجامعة العربية

وفي تعليق من رئيس ما يعرف بجمهورية "صوماليلاند" موسى بيهي عبدي، على تصريحات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أخيراً، قال إن "السيسي أعرب عن التزامه حماية حدود الصومال استجابة لقرار الجامعة العربية، لكن قرار الجامعة وتصريحات الرئيس المصري في حاجة إلى دراسة وافية حول ما هي حدود الصومال، فكلا القرارين من الناحية القانونية لا يستحضران أن صوماليلاند تعد دولة مستقلة، بموجب ميثاق الاتحاد الأفريقي، الذي يعتمد على معيار الحدود التاريخية الموروثة عن الاستعمار".

أضاف "باعتبار مصر إحدى الدول الموقعة على الميثاق الأفريقي فإننا ندعوها إلى النظر في حدودنا الموروثة عن الاستعمار البريطاني، التي تؤهلنا للاستقلال، إذ لم نكن جزءاً من الصومال قبل عام 1960، وأن الوحدة الطوعية مع مقديشو قد انتهت بعد انهيار الدولة المركزية في عام 1991".

واستطرد بالقول إن الحديث عن التدخل بغرض المساعدة وحماية الحدود الصومالية أمر مهم وحاسم، لكن قد يكون أكثر فائدة في حال تم المساهمة في معالجة القضايا العالقة بين أرض الصومال والصومال، التي أهملت لأكثر من ثلاثة عقود.

وشن بيهي انتقادات لاذعة لجامعة الدول العربية، مؤكداً "أن موقف الجامعة العربية، وإعلانها الدفاع عن حدود الصومال يدعو إلى الحيرة"، داعياً إياها إلى الاهتمام بالوضع في فلسطين، إذ لم تحقق جهودها أي نجاح يذكر.

أضاف "في ظل عجز الجامعة تمكنت جمهورية جنوب أفريقيا من جلب إسرائيل لمحكمة العدل الدولية، بعد تقديم دعوى قضائية محكمة".

"بربرة" واتفاق إثيوبي - إماراتي

من جهة أخرى، رحبت أديس أبابا برغبة "موانئ دبي العالمية" في التعاون مع إثيوبيا في تطوير ميناء بربرة في صوماليلاند.

وقال السفير الإثيوبي لدى الإمارات عمر حسين إن حكومته ترحب بالتعاون مع الإمارات وشركة موانئ دبي الساعية إلى تطوير إمكانات ميناء بربرة في صوماليلاند، مضيفاً "إن مثل هذا التعاون سيكون امتداداً للشراكة القوية، التي تجمع البلدين".

وأشار إلى أن استثمارات الإمارات في إثيوبيا وصلت إلى 2.4 مليار دولار أميركي، مضيفاً "إن التطلعات القوية للحكومتين هي القوة الدافعة لنمو العلاقات الدبلوماسية بين البلدين".

ولفت الانتباه إلى الاجتماع الذي وصفه بـ"المثمر" بين نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الإثيوبي ديميكي ميكونين، ورئيس مجلس الإدارة الرئيس التنفيذي لـ"موانئ دبي العالمية" سلطان أحمد بن سليم، على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا، الأسبوع الماضي.

وكان رئيس "موانئ دبي العالمية" وصف الشراكة بين البلدين بأنها "استراتيجية"، مضيفاً أنها "لن تعزز العلاقات الاقتصادية فحسب، بل ستمهد الطريق أيضاً للنمو المستدام". وأعرب عن سعادته للإعلان عن الالتزام المشترك تطوير ميناء بربرة، البوابة الرئيسة للتواصل الإقليمي.

وكانت إثيوبيا زادت من اهتمامها بالاستفادة من ميناء بربرة، ففي أغسطس (آب) من العام الماضي سافر وفد إثيوبي برئاسة وزير النقل والخدمات اللوجيستية أليمو سيمي إلى هرغيسا، عاصمة صوماليلاند، للنظر في مزيد من خيارات الموانئ لإثيوبيا.

رسائل داخلية وخارجية

بدوره قدر المتخصص في شؤون القرن الأفريقي عبدالرحمن أبو هاشم، أن تصريحات رئيس إقليم أرض الصومال تهدف إلى بعث رسائل عدة للداخل والخارج، فهو من جهة يحاول تطمين الشعب الصومالي عامة، وشعب إقليم صوماليلاند بوجه خاص، بأن ما تم توقيعه مع إثيوبيا مجرد اتفاق لتأجير موقع صغير في خليج عدن، ولا ينتقص من سيادة الدولة، كما أنه سيحقق مصالح سياسية تتعلق بالاعتراف الدولي بصوماليلاند كجمهورية مستقلة، فضلاً عن المصالح المالية الكبيرة التي سيجنيها الإقليم من عائدات الإيجار".

إلا أن هذا التسويق السياسي للاتفاق، قد لا يقنع الداخل الصومالي، بحسب رأي المتخصص في شؤون المنطقة، بخاصة أن بيهي عبدي انتهت ولايته منذ عامين، إلا أنه بقي على رأس حكومة هرغيسا، بمخالفة القوانين، ومن ثم يفتقد الشرعية السياسية والقانونية، التي تؤهله محلياً ودولياً لتوقيع أي اتفاقات مع دولة أجنبية، إذ يرى معظم الصوماليين أن مذكرة التفاهم المبرمة مع أديس أبابا تمس سيادة وأمن الدولة الصومالية.

وأضاف أبو هاشم "ثمة عوامل أخرى تجعل الصوماليين عموماً قلقين من أي دور إثيوبي، وذلك نظراً إلى الذاكرة السلبية التي يحتفظون بها، تجاه أباطرة وحكام إثيوبيا المسكونين تاريخياً بأطماع التوسع، فضلاً عن تجارب الحروب التي خاضوها ضد أديس أبابا".

ومضى في حديثه "في اعتقادي أن المواطنين في صوماليلاند ينظرون إلى هذا الاتفاق بكثير من الريبة والشك، إذ إن تأجير ميناء لأغراض عسكرية أو تجارية قد يكون مجرد مدخل لضم مناطق واسعة، من إقليم صوماليلاند إلى إثيوبيا".

ونوه بأن المقابل الاقتصادي الذي وعدت به المذكرة الصوماليين هو مجرد أسهم في شركات قد تتعرض للإفلاس في أي وقت لسبب وآخر، وهي ليست شركات منتجة لسلع نادرة وإنما هي شركتا خدمات "الخطوط الجوية الإثيوبية" و"الاتصالات"، وهي مؤسسات باستطاعة أهل الصومال إنشائها بكل سهولة والمنافسة بها في الأسواق الإقليمية والعالمية.

أما الرسالة الثانية في رأي أبو هاشم "فهي موجهة إلى الإقليم وتحديداً إلى مصر، إذ وقع بيهي عبدي في تقدير خاطئ عندما أعتقد أن الاهتمام المصري بمخرجات المذكرة يهدف إلى مساندة الحكومة الصومالية في مقديشو، فيما أن الواقع يقول إن أي اضطرابات في منطقة القرن الأفريقي وحوض البحر الأحمر لها تداعيات وتهديد مباشر على الأمن القومي المصري والمصالح الحيوية المرتبطة بالبحر الأحمر ونهر النيل".

وقال "بعد أن تمكنت أديس أبابا من إقامة سد النهضة من دون تقديم ضمانات والتزامات حقيقية لعدم الإضرار بالمصالح المصرية، فإن محاولاتها للسيطرة على أراضي الصومال من خلال توقيع اتفاق مع كيان غير معترف به دولياً توحي برغبة جامحة لمحاصرة مصر من خلال الوجود قرب مضيق باب المندب الذي يرتبط بشكل عضوي بقناة السويس".

إعلان الاعتراف

من جهته رأى المتخصص الإثيوبي محاري سلمون أن الحوار الأخير لرئيس صوماليلاند وضع النقاط على الحروف، وكشف عن الجوانب الغامضة في مذكرة التفاهم الموقعة بين هرغيسا وأديس أبابا.

واعتبر أن الحوار تضمن توضيحاً تاريخياً وقانونياً لوضعية جمهورية صوماليلاند، إذ إنه إقليم يستحق إعلان استقلاله بموجب القانون الدولي، وفقاً لمبدأ تصفية الاستعمار، وميثاق الاتحاد الأفريقي الخاص بالحفاظ على الحدود التاريخية الموروثة عن الاستعمار.

كما أن ثمة تضليلاً متعمداً ظل يروج بخصوص ما تتضمنه المذكرة وتعريفها القانوني، وأثرها السياسي، إذ كشف عن أنه يتعلق بتأجير منطقة محددة كقاعدة عسكرية، وهذا أمر متعارف عليه، ولا ينتقص من سيادة الدولة، إذ تستضيف دولة جيبوتي الجارة نحو ست قواعد عسكرية أجنبية، وفقاً لاتفاقات معينة تتعلق بالإيجار.

أضاف المحلل الإثيوبي أن الفارق الوحيد بين الحالتين أن أرض الصومال لم تحصل بعد على الاعتراف الدولي باستقلالها، وهذا ما تسعى إليه من خلال ضمان اعتراف أديس أبابا، إذ تعد الأخيرة دولة محورية في القارة السمراء، وتستضيف مقر الاتحاد الأفريقي، مما قد يؤثر في مواقف الدول الأفريقية الأخرى، لا سيما أن ميثاق القارة يدعم مطالب أرض الصومال.

وأكد سلمون أن وسائل الإعلام الإثيوبية نفسها تسهم في تقديم صورة مشوشة لهذا الاتفاق، سواء بجهل أو لخدمة أغراض سياسية معينة، مشيراً إلى أن أهم ما ورد في الحوار يتعلق بالردود على الدول الإقليمية وجامعة الدول العربية، التي انحازت للسردية الصومالية، من دون الأخذ في الاعتبار مطالب أرض الصومال التي ظلت تمارس سيادتها على كل أراضيها، لأربعة عقود كاملة، بمعزل عن جمهورية الصومال الفيدرالية.

ويرجح سلمون أن تعلن أديس أبابا عن اعترافها بصوماليلاند بعد انتهاء اجتماعات الهيئة التنفيذية للحزب الحاكم، وإقرار المذكرة في البرلمان الإثيوبي، مما سيسهم في إبطال كثير من الحجج القانونية، متوقعاً استمرار احتجاج حكومة مقديشو، من دون أن تتمكن من تعطيل تنفيذ مذكرة التفاهم المبرمة.

المزيد من متابعات