في مؤشر يعكس حجم الضغوط المالية على قطر مع قرب تنظيم كأس العالم 2022، تواصل "الدوحة" إصدار أدوات دين محلية بقيم ضخمة على الرغم من التوقعات بتحقيق فائض بالميزانية، لكن يبدو أن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن مع تحوّل الأزمة من سيئ إلى أسوأ كل يوم.
محللون وخبراء مصرفيون يشيرون إلى أن الإصدارات المكثفة تأتي في ظل الضغوط المالية التي تواجه الدوحة للوفاء بالتزاماتها السريعة لتمويل مشروعات كأس العالم 2022، وسد عجز الموازنة من ناحية، وسداد استحقاقات مالية إزاء إصدارات دين سابقة تعجز الميزانية على الرغم من تحقيقها فائضاً عن سدادها.
وحسب بيان مصرف قطر المركزي، صدر حديثاً، فإنه أُصدرت أذون خزانة نيابة عن وزارة المالية على ثلاثة آجال بقيمة إجمالية تبلغ 600 مليون ريال قطري (165 مليون دولار)، وذلك في إطار السعي لتطوير السياسة النقدية بدولة قطر وزيادة فعاليتها والمساهمة في متانة الجهاز المصرفي والمالي وتفعيل أدوات السوق المفتوحة كإحدى أدوات السياسة النقدية، وتنفيذاً لآلية التنسيق بين السياستين المالية والنقدية.
وأفاد البيان بأن الطرح الأول بلغ 300 مليون ريال (82.5 مليون دولار) لأجل ثلاثة أشهر بسعر فائدة 1.96%، والطرح الثاني بقيمة 200 مليون ريال (55 مليون دولار) لأجل ستة أشهر بسعر فائدة 1.98%، والثالث بقيمة 100 مليون ريال (27.5 مليون دولار) لأجل تسعة أشهر بسعر فائدة 2.01%.
وأذون الخزانة هي أداة من أدوات الدين قصيرة الأجل تصدرها الحكومة لغرض الاقتراض، وتوفير السيولة النقدية بآجال قصيرة تصل لنحو 12 شهراً، كما تستخدمها المصارف المركزية للتأثير في حجم المعروض النقدي والقوة الشرائية المطروحة في التداول.
إصدارات وديون ضخمة
وحسب رصد "اندبندنت عربية"، استناداً إلى بيانات المركزي القطري، زادت قيمة إصدارات أدوات الدين المحلية خلال النصف الأول من العام الحالي بنسبة 45.57% إلى 28.7 مليار ريال (7.9 مليار دولار)، مقارنة بـ19.7 مليار ريال (5.4 مليار دولار) بالفترة المماثلة من العام 2018.
وتضمنت تلك الإصدارات سندات حكومية، وصكوكاً إسلامية، وأذون خزانة.
وفي اتصال مع أحد مسؤولي بنك قطر المركزي للتوضيح حول التقرير لم يتم الرد حتى الآن، علماً بأن المعلومات استندت إلى بيانات رسمية أصدرها البنك المركزي القطري نفسه.
وتأتي إصدارات "المركزي القطري" بغرض توفير التمويل اللازم لسداد عجز الموازنة والوفاء بالتزامات استحقاقات ديون حلّ أجالها، وذلك على الرغم من توقعات وزارة المالية القطرية بتسجيل فائض بالميزانية العامة خلال العام الحالي بقيمة 4.3 مليار ريال (1.2 مليار دولار).
ويسمح قانون الدين العام القطري لوزارة المالية، باعتبارها ممثل الحكومة، بالاقتراض المباشر من البنوك المحلية والدولية، واتخاذ الإجراءات اللازمة لإصدار أوراق دين عام وأوراق مالية إسلامية (سندات وصكوك) في حدود 10 مليارات دولار.
وفي يونيو (حزيران) الماضي، أصدرت الحكومة القطرية أدوات دين حكومية بقيمة 15.9 مليار ريال (4.4 مليار دولار) كأعلى إصدارات شهرية لها.
مؤشرات سلبية للقطاع المصرفي
تتزامن تلك الإصدارات مع الضغوط التي يواجهها القطاع المصرفي في قطر منذ بدء المقاطعة الخليجية للدوحة في يونيو (حزيران) 2017، وحسب آخر تقارير البنك المركزي، سجَّلت المؤشرات المصرفية أداءً سلبياً على الرغم من تعليق الآمال على القطاع كأحد مصادر تمويل مشروعات تنظيم كأس العالم 2022.
وحسب بيانات البنك المركزي، ونتيجة للتوسع بالاقتراض الأجنبي، ارتفع الدين الخارجي للبلاد إلى 156.4 مليار ريال (43.5 مليار دولار أميركي) بنهاية 2018، مقارنة بنحو 114.24 مليار ريال (31.7 مليار دولار أميركي) في العام 2017، بزيادة 37%.
وحسب النشرة الشهرية الصادرة عن مصرف قطر المركزي، أخيراً، تراجعت السيولة المحلية بنسبة 5.8% على أساس سنوي في يوليو (تموز) الماضي إلى 544.03 مليار ريال (149.4 مليار دولار أميركي)، مقارنة بنحو 588.14 مليار ريال (161.5 مليار دولار أميركي) في الشهر المماثل من 2018.
والسيولة المحلية أو ما يعرف بالمعروض النقدي (م 2) تشمل الأرصدة الموجودة في الحسابات أو الودائع لأجل، وكذلك حسابات التوفير بالبنوك.
عجز كبير بالأصول الأجنبية للقطاع المصرفي
وعلى الصعيد ذاته، طالت التأثيرات السلبية ارتفاع عجز الأصول الأجنبية للقطاع المصرفي بنسبة 45.6% في يوليو (تموز) إلى 129.26 مليار ريال (35.5 مليار دولار أميركي)، من عجز بقيمة 88.7 مليار ريال (24.4 مليار دولار) بالشهر المناظر من العام الماضي.
وأفادت البيانات أن الأصول الأجنبية للمركزي القطري كانت داعماً لعدم ارتفاع عجز الأصول الأجنبية لمستويات قياسية للقطاع المصرفي ككل، إذ ارتفعت أصول "المركزي" الأجنبية إلى 141.26 مليار ريال (38.8 مليار دولار أميركي) بنمو سنوي 51.6%، وذلك بفضل تحسُّن أسعار النفط العالمية.
في المقابل، لا تزال المصارف القطرية تعاني عجزاً كبيراً في الأصول الأجنبية، الذي ارتفع بنسبة 49% إلى 269.23 مليار ريال (73.9 مليار دولار)، مقارنة بنحو 180.4 مليار ريال (49.5 مليار دولار) في يوليو (تموز) 2018.
كما تأثر أداء المصارف من تراجع إجمالي الودائع (مع استبعاد ودائع غير المقيمين) بنسبة 5.6% إلى 617.4 مليار ريال (169.5 مليار دولار أميركي) في الشهر الماضي، مقابل 645.22 مليار ريال (177.2 مليار دولار) في يوليو (تموز) من العام الماضي.
وحول السبب الرئيس لتراجع حجم الودائع في قطر، عزا تقرير "المركزي" ذلك إلى تراجع الودائع الخاصة بالعملات الأجنبية بنسبة 4.6% في يوليو (تموز) على أساس سنوي إلى 77.8 مليار ريال (21.4 مليار دولار)، من 81.6 مليار ريال (22.4 مليار دولار) قبل عام.
وزاد من معدل استنزاف النقد الأجنبي من البنوك القطرية حرص النظام على الحفاظ على قيمة الريال، بخاصة بعد تراجعه فور إعلان مقاطعة الرباعي العربي قطر في يونيو (حزيران) من العام 2017، وهروب الاستثمارات إلى أسواق أكثر استقراراً.
الأزمة تتحول من سيئ إلى أسوأ
الأرقام الرسميَّة تشير إلى أن أزمة السيولة تتحول من سيئ إلى أسوأ كل يوم، إذ ذكر تقرير سابق للبنك المركزي القطري، أن السيولة المحلية تراجعت خلال شهر يوليو (تموز) الماضي بنسبة 5.8% على أساس سنوي إلى 554 مليار ريال (149.85 مليار دولار)، وبنسبة 2.7% على أساس شهري.
وأسهم انخفاض الودائع بالعملات الأجنبية بنسبة 29% على أساس سنوي إلى 151 مليار ريال (40.77 مليار دولار) في تراجع على إجمالي شبه النقد بنسبة 7% إلى 427 مليار ريال في يوليو (تموز) 2019.
في المقابل تراجع عرض النقد بنسبة 1.7% على أساس سنوي إلى 126.6 مليار ريال (34.18 مليار دولار) بضغط من تراجع الودائع تحت الطلب إلى نحو 115 مليار ريال (31.05 مليار دولار)، واستقرار النقد في التداول عند 11.7 مليار ريال (3.159 مليار دولار).
يأتي انخفاض السيولة المحلية، في وقت أظهرت فيه بيانات رسمية حديثة تصاعداً في عجز الموجودات الأجنبية للجهاز المصرفي القطري، المؤلف من البنك المركزي والبنوك العاملة في السوق المحلية، وسط استمرار المقاطعة العربية للدوحة. إذ تشير بيانات مصرف قطر المركزي إلى أن إجمالي عجز موجودات الجهاز المصرفي في قطر بالعملة الأجنبية بلغ نسبته 42.8% خلال يونيو (حزيران) الماضي على أساس سنوي.
وبلغ إجمالي قيمة عجز موجودات الجهاز المصرفي في قطر بالعملة الأجنبية حتى يونيو (حزيران) الماضي، وفق البيانات الرسمية، نحو 120.7 مليار ريال (33.2 مليار دولار). وكان إجمالي عجز موجودات الجهاز المصرفي في قطر بالعملة الأجنبية بلغ نحو 23.23 مليار دولار في يونيو (حزيران) 2018.
استمرار شح السيولة وغياب النقد الأجنبي
وتأثرت الحكومة القطرية بشح في وفرة النقد الأجنبي متأثرة بضعف الاستثمارات الأجنبية وتراجع إيرادات النقد الأجنبي، مع دخول المقاطعة العربية للدوحة عامها الثالث دون بوادر من قطر لحل الخلافات القائمة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأدى شح السيولة بجانب تراجع إيرادات النقد الأجنبي إلى توجّه الحكومة القطرية وكثير من البنوك العاملة نحو أسواق الدين الدولية، وذلك لتوفير النقد الأجنبي اللازم لعملياتها ونفقاتها الحالية.
وكثَّف القطاع العام القطري من اللجوء إلى البنوك خلال الأشهر الماضية، للحصول على السيولة اللازمة لتمويل نفقاته ومشاريعه التي تشهد تباطؤاً في الإنجاز. فعلى أساس شهري، صعد عجز موجودات النقد الأجنبي لجهاز قطر المصرفي إلى 114.6 مليار ريال (31.5 مليار دولار) في مايو (أيار) 2019.
ويعد توفير النقد الأجنبي في قطر، أحد أبرز التحديات التي تواجهها البنوك ومصرف قطر المركزي، منذ قرار المقاطعة العربية للدوحة في 2017، وتخارج السيولة الأجنبية إلى أسواق أكثر استقرار.
وتشير البيانات الرسمية إلى تراجع ودائع القطاع العام القطري في يونيو (حزيران) الماضي بأكثر من 48 مليار ريال (12.96 مليار دولار)، مقارنة بحجم الودائع في يونيو (حزيران) 2018، مدفوعاً بشح السيولة الذي تعانيه الحكومة والقطاع الخاص في البلاد.
وفي يونيو (حزيران) الماضي، بلغ إجمالي ودائع القطاع العام القطري نحو 265.11 مليار ريال قطري (72.87 مليار دولار)، مقابل نحو 313.334 مليار ريال (86.128 مليار دولار)، خلال الفترة نفسها من العام 2018 بنسبة تراجع تقدر بنحو 18%.
وجاء معظم التراجع في ودائع القطاع العام القطري في ودائع التوفير ولأجل بالنقد الأجنبي، خلال يونيو (حزيران) الماضي مقارنة بالفترة المقابلة من 2018.
وبلغ إجمالي حجم ودائع التوفير ولأجل بالنقد للحكومة القطرية في يونيو (حزيران) الماضي 92.52 مليار ريال (25.43 مليار دولار)، مقارنة بنحو 163.41 مليار ريال (44.91 مليار دولار) في الفترة المقابلة من 2018 بنسبة انخفاض تقدر بنحو 43.3%.