Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لبنان وحرب الصواريخ… ما يحمي يستجلب الخطر

كل شيء بما في ذلك الصراع العربي- الإسرائيلي صار جزءاً من اللعبة الكبيرة بين أميركا وإيران

بلدة مارون الراس اللبنانية على الحدود مع إسرائيل (غيتي)

الصدفة جمعت بين إعلانين في الأول من سبتمبر (أيلول). واحد كان بداية مرحلة جديدة في مسار لبنان التاريخي. وآخر يراد له أن يكون نقلة نوعية في قواعد الاشتباك ضمن صراع جيوسياسي إقليمي ودولي لا أحد يعرف إلى أين يقود لبنان. الأول هو إعلان الجنرال غورو في مطلع سبتمبر 1920 قيام "دولة لبنان الكبير" تحت الانتداب الفرنسي بعد هزيمة السلطنة العثمانية في الحرب العالمية الأولى. والثاني هو إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وسط التسليم الرسمي، "بداية جديدة لمرحلة جديدة عند الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة" عنوانها سقوط "الخطوط الحمر". بيروت تحتفل على مدى عام كامل بمئوية لبنان الكبير، حيث التذكير بما فعلناه له كمغامرة في الشرق والهرب من تحمل المسؤوليات عما فعلناه به كساحة ومزرعة وشركة. و"المقاومة الإسلامية" تكمل ربط الوضع اللبناني بالصراع الدائر على كل جبهات المنطقة، على أساس "أن مصير لبنان يُصنع في ساحات المنطقة وأن المستقبل فيها للمقاومة"، بحسب السيد نصرالله.

وكل شيء، بما في ذلك الصراع العربي- الإسرائيلي، صار جزءاً من اللعبة الكبيرة بين أميركا وإيران، سواء في مرحلة التفاهم والاتفاق النووي ورهان الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما الفاشل على التوازن بين قوة إيران الشيعية وقوة الإخوان المسلمين السنية بقيادة تركيا، أو في مرحلة الخلاف والعقوبات والخروج من الاتفاق النووي و"كبح النفوذ" الإيراني أيام الرئيس دونالد ترمب. إسرائيل تقصف في العراق وسوريا ومؤخراً في لبنان ما تقول إنها قواعد وصواريخ توزعها إيران على وكلائها ومصانع لتطوير الصواريخ. وأميركا تشدد الخناق على إيران بالعقوبات. والحرس الثوري الإيراني يتحدث عن "خمسة جيوش عقائدية" جاهزة للدفاع عن إيران إذا هاجمتها أميركا أو إسرائيل. ولا أحد يجهل أن حزب الله هو واحد من هذه الجيوش والأقوى بينها. ولم يكتم الحزب أن عملية تدمير مركبة مدرعة إسرائيلية في مستعمرة أفيفيم، التي كانت قرية عربية اسمها صلحا، هي رد على قصف العدو لمقاتلين له في سوريا.

والواقع أن حزب الله لم يعد في حاجة إلى حجة أو مبرر للاحتفاظ بالسلاح. في البدء كان المبرر طبيعياً، وهو الاحتلال الإسرائيلي للجنوب اللبناني، وإن قادت سياسة بعيدة المدى دمشق وطهران إلى إخراج المقاومة الوطنية التي كانت تقاتل الاحتلال وترك الساحة لـ"المقاومة الإسلامية" وحدها في بلد تعددي. وعندما انسحبت إسرائيل مدحورة من الجنوب، ظهرت قصة مزارع شبعا والحاجة إلى تحريرها. لكن حزب الله توقف منذ مدة طويلة عن القيام بأي عملية في المزارع. وصار يشارك في حرب سوريا وحرب اليمن والصراع في العراق بحجة الدفاع عن "محور المقاومة والممانعة"، أي المشروع الإقليمي الإيراني. لا بل إن السيد نصرالله، الذي أوضح أنه سيرد على الاعتداء الإسرائيلي عبر الحدود لا في مزارع شبعا، كان يمهد للقول بعد العملية أنه رد في "الأرض الفلسطينية المحتلة، لا في الأرض اللبنانية المحتلة".

والقراءات في الحدث تركزت، حتى إشعار آخر، على إصابة أكثر من هدف بصاروخ واحد: إسقاط "الخطوط الحمر" بين لبنان وإسرائيل. إسقاط جوهر القرار 1701 وأساس دور "اليونيفيل"، وإن بقي الشكل وقيل بألسنة المسؤولين اللبنانيين والدوليين إن القرار لم يمت والقوات الدولية مستمرة في العمل بعد التمديد لها في مجلس الأمن سنة كاملة. انكشاف التسليم اللبناني الرسمي وحتى الدولي بالتقويض المستمر منذ البدء لما فرضه القرار الدولي من إخلاء منطقة عمليات "اليونيفيل" جنوب الليطاني من أي وجود مسلح غير شرعي، في ظل تقارير الأمين العام للأمم المتحدة الدولية عن حال القرار 1701 والقرار 1559، التي كانت ولا تزال تعتبر أن "حزب الله يقوض قدرة الحكومة على ممارسة سلطتها وسيادتها" وأن سلاحه "يشكل خطراً على لبنان". إسقاط المطلوب في الداخل ومن الخارج، وكان يبدو مسافة أو نوعاً من "الحدود" بين "الدولة والدويلة". تأكيد معادلة الربط بين الجبهات في لبنان وسوريا والعراق. وتأكيد مقولة المؤرخ الإسرائيلي بني موريس من أن "آلة إسرائيل العسكرية أقوى من السابق، لكن الإسرائيليين أكثر قابلية للعطب مما كانوا عام 1950".

والاهتمام يتركز الآن على عامل الصواريخ في الصراع. إيران تعمل بكل طاقتها لتطوير الصواريخ وتوزيع قسم منها على الوكلاء. أميركا ترى في الصواريخ أكبر تهديد لمصالحها وقواتها في الشرق الأوسط. وإسرائيل تعتبر أن الصواريخ الدقيقة هي أكبر خطر عليها. ومعارك الصواريخ مرشحة لأن تقود إلى حرب على الصواريخ وسواها. والصواريخ تؤذي وتدمر وتخيف، لكنها ليست كافية لتحرير أرض أو تحقيق نصر. والمعادلة في حربها هي أن اليد العليا في النهاية للطرف الأقوى والأقدر على تطوير الصواريخ والصواريخ المضادة للصواريخ. لا بل إن ما يحمي هو في الوقت نفسه ما يستجلب الخطر. أليس مقابل التهديد بضرب "العمق وعمق العمق" في إسرائيل هو التهديد بإعادة لبنان إلى "العصر الحجري"؟ إسرائيل لها أميركا. ونحن من لنا؟ وما الذي يبقى للتاريخ ومن التاريخ والحاضر على الطريق إلى أي مستقبل؟

المزيد من آراء