قالت النائب الأول للمدير العام لصندوق النقد الدولي غيتا غوبيناث إن النظام المصرفي العالمي صمد بصورة جيدة حتى الآن، على رغم الأزمات التي تعصف بالعالم، مستدركة "لا أعتقد أن ذلك يجب أن يدعو إلى الرضا عن النفس لأن ما تعلمناه من تجربة انهيار بنوك أميركية في مارس (آذار) الماضي، هو أن الأمر لا يتطلب سوى عدد صغير من البنوك لإحداث صدمة كبيرة في النظام المصرفي".
وأضافت، "أعتقد أن الخبر السار هو أنه على رغم الزيادة الحادة في أسعار الفائدة والصراعات التي شهدناها فإن النظام المصرفي العالمي صامد بصورة عامة حتى الآن".
وجاءت تصريحات غوبيناث خلال جلسة اليوم الثالث لمنتدى دافوس في سويسرا بعنوان "هل البنوك جاهزة للمستقبل؟"، والتي ناقشت صحة القطاع المصرفي في العالم والأخطار والتحديات التي قد تواجهها البنوك مستقبلاً، وتناولت آثار التموج الواسع للأزمة المصرفية التي حدثت في الولايات المتحد العام الماضي.
وتطرقت الجلسة إلى التدابير التي يجب اتخاذها لضمان استعداد البنوك لمواجهة المستقبل الذي قد يكون غير مؤكد، مع التركيز على إعادة بناء الثقة في النظام المصرفي، وشمل الحديث تقييم الهياكل والسياسات المصرفية وتحسين النظام الرقابي والتكنولوجيا المالية لضمان تحقيق الاستقرار والمرونة في مواجهة التحديات المحتملة.
واستضافت الجلسة أيضاً الرئيس التنفيذي لبنك "سوسيتيه جنرال" سلافومير كروبا والرئيس التنفيذي لمجموعة "يو بي أس إيه جي" سيرغو إرموتي والرئيس التنفيذي لإدارة الأصول والثروة في "جي بي مورغان تشيس أند كو" ماري كالاهان أردوس، بينما أدارت الجلسة سارة آيزين من شبكة "سي أن بي سي" الأميركية.
إلى ذلك بدأت آيزين الجلسة بتقديم صورة عن عام 2023 واصفة إياه بـ " الغريب"، إذ شهد العالم انهيار بنوك أميركية مثل "وادي السيليكون" و"سيغنتشر"، إلى جانب ارتفاعات كبيرة ومتتالية في أسعار الفائدة، إضافة إلى استحواذ بنك "يو بي إس" على بنك "كريدي سويس"، في صفقة جمعت بين أكبر بنكين في سويسرا، وكذلك اندلاع حربين في العالم، وعلى رغم كل هذه الأحداث قالت آيزين إن "البنوك العالمية اليوم لا تبدو في وضع صعب"، لتطلب من ضيوفها بعد ذلك العرض توصيف وضع البنوك في العالم اليوم.
الأصول المصرفية
وأضافت غوبيناث أنه "إذا نظرنا إلى عدد البنوك المعرضة للخطر في الولايات المتحدة فسنجد أنها تشكل نحو تسعة في المئة من الأصول المصرفية في البلاد".
وتابعت النائب الأول للمدير العام لصندوق النقد الدولي أن هناك الآن مجالاً آخر من مجالات التعرض التي نشعر بالقلق في شأنها وهو التعرض للعقارات التجارية، وهو تعرض أكبر، مشيرة إلى أن التعرض للعقارات التجارية في الولايات المتحدة أقل إلى حد ما وكذلك في أوروبا، ولكنه موجود في أوروبا. وقالت إن "السبب الذي جعلني أذكر حقيقة هذه البنوك الخلفية هو الدرس الذي تعلمناه في مارس الماضي، مع فقدان الثقة بسرعة كبيرة في النظام المصرفي ككل، مما يعني أنه كان هناك خطر حدوث أزمة نظامية وتطلب الأمر إجراء قوياً للغاية من قبل وزارة الخزانة الأميركية".
صمود الأسواق الناشئة
وقالت غوبيناث إنه "إذا نظرنا بصورة أكثر عالمية تجاه الأسواق الناشئة، باستثناء الصين، فوضعها مختلف، إذ صمدت البنوك هناك بصورة جيدة وكان رأسمالها التنظيمي مرتفعاً جداً وقد ساعدها ذلك بالفعل في هذه الفترة الصعبة". وأضافت، "الصين لديها قصة مختلفة، إذ تمتلك بنوكاً وقطاعاً مصرفياً كبيراً جداً، فأكبر بنوك العالم موجودة في بكين"، مستدركة "لكن الصين تتعرض أيضاً لقطاع العقارات وهو أمر ضعيف، وأيضاً الحكومات المحلية تقوم بالتمويل بعض القطاعات التي تواجه بعض المشكلات".
الانفصال بين السياسة النقدية والسياسة التحوطية
إلى ذلك، وجهت آيزين السؤال إلى الرئيس التنفيذ لمجموعة "يو بي أس إيه جي" سيرجو إرموتي قائلة "كيف قاد بنك يو بي أس مجدداً بصورة جيدة؟"، فأجاب قائلاً "من الواضح أن تلك اللحظة كانت سوريالية، لكنني أعتقد أن جوهر الأمر يكمن في أنه يجب أن يكون المنظمون سعداء للغاية لأن البنوك التي طبقت التنظيم الأكثر صرامة بعد الأزمة المالية كانت قوية"، مضيفاً "لذلك عندما رأينا انعدام الثقة في النظام المصرفي وضعنا نطاقات كبيرة للقيام بذلك"، موضحاً "بمعنى أن التنظيم المركز والمصمم جيداً ساعد في جعل النظام المصرفي أكثر رسوخاً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار إلى أنه من المهم جداً أن ندرك حقيقة أن البنوك التي كانت عرضة للخطر لم تكن خاضعة لقواعد تنظيمية صارمة أو أكثر صرامة، وهي تقريباً لوائح أولية حول كيفية إدارة أسعار الفائدة الخاصة بك والسيولة. وأضاف، "لم أتفاجأ لأكون صادقاً بأن الحرب الرقمية ستترجم إلى تدفقات أسرع للأموال إلى الخارج، إذ فوجئت على سبيل المثال بعدم الاعتراف بذلك وتمجيده من قبل الهيئات التنظيمية".
لوائح مصرفية معقولة
من جانبها، علقت الرئيس التنفيذي لإدارة الأصول والثروة في "جي بي مورغان تشيس أند كو" ماري كالاهان أردوس على حديث سيرغو إرموتي قائلة إن "البنوك مرآة لعملائها، وقوة البنك تقاس بنوعية عملائه والعلاقات التي تربطه به، وهو عمل يتعلق بالعلاقات ومن تختار ليكونوا عملاءك وكيف تفعل ذلك"، وأضافت، "لا ينبغي أن يكون مفاجئاً ما يحدث عندما تكون في موقف مرهق، لذا فإن وجهة نظر سيرغيو في الولايات المتحدة أثناء الأزمة المصرفية الإقليمية كانت أن 90 في المئة من عملاء بنك وادي السيليكون و فيرست ريبوبليكان بانك كانوا عملاء مؤسسيين وكانوا مودعين غير مؤمن عليهم، وهم الآن في عالم رقمي"، وأردفت، "لذلك في العالم الرقمي ليس عليك الانتظار حتى الساعة الثامنة صباحاً حتى تتخذ القرار، بل بإمكانك فعل ذلك منتصف الليل وسيسير كل شيء، وبالتالي فإن الأمر كله يعود للتنظيم واختبار التحمل والتأكد من أنك تدير مؤسسة مالية مناسبة بناء على العملاء الذين لديك، لذا فإننا في بنك جي بي مورغان تشيس أند كو محظوظون بصورة لا تصدق بامتلاكنا هذه الفرصة من العملاء، إذ نتعامل مع 90 في المئة من عملاء مدرجين على مؤشر فورتشن500 ونتشارك أنا وزملائي في الجلسة كثيراً من العملاء، ونحن محظوظون بما فيه الكفاية للعمل مع العملاء، إذ نقول إننا نريد إقراضك المال ولكننا نريد القيام بذلك بالطريقة الصحيحة، ولا نريد أن نفعل هذا بطريقة خاطئة".
وتابعت، "الخدمات المصرفية ليست سلعة، إنها مثل الطبيب، فلا يمكنك فقط اختيار أرخص طبيب لأنك تريد المساعدة في إجراء جرحة، فهذه ليست الطريقة التي يجب أن نفكر بها، وعليك أنت تفكر في الأمر من أجل صحة جسمك أو شركتك الخاصة على المدى الطويل، ولذلك لا ينبغي أن يكون من المفاجئ لأي شخص أن القواعد التنظيمية التي تفرضها البنوك الصغيرة والمتوسطة الحجم في الولايات المتحدة لا تشبه حتى الأنظمة المصرفية الأوروبية، بل إنها تبدو مختلفة تماماً، ولهذا السبب عندما نتحدث عن اللوائح المصرفية التي يجب أن نطبقها للمضي قدماً فيجب أن تكون مجرد لوائح معقولة".
الاستحواذ على البنوك عمل تنافسي عالمي
وسألت مديرة الجلسة الرئيس التنفيذي لبنك "سوسيتيه جنرال" سلافومير كروبا حول منافسة "سوسيتيه جنرال" لكلا البنكين في الجلسة، "جي بي مورغان تشيس أند كو" و"يو بي أس إيه جي"، فرد قائلاً "أصبحت هذه البنوك أكبر حجماً إذ اضطرت إلى الاستحواذ على بنوك جديدة، وهو عمل تنافسي عالمياً"، مضيفاً "لا أعتقد أن هذا يجعل المنافسة أكثر صعوبة، فمن خلال تجربتي نحن نتنافس على مستوى دقيق للغاية، وهذا هو العمل المثير للاهتمام، فلا يوجد منافسة مع جي بي مورغان ويو بي إس على مستوى البنوك، وإنما التنافس يكون على بعض العملاء الذين نتشارك فيهم نحن الثلاثة".