Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

زراعة القنب الهندي... المداخيل المرتفعة تثير شهية الحكومة اللبنانية

رغم إقرار القانون الخاص بهذا القطاع فإنه لم ينتقل إلى حيز التنفيذ ولم تُشكَل الهيئة الناظمة له

جانب من الحقول المزروعة في قرية اليمونة البقاعية، شرق لبنان (أ ف ب)

ملخص

بعد قرابة أربع سنوات على إقراره، لم يدخل قانون تشريع زراعة القنّب الهندي لأسباب طبية وصناعية حيّز التنفيذ

شهدت الأعوام القليلة الماضية تحولاً في النظرة الرسمية اللبنانية نحو تشريع زراعة نبتة "القنب الهندي". وترافق ذلك، مع تبدل السلوك الأمني تجاه زراعة "حشيشة الكيف" من حقبة "المحاربة" والتلف، إلى الاحتواء والتعايش الضمني، وصولاً إلى البحث عن بديل مربح، والتشريع المشروط للقنب الهندي المقرون بالاستخدامات الصناعية والطبية. وبين هاتين المرحلتين، عاشت مناطق واسعة من لبنان، وتحديداً في البقاع الشمالي على وقع مخاوف من تكرار فشل استراتيجية "الزراعات البديلة" التي اعتُمدت خلال تسعينيات القرن الماضي.

مصدر للربح

في 28 مايو (أيار) 2020، صدر القانون الرامي إلى ترخيص زراعة القنب الهندي للاستخدام الطبي والصناعي في لبنان، وأكدت الأسباب الموجبة على تحقيق أهداف عدة، أبرزها تمكين الدولة من مراقبة، وتنظيم زراعة تلك النبتة ومشتقاتها، للوصول إليها بالشكل قانوني ولأهداف طبية وصناعية حصراً، وتحقيق التنمية المستدامة للمناطق المتضررة جراء زراعة القنب غير المشروعة، وتثقيف المجتمع وتوعيته في شأن المخاطر الصحية المرتبطة بالاستخدام غير المشروع للقنب ومشتقاته، وحماية الصحة والسلامة العامة، كما وتخفيف العبء على نظام العدالة الجنائية من خلال الحد من الجريمة المنظمة القائمة على الاتجار غير المشروع بالقنب.
اليوم، وبعد مرور ما يزيد على ثلاث سنوات على إقراره، لم ينتقل القانون إلى حيز التنفيذ، ولم تُشكَل الهيئة الناظمة لتنظيم هذا القطاع. وخلال الفترة الأخيرة، أعاد وزيري الزراعة عباس الحاج حسن، والصناعة جورج بوشكيان تسليط الضوء على الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه الزراعة المربحة في رفد الخزينة اللبنانية بمداخيل إضافية.

حاجة الخزينة

يقر الوزير عباس الحاج حسن عبر "اندبندنت عربية" بفشل الحكومات المتعاقبة في تشكيل الهيئة الناظمة التي نص عليها القانون لأسباب مختلفة، كاشفاً عن طرحه الموضوع على مجلس الوزراء انطلاقاً من خلفيات اقتصادية، حيث تعاني البلاد من أزمة اقتصادية خانقة وحادة. ويقول الحاج حسن "تحتاج الخزينة اللبنانية إلى كل دولار إضافي ممكن، وحسب تقرير شركة ماكنزي والجهات الدولية، يمكن تحقيق مداخيل إضافية من خلال زراعة القنب الهندي الصناعي تصل قيمتها إلى حدود مليار ونصف المليار دولار"، مضيفاً "أن الزراعة يمكن أن تعزز الناتج القومي للدولة المنهارة، ومن ثم إدخال العملة الصعبة إلى الخزينة، على غرار ما قامت به 40 دولة حول العالم حيث تم تشريع هذه الزراعة".

"القنّب ليس الحشيشة"

من جهة أخرى، ينبه الحاج حسن إلى وجود اختلافات بيّنة بين القنب الهندي الصناعي و"حشيشة الكَيف" التي تصارعها الدولة اللبنانية منذ زمن بعيد، "لأسباب أخلاقية ودينية وإنسانية"، مكرراً أن "زراعة الحشيشة ممنوعة، لما فيها من ضرر على الإنسان"، فيما "القنب الهندي هو لغايات صناعية بامتياز من أجل الصناعات الطبية، والمنسوجات، وصناعة المساحيق التجميلية"، و"في هذا جدوى اقتصادية مهمة للغاية". وعن المزايا التي يتمتع بها المنتج اللبناني، يوضح الوزير الحاج حسن أنه "لا إمكانية اليوم لإجراء أي اختبارات بسبب حظر إدخال بذور القنب الهندي إلى البلاد بسبب عدم إصدار المراسيم التطبيقية للقانون الصادر عن مجلس النواب في ظل غياب الهيئة الناظمة للقنب الهندي الصناعي، وبالتالي فإن من شأن الزراعة أن تكشف لنا مدى جودة المنتج اللبناني".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الهيئة الناظمة "مؤجلة"

ويشدد الحاج حسن على "وجود ضوابط قانونية كثيرة تحول دون تداول القنب الهندي الصناعي على غرار ما يحدث على مستوى نبتة الحشيشة"، مضيفاً أن "القانون الخاص بالقنب وكذلك الهيئة الناظمة لديها آليات وضوابط صارمة، لناحية المساحات التي تُزرع، وعدد المزارعين، واستيراد البذور، والشتول التي ستُزرع في الداخل اللبناني، وتُستخدم للإنتاج، وكذلك مرحلة التصنيع الداخلي، وإعطاء التراخيص للمصانع الأجنبية، والتصدير سواء للمنتجات أو المادة الخام"، مشيراً إلى "وضع المشرع قواعد عامة لا بد من تفصيلها من قبل الهيئة التي يفترض تكوينها من الخبراء".
ويجزم الحاج حسن بـ"ضرورة تشكيل الهيئة الناظمة، لأنه سيشكل مؤشراً إلى دولة المؤسسات التي تلتزم بالقانون وبما أقره البرلمان الذي يمثل كل المكونات اللبنانية، تكريساً للشفافية، وإعادة الثقة على المستويين الداخلي والخارجي لناحية العلاقة مع المجتمع الدولي". ويعتقد وزير الزراعة اللبناني أن "العقبات التي تواجه تطبيق القانون ذات طابع سياسي"، مطالباً بتطبيق مندرجات القانون في عملية إنشاء الهيئة، الذي ينص على وجود ممثلين لوزارات الداخلية، والصحة، والعدل، والزراعة، والصناعة، والجهات المختصة الأخرى".
ويلفت عباس الحاج حسن إلى أن "مفاوضات تجري مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار أميركي، وهذا الأمر ما زالت دونه عقبات وشروط، فيما يدر علينا قطاع القنب نحو خمسة مليارات دولار خلال فترة ثلاث سنوات". وينطلق الحاج حسن من مثال عملي، حيث يُقدر مردود زراعة ألف متر من حشيشة الكيف الممنوعة بـ400 دولار، فيما يصل مردود المساحة نفسها من القنب الهندي إلى 1200 دولار، مشدداً على السعي إلى تنفيذ القانون، ومن ثم "محاربة وصمة العار التي باتت على جبين وطننا بسبب شبهة تصدير المخدرات، حيث سيقود تشريع القنب الهندي إلى القضاء نهائياً على الزراعات الممنوعة"، وكذلك "محاربة هذه الآفة التي تفتك بالشباب في لبنان، وتتسبب بمشاكل لدى مختلف الشرائح الاجتماعية".

إشكاليات قانونية حاضرة

ويتضمن قانون القنب الهندي للاستخدام الطبي والصناعي مجموعة قواعد تنظيمية، فهو من جهة، نصّ على إنشاء هيئة ناظمة لزراعة نبتة القنب، وهي تتولى منح التراخيص الضرورية لزراعة القنب وتسويقه، كما أنها هيئة خاضعة حصراً لوصاية رئاسة مجلس الوزراء، وتتمتع بالاستقلالية المالية والإدارية بحسب الخبير القانوني المحامي كريم نمور، الذي يؤكد أن "القانون لم يتضمن أي تعديل للوضعية القانونية لمستهلكي القنب الذين يبقون معرضين للملاحقات القانونية وفق قانون المخدرات، كما أنه لم يتضمن أي عفو عام عن الناشطين في زراعة القنب، حيث يستمر تسليط سيف الملاحقة على رؤوس هؤلاء"، موضحاً أنه "وفق القانون الحالي للمخدرات يعاقب المستهلك بعقوبة تصل إلى ثلاث سنوات حبس مع غرامة".
ويشير نمور إلى تزايد المطالبات بـ"إلغاء تجريم استهلاك مختلف أنواع المخدرات، في ظل وضع السجون الحالي، وعدد الموقوفين بسبب استهلاك المخدرات"، و"إغفال قانون القنب لهذا الجانب يؤدي إلى عبثية قوامها تشريع زراعة القنب، من دون أي إشارة إلى مستهلك المواد المخدرة".
في المقابل، يشدد نمور على تأمين "مناعة" أعضاء الهيئة الناظمة إلى أبعد قدر ممكن، نظراً إلى المهمات "الخطرة" الملقاة على عاتقهم لناحية مراقبة الزراعة، والحصاد، والتوزيع، ومنح التراخيص وغيرها. ناهيك، عن تمتع مفتشيها ومراقبيها بصفة أفراد الضابطة العدلية، وارتباطهم مباشرة بالنيابات العامة المختصة مع صلاحية تنظيمهم محاضر الضبط بالمخالفات المتعلقة بالتراخيص.
كما يتطرق إلى العقوبات الجزائية في القانون، التي تنص على معاقبة من أقدم على زراعة نبتة القنب خارج النطاق الجغرافي والمساحات المرخص بها ، متجاوزاً إطار الترخيص الذي ناله، ومعاقبة من قدم بيانات ومعلومات كاذبة في طلب الترخيص أدت إلى حصوله على الترخيص. ويضيف نمور أن "القانون يعاقب من أقدم بالعنف على مقاومة موظفي الضابطة العدلية ومفتشي الهيئة ومراقبيها لمنعهم من تأدية مهماتهم بالحبس والغرامة، وهو لم يميز بين أوجه مختلفة من مقاومة الضابطة العدلية والموظفين، خلافاً لما نصت عليه المادة 379 من قانون العقوبات التي تميز بين الحالة التي تتم بها مقاومة الموظف من جماعة مسلحة يزيد عددها على 20 شخصاً، وتلك التي تتم بها مقاومته من جماعة يقل عددها عن 20 شخصاً، وتلك التي تتم من دون أي مقاومة مسلحة"، لافتاً إلى أن "القانون لا يفرض عقوبة جزائية على من تنازل عن الترخيص من دون إبلاغ الهيئة المشرفة، علماً أن هذا الترخيص اسمي، ولا يصح التنازل عنه من دون موافقة الهيئة".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات