Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

زلة اللسان نافذة على العقل الباطن والأسرار المكبوتة

كل من يخرج أمام الرأي العام ويدلي بكلام أو رأي معرض للوقوع في خطأ غير مقصود

زلات اللسان عادة تكشف عن رغبات مكبوتة بشدة في العقل الباطن للشخص (pxhere)

ملخص

تخونهم ذاكرتهم وألسنتهم ويتعرضون لما يعرف بالاضطراب الكلامي الذي تحدث عنه فرويد في علم النفس وآخرون من علماء اللغة

لم تكن زلات لسان المشاهير في الزمن الذي سبق وسائل التواصل الاجتماعي تشكل حدثاً ذا أهمية كبرى، فما حدث يبقى في إطار من حضر في المكان وثم من شاهد عبر شاشة التلفاز، فيثار الموضوع كحديث عابر وينسى.

لكن وسائل التواصل الاجتماعي جعلت من الجميع يوثق الحدث صوتاً وصورة وعلى أجهزة عدة معاً في آن، مما يقوله الشخص عن قصد أو غير قصد، في حديث عابر أو شرود ذهن، بلحظة عدم تركيز أو ارتباك، فالحدث  برمته مسجل وسيوضع تحت رحمة الجمهور ليبت بعد طول حديث بين مؤيد ومعارض، وبين من له رأي وآخر يعارضه الرأي حول ما إذا كان ما نطقت به الشخصية المشهورة صحيح أو خاطئ، لينسى بعد فترة أخذ ورد، وتظهر شخصية مشهورة أخرى تثير الجدل نتيجة واقعة ما.

أسرار مكبوتة

الزلة الفرويدية، هي زلة اللسان التي يبدو أنها تكشف عن غير قصد فكرة أو موقف غير واع، ويعود هذا المفهوم لأبحاث مؤسس التحليل النفسي سيغموند فرويد الذي يعتقد أن زلات اللسان عادة ما تعبر عن ظهور الرغبات المكبوتة بشدة من العقل الباطن للشخص، وكتب فرويد للمرة الأولى عن هذا المفهوم في كتابه الصادر عام 1901 بعنوان "علم النفس المرضي للحياة اليومية"، وتحدث بالتفصيل عن هذه الظاهرة مرة أخرى في كتاب صدر عام 1925 بعنوان "دراسة السيرة الذاتية"، فقال "هذه الظواهر ليست عرضية فهي تتطلب أكثر من مجرد تفسيرات فسيولوجية، ومن المبرر أن نستنتج منها وجود دوافع ونيات مقيدة أو مكبوتة"، وخلص إلى أن هذه الزلات كانت بمثابة نوافذ على العقل الباطن وعندما يقول شخص ما شيئاً لم يقصد قوله يمكن أحياناً كشف أسراره المكبوتة.

وفي عام 1979 وجد الباحثون في جامعة كاليفورنيا أن زلات اللسان تحدث في غالبية الأحيان عندما يكون الأفراد تحت الضغط أو عندما يتحدثون بسرعة، ومن هذه النتائج خلصوا إلى أن الرغبات الجنسية اللاواعية التي تحدث عنها فرويد ليست السبب الوحيد لما يسمى بالزلات الفرويدية.

أما أستاذ علم النفس الاجتماعي في جامعة كارولينا توماس فورد فيشير إلى أن هذا التحيز المخفي في عباءة من المرح والفكاهة قد يبدو في ظاهره غير ضار وتافه، إلا أن مجموعة كبيرة من أبحاث علم النفس تشير إلى العكس تماماً، إذ تعزز العبارات التافهة والمنطوقة بهدف المزاح التمييز والعنصرية ضد بعض الأفراد والجماعات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الحقيقة المعكوسة

ولقد أصبح كل من يخرج اليوم أمام الرأي العام ويدلي بأي كلام أو رأي، معرضاً للوقوع في فخ زلات اللسان، فلم يعد الأمر مقتصراً على الفنانين أو السياسيين بل دخل ما عرف بالمؤثرين على الخط من دون الخضوع لبعض المعايير التي يلتزم بها السياسيون مثلاً، والتي تأخذ منهم ساعات من التدرب والتحضير للخروج وإلقاء خطاب أو التحدث أمام الجمهور. وعلى رغم ذلك تخونهم ذاكرتهم وألسنتهم ويتعرضون لما يعرف بالاضطراب الكلامي الذي تحدث عنه كذلك فرويد في علم النفس وآخرون من علماء اللغة، والذي يظهر أن خطأ الكلام قد يحدث في المقام الأول جراء تأثير عناصر عدة، وتتخذ الأخطاء أشكالاً مثل حذف حرف من الكلمة أو إبدال حرف بآخر أو إضافة حرف أو ربما بتشويه الكلمة بطريقة غير مألوفة.

ومن الأمثلة الراهنة ما أدلت به مجموعة من السياسيين بما يخص الحرب على غزة، فقد زل لسان رئيس وزراء السويد أولف كريستيرسون عندما قال في خطاب له أمام الجمهور إن "السويد والاتحاد الأوروبي يقفان متحدين في أن لإسرائيل الحق في الإبادة الجماعية"، وقبل أن يكمل كلمة "الجماعية" تدارك الموقف وقال الدفاع عن نفسها، لكن الجمهور كان قد تصيده وبدأ في تكرارها والضحك والتعبير عن استهجانه بإعادة ذكر كلامه على صيغة سؤال وتذكيره بأنهم سمعوها، فاضطر بدوره للصمت والاستماع إلى الحاضرين، وهو مصدوم لما نطق به.

أما المتحدثة باسم الحكومة الإسرائيلية تال هاينرش فقد صرحت في حديث تلفزيوني أن الجيش لا يستهدف إلا المدنيين قبل أن تتدارك زلة لسانها وتصحح خطأها وتقول إنها تقصد "الإرهابيين طبعاً".

وفي هذا الوقت كان السفير الإسرائيلي أمير ميمون في أستراليا قد زل لسانه عندما قال في إحدى تصريحاته التي يتحدث بها عن الحرب و"حماس"، "نحن لسنا ضحايا"، قبل أن يتراجع سريعاً عما قاله مما حذا بالمتابعين ليستشهدوا بإحدى المقولات: "ما أضمر أَحد شيئاً إلا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه".

استفزاز ونسيان

هذا في عالم السياسيين الذين يخضعون للتدريب والمراقبة الدائمة، فماذا عن عالم المشاهير الآخرين الذين يعتبر بعضهم أن التحدث هو سمة بشرية لا تحتاج إلى التدرب والتمرن ومعرفة ما يقال أو ماذا يجب أن يقال أو أين يقال، فنرى كثيرين يتحدثون من دون رادع اجتماعي لمكانتهم وماذا يمثلون أو ما هو هدفهم من قول بعض الكلام الذي يعرضهم لكثير من زلات اللسان التي تستفز بعض الناس في بلد ما أو طبقة أو فئة وغيرها، ويصبحون حديث الشارع وبخاصة في شقه السلبي، فالفنانة المصرية شيرين كمثال صارخ تضع نفسها دائماً في مواقف حرجة لها تعرضها لزلات اللسان، فيطغى عقلها اللاواعي على الواعي وتتلفظ بكلمات غير لائقة لا بها ولا بالحدث ولا بالجمهور، ودائماً ما تشن ضدها حملات هجومية من الجمهور تطالبها بالاعتذار، ومثلها كثير من المغنين والممثلين والإعلاميين ومؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي.

ولكن الغريب في الموضوع أن الرأي العام بعد أن يتداول في هذه التصريحات وزلات اللسان، وبعد أن يعبر عن غضبه واستيائه، إلا أنه يعود وينسى وأحياناً يبرر للمشهور زلته، وكل بحسب رأيه ووجهة نظره وزاوية رؤيته للكلام.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات