ملخص
أعربت جهات أمنية وسياسية عن عدم مفاجأتها من تنفيذ عملية رعنانا، خصوصاً في أعقاب تحذيرات جهات عدة من سياسة حكومة نتنياهو تجاه الضفة
كشفت "عملية رعنانا"، التي نفذها فلسطينيان من الخليل، خللاً كبيراً في عمل الشرطة والأجهزة الأمنية في إسرائيل منذ اللحظة الأولى لوصول الفلسطينيَين وحتى انتهاء العملية، التي نُفذت في ثلاثة مواقع، من دون أن تنجح جهة أمنية في منعها، ما اعتبره مسؤولون أمنيون استمراراً لعدم تعلم الدرس من الإخفاقات التي جلبت "كارثة السابع من أكتوبر" (تشرين الأول)، فيما تعالت مجدداً أصوات اليمين المتطرف المطالبة بزيادة تسليح المدنيين اليهود، بعدما تقرر تقييد منح رخص السلاح وسحب أسلحة من بين أيادي مئات الإسرائيليين.
وفي أعقاب تنفيذ "عملية رعنانا"، عقدت الشرطة ومسؤولون أمنيون إسرائيليون اجتماعات، فيما أعلن مسؤول أمني، أمس الثلاثاء، عدم تمكن أي جهة من التوصل إلى معرفة كيفية تنسيق تنفيذ العملية والوسيلة التي نجح من خلالها المهاجمان في الدخول إلى إسرائيل، فيما رجح البعض أنهما استغلا وجود ثغرات في جدار الفصل والمناطق الفاصلة بعيداً عن الحواجز العسكرية المغلقة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، وتسللا إلى إسرائيل ووجدا فيها أياماً قبل تنفيذ العملية، بينما أشير أيضاً إلى إمكانية عملهما في إسرائيل منذ فترة بشكل غير قانوني، ولاحقاً ذكر تقرير أمني أن الاثنين ممنوعان من دخول إسرائيل لأسباب أمنية.
عملية مزدوجة عبر السيطرة على سيارتين
وبخلاف العمليات السابقة التي نفذها فلسطينيون داخل إسرائيل، تمت عمليات الطعن كوسيلة للسيطرة على السيارة التي نفذت فيها عملية الدهس في رعنانا. ووفق ما أظهرته التحقيقات فإن أحد المهاجمين الفلسطينيين تمكن من السيطرة على سيارة كانت تقودها امرأة في رعنانا بعدما طعنها ثم واصل السير فيها ودهس من كان على الرصيف. وبعد إصابته عديداً من المشاة توقفت السيارة بسبب عطل فتركها. بعد ذلك، لم تتمكن الشرطة أو أجهزة الأمن الإسرائيلية من معرفة كيفية سيطرته على سيارة أخرى في شارع آخر، حيث واصل دهس المارة ثم انتقل إلى شارع آخر وهو شارع فايتسمان ودهس آخرين. كل هذا دون أن تخلص التحقيقات إلى معرفة حيثيات الانتقال من مكان إلى آخر. واكتفى الناطق بلسان الشرطة، أمس الثلاثاء، إيلي ليفي، بالقول إن كل ما علمته الشرطة هو أن عمليات جرت في ثلاث نقاط، وهو حدث بدأ في نقطة وتواصل إلى النقطة الثالثة ثم هرب المهاجمان.
ووفق الشرطة، فإنها أمام تحقيق في حدث معقد، إحدى أكبر المشاكل فيه هي عدم معرفة البداية والنهاية.
وظهرت حال إرباك داخل الشرطة والأجهزة الأمنية في إسرائيل وتناقضت البيانات والتصريحات حتى في حديث الشرطة حيث جاء أنه "نفذ مخرب العملية بعد سيطرته على سائقة"، بينما نُقل عن مصدر آخر أنه تم اعتقال شخصين، في حين أشار مسؤول إسرائيلي إلى أن التوقعات هي أن يكون أحد المهاجمَين نفذ كل العملية، والثاني ساعده أو أن كل منهما نفذ عملية في نقطة مختلفة.
ولم تتمكن الشرطة بعد من معرفة طريقة تسلل الفلسطينيَين ودخولهما إلى إسرائيل واكتفت بالحديث عن وجودهما بشكل غير قانوني، علماً أنه منذ السابع من أكتوبر من المفترض ألا يوجد أي فلسطيني في إسرائيل، سواء كان يحمل تصريحاً أم لا يحمله. وفي هذا الجانب أيضاً اعترف أمنيون بإخفاق خطر في ناحية وجود فلسطينيين داخل الخط الأخضر من دون أن تتمكن الشرطة أو جهاز الأمن العام (الشاباك) من معرفة ذلك، رغم رفع حالة الطوارئ إلى أقصى درجاتها.
عملية رعنانا "النوعية" بحسب ما وصفها إسرائيليون، رغم عدم استخدام أسلحة خاصة في تنفيذها، وضعت الوضع الأمني على الجبهات الثلاث التي تواجهها إسرائيل، قطاع غزة، ولبنان، والضفة الغربية أمام واقع، اضطُر إلى رفع جبهة الضفة الغربية إلى رأس أجندة الإسرائيليين. وعقدت الأجهزة الأمنية، و"الكابينت الموسع"، و"الكابينت الحربي" اجتماعات تقييم للوضع وسبل التعامل معه، لمنع إشعال هذه الجبهة. ونقل الجيش وحدة المستعربين (دوفدوفان) من غزة إلى الضفة، جراء تحذيرات من تداعيات انفجار الجبهة.
رئيس أركان الجيش، هرتسي هليفي، وعلى غير ما هو متبع بعد تنفيذ عمليات داخل إسرائيل، تدخل في الحدث وقرر الاستعانة بوحدة "يهلوم" (وحدة الهندسة للعمليات الخاصة) لتكون على أهبة الاستعداد لأي طارئ. ونقل هليفي تعليمات خاصة لتلك الوحدة وقال في لقاء مع عناصرها، إن "تداعيات الإرهاب الذي واجهناه داخل رعنانا ستنعكس أيضاً على الأوضاع في غزة. مَن نفذ وقد ينفذ لاحقاً مثل هذه العمليات ليسوا مقاتلين أقوياء مثلكم. اليوم ستكون مواجهتهم معكم أنتم. إنهم يأتون إلى داخل البلدات ويهاجمون مواطنين ويدوسونهم ولهذا يوجد رد واحد فقط بأننا سنزود المنطقة بقوات عسكرية ستخرج من غزة وسنواصل مقاتلة المخربين، وسننشر قوات في الضفة لمواجهة البنى التحتية الإرهابية، وسندخل قوات إلى الحدود اللبنانية لاستمرار القتال والقضاء على البنى التحتية الإرهابية. سنكون في كل الجبهات، لن نسمح لأحد أن يمنعنا من تحقيق النصر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
العملية وليدة ضغط اقتصادي
من جهتها، أعربت جهات أمنية وسياسية عن عدم مفاجأتها من تنفيذ عملية رعنانا، خصوصاً في أعقاب تحذيرات جهات عدة من سياسة حكومة بنيامين نتنياهو تجاه الضفة الغربية سواء بالحصار الخانق عليها منذ بداية حرب "طوفان الأقصى" المترافقة مع عمليات اقتحام وتدمير لمعظم المناطق، التي لم تطل البنى التحتية لتنظيمات مسلحة وحسب، إنما أيضاً الاقتصاد الفلسطيني الداخلي. وكذلك منع دخول عمال فلسطينيين إلى إسرائيل للعمل، ورفض وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش تحويل أموال المقاصة للسلطة الفلسطينية، كلها مجتمعة أدخلت الضفة في وضع اقتصادي خانق.
وحمّل أمنيون الحكومة الإسرائيلية مسؤولية "عملية رعنانا"، حيث حذرت وثيقة تسلمتها الحكومة قبل أيام من خطر إشعال جبهة الضفة جراء سياسة الحكومة. وحثت المؤسسة الأمنية نتنياهو على التراجع عن قرارات حجب مئات الملايين من عائدات الضرائب التي تجمعها إسرائيل نيابة عن السلطة الفلسطينية، ومنع عودة حوالي 150 ألف فلسطيني إلى العمل داخل إسرائيل والمستوطنات.
كما حذرت المؤسسة الأمنية من أن هذه السياسات تخاطر بانهيار السلطة الفلسطينية التي تعاني من ضائقة مالية بالفعل، الأمر الذي سيجعل إسرائيل مسؤولة عن تقديم الخدمات لملايين الفلسطينيين في الضفة.
وجاء في تقرير نشرته صحيفة "هآرتس" أن هذه العمليات تُنفَذ بتشجيع من "حماس"، لكن "لا حاجة إلى توجيه مباشر منها. فالناس في الضفة غاضبون، ولا حاجة إلى سلاح من أجل تنفيذ خطط مستقلة لشن عمليات. وفي معظم الحالات، فإن هذه المحاولات تم إحباطها داخل حدود الضفة الغربية". وأضاف التقرير أن "معظم الجهات الأمنية تدعي الآن أيضاً أنه رغم الظروف الصعبة للحرب، فإنه يجب إدخال العمال من الضفة الغربية مرة أخرى إلى إسرائيل، على الأقل كمشروع ريادي بحجم محدود. الوضع الاقتصادي في الضفة آخذ في التفاقم وهو يهدد استقرار حكم السلطة الفلسطينية. يضاف ذلك إلى تقليص رواتب موظفي السلطة في أعقاب تجميد أموال الضرائب الفلسطينية من قبل إسرائيل بضغط من وزير المالية". ونبّه التقرير إلى أن "السلطة الفلسطينية ورغم ما يحدث في قطاع غزة، ما زالت تحافظ على مستوى من التنسيق الأمني مع إسرائيل، وما زالت تقوم أحياناً باعتقال ناشطين في حركتي حماس والجهاد الإسلامي على أراضيها. وفي ظل الظروف الحالية، لن تستمر هذه الأمور لفترة طويلة وعندها ربما سيأتي الانفجار الذي سيجرف معه أيضاً نشطاء مسلحين من فتح ومن الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية".
وإلى حين اتخاذ "الكابينت الموسع" قراراً حاسماً في شأن مطلب الأجهزة الأمنية بإدخال عمال فلسطينيين إلى إسرائيل وتحويل مستحقات السلطة الفلسطينية من الضرائب، رفعت الأجهزة الأمنية والشرطة وبمشاركة حرس الحدود، حالة الطوارئ في كل بلدات إسرائيل، مع تشديد على منطقة المركز التي كانت لفترة طويلة مسرحاً لعمليات ينفذها فلسطينيون من الضفة.
كما تخشى أجهزة الأمن من "فتح" جبهة فلسطينية جديدة في القدس وتحديداً في الأقصى، مما دفع إسرائيل إلى إحاطة مناطقها وحدودها بقوات معززة مع سيناريوهات مختلفة قد تؤدي إلى إشعال أكثر من جبهة في آن واحد في حال لم تتخذ الحكومة قرارات فورية وسريعة، ولم تبلور خطة سياسية واضحة ترسم خريطة طريق لعملياتها القتالية في غزة ولبنان والضفة أيضاً.