Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سياسة الوفاق الأميركي - الإيراني تجاه غزة والسعودية

تلاقت مصالح وأهداف واشنطن وطهران إذ تهدف الولايات المتحدة إلى احتواء إيران من دون إضعافها في مواجهة منافسيها الإقليميين

لا تريد إيران أن تخسر ما جنته من صفقتها مع واشنطن التي بناءً عليها استطاعت الحصول على 10 مليارات من الأموال المجمدة (أ ف ب)

ملخص

أعلنت إدارة بايدن أن إيران ليس لديها علاقة بـ"طوفان الأقصى"، كما حرصت إيران على عدم الاشتباك في المأساة التي يعيشها القطاع والاكتفاء بشعارات التأييد المعنوي

قد يتساءل المتابع للشرق الأوسط والسياسة الأميركية فيه حول مدى نجاح أو فشل السياسة الأميركية لا سيما في التعاطي مع السلوك الإيراني على مر الإدارات الأميركية المختلفة، والتساؤل لماذا للآن لم تتمكن واشنطن من كبح جماح السلوك الإيراني أو ترشيده؟ دائماً ما تنتهي التوترات الأميركية - الإيرانية بصفقات يحصل كل منهما على مراده بصرف النظر عن استقرار الشرق الأوسط.
بالنظر إلى كون القوة العظمى تلعب دوراً في الصراعات الإقليمية، تبحث عن حلفاء إقليميين من جهة لكن من جهة أخرى قد تدعم أدواراً إقليمية للبعض الآخر للاستفادة من هذا الدور. أحياناً عبر التدخل لدعم الحلفاء وأحياناً أخرى للحفاظ على توازن قوى معين تمنع به صعود قوى إقليمية بما يغير هرمية وتسلسل النظام الإقليمي، فتصبح هناك قوى إقليمية تتربع على قمة التسلسل الهرمي الإقليمي ودول أخرى تليها.
ووفقاً لنظريات العلاقات الدولية تعد إيران قوة مضادة للوضع القائم state revisionist، أي دولة غير راضية عن وضعها والتوازن الإقليمي القائم، وتسعى إلى تغييره، وكثيراً ما اعتبرت إيران أن توازن القوى الإقليمي في غير صالحها، وأنه يجب الاعتراف بها كقوة إقليمية مؤثرة من جانب دول الإقليم والقوى الدولية كالولايات المتحدة.
تلاقت هنا مصالح وأهداف واشنطن وطهران، إذ تهدف أميركا إلى احتواء إيران من دون إضعافها في مواجهة منافسيها الإقليميين، ولمنع خطط الأمن والتنمية في الإقليم المستهدفة من بعض الدول العربية مثل السعودية القائمة على تنويع الشراكات مع الحلفاء الدوليين مثل الصين وروسيا، ومن ثم لا تريد واشنطن استتباب الأوضاع في الشرق الأوسط بما يخدم المشروعات الاقتصادية لمنافسيها الدوليين مثل الصين.

من هنا لم تتبع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ومن قبله الرئيس باراك أوباما سياسات مشابهة لسياسة الاحتواء المزدوج التي عملت فيها على إبقاء كل من العراق وإيران ضعيفين في مواجهة أحدهما الآخر، أو اتبعت سياسة العصا والجزرة على النحو الذي تفهمه إيران بما يجعلها تقدم تنازلات وتتوقف عن زعزعة الاستقرار الإقليمي مقابل تقديم حوافز لها. ما حدث هو اتباع سياسة تقديم الحوافز بناءً على تنازلات من الإدارة الأميركية ولجهة المصالح الأميركية والغربية.
ففي حين جاءت إدارة بايدن معلنة بقوة الرغبة في إعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي لعام 2015 ولكن بشروط أقوى وأوسع مجالاً، انتهت مع هذه الإدارة أي فرص لإعادة إحياء الاتفاق النووي، بل أصبحنا إزاء واقع نووي جديد تقترب منه إيران لتكون دولة عتبة نووية وباعتراف أميركي، وأصبح خلال فترة إدارة بادين عقد الصفقات الصغيرة السريعة مع إيران سمة محددة للعلاقات بينهما، يتم من خلالها حل الخلافات الثنائية من دون التطرق إلى ما أعلن سابقاً من منظومة الصواريخ الباليستية أو الملف النووي أو السلوك الإقليمي لإيران، من هنا لم يعد هناك حاجة أو جدوى من الاتفاق النووي القديم، إذ يتسنى لإيران الحصول على أموال مجمدة بموافقة أميركية، وفي الوقت ذاته هناك تواصل مع الأميركيين، لم تنقطع العلاقات ويحرص الطرفان على عدم تصعيد التوترات بل إبقاء العلاقات عند مستويات التفاهم التي تحقق المصالح المتبادلة.
وغزة نموذجاً، إذ أعلنت إدارة بايدن أن إيران ليس لديها علاقة بـ"طوفان الأقصى"، كما حرصت إيران على عدم الاشتباك في المأساة التي يعيشها القطاع والاكتفاء بشعارات التأييد المعنوي. لا تريد إيران أن تخسر ما جنته من صفقتها مع واشنطن التي بناءً عليها استطاعت الحصول على 10 مليارات من الأموال المجمدة، وستستمر في عقد صفقات معها للحصول على مزيد من الإفراجات، كما أنها استغلت انشغال المجتمع الدولي بغزة وعادت لتخصب اليورانيوم عند 60 في المئة، بما يمكنها من كسب أوراق جديدة عند التفاوض مستقبلاً مع الغرب بخصوص أي قضية، فضلاً عن خططها للاستفادة من رفع حظر الأسلحة عنها في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 الماضي، وبدأت منذ ذلك الحين بإنتاج مواد ترويجية للصناعات العسكرية الباليستية وصواريخ الكروز والطائرات المسيرة بما يجعلها تدخل سوق السلاح الدولية بصورة قانونية، كما أن العمليات العسكرية في غزة وهجمات الحوثيين في البحر الأحمر ميدان عسكري مهم لاختبار صواريخها الباليستية التي تمد بها الحوثيين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


كل ما سبق منافع تحققت لإيران بفضل السياسات الأميركية غير الراغبة في إضعاف طهران على نحو ما سبق فترة حكم صدام حسين، بل تريد لها أن تظل لديها أدوات تأثير. وليس غريباً أن يتضاعف إنتاج وبيع إيران النفط نحو خمسة أضعاف خلال فترة بايدن، أي إنه عاد إلى نفس كمية الإنتاج والبيع قبل انسحاب دونالد ترمب من الاتفاق النووي وإعادة العقوبات، ومن ثم لم يعد لدى إيران أي محفزات للعودة إلى الاتفاق، إذ حصلت على كل المنافع من دون تقديم تنازل حتى في الملف النووي.

ما سبق يخص مكاسب الوفاق مع واشنطن بالنسبة إلى طهران، أما ما يخص الحسابات الأميركية، فانطلاقاً من السياسة الخارجية للسعودية في السنوات الأخيرة، التي تقوم على أساس الاستقرار الإقليمي وتهدئة الصراعات والتوترات، من أجل بناء القدرات الذاتية والتركيز على الاقتصاد وتنوع الشركاء والحلفاء الدوليين بعقد شراكات مع روسيا والصين على جانب الحليف الأميركي التقليدي بناءً على أهداف الأمن والتنمية معاً. وعلى رغم السياسة الأميركية المعلنة أخيراً بالتوجه نحو الشرق لاحتواء الصعود الصيني، نجد أن واشنطن لم ترتح للعلاقات بين السعودية والصين وروسيا، التي يرتكز جزء كبير منها على المشروعات الاقتصادية للصين ومنها مبادرة الحزام والطريق. وكان أهم تجليات الوجود الصيني في الشرق الأوسط، أهم منطقة نفوذ أميركي، كان إتمام التصالح السعودي - الإيراني، ومن ثم ربما تريد واشنطن وضع كوابح أمام صعود السياسة السعودية في المنطقة، لا سيما أن السياسة الشرق أوسطية صارت خليجية بفعل الدبلوماسية السعودية والمبادرات. ومن ثم تريد واشنطن استمرار مناكفة إيران للمصالح السعودية من وقت لآخر، ومن جهة أخرى لا تريد استقرار الأوضاع في المنطقة لصالح ترسيخ الوجود الصيني بها، كما أن إيران من جهة أخرى لا تريد تغيير توازن القوى الإقليمي على نحو يؤسس لعلاقات عربية خليجية - إسرائيلية جيدة في مقابل إيران منعزلة إقليمياً.
ومن ثم لا تريد كل من واشنطن وطهران أن يميل توازن القوى الإقليمي لصالح السعودية ومعها الدول التي تستهدف بناء قدراتها الداخلية وتنويع اقتصاداتها والمنافسة عالمياً، وهذا هو جوهر العلاقة بين المهيمن العالمي والقوة الإقليمية الطامحة للنفوذ، الوفاق من أجل توازن قوى يمنع قيادة إقليمية جديدة، فتستمر ديناميكيات وتفاعلات الشرق الأوسط بين التأجيج والتبريد حول هدف الاستقرار الإقليمي.
إن الوفاق الأميركي - الإيراني الذي جعلهما يوظفانه لتحقيق المصالح المشتركة يوضح أن سياسة واشنطن الشرق أوسطية على رغم فشلها في بعض الجوانب الذي يعكس عدم قراءة حقيقية لواقع المنطقة، فإنه في الجانب الخاص بإيران يؤكد أنها توظفها من أجل التأثير في توازن القوى الإقليمي حتى في مواجهة حلفاء واشنطن التقليديين، بما يسمح لإيران بهامش الحركة والتأثير لمناوأة صعود القوى الإقليمية الأخرى على نحو يظل يهدد مصالحها.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء