Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حكاية هنري الثامن وعصره وزوجاته كما صورتها السينما

العبث البريطاني الساخر دنا من شخصية "الملك المزواج" مقابل السينما الأكثر جدية وتجاوباً مع التاريخ

تشارلز لوتون في دور "هنري الثامن" (موقع الفيلم)

ملخص

العبث البريطاني الساخر دنا من شخصية "الملك المزواج" مقابل السينما الأكثر جدية وتجاوباً مع التاريخ

لسنا ندري ما إذا كانت السينما الصامتة أنتجت عند بداياتها شرائط تدور من حول الملك هنري الثامن، أو من حول أي من زوجاته وخصوصاً آن بولين التي ربما كان العمل الخاص بها والمعنون "ابنة بولين الأخرى" - الذي حقق عند بدايات القرن الجديد في نسختين متتاليتين عن الرواية نفسها عامي 2003 و2008 في ظاهرة كانت لافتة من دون أن تبدو مبررة - لكن هناك بالتأكيد فيلماً أول هو تصوير لمسرحية شكسبير الحاملة حكاية ذلك المزواج واسمه عنواناً لها، حقق عام 1911، وسبق فيلماً ألمانيا صامتاً حقق عام 1920 عن زوجة هنري الثامن الثانية وعنوانه "آن بولين" تحديداً.

صحيح أن الفارق كبير بين عدد الأفلام التي روت حكاية نابليون بشكل أو بآخر (1000 فيلم تقريباً خلال قرن، منها 700 فيلم روائي بينها أفلام عديدة تعتبر تحفاً في مجال السيرة التاريخية)، وتلك التي دنت من حكاية هنري الثامن والتي لا يزيد عددها في نهاية الأمر على 60 فيلماً، لكن ثمة قاسماً مشتركاً بين الأعمال التي حققت عن كل من تينك الشخصيتين التاريخيتين وهو المستوى الرفيع لمن اختيروا للقيام بالأدوار الرئيسة ولا سيما هنا بالنسبة إلى هنري الثامن، الذي غالباً ما اقتبست السينما حكايته من مسرحية شكسبير، حتى وإن تم الاقتباس من طريق رواية كانت بدورها قد سارت على الخطى التي رسمها شكسبير نفسه للشخصية، كما اقتبست ملامح ذلك الملك "الاستثنائي في تاريخ إنجلترا" وملابسه وحتى "البله" الذي يلوح في نظرته، من تلك اللوحة الشهيرة التي رسمها له الألماني هولبين ميدانياً. وهي لوحة فيها من القبح إلى جانب البلاهة ما يدفع إلى التساؤل دائماً حول ما الذي لدى ذلك الشخص ما اجتذب إليه ما لا يقل عن ست من فاتنات عصرهن فتزوجنه واحدة بعد الأخرى، مما جعل ذلك "الافتتان" موضوعاً للحكاية التي "خلدها" شكسبير، وستكون في القرن الـ20 الأساس الذي بني عليه معظم الأفلام التي تناولت تلك الحكاية.

إجحاف في حق التاريخ

ومع ذلك ربما سيكون في مثل هذا التبسيط، حتى ولو كان مرجعه شكسبيرياً، إجحاف حقيقي في حق التاريخ. ففي نهاية الأمر من المؤكد أن زمن هنري الثامن وممارساته التي شهدت ذلك الانفصال التاريخي بين الكنيسة البابوية والعرش البريطاني - وسيقول لنا التاريخ، الشعبي على أية حال، إن جزءاً من دوافعه يتعلق بشهوات هنري الثامن النسائية - يحق لنا دائماً أن نعتقد أنه والحكاية الحقيقية لذلك الانفصال هما في حقيقتهما أكثر جدية من ذلك بكثير. وهو أمر ربما يؤكده لنا تناول معاصر أكثر جدية للحكاية ولا سيما في ما أقدم عليه هنري الثامن من إعدام المفكر الإنسانوي الكبير السير توماس مور - صاحب كتاب "اليوتوبيا" المعتبر من أهم الكتب المعروفة بـ"كتب المدن الفاضلة" - كما سنرى بعد سطور.

أما هنا فلنعد إلى السينما وتناولها حكاية هنري الثامن. فمنذ بداياتها لم تتوقف السينما، أميركية أو أوروبية، صامتة أو ناطقة، عن نقل حكاية من هنا أو أخرى من هناك، عن ذلك الملك أو عن عصره أو زوجاته أو مستشاره "القديس" توماس مور، ذلك أن هذا الموضوع، الذي كان شكسبير من بين الذين تعهدوه بقلمهم أواخر القرن الـ16 وبدايات القرن التالي له، وتحديداً في عصر إليزابيث الأولى، ابنة هنري الثامن ووريثته التي، ويا للمفارقة، سيعرفها التاريخ بلقب "الملكة العذراء" (!)، هذا الموضوع أغرى السينمائيين كثيراً، كما أغرى المسرحيين من قبلهم. واللافت أن كل فيلم أتى يحمل تفسيره الخاص، وتعمقه المختلف في أغوار الحكاية التي تتمدد أحياناً لتتناول قضية كبرى مثل انشقاق بريطانيا عن الكنيسة الكاثوليكية (كما كان حال فيلم "رجل كل العصور" الذي كتب له السيناريو روبرت بولت الذي كان اشتهر قبله بالسيناريو الذي كتبه لفيلم "لورانس العرب" من إخراج ديفيد لين)، وتتقلص أحياناً لتصبح مجرد حكاية تنافس بين الأختين آن وماري بولين (كما يفيدنا الفيلم الأحدث "ابنة بولين الأخرى" في نسختيه المتقاربتين زمنياً).

مكان للكوميديا

وبين الانفلاش والانكماش، ثمة لوائح تضم عادة ما لا يقل عن 25 فيلماً تتوخى متابعة المسار التاريخي لحياة هنري الثامن، وأحياناً حتى في قالب كوميدي كما حال فيلم "تابع مسارك يا هنري" الفيلم الذي يحمل الرقم 21 بين سلسلة أفلام "تابع مسارك..." الهزلية الإنجليزية التي ظهرت في الستينيات عبر ما لا يقل عن 620 حلقة أتت درساً أخاذاً في السخرية بخاصة من كل ما يلامس التاريخ والمجتمع الإنجليزيين. ولنذكر هنا أن بعض ردود الفعل على ذلك الفيلم أتى مناوئاً له ولسخريته من "الملك المزواج"، مما كشف حينها عن أن هنري كان لا يزال له مؤيدون ومعجبون في بلاده لم يزعجهم أن يشق كنيسة إنجلترا عن روما "كي يتزوج بأكبر عدد ممكن من النساء ويعدم بعضهن في برج لندن!". في نهاية الأمر يبدو لافتاً دائماً أن التفسير السينمائي لحياة هنري الثامن وممارساته الاجتماعية والسياسية والتاريخية أتى متراوحاً بين نزوع إلى إضفاء عمومية على تناولها الحكاية في أبعادها التاريخية وخصوصية تجعل منها نوعاً من النقد المبطن لحياة المجتمع الإنجليزي المعاصر.

ولئن كان من المتفق عليه أن فيلم فرد زينمان المأخوذ عن مسرحية وسيناريو روبرت بولت ("رجل لكل العصور") يظل الأفضل والأقوى ولا سيما أنه يخرج عن الإطار الخصوصي للحدث، ليصور بخاصة صراع الملك هنري الثامن مع مستشاره توماس مور، على خلفية - ولكن فقط على خلفية - طلاق الملك لزوجته الأولى (كاترين) وزواجه من آن بولين ثم إعدامها في عز تنافسها مع أختها على فؤاد هنري وفراشه، فإن واحداً من الأفلام التي سلكت حلاً وسطاً بين الانفلاش والانكماش، يظل "حياة هنري الثامن الخاصة" (1939) لألكسندر كوردا، وفيه لعب تشارلز لوتون (بأداء وصف حينها بالعبقري) دور الملك المزواج.

وهناك في عام 1969 فيلم آخر لا يقل قوة عن هذا، هو "آن الألف يوم" وفيه لعبت جنفياف بوجولد دور آن بولين. وإلى هذا حققت التلفزة البريطانية ما لا يقل عن ستة أعمال تحمل اسم "هنري الثامن"، واحد منها (عام 1979) مقتبس مباشرة من مسرحية شكسبير، وذلك ضمن إطار إنتاج المحطة للعدد الأكبر من مسرحيات شاعر الإنجليز الأكبر، في مبادرة اعتبرت حينها من أفضل إطلالات الصورة المتحركة على تلك المسرحيات حيث قام بالأدوار الرئيسة أكبر عدد ممكن من سادة التمثيل الشكسبيري في المسرح البريطاني. وتلك المجموعة لا تزال معتمدة حتى اليوم كمرجعية في مجال تعاطي السينما، حتى ولو كان في مقدورنا توصيفها بكونها تلفزيونية - مسرحية - مع المتن الشكسبيري.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

سينما القرن الـ16 الغنية

ولما كانت إليزابيث الأولى، هي ابنة هنري الثامن (التي ينتهي فيلم "ابنة بولين الأخرى" على صورة لها وهي طفلة تمرح، ليخبرنا أنها ستكون ملكة بريطانيا التالية طوال عقود من السنين)، لا بد أن نذكر أن هناك أفلاماً عدة تتحدث عن هذه الملكة "العذراء"، أجملها بالطبع الفيلمان الأخيران اللذان حققهما الهندي المقيم في إنجلترا شيكار كابور من بطولة كيت بلانشيت: "إليزابيث" (1998) و"إليزابيث: العصر الذهب" (2007). وهما على أية حال الفيلمان الكبيران والناجحان إلى حد كبير، اللذان أطلقا حقاً مسار بلانشيت المهني وهي التي كانت قد أتت حديثاً من مسقط رأسها الأسترالي لتجد الدرب مفتوحاً أمامها للتحول إلى مبدعة شكسبيرية كبيرة.

وهذا من دون أن ننسى مجموعة أفلام تتناول العصر نفسه، وغالباً من خلال روايات تنتمي اليه، أو من خلال سير أدباء وفنانين مثل شكسبير، بحيث إن ثمة اليوم، وبعد قرن من بدايات السينما، شبه فرع سينمائي يتناول شتى جوانب الحياة البريطانية في القرن الـ16، هو بهنري الثامن أو من دونه، الأغنى بين كل الأنواع السينمائية التاريخية، شكلاً ومضموناً.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة