Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

البقاء الأصعب... حين صار البتر إنقاذا لجرحى القطاع

كثير من الحالات أصابتها الغرغرينا وتسمم الدم بسبب القنابل المتشظية المنهمرة على غزة

أغلب الإصابات سببت تفتتاً للعضلات وتهتكاً للأوعية الدموية وتهشماً في العظام (اندبندنت عربية – مريم أبو دقة)

ملخص

قبل عملية البتر يضع الأطباء المصاب في غزة أمام خيارين صعبين إما قطع الأطراف أو الموت

وقف الطبيب تيسير أمام الصغيرة ولاء صامتاً ينظر في عينيها تارة ونحو طرفها المصاب بجروح وكسور تارة أخرى، فلقد كان حائراً في إيجاد طريقة يبلغها فيها بأنه يعتزم بتر قدمها القوية التي كانت تكيل بها الضربات في رياضة الكاراتيه.

أصيبت ولاء في قدمها جراء قصف إسرائيلي على منزل في جنوب غزة نزحت إليه من شمال القطاع، وعلى أثر ذلك نقلت لتلقي الرعاية الطبية في المستشفى، وخضعت لأكثر من ثلاث عمليات جراحية معقدة في طرفها الأيمن.

خياران كلاهما صعب

على رغم متابعة الأطباء المستمرة لحال ولاء، فإن وضع قدمها يزداد سوءاً، إذ أصيبت بالتهابات شديدة نتج منها غرغرينا بدأت تمتد إلى منطقة الفخذ، وعجز العاملون الصحيون الذين يفتقدون العلاجات عن وقف تفشي المرض في جسدها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

جلس الطبيب بجانب ولاء وأخذ يشرح لها، "تعانين ألماً شديداً، أليس كذلك؟ حتى المسكنات القوية لا توقف الوجع، وكل يوم يزداد وضعك سوءاً وهذا شيء خطر، إذا بقي الوضع على ما هو عليه ستفقدين حياتك خلال أيام، انظري إلى نفسك كيف تبدين، إنك في مرحلة النزع".

وصمت الطبيب قليلاً وأكمل، "آسف يا عزيزتي، من الجيد أن نفكر بطريقة تنقذ روحك، لذلك رأى الأطباء أنه يتوجب بتر ساقك، وقبل أن تتحدثي بشيء فإن هذا الخيار المؤلم أفضل من الموت المحقق".

تساقطت دموع ولاء، وبصوت خافت به حشرجة قالت، "دعني أفكر بالأمر وسأرد عليك خلال ساعة"، وهكذا تقرر الفتاة مصير حياتها في 60 دقيقة، بينما خياران صعبان للغاية يلوحان أمامها كلاهما مر.

الواقع أن 99 في المئة من الإصابات التي تسببها الغارات الإسرائيلية وتصل إلى المستشفيات تتطلب مراجعة أطباء متخصصين في جراحة الأوعية الدموية، لكن عددهم قليل جداً في غزة.

يقول تيسير، "الإصابات التي عاينتها كانت خطرة جداً، حيث فوجئنا للمرة الأولى بوجود كثير من الشظايا داخل الجروح، وهذا شيء يفهمه الخبراء العسكريون".

يوضح أستاذ العلوم العسكرية إسلام شهوان، أن إسرائيل تستخدم القنابل المتشظية، وهي متفجرات مميتة بشكل خاص، إذ تنفجر عند الاصطدام لتتحول إلى وابل من الشظايا المعدنية الصغيرة جداً والسريعة الحركة، وعادة تكون مخلوطة بمادة الألمنيوم التي تسبب تسمم الدم.

 

 

لكن تيسير يؤكد أن "تلك الإصابة تسبب مضاعفات صحية صعبة جداً للجريح، مثل ضعف التروية الدموية للطرف مما يتسبب بآلام شديدة له قد تحتاج عمليات مستقبلية، فضلاً عن ضعف العضلات، وقطع للأعصاب التي تفقد المصاب الإحساس مما يضعه في حال إعاقة مزمنة".

ويتابع، "أغلب الإصابات في منطقة الأطراف السفلية سببت تفتتاً للعضلات وتهتكاً للأوعية الدموية وتهشماً في العظام التي تحمي الأطراف، في هذه الحال يبذل الطبيب جهده وهو يدرك أن لا خيار أمامه سوى البتر".

ويشير تيسير إلى أن الأطراف السفلية هي منطقة التجمع العصبي، وإصابتها كفيلة بإعاقة الحركة بشكل تام للمصاب، لافتاً إلى أن عملية بتر الأطراف تتم بعد خضوع المصاب لعمليات عدة في محاولة لتجنيبه ذلك الخيار الصعب.

يعلم الطبيب أن البتر خيار صعب لكنه يؤكد أنه حل ينقذ حياة المصابين الذين لديهم قطع كامل في الأوعية الدموية، وأولئك الذين يعانون تسمماً في الدم "الإنتان"، والذين يصابون بالتهابات شديدة على رغم خضوعهم لعمليات جراحية معقدة ومتعددة.

قرار البقاء حياً

انتهت الـ60 دقيقة، وجاء رد ولاء بأنها اختارت فرصة للبقاء على قيد الحياة، ووافقت على بتر قدمها من تحت الركبة بمقدار 15 سنتيمتراً. تؤكد الفتاة أنه أصعب قرار اتخذته في حياتها، "سأكمل عمري بطرف صناعية، ربما تكون طريق النجاة".

بعد بتر ساقها انقلبت حياة ولاء رأساً على عقب، تضيف "كنت أحب لعب الكاراتيه، وهذه الرياضة تعتمد على حركة الأقدام، لكن للأسف لن أمارسها بعد اليوم أو أشارك في بطولات وأنا بطرف واحد".

 

 

صرخت الفتاة بأعلى صوتها، لكنها سريعاً تماسكت نفسها، تشير إلى أنها أصبحت تحتاج إلى مساعد إذا أرادت أن تخطو خطوة أو أن تذهب إلى أي مكان، وهذا الشيء أكثر ما يجعلها حزينة.

وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن عمليات بتر الأطراف باتت شائعة في غزة نتيجة الحرب، وبعضها يجري من دون تخدير، ويؤكد شون كيسي المسؤول في منظمة الصحة العالمية، أنه "في كثير من الحالات كان من الممكن إنقاذ الأطراف بالعلاج المناسب، لكن نتيجة عدم توافره أصبح البتر خياراً للأطباء بدل موت المريض".

ويضيف كيسي، "قد يموت الجرحى بسبب العدوى التي يصابون بها لأن أطرافهم مصابة، رأينا مرضى مصابين بتسمم الدم والغرغرينا".

ويلاحق شبح الإعاقة أغلب الجرحى الفلسطينيين الذين تزيد أعدادهم على 55 ألف مصاب، ومن بينهم رأفت الذي أصيب بجروح خطرة في منطقة الكاحل، وتعرض لقطع في شرايين ساقه بسبب كتلة من الأسمنت سقطت عليها.

يقول رأفت، "تغير لون قدمي بعد يومين من الإصابة، واكتشف الأطباء أن هناك شظايا كانت تسمم دمي وهو ما يسمى الإنتان، وقالوا لي إن حياتي على المحك، فإما البتر أو الموت البطيء مع الألم المستمر، فاخترت الخيار الأول".

تمت عملية بتر ساق رأفت، لكنه لا يزال يعاني ألماً حاداً ولا يستطيع النوم من دون أدوية مهدئة، ويأمل في أن تنتهي الحرب من أجل السفر لتركيب طرف صناعي يساعده على السير مجدداً على قدميه.

وبحسب مستشفى "المعمداني" فإنه جرى في أروقتها بتر أطراف 900 طفل في غضون أسبوعين، وجميع هؤلاء تم وضعهم أمام خيارين، إما الموت أو قص عظمة الفخذ التي تعد أقوى عظام الجسم، نظراً إلى قلة العلاج وعدم وجود أطباء متخصصين بجراحة الأوعية الدموية.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات