ملخص
من هم ملوك الشرق هؤلاء الذين جاءوا لزيارة طفل المغارة؟ وما قصة النجم الذي كان يتقدمهم وحقيقته التي اختلف حولها العلماء؟
"ولما ولد يسوع في بيت لحم اليهودية في أيام هيرودس الملك، إذا بمجوس قد جاءوا من الشرق قائلين أين هو المولود ملك اليهود، فإننا رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له".
هذا هو النص المفتاحي، الذي ورد في إنجيل القديس متى (الإصحاح الثاني الأعداد من 1-2)، ويتحدث عن واحدة من القصص الغريبة التي جرت في زمن ميلاد السيد المسيح، وتمثلت في زوار من بلاد بعيدة، جاءوا ليزوروا الطفل المولود، وأحضروا معهم هدايا ثمينة، بعد أن قطعوا مسافة طويلة جداً، ربما تطلب منهم الأمر سفر أشهر كي يبلغوها، وهناك سألوا الملك اليهودي هيرودس عن زمان ومكان الميلاد، لكنه لم يكن يعلم.
أسئلة مثيرة عدة تقابلنا في بحثنا عن هوية هؤلاء المجوس، الذين يظهرون عادة في مغارة الميلاد، في شكل ملوك أصحاب بشرة سمراء، حاملين في أياديهم ما يبدو أنه هدايا يقدمونها للطفل الوليد للتو.
من هم هؤلاء المجوس؟ أكانوا سحرة وعرافين أم علماء فلك؟ ومن أين جاءوا على وجه التحديد؟ وما قصة النجم المثير والكبير الذي ظهر في بلادهم ثم مضوا من ورائه يقطعون آلاف الكيلومترات حتى وصل إلى موضع الميلاد؟ ولماذا عاد بهم من طريق آخر إلى بلادهم؟
عديد من التساؤلات الغريبة والعجيبة التي تخطر على التفكير، نحاول معالجتها في هذه القراءة ضمن إطلالة تاريخية وليست دينية أو لاهوتية على هذا الحدث الذي لم يتكرر في مسار البشرية ومسيرتها.
المختلف عليهم
يبدو من الواضح للغاية أن هناك علاقة لغوية ما بين لفظ "مجوس" وكلمة Magi باللغة الإنجليزية التي تعتبر مصدر كلمة Magic أي سحر، من ثم فإنه يمكن اعتبار هؤلاء سحرة.
غير أن التدقيق في البحث يقودنا إلى معرفة كونهم حكماء وجدوا في مملكة بابل قبل حدوث الميلاد بمئات السنين، وكانوا يسكنون مملكة "مادي وفارس"، وجاء ذكرهم في كتابات "دانيال النبي" الذي عاصر زمن السبي البابلي (597 - 538 قبل الميلاد).
لم يكن هؤلاء عرافين ومنجمين ولاعبي أوراق، كما يعرف عن السحر والسحرة في حاضرات أيامنا، بل كانوا علماء ودارسين للفلك وحركة النجوم، وهو ما اشتهرت به بالفعل حضارة تلك المنطقة من العالم، حيث الأشوريون والكلدانيون وما نحو بلاد فارس التي كانت جغرافياً تتسع على المسمى الضيق الخاص بإيران في أيامنا.
تعني كلمة Magi في اللغة الفارسية كاهناً. ويقول المؤرخ فيلون الإسكندري (20 قبل الميلاد)، إنهم رجال بذلوا حياتهم في دراسة الطبيعة والتأمل في الكمال الإلهي، ولهذا باتوا جديرين بأن يكونوا مستشارين للملوك، وقد عرف عنهم ثراؤهم الفاحش.
وفي بعض المراجع نجد أنهم كانوا يشغلون موقع وموضع مستشاري الملوك، فحال أراد الملك معرفة أي شيء، أو تطلع للحصول على نصيحة جديدة فإن ملجأه الطبيعي وأول من يقصد كان هؤلاء المجوس.
وفي موضع بحثي آخر نجد تشديداً على أنهم كانوا "كهنة زرادشت" مؤسس الديانة الزرادشتية في بلاد فارس (1500 - 650 قبل الميلاد) وكانوا معروفين بلباسهم الخاص، وسكناهم المنفرد عن بقية الناس، وفي الوقت عينه مثلوا عصب علماء الأمة الفارسية، يعلمون الفلسفة والفلك، كما اشتغلوا بالتنجيم ورصد حركات النجوم وعلاقتها بأحداث الأرض.
على أن السؤال المهم في هذه القراءة كيف علم هؤلاء المجوس بفكرة مولد السيد المسيح، ومكان ميلاده؟ وما الدليل الذي قادهم للوصول إلى مدينة بيت لحم حيث ولد المسيح بحسب الروايات الإنجيلية؟
السبي البابلي ونبوءة بلعام
تبدو هناك أكثر من رواية حول معرفة هؤلاء المجوس بمكان وزمان المسيح، الأولى لها علاقة بزمن السبي البابلي، بمعنى أن هؤلاء العلماء قد عرفوا من اليهود حين كانوا في الأسر أخبار مولد المسيح، ويعزز هذا الرأي أن دانيال الذي يعد أحد أنبياء بني إسرائيل، وصاحب سفر من أسفار العهد القديم "التوراة" قد شغل في وقت معين أثناء ذلك السبي رئيساً لهؤلاء المجوس، وقد كتب نبوءة جاء فيها "إنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع و62 أسبوعاً"، أي نحو 490 عاماً حين يحسب اليوم بعام، وبناء على هذه المعرفة كانوا ينتظرون مجيئه في تلك الأيام، ولذا ظهر لهم علامة مجيئه في شكل نجم.
الرواية الثانية تقودنا إليها كتابات المؤرخ الفلسطيني الأصل يوسابيوس القيصري أسقف قيصرية (265 - 339)، الذي يرى أن هؤلاء المجوس هم من نسل رجل يدعى بلعام بن بعور الذي استدعاه الموابيون لكي يلعن بني إسرائيل، فنطق بنبوءة عن مجيء المسيح قال فيها "أراه ولكن ليس الآن، أبصره ولكن ليس قريباً، يبرز كوكب من يعقوب ويقوم قضيب من إسرائيل، فيحطم طرفي موآب، ويهلك بني الوغى"، ولذلك كانوا يراقبون النجوم ويعتقدون أن كوكباً سيظهر عند ميلاده بظهور هذا النور العجيب.
من أين جاء المجوس وكم عددهم؟
هذا التساؤل أكثر إثارة، ذلك أن الإنجيل وفي رواية متى البشير، لم يقدم له إجابة شافية وافية عن الموقع أو الموضع الذي جاءوا منه، بل اكتفى بالقول "إنهم من المشرق".
والشاهد أن اليهود كانوا يعتبرون الشرق منطقة واسعة تمتد من شمال الجزيرة العربية وسوريا وبلاد ما بين النهرين.
وهناك مراجع عدة في العهد القديم تشير إلى أن منطقة الشرق تقع في مدينة حاران في بلاد ما بين النهرين، لذلك فقد يكون المجوس قد بدأوا سفرهم من الشرق أي من نواحي إيران والعراق اليوم.
وعلى رغم ذلك يظل هناك نوع من الالتباس حول مكان مجيء هؤلاء، فهل كانوا هم في الأصل من بلاد الشرق أم أنهم رأوا النجم في جهة الشرق؟
الأمر يبدو غير واضح، حتى إن اللغة الأصلية لا تساعدنا على التمييز بين هذين المعنيين، وهو أمر يتفق عليه المتخصصون باللغة اليونانية، ولهذا يرجح نفر كبير أن المشرق يشير إلى النجم وليس إلى مكان وجود المجوس.
تبدو المسألة يسيرة، ذلك أن جميع الكواكب التي في السماء تشرق من جهة الشرق، وذلك يرجع إلى أن كوكب الأرض يدور حول محوره باتجاه يجعل من جميع هذه الأجرام السماوية تظهر كما لو أنها تخرج أو تشرق من الشرق، ولعل الجزئية الأخرى المثيرة في الحديث عن هؤلاء المجوس، موصولة بعددهم وكم كانوا يبلغون؟
ثلاثة أشخاص
المؤكد أن الإنجيل لا يتحدث عن عددهم أبداً، وعلى رغم ذلك يظن كثر أنهم كانوا ثلاثة أشخاص فقط لا غير، وهو انطباع يبدو تركته صور كروت الأعياد الخاصة بالتهنئة، حينما صورت المشهد في شكل ثلاثة أشخاص يمتطون جمالهم، والنجم يتقدمهم حتى وقف فوق بيت لحم.
على أن الأبحاث الحديثة المعمقة تأخذنا إلى فكرة الإشارة إلى هؤلاء المجوس بصيغة الجمع، مما يعني أنهم كانوا كثرة وليسوا ثلاثة فقط.
هنا فإن بعض الدراسات تخبرنا أن المجوس كانوا مثل أصحاب الإقطاعيات الخاصة في أوروبا القرون الوسطى، بمعنى أنهم كانوا يمتلكون جيوشاً صغيرة خاصة لحمايتهم، وخداماً يقومون على تلبية حاجاتهم، ولا يمكن تصور تحرك ثلاثة أفراد منهم، على هذه الدرجة من الأهمية، بمفردهم لقطع مسافة تحتاج إلى بضعة أشهر بمفردهم.
الأمر الآخر الذي يزيد من غموض قصة المجوس، ويقطع بأن ما نعرفه عنهم يقع في دائرة الرمز وليس مطلقية المشهد وحقيقته بالحرف، هو أن المجوس لم يكونوا من الذين يركبون الجمال بالمرة، وإنما كانت طبيعتهم تميل إلى امتطاء الجياد، وعالم الجياد يعرف الكثرة بدوره، ومن هنا يمكن تصور عدد المجوس في حدود العشرات، ما بين كبار علمائهم الذين جاءوا ليتأكدوا من الحدث ويقدموا فروض المودة، ومواليهم وأتباعهم، ضمن ناقلات تتسق وما كان معروفاً في ذلك الزمان.
يقول النص الإنجيلي إن المجوس سألوا هيرودس ملك اليهود عن موضع الطفل المولود، غير أنه حين شاهد موكبهم وشخصياتهم النافذة في مجتمعاتهم، وسمع قولهم إن المولود سيكون ملك اليهود "اضطرب وجميع أورشليم معه".
أبعد من ذلك فقد طلب منهم أن يخبروه بمكان الميلاد حال معرفتهم، بحجة أنه ينوي بدوره الذهاب والسجود له، في حين أن نيته كانت قتله، وهو ما حدث بعد ذلك، إذ أمر بقتل كل طفل من سن يوم واحد إلى سنتين، لضمان ألا يشاركه أحد في الحكم.
هذا الاضطراب يعني أنهم كانوا جمهرة تتسق وإمكانات السفر واستعداداته في ذلك الزمان.
النجم المثير
في قصة المجوس كثير جداً من الأسرار التي لم تفك شفراتها إلى اليوم، على رغم الأوراق والأبحاث العديدة التي قدمت إلى يومنا هذا، ومنها قصة النجم الذي ظهر في المشرق وتبعه المجوس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
منذ نحو 2000 عام وحتى اليوم لا يزال هذا النجم يمثل تساؤلاً محيراً لعلماء الفلك والتاريخ على حد سواء، والتساؤلات لا تنقطع عما كان وهويته وتاريخه، وهل كان مذنباً أم سوبرنوفاً، أي نجم يتألق فجأة بأضواء لامعة غير اعتيادية؟
قبل بضعة أعوام نشرت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية تحقيقاً عن هذا النجم أثار دهشة كثر حول العالم، ذلك أن التحقيق أشار إلى أنها لم تكن نجمة من الأصل، بل عبارة عن حدث فلكي مميز جرى في السنة السادسة قبل التاريخ الميلادي، وبالتحديد ليل الـ17 من أبريل (نيسان)، على وجه التحديد، تلك الليلة التي شهدت تقارب القمر والمشتري، وزحل والشمس، في مجاورة كوكبية نادرة في فلك برج الحمل.
وعلى مدى 10 أعوام، عكف البروفيسور الأميركي غرانت ماثيو وهو متخصص الفيزياء الفلكية وعلم الكونيات في جامعة نوتردام الأميركية، على دراسة هذا النجم، وكان التساؤل الذي سار من ورائه هو "إذا كان الكون حافلاً بمليارات النجوم، فأيها ذاك الذي سطع بمثل تلك القوة في زمن الميلاد واعتبره علماء الفلك في المشرق مرشداً لهم في الطريق، حتى وصولهم إلى بيت لحم؟".
يؤكد البروفيسور الأميركي ماثيو في كتاباته أن الفيزياء الفلكية الحديثة طريقة العلماء في شرح أحداث الماضي الفلكية الكبيرة، وقد خلص بعد عقد من دراسة أبعاد ذلك النجم، أن الأمر كان بمثابة ظاهرة فلكية مثيرة للتفكر والتدبر ونادرة الحدوث، فقد اصطفت الشمس مع المشتري والقمر مع زحل في برج الحمل، بينما كان كوكب الزهرة في برج الحوت، وكوكبا عطارد والمريخ في الجهة الأخرى من برج الثور، مما يصعب تكراره حتى بعد 500 ألف سنة.
أما البروفيسور وليام باركلي، من جامعة غلاسكو البريطانية، فيشير في بعض كتاباته إلى أن هذا النجم كان يعرف باسم "ميزوري"، أي "مولد أمير"، وهي الإشارة التي فهمها هؤلاء المجوس.
أما عالمة الفلك الألمانية ساندرا فوغل فتميل إلى فكرة حدوث انفجار نجم، أي السوبرنوفا، وتقول "إن البرق الناجم عن هذا الانفجار سيجعل الليل نهاراً والسحابة المضيئة التي تتشكل من بقايا انفجار النجم ستضيء السماء لأسابيع عدة"، غير أنها في الوقت ذاته تسارع إلى نفي حدوث سوبرنوفا قبل 2000 عام وتقول "لم يعثر علماء الفلك على أي دليل يشير إلى حدوث سوبرنوفا قبل نحو 2000 عام".
وفي كل الأحوال فإن هناك علماء كثراً يشككون في قصة وجود كوكبين أو أكثر في موقعين قريبين من بعضهما بعضاً، وعلى رغم ذلك لا ينكرون ظهور هذا النجم الساطع، وإن لم يتفقوا حتى الساعة على التفسير أو التحليل العلمي المؤكد بالنسبة إليه.
هل تنتهي أسئلة المجوس عند هذا الحد، أم لا تزال القصة مليئة بالتفاصيل المثيرة والعجيبة مما يعني أن البحث لا بد من أن يمضي قدماً لسبر أغوار المشهد؟
هدايا المجوس
تبدو التفاصيل مهمة للغاية، والقصة أعمق من أن نلم بها في قصة تقدم في يوم الكريسماس.
حين مضى المجوس من بلادهم كان هناك لغط بين أورشليم وبيت لحم، لا سيما أن المسافة بينهما لا تتجاوز ستة أميال (9.7 كيلومتر)، ومن هنا أخطأوا الطريق أول الأمر، لكن لاحقاً بدا وكأن النجم يقودهم من جديد إلى أن جاء فوق مدينة بيت لحم ووقف هناك، ووقتها عرفوا أن الطفل المولود والأمير المقصود، قد حل فوق هذه البقعة من الأرض المقدسة.
لا نعلم الطريقة التي استدلوا بها على الموضع المحدد الذي وجدوا فيه الطفل وأمه مريم، لكن النص الإنجيلي يخبرنا أنهم حين دخلوا إلى موقع الميلاد، سجدوا له، والفعل هنا مثير جداً وغريب، لا سيما أن المجوس كانوا يسجدون لآلهتهم فقط، فما الذي يدعوهم إلى السجود لطفل غريب من عرق آخر مغاير؟
مهما يكن من أمر التساؤل، فإن ما جرى بعد ذلك أنهم قدموا له هداياهم، وكانت ذهباً ولباناً ومراً، وهي هدايا تحمل إشارات رمزية أكثر من كونها مجرد عطايا لطفل وليد يحتاج إلى القمط أو الغذاء، وربما بعض عملات محلية متداولة تيسر من حياة والديه الفقيرة.
فكرة تاريخية
هناك روايات تاريخية أكثر إثارة منها القول إن تلك الهدايا لا تزال موجودة بالفعل ومحفوظة بورع كبير في دير القديس بولس في الجبل المقدس "أثوس" في اليونان.
تتضمن الهدايا نحو 28 سبيكة ذهبية مزخرفة وبأشكال متنوعة، أبعاد كل واحدة منها 5.7 سم تقريباً، لها شكلها الخاص وزخرفتها وعملها الدقيق.
أما اللبان وهو المادة الخام للبخور والمر فقد حفظا بشكل أحجام كروية وعددها 70 كرة بحجم حبة الزيتون.
لا تقدر هذه الهدايا بثمن، وهي محفوظة باهتمام بالغ في صناديق ذخائر، لكن السؤال كيف وصلت إلى هذا الموضوع بعد نحو 2000 عام من قيام المجوس بتقديمها للطفل المولود؟
هنا نعود إلى ما يقوله التقليد المسيحي أي روايات السلف الصالح، وفيها أن السيدة العذراء احتفظت بهذه الهدايا إلى حين رقادها، وقبل وداعها أعطت هذه الهدايا مع ثيابها وزنارها إلى كنيسة أورشليم حيث بقيت هذه الأشياء هناك حتى عام 400 ميلادية تقريباً.
خلال تلك الفترة نقلها الإمبراطور أركاديوس إلى القسطنطينية لتقديس الشعب ولكي تحفظ المدينة أيضاً، حيث بقيت هناك حتى سقوطها بيد الإفرنج عام 1204، هكذا ولمدة 60 عاماً تقريباً نقلت لأجل الأمان مع كنوز أخرى موروثة إلى نيقية، التي صارت عاصمة للدولة البيزنطية بعد سقوط القسطنطينية في يد الصليبيين على عهد الملك ميخائيل بالولوغوس، ثم عادت الهدايا المقدسة إلى القسطنطينية حيث حفظت حتى سيطرة الدولة العثمانية عام 1453.
بعد فتح القسطنطينية قامت الملكة مارو، وقد كانت مسيحية تقية من أصل صربي، وهي أم السلطان محمد الفاتح، بنقل هذه الهدايا شخصياً إلى موضعها الموجودة فيه حتى الساعة في اليونان، في دير القديس بولس، وهناك مرويات كثيرة عن عدم مقدرة الملكة مارو الدخول إلى الجبل بنفسها، إذ إنه يمتنع أن تطأه قدم امرأة حتى الساعة، وأنها في ذلك المكان سلمت هدايا المجوس إلى الرهبان، الذين أقاموا نصباً تذكارياً في مكان التسلم لا يزال قائماً إلى اليوم يعرف بـ"صليب الملكة"، كما أنه يوجد في الدير التوقيع الملكي مع أخبار عن تسليم الهدايا محفوظة ضمن مخطوطات.
على أن رواية أخرى للكاتب فالتون أورسلر تقول إن بعضاً من تلك الهدايا، لا سيما الذهب، قد تمت الاستعانة به على شؤون الحياة للعائلة المقدسة وهي في طريق هربها من هيرودس.
ولعل السؤال الأخير قبل الانصراف هل خدع هؤلاء المجوس الملك اليهودي؟ وماذا عن دور النجم عينه في عملية الخداع هذه؟
قبل الجواب المباشر، يبدو أنه لا بد من رجعة إلى هيرودس ملك اليهودية، فقد سأل المجوس أن يعرفوه مكان وزمان الصبي المولود، بحجة تقديم الإكرام له، غير أن نيته الحقيقية كانت الخلاص منه.
في هذه الأوقات تبخرت معالم النجمة، مما يعني أن هناك من لم يرد لهيرودس أن يعرف أي شيء عن الميلاد العذراوي الذي جرت به المقادير الإلهية.
هنا تقابلنا علامة استفهام أكثر إثارة كيف عرف المجوس نوايا هيرودس؟ ولهذا لم يرجعوا إليه أول الأمر، وكيف استدلوا على الطريق إلى بلادهم بعد أن غاب نجم الميلاد عنهم؟
تبدو الأسئلة عميقة للغاية، وفي حاجة إلى كثير من البحث والدرس، وإن كان النص الإنجيلي يخبرنا أن ملاك السماء تراءى للمجوس في الحلم، وأخبرهم أن لا يرجعوا من الطريق الذي جاءوا منه، بل أن يمضوا في طريق آخر، لماذا؟
غالب الظن أن هيرودس ربما أضمر لهم هم أنفسهم أول الأمر شراً مستطيراً، وقد أدركوا أنه يرى في طفل بيت لحم المولود حديثاً منافساً، وسيعمد إلى قتله، وهذا ما حدث بالفعل حين قتل الآلاف من أطفال هذه المدينة الحزينة، وعليه فقد جاءت لهم الرسالة السماوية بالعودة إلى بلادهم عبر طريق آخر.